عیون الانظار المجلد 3

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

ص: 2

عُیونُ الأَنظار

(المجلد الثالث)

مباحث الألفاظ: القسم الثانی

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الثالث: «المفاهیم»

تمهید مقدمات / 21

المقدمة الأولی: فی کلمة المفهوم. 21

المطلب الأوّل: المراد من کلمة المفهوم فی هذا البحث... 21

المطلب الثانی: تعریف المفهوم. 22

القول الأوّل: 23

القول الثانی: 25

المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجّیته؟. 27

المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة. 28

المطلب الأوّل: تعریف هذه الدلالات الثلاث... 28

أمّا دلالة الاقتضاء: 28

أمّا دلالة التنبیه و الإیماء: 29

أمّا دلالة الإشارة: 29

المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟. 30

المقدمة الرابعة: فی أنّ المسألة أُصولیة أو غیرها و أنّها لفظیة أو عقلیة؟. 33

المطلب الأوّل: هل المسألة أُصولیة أو لا؟. 33

ص: 5

المطلب الثانی: هل المسألة لفظیة أو عقلیة؟. 33

الفصل الأول: مفهوم الشرط / 35

المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط.. 43

الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط: من طریق العلیة المنحصرة. 43

أمّا الرکن الأول: 44

أمّا الرکن الثانی.. 45

أمّا الرکن الثالث: 49

أما الرکن الرابع: 52

الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط: 76

مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق: 76

بیان العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی (قدس سره): 77

الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط: 78

مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة: 78

الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط: 81

المقدمة: 81

الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط: 84

المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط.. 88

الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) 88

الوجه الثانی: 89

الوجه الثالث: عن السید المرتضی (قدس سره) 90

التنبیه الأول: هل المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم أو شخص الحکم؟. 97

المطلب الأوّل: فی أنّ مفاد المفهوم انتفاء سنخ الحکم. 97

المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً 99

الأوّل: مسلک الشیخ الأنصاری (قدس سره) 99

الثانی: مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) 100

الثالث: مسلک المحقق النائینی (قدس سره) 101

الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) 102

الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره) 103

ص: 6

التنبیه الثانی: فیما إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء. 105

أما الوجه الأوّل: 109

أما الوجه الثانی: 111

أما الوجه الثالث: 113

أما الوجه الرابع: 115

أما الوجه الخامس: 118

التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات... 121

المطلب الأوّل: تداخل الأسباب... 122

الجهة الأُولی: 122

الجهة الثانیة: الأقوال فی المقام. 131

الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلّة. 134

الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المقام. 141

المطلب الثانی: تداخل المسبّباب... 143

الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل. 143

الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة. 144

الفصل الثانی:مفهوم الوصف / 151

المقدمة الأُولی: محل النزاع.. 153

المقدّمة الثانیة: 153

الأقوال فی المسألة أربعة: 155

القول الأوّل: دلالة الوصف علی المفهوم. 155

أدلّة القول الأول: 156

القول الثانی: عدم دلالة الوصف علی المفهوم. 162

دلیل القول الثانی: 163

القول الثالث: تفصیل العلامة الحلّی (قدس سره) 164

دلیل القول الثالث... 164

القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) 165

دلیل القول الرابع: 165

القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه. 168

ص: 7

الفصل الثالث: مفهوم الغایة / 175

المقام الأوّل:هل تدلّ الغایة علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟. 178

القول الأوّل: 178

القول الثانی: 179

القول الثالث: 180

القول الرابع: 181

القول الخامس: 182

أدلّة الأقوال و مناقشتها 184

أمّا الدلیل علی القول الأول و الثانی و الکلام حولهما: 184

أمّا الدلیل علی القول الثالث: 184

بیان القول الرابع و الدلیل علیه: 186

بیان القول الخامس و الدلیل علیه: 187

المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟. 191

القول الأول: عدم دخول الغایة فی المغیی.. 191

القول الثانی: دخول الغایة فی المغیی.. 192

القول الثالث: 193

القول الرابع: 194

القول الخامس: 195

القول السادس... 196

أما ذکر الأدلّة و مناقشتها 200

دلیل صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأول: 200

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی القول الأول: 200

الفصل الرابع: مفهوم الحصر / 203

أما کلمة «إلاّ». 206

المطلب الأوّل: دلالتها علی المفهوم. 206

المطلب الثانی: 207

المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟. 208

ص: 8

أما کلمة «إنّما». 210

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد / 215

البحث الرابع: العامّ و الخاصّ

الفصل الأول: تعریف العام و أقسامه / 227

أما تعریف العامّ. 229

التعریف الأوّل: 229

التعریف الثانی: 230

التعریف الثالث: 231

التعریف الرابع: 231

التعریف الخامس: 232

التعریف السادس: 233

التعریف السابع: 233

التعریف الثامن: 234

أما أقسام العامّ: ففیه ثلاثة مطالب... 235

المطلب الأوّل: 235

المطلب الثانی: الفرق بین العامّ و المطلق الشمولی.. 236

المطلب الثالث: الفرق بین العامّ و لفظ «عشرة» و نظائرها 237

الفصل الثانی: ألفاظ العموم / 239

الأمر الأوّل: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟. 242

و استدل علی إنکار الوضع بوجهین: 242

الوجه الأوّل: 242

الوجه الثانی: 243

الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم. 244

المورد الأول: لفظ «کلّ». 244

المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی.. 246

ص: 9

المسألة الأولی: هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟ 246

المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟ 248

المورد الثالث: الجمع المحلّی ب- «أل» و المفرد المحلّی ب- «أل». 250

القول الأوّل: 250

استدلال صاحب الکفایة (قدس سره): 251

القول الثانی: 251

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص / 253

الأمر الأوّل: هل العام المخصَّص مجاز أو لا؟. 257

الأمر الثانی: هل العام المخصَّص حجة فی الباقی أو لا؟. 259

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام / 261

المقام الأوّل: الشبهة المفهومیة. 265

الصورة الأُولی: المخصّص المتّصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر.. 265

الصورة الثانیة: المخصّص المتّصل المردّد بین المتباینین.. 265

الصورة الثالثة: المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر.. 265

القول الأول: 266

القول الثانی: 266

القول الثالث: 267

الصورة الرابعة: المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین.. 272

المقام الثانی: الشبهة المصداقیة. 273

الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً 276

المخصّص اللفظی المتّصل: 276

المخصّص اللفظی المنفصل: 276

الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً 279

النظریة الأُولی: 279

النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 279

النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 281

النظریة الرابعة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 283

ص: 10

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی / 287

الأمر الأوّل: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟. 289

آراء الأعلام فی هذه المسألة: 290

الأوّل: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) 290

الثانی: استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی التعنون. 292

الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره) 293

الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره) 294

الخامس: استدلال بعض الأساطین علی التعنون. 295

الأمر الثانی:ما الأصل العملی إذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟. 297

المطلب الأوّل: الأصل العملی إمّا موضوعی و إمّا حکمی.. 297

المطلب الثانی: قد یکون الأصلُ الموضوعی استصحاب العدم الأزلی.. 297

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 298

الأوّل: محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره) 298

الثانی: بیان نظریته (قدس سره) 299

الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی جریان استصحاب العدم الأزلی.. 299

النظریة الثانیة: ما اختاره المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 304

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین بمقدماتها الخمس... 305

المقدّمة الأُولی: 305

المقدّمة الثانیة: 306

المقدّمة الثالثة: 306

المقدّمة الرابعة: 307

المقدّمة الخامسة: 307

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الثلاث... 308

المقدّمة الأُولی: 309

المقدّمة الثانیة: 310

المقدّمة الثالثة: 311

النظریة الخامسة: ما اختاره المحقّق العراقی (قدس سره) 312

التنبیه الأوّل: 317

ص: 11

التنبیه الثانی: 319

القول الأوّل: 319

القول الثانی: 319

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص / 321

مقدّمة: 325

نظریة المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما): 325

الأمر الأوّل: 328

الدلیل الأوّل: 329

الدلیل الثانی: 330

الدلیل الثالث: 331

الدلیل الرابع: 335

الدلیل الخامس: 336

الدلیل السادس: 337

الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم. 340

الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟ / 343

الأمر الأوّل: إمکان تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب... 346

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): 346

الأمر الثانی: إمکان مخاطبة الغائبین و المعدومین.. 349

قول المحقّق الخراسانی (قدس سره): 349

تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المقام: 349

الأمر الثالث: عموم الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائبین و المعدومین.. 351

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره): 351

التنبیه الأوّل: فی تفصیل أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 353

التنبیه الثانی: ثمرة البحث... 354

ص: 12

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده / 355

أقوال فی المسألة. 359

القول الأوّل: 359

استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأوّل: 359

دلیل آخر علی القول الأوّل: 363

تذییل المحقّق الخوئی (قدس سره) علی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 363

القول الثانی: 364

دلیل القول الثانی: 365

القول الثالث: 367

دلیل القول الثالث: 367

الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم / 369

المقدّمة: بیان المحقق النائینی (قدس سره): 371

هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف؟. 376

القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم. 377

القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ. 378

الوجه الأوّل: 378

الوجه الثانی: 379

القول الثالث: التفصیل الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 379

القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) 381

الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل / 385

القول الأوّل: 388

القول الثانی: 388

القول الثالث: 388

القول الرابع: 389

القول الخامس: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) و هو المختار. 389

ص: 13

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد / 393

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة. 395

الأمر الثانی: فی ذکر الأدلّة. 397

الوجه الأوّل: 397

الوجه الثانی: 397

أمّا التحقیق حول أقوال العامّة: 399

الدلیل علی القول الأوّل أوجه أربعة: 399

الوجه الأوّل: 399

الوجه الثانی: 400

الوجه الثالث: 400

الوجه الرابع: 401

الدلیل علی القول الثانی: 402

الدلیل علی القول الثالث: 402

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ / 403

مقدمة: فی بیان صور المسألة. 405

أما الصورة الأُولی: 408

القول الأوّل: 408

الاستدلال علی عدم إمکان ناسخیة الخاصّ: 408

القول الثانی: 409

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة: 409

أما الصورة الثانیة: 413

النظریة الأُولی: التفصیل.. 413

النظریة الثانیة: 414

أما الصورة الثالثة: 417

أما الصورة الرابعة: 418

الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 418

الوجه الثانی: استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی کون الخاصّ مخصّصاً 421

ص: 14

أما الصورة الخامسة: 422

أما الصورة السادسة و السابعة: 423

أما الصورة الثامنة: 424

التنبیه الأوّل: 425

التنبیه الثانی: 428

البحث الخامس: المطلق و المقید و المجمل و المبین

الفصل الأوّل: المراد من المطلق / 433

الأمر الأوّل: تعریف «المطلق». 435

التعریف الأوّل: 435

التعریف الثانی: 437

التعریف الثالث: 437

الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید. 438

القول الأوّل: 438

القول الثانی: 439

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق» / 441

الأمر الأوّل: اسم الجنس... 444

الموضع الأوّل: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدّمات الحکمة؟. 444

القول الأوّل: 444

القول الثانی: 444

الموضع الثانی: فی ما وضع له «اسم الجنس». 446

القول الأوّل: الکلی الطبیعی.. 446

القول الثانی: ذات المعنی.. 448

بیان القول الثانی: 449

بیان القول الأوّل بتفسیره الثالث: 452

الأمر الثانی: علم الجنس... 455

القول الأوّل: 455

ص: 15

القول الثانی: 455

استدلّ علی ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه: 456

استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الثانی: 457

الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام. 459

الموضع الأوّل: فی أقسام المعرّف باللام. 459

ما الدال علی هذه الخصوصیات؟ 460

الموضع الثانی: فی مدلول اللام. 462

القول الأوّل: 462

القول الثانی: 462

الأمر الرابع: الجمع المحلّی باللام. 465

القول الأوّل: توقفه علی جریان مقدمات الحکمة. 465

القول الثانی: عدم توقفه علی جریان مقدمات الحکمة. 465

الوجه الأوّل: الوضع. 465

الوجه الثانی: 466

الأمر الخامس: النکرة. 468

الموضع الأوّل: المراد من النکرة. 468

البیان الأوّل: 468

البیان الثانی: 469

البیان الثالث: القول المختار. 469

الموضع الثانی: هل یکون النکرة من مصادیق «المطلق»؟. 471

القول الأوّل: 471

القول الثانی: 471

التنبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟. 473

الفصل الثالث:فی مقدّمات الحکمة / 475

الأمر الأوّل: فی تعیین مقدمات الحکمة. 477

القول الأوّل: 477

القول الثانی: 478

الأمر الثانی: فی بیان مقدمات الحکمة. 479

ص: 16

المقدمة الأولی: فی أن المتکلم لابد أن یتمکن من البیان.. 479

مقام الثبوت... 479

مقام الإثبات... 479

المقدمة الثانیة: فی أن المتکلم فی مقام البیان.. 481

الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة. 481

الناحیة الثانیة: إذا شک فی أنّ المتکلّم فی مقام البیان. 482

الوجه الثالث: 484

الوجه الرابع: 484

المقدمة الثالثة: فی عدم الاتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة. 485

المقدمة الرابعة: فی القدر المتیقن فی مقام التخاطب... 486

الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟ / 489

الموضع الأوّل و الثانی: 491

الموضع الثالث: 492

الموضع الرابع: 493

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید / 495

المقام الأوّل: 498

المقام الثانی: 501

نظریة المشهور: عدم الحمل.. 502

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار: 502

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات / 505

النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) 507

النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) 508

الأوّل: أن یکون ذا مفهوم. 508

الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم. 508

الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید. 508

الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو. 509

ص: 17

النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین.. 510

الفصل السابع: المجمل والمبین / 511

تفسیر المجمل و المبین.. 513

أقسام المجمل.. 513

أمّا الإجمال الحقیقی: 514

أمّا الإجمال الحکمی: 514

المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟. 514

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة. 514

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة. 515

تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع.. 515

الفهارس... 517

ص: 18

البحث الثالث: «المفاهیم»

اشارة

فیه أربع مقدمات و خمسة فصول

مقدمات:

1) فی کلمة «المفهوم»

2) هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجیته؟

3) دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة

4) هل المسألة اصولیة أو لا؟ و لفظیة أو عقلیة؟

الفصل الأول: مفهوم الشرط

الفصل الثانی: مفهوم الوصف

الفصل الثالث: مفهوم الغایة

الفصل الرابع: مفهوم الحصر

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد

ص: 19

ص: 20

تمهید مقدمات

اشارة

قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان مقدمات:

المقدمة الأُولی: فی کلمة المفهوم

اشارة

و فیه مطلبان:

المطلب الأوّل: المراد من کلمة المفهوم فی هذا البحث

إطلاقان لکلمة المفهوم:

إنّ کلمة «المفهوم» قد یطلق علی کلّ ما یفهم من اللفظ أو غیره، فهو یساوق کلمة «المعنی» و یقابله کلمة «المصداق».

و قد یطلق علی المعنی الترکیبی الذی یفهم من اللفظ بالعلاقة اللزومیة إمّا باللزوم البین بالمعنی الأخصّ أو باللزوم البین بالمعنی الأعم و هو المراد ههنا.

و یقابله کلمة «المنطوق» و هو یطلق علی المعنی الترکیبی الذی یدلّ علیه اللفظ بالمطابقة أو بالإطلاق أو بمعونة القرائن العامّة أو الخاصّة.

ص: 21

المطلب الثانی: تعریف المفهوم
اشارة

هنا قولان((1)) فی تعریف «المفهوم» نشیر إلیهما:

ص: 22


1- . راجع الفصول، ص146و مطارح الأنظار، ص168و غایةالمسئول، ص330 و وقایة الأذهان، ص409 و حواشی المشکینی ج2، ص264 و هدایة المسترشدین، ج2، ص410: المفهوم حکم دلّ علیه اللفظ حال کون متعلّقه غیر مذکور و قد یفسّر الموصول بالموضوع و یکون الضمیر راجعاً إلیه باعتبار الحکم المتعلّق به و یکون المجرور حینئذٍ حالا عن الموصول فمناط الفرق بین المنطوق و المفهوم علی هذین الوجهین هو اعتبار ذکر الموضوع فی المنطوق و اعتبار عدمه فی المفهوم من دون ملاحظة حال الحکم المدلول علیه... فالأولی أن یقال: إنّ دلالة المفهوم هو دلالة الکلام علی ثبوت الحکم المذکور فیه لموضوع غیر مذکور أو نفیه عنه أو ثبوته علی تقدیر غیر مذکور أو نفیه کذلک و دلالة المنطوق ما کان بخلاف ذلک و المدلول فی الوجهین هو المفهوم أو المنطوق إن جعلناهما من أقسام المدلول کما هو الظاهر و إن جعلناهما من أقسام الدلالة فالحدّان المذکوران ینطبقان علیهما. و فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص137: «لابدَّ و أَنْ تکون هناک نکتة أُخری إضافیة مع وجودها یصبح المدلول الالتزامی مفهوماً، فما هی تلک النکتة الإضافیة؟و فی مقام بیان هذه النکتة توجد وجوه عدیدة: الوجه الأوّل: ما ذکره المحقّق النائینی (قدس سره) علی ما فی تقریرات بحثه... و هذا الوجه لاینطبق علی واقع البحث الذی یبحثه الأصولیون فی باب المفاهیم بما فیهم هذا المحقّق نفسه ...حیث قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص476: إنّ المفهوم- علی ما عرفت منّا مراراً- عبارة عن المدرک العقلانی الذی یدرکه العقل عند الالتفات إلی الشی ء... و المقصود فی المقام بیان أنّ المراد من المنطوق: هو المدلول المطابقی للجملة الترکیبیة و المراد من المفهوم: هو المدلول الالتزامی لها علی وجه یکون بیناً بالمعنی الأخصّ... و قال فی ص478: لایهمّنا البحث و إطالة الکلام فی التعریفات التی ذکروها للمنطوق و المفهوم، مع ما یرد علیها من عدم الانعکاس و الاطراد، فإنّها تعاریف لفظیة قلّما تسلم عن الإشکال الوجه الثانی: ما ذکره المحقّق الخراسانی (قدس سره) ... الوجه الثالث: ما ذکره المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنَّ المفهوم عبارة عن التابع فی الانفهام مع فرض کون حیثیة الانفهام مأخوذة فی المنطوق فإنَّ حیثیة انفهام المدلول الالتزامی من المنطوق الذی هو المدلول المطابقیسواءً کان من أصله أو من حدّه و خصوصیته کما ذکر الخراسانی- تارة: یدلّ علیها المنطوق أیضاً، کما فی دلالة الجملة الشرطیة علی الانحصار و أخری: لایدلّ علیها المنطوق، کما فی دلالة الأمر بشی ء علی وجوب مقدمته فإنَّ حیثیة الملازمة لاتُستفاد من المنطوق بل لابدَّ من البرهنة علیها من الخارج فالأوّل هو المفهوم و الثانی لیس بمفهوم ...الوجه الرابع: ما هو الصحیح عندنا و حاصله: إنَّ القضیة التی تربط بین جزءین لامحالة یکون اللازم لهما إمّا لازماً لنفس هذین الجزءین بنحو لو بدّلنا أحد الجزءین بشی ء آخر فلایثبت اللازم أو لازماً للربط بین الجزءین بنحو یکون اللازم ثابتاً ما دام أنَّ الربط الخاصّ ثابت و إن تغیر طرفاه فالقسم الثانی من اللازم هو المفهوم دون الأوّل».
القول الأوّل:
اشارة

قد عرّف الحاجبی و الشیخ البهائی (قدس سره) ((1)) «المنطوق» بأنّه ما دلّ علیه اللفظ فی محل النطق و «المفهوم» بأنّه ما دلّ علیه اللفظ لا فی محل النطق.((2))

ص: 23


1- . زبدة الأصول، ص149.
2- . فی الفصول، ص145: «و الظاهر أنّ الظرف فی المقامین متعلّق بدل و أنّ المراد بکون الدلالة فی محل النطق أن تکون ناشئة من اللفظ ابتدأ أی بلا واسطة المعنی المستعمل فیه و من کونها لا فی محل النطق أن تکون ناشئة بواسطة المعنی المستعمل فیه» و فی تقریرات آیة الله المجدّد الشیرازی للمولی علی الروزدری، ج3، ص135: «و المراد بالموصول إنّما هو الحکم و الظاهر أنّ قولهم: (فی محل النطق) ظرف لغو متعلق ب:(دلّ) و أنّ المراد بالنطق إنّما هو النطق باللفظ أی التلفظ به فالمراد أنّ المنطوق هو المفهوم من اللفظ بحسب التلفظ به و المفهوم هو المنفهم منه فی غیره بحسب التلفظ». ذکروا علی هذا التعریف إیرادات: و فی القوانین، ص167: «و فیه مسامحة فإنّ المعیار فی الفرق بینهما هو کون ما له المدلول أی الموضوع فی محل النطق و عدمه و المقصود من المدلول هو الحکم أو الوصف فلایتمّ جعل قوله فی محل النطق حالاً من الموصول إلّا بارتکاب نوع من الاستخدام و لو جعل الموصول کنایة عن الموضوع یلزم خروجه عن المصطلح و ارتکاب نوع استخدام فی الضمیر المجرور و کیف کان فالأمر فی ذلک سهل» و فی مقالات الأصول، ص395: «لایخفی ما فیه من أنّ هذا البیان فی المفهوم یشمل مطلق المدالیل الالتزامیة حتی غیر البینة منها فضلاً عن البینة منها بالمعنی الأعم و لازمه کون المنطوق منحصراً بالدلالة المطابقیة و التضمنیة لأنّها یکون مدلولها فی محل النطق لا غیر و الحال أنّ بناءهم علی حصر المفهوم المصطلح بالبینات بالمعنی الأخص الذی کانت الملازمة بینهما بمثابة من الوضوح الموجب للانتقال من [الملزوم] إلی اللازم فی عالم التصوّر بلا التفات إلی الملازمة تفصیلاً، بل یختص المفهوم المصطلح أیضاً بالقضایا و لایشمل دلالة المفردات علی لازمها و لو کانت بتلک المثابة کدلالة الحاتم علی الجود، بل ینحصر اصطلاح (المفهوم) بصورة تعلیق سنخ الحکم لا شخصیته و إلّا فلیس ذلک بمفهوم». راجع الفصول، ص145.

و فسّره العضدی((1)) بأنّ المنطوق ما یکون حکماً لمذکور و حالاً من أحواله سواء ذکر ذلک الحکم و نطق به أم لا؛ و «المفهوم» (و هو ما دلّ علیه اللفظ لا فی محل النطق) بخلافه بأن یکون حکماً لغیر المذکور و حالاً من أحواله.

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):((2))

إنّ المفهوم إنّما هو حکم غیرُ مذکورٍ، لا أنّه حکم لغیر مذکور و إلّا یلزم خروج مفهوم الشرط ومفهوم الغایة عن المفهوم، لأنّ الموضوع فی مفهوم الشرط و الغایة مذکور فی المنطوق.((3))

ص: 24


1- . و کذا فسّره فی الوافیة ص231 و فی تجرید الأصول، لمحمّد مهدی النراقی، ص211 و عرّف به فی القوانین المنطوق قال فی ص167: «إنّ المنطوق هو مدلول یکون حکماً من أحکام شیء مذکور و حالاً من أحواله و أمّا نفس ذلک المدلول فقد لایکون مذکوراً فی المنطوق أیضاً». تفاسیر أخر لتعریف ابن الحاجب: فی منتهی الأصول، ص421: «و الظاهر من هذه العبارة هو أنّ المنطوق هو المدلول المطابقی للفظ أو التضمنی إن قلنا بأنّ للفظ مدلول تضمنی خلافاً لما ذهب إلیه شیخنا الأستاذ من إنکاره و أنّ مدالیل الألفاظ ... بسائط لیس لها أجزاء حتی تکون دلالة اللفظ علی بعض تلک الأجزاء دلالة تضمنیة، لأنّ هذین القسمین هما مدلولا اللفظ فی محل النطق، بخلاف المدلول الالتزامی لیس مدلولاً فی محل النطق، بل لاینتقل الذهن إلیه إلّا بواسطة الملازمة التی تکون بین مدلول اللفظ و بینه و لذلک لو لم یعلم بتلک الملازمة لا إجمالاً و ارتکازاً و لا تفصیلاً لاینتقل ذهنه إلیه فهو معنی خارج عن محل النطق أی لیس مدلولاً لنفس اللفظ ابتداء و بلا واسطة».
2- . کفایة الأصول (آل البیت) ص193، المقصد الثالث فی المفاهیم: مقدمة [تعریف المفهوم و أنّه من صفات المدلول أو الدلالة].
3- . فی مطارح الأنظار، ص168: «أورد علیه أوّلاً: بخروج المفاهیم کمفهوم الشرط مثل قولک: إن جاء زید فأکرمه فإنّ الموضوع فی المفهوم هو زید المذکور فی المنطوق و مفهوم الغایة کقولک: صم إلی اللیل فإنّه لایجب فیه إلی الصیام و هو مذکور و مفهوم الحصر کقولک: إنّما زید قائم و بمفهوم اللقب نحو قولک: یجب إکرام غیر زید و بنحو فاسئل القریة فیختل التعریفان طرداً و عکساً و ثانیاً: أنّهم ذکروا أنّ الإیماء و الإشارة من المنطوق و مثلوا لهما بالآیتین فإنّ دلالتهما علی أنّ أقلّ الحمل ستة بالمنطوق مع أنّ أقلّ الحمل الذی هو الموضوع غیر مذکور و ثالثاً: أنّ المدالیل الالتزامیة التی لایعدّ عندهم من المفهوم فی الأغلب لایکون الموضوع فیهما مذکوراً».
القول الثانی:

قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی تعریف «المفهوم»: إنّه عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری یستتبع (هذا الحکم الإنشائی أو الإخباری) خصوصیة المعنی المنطوقی بحیث یکون هذا الحکم الإنشائی أو الإخباری من لوازم المعنی المنطوقی لوجود تلک الخصوصیة، سواء کان الدال علی الخصوصیة هو الوضع أو الإطلاق بقرینة الحکمة. ((1))

ص: 25


1- . إشکالات علی التعریف الثانی: فی نهایة النهایة، ص255: «إنّ التعریف منقوض بتمام المدالیل الالتزامیة لصدقه علیها مع أنّها لیست من المفهوم اصطلاحاً و یمکن إخراجها بتقییده بما تستتبعه الخصوصیة المستفادة من هیئة الجملة دون المستفادة من موادها موضوعها أو محمولها». و فی حاشیة علی الکفایة، ص429: «یستشکل بأنّ الخصوصیة الکذائیة إن کانت خارجة عن معنی اللفظ، ینافی ما یتبادر من کلامهم بأنّ المفهوم هو ما دلّ علیه اللفظ و إن کانت داخلة فی معناه کما هو ظاهر کلامه (قدّس سرّه)، تکون من المدالیل الالتزامیة کما یظهر بالتأمّل» و فی حواشی المشکینی، ج2، ص264: «و فیه: أنّه لایصدق علی حرمة الشتم المستفادة من قوله تعالی: (وَ لاَ تَقُل لَهُمَا أفٍّ)(الإسراء:23) الآیة، إذ هی لیست لازمة لخصوصیة من خصوصیات المعنی المراد من اللفظ» و فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص139: «و فیه: أوّلاً: أنّه بناء علی التعریف السابق الذی بینه للمفهوم لایعقل إدخال مفهوم الموافقة فی المفاهیم فإنّه لازم لأصل المدلول المطابقی لا لخصوصیة فیه فمثلاً حرمة الضرب تکون لازماً لأصل المدلول المطابقی لقوله تعالی: (وَ لاَ تَقُل لَهُمَا أفٍّ) (الإسراء:23) و إِنْ کان بحسب الغرض مفهوم الموافقة خارجاً عن هذا البحث المعقود لأجل مفاهیم المخالفة بالخصوص. ثانیاً: إنَّ ما ذکره من التعریف لیس مانعاً فإنّه قد ینطبق علی ما لیس مفهوماً کوجوب المقدمة الذی هو لازم لوجوب ذی المقدمة، بناء علی أنَّ المدلول المطابقی لصیغة الأمر لیس هو الوجوب و إنَّما هو الطلب و الوجوب مستفاد من الإطلاق و مقدمات الحکمة فإنّه حینئذٍ یصبح وجوب المقدمة لازماً لخصوصیة فی المدلول المطابقی مع أنّه لیس من المفاهیم حتی بناء علی استفادة الوجوب من مقدمات الحکمة».

و نکتفی هنا بما تقدّم من بیان المراد من «المفهوم».

ص: 26

المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجّیته؟

إنّ البحث هنا عن دلالة الجمل الترکیبیة علی المفهوم فمع ثبوت الدلالة یتحقق صغری أصالة الظهور و مع عدم ثبوته فلا صغری لأصالة الظهور.

و علی هذا فالبحث هو فی ثبوت الدلالة، أمّا حجّیتها فهی مفروغ عنها، لأنّ الظهور حجة کما یجیء فی مبحث الحجج.

ص: 27

المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة

اشارة

و فیه مطلبان:

المطلب الأوّل: تعریف هذه الدلالات الثلاث
اشارة

قبل بیان الأقوال لابدّ من تعریف تلک الدلالات.((1))

أمّا دلالة الاقتضاء:

فهی مقصودة للمتکلم و یتوقف صدق الکلام أو صحته عقلاً أو شرعاً

ص: 28


1- . هدایة المسترشدین، ج 2، ص415: «إنّ جماعة قسّموا الدلالة فی المنطوق الغیر الصریح إلی: دلالة الاقتضاء و دلالة التنبیه و الإیماء و دلالة الإشارة و ذلک لأنّه إمّا أن تکون الدلالة مقصودة للمتکلّم بحسب مفاهیم العرف، أو لا و علی الأوّل فإمّا أن یتوقّف علیه صدق الکلام أو صحّته عقلاً أو شرعاً و هو دلالة الاقتضاء، کما فی قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «رفع عن أمّتی الخطأ» فإنّ صدق الکلام یتوقّف علی تقدیر المؤاخذة و نحوها و قوله تعالی: (وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ) فإنّ صحّة ذلک عقلاً یتوقّف علی تقدیر الأهل و قولک: «أعتق عبدک عنّی علی ألف» أی مملّکاً علی ألف لتوقّف صحّة العتق علیه شرعاً. أو لایتوقّف علی ذلک، بل یکون مقترناً بشی ء لو لم یکن ذلک الشی ء علّة له لبعد الاقتران، کما فی قوله علیه السّلام: «کفر» بعد قول الأعرابی: «واقعت أهلی فی نهار رمضان» فإنّه یفید أنّ الوقاع فی نهار رمضان موجب للکفّارة و هذا هو دلالة التنبیه و الإیماء و الثانی و هو ما لاتکون الدلالة مقصودة فی ظاهر الحال دلالة الإشارة، کدلالة الآیتین علی أقلّ الحمل فلو کانت مقصودة بحسب المتفاهم کما لو فرض ورودهما فی مقام بیان أقلّ الحمل لم تکن من دلالة الإشارة و أنت خبیر بأنّ ما ذکروه غیر حاصر لوجوه دلالة الالتزام ممّا لایندرج فی المفهوم و الأولی فی التقسیم أن یقال: إنّ الدلالة الالتزامیة ممّا لایعدّ من المفهوم إمّا أن تکون مقصودة للمتکلّم بحسب العرف و لو بملاحظة خصوص المقام، أو لا و علی الأوّل فإمّا أن یتوقّف صدق الکلام أو صحّته عقلاً أو شرعاً أو عادة أو لغة علیه، أو لا فالأوّل هو دلالة الاقتضاء، کما فی الأمثلة المتقدّمة... و الثانی دلالة التنبیه و الإیماء و ذلک إنّما یکون بدلالة الکلام و لو بانضمام ما یقترن به من القرینة اللفظیة أو الحالیة ما یقطع معه بإرادة ذلک اللازم أو یستبعد خلافه من غیر أن یتوقّف صدق أصل الکلام و لا صحّته علی ذلک.

علیها مثل «لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ»((1)) فإنّ صدق الکلام یتوقف علی تقدیر «الأحکام» بمعنی لا ضرر فی أحکام الإسلام و مثل (وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ)((2)) فإنّ صحّة الکلام عقلاً یتوقف علی تقدیر «الأهل» بمعنی و اسأل أهل القریة ومثل «أعتق عبدک عنّی بألف دینار» فإنّ صحة الکلام شرعاً یتوقف علی طلب تملیک العبد بألف دینار أولاً ثم عتقه لأنّه لا عتق إلّا فی ملک. فیکون المعنی ملّکنی هذا العبد بألف دینار ثم أعتقه عنّی.

أمّا دلالة التنبیه و الإیماء:

فهی أیضاً مقصودة للمتکلم ولکن صدق الکلام و صحته لایتوقف علیها مثل قول الرجل لرسول الله (صلی الله علیه و آله): «هَلَکْتُ وَ أَهْلَکْتُ. فَقَالَ (صلی الله علیه و آله) وَ مَا أَهْلَکَکَ؟ قَالَ أَتَیتُ امْرَأَتِی فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِی (صلی الله علیه و آله): أَعْتِقْ رَقَبَةً»((3)) بعنوان الکفارة، فإنّه یدلّ علی أنّ من واقع أهله فی صوم شهر رمضان یجب علیه الکفارة.

أمّا دلالة الإشارة:

فهی غیر مقصودة مثل دلالة الآیتین: (وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)((4))

(وَ الْوالِداتُ یرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَینِ کامِلَینِ)((5)) علی أقل الحمل.

ص: 29


1- . الخلاف، الطوسی، ج3، ص81؛ عوالی اللئالی، ج1، ص220؛ الوسائل، ج26، ص14، ح10؛ و... أیضاً: عن النبی (صلی الله علیه و آله): «لَا ضَرَرَ وَ لَا إِضْرَارَ فِی الْإِسْلَام» من لایحضره الفقیه، ج4، ص334، ح5718؛ عوالی اللئالی، الإحسائی، ج1، ص383، و... .
2- .سورة یوسف (12): 82.
3- . الوسائل: ج10، ص46، الباب 8 من أبواب ما یمسک عنه الصائم، ح5.
4- . سورة الأحقاف (46): 15.
5- . سورة البقرة (2): 233.
المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟
اشارة

قد اختلف فی دخول دلالة الاقتضاء و التنبیه (الإیماء) و الإشارة فی محل النزاع. هنا ثلاثة أقوال:

القول الأوّل: إنّ المحقّق القمی (قدس سره) قال بأنّها دلالة منطوقیة غیر صریحة.

القول الثانی: إنّ المحقّق النائینی((1)) و الخوئی (قدس سره) قالا بأنّها لا منطوقیة و لامفهومیة مع اختلاف بینهما فی تقریر ذلک.

القول الثالث: إنّ بعض الأعلام قالوا بدخول بعضها فی الدلالة المفهومیة.

أما تحقیق المطلب:

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی أنّ هذه الدلالات لیست مفهومیة:((2))

ص: 30


1- . قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص477: «و اللازم فی الدلالة الالتزامیة، إمّا أن یکون لازماً بالمعنی الأخصّ و إمّا أن یکون لازماً بالمعنی الأعمّ و اللازم بالمعنی الأعم، سواء کان فی المعانی الأفرادیة أو فی الجمل الترکیبیة، لیس من المدالیل اللفظیة لأنّ اللفظ لایدلّ علیه و لاینتقل الذّهن إلیه بواسطة اللفظ، بل یحتاج إلی مقدّمة عقلیة و من هنا قلنا: إنّ مسألة مقدمة الواجب و مسألة الضد، لیست من المباحث اللّفظیة، لکون اللازم فیها لازماً بالمعنی الأعم، لتوقف اللزوم علی توسیط حکم العقل و لعلّ دلالة الاقتضاء کقوله تعالی: (وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ) و دلالة الإشارة و الإیماء کدلالة الآیتین علی أنّ أقلّ الحمل یکون ستة أشهر و دلالة قوله (صلی الله علیه و آله): «کفّر»، عقیب قول السائل: «هلکت و أهلکت جامعت أهلی فی نهار شهر رمضان» علی علیة الجماع للتکفیر- إذ لو العلیة لبطل الاقتران- کلّ ذلک یکون اللازم فیه من اللازم بالمعنی الأعمّ فلایکون من الدلالة اللفظیة و علی تقدیر تسلیم کون بعضها من الدلالة اللّفظیة فهو لیس من المنطوق و المفهوم المبحوث عنه فی المقام، إذ المراد من المنطوق: هو ما دلّ علیه الجملة الترکیبیة بالدلالة المطابقیة و المراد من المفهوم: هو ما دلّت علیه الجملة الترکیبیة بالدلالة الالتزامیة بالمعنی الأخص.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص244.

إنّ انفهام مفهوم ترکیبی من جملة ترکیبیة إن استند إلی دلالة نفس الجملة فی حدّ ذاتها علی ذلک المعنی کانت الدلالة منطوقیةً.

و إن استند إلی لزومه لانفهام منطوق الجملة بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ لتکون الدلالة لفظیةً کانت الدلالة مفهومیةً.

و بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم لتکون الدلالة عقلیةً کانت الدلالة سیاقیةً کما فی دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة و غیرها من دون فرق فی ذلک بین دلالة جملة واحدة علی المعنی الترکیبی و دلالة جملتین علیه.

و قال((1)) فی وجه الفرق بین الدلالة الالتزامیة بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم:

إنّ الدلالة الالتزامیة تنقسم إلی قسمین: لفظیة و عقلیة.

و وجهه أنّ لزوم انفهام شیء لانفهام الموضوع له إن کان بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ (کما فی مثال الضوء و الشمس أو العمی و البصر) فالدلالة لفظیة، لعدم احتیاج دلالة اللفظ حینئذ إلی مقدمة أُخری عقلیة.

و إن کان بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم بأن یکون الانفهام اللازم لانفهام الموضوع له محتاجاً إلی مقدّمة عقلیة خارجیة کانفهام وجوب المقدمة من وجوب ما یتوقف علیها، کانت الدلالة عقلیةً.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیه:

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیه:((2))

أولاً: إنّ دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة و ما شاکل ذلک خارجة عن محلّ

ص: 31


1- . أجود التقریرات، ج2، ص243.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص195.

الکلام، لأنّ اللزوم فی تلک الموارد لزوم غیر بین و یحتاج الانتقال إلی اللازم فی تلک الموارد إلی مقدمة خارجیة.

ثانیاً: إنّ ما أفاده خلط بین اللزوم البین بالمعنی الأعم و اللزوم غیر البین.

توضیح ذلک:((1)) إنّ اللزوم البین بالمعنی الأعم إنّما یمتاز عن اللزوم البین بالمعنی الأخص بأنّه یکفی فی اللزوم البین بالمعنی الأخصّ تعقّل نفس الملزوم فی الانتقال إلی لازمه، بخلاف اللزوم البین بالمعنی الأعم، فإنّه لایکفی فیه ذلک، بل لابدّ فیه من تصوّر اللازم و الملزوم و النسبة بینهما.

و أمّا إذا کان لزوم انفهام شیء لانفهام شیء آخر محتاجاً إلی ضمّ مقدمة عقلیة خارجیة، فاللزوم لایکون بیناً أصلاً و علیه فانفهام وجوب المقدمة من وجوب ذی المقدمة بما إنّه یحتاج إلی حکم العقل بثبوت الملازمة یکون من قبیل اللزوم غیر البین.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه((2))

إنّ بعض أقسام تلک الدلالات لایحتاج إلی المقدمة الخارجیة حتی یکون من اللزوم غیر البین بل اللزوم فیها لزوم بین بالمعنی الأعم و ذلک مثل دلالة الآیتین علی أقلّ الحمل فی دلالة الإشارة و مثل قوله (صلی الله علیه و آله): «کفّر» فی دلالة التنبیه.

نعم بعض أقسام تلک الدلالات یحتاج إلی المقدمة الخارجیة مثل قوله: «أعتق عبدک عنّی بألف دینار» و المقدمة الخارجیة هی «لا عتق إلّا فی ملک».

ص: 32


1- . علی ما فی هامش أجود التقریرات، ج2، ص244.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص171.

المقدمة الرابعة: فی أنّ المسألة أُصولیة أو غیرها و أنّها لفظیة أو عقلیة؟

المطلب الأوّل: هل المسألة أُصولیة أو لا؟
اشارة

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی کونها أُصولیة:((1))

قال (قدس سره): أمّا کونها من المسائل الأُصولیة فلوقوعها فی طریق الاستنباط بنفسها من دون ضمّ کبری أو صغری أُصولیة إلیها (لأنّ کبری حجیة الظواهر مفروغ عنها و لم یختلف فیه الأعلام فلانحتاج إلی ضمّها فی قیاس استنباط الحکم الشرعی).

إیراد بعض الأساطین علی المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ بحث حجیة الظواهر أیضاً محتاج إلی الدلیل الإثباتی و لذا یستدلّ علیها بالسیرة العقلائیة فلابدّ من ضمّ هذه الکبری الأُصولیة إلی بحث المفاهیم فی قیاس الاستنباط.

و لکن المختار هو أنّ المسألة أُصولیة لأنّ مناط أُصولیة المسألة هو وقوع نتیجتها فی قیاس استنباط الحکم الشرعی و إن انضمّ إلیها الکبری.

المطلب الثانی: هل المسألة لفظیة أو عقلیة؟
اشارة

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها ذات حیثیتین:((3))

ص: 33


1- . المحاضرات (ط. ج): ج 4، ص197 و (ط.ق): ج 5، ص59.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص172.
3- . المحاضرات، ج4، ص197.

إنّ للمفاهیم حیثیتین واقعیتین فإنّه بالنظر إلی کون الحاکم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة هو العقل فهی من المسائل العقلیة و بالنظر إلی کون الکاشف عن العلیة المنحصرة هو الکاشف عن لازمها و هو اللفظ فهی من المسائل اللفظیة.

إیراد بعض الأساطین علی هذا البیان:

إنّ المختار هو أنّ المسألة لفظیة و إن کان الحاکم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة هو العقل لأنّ المفهوم مدلول للفظ بالدلالة الالتزامیة.

یلاحظ علیه:

إن قلنا: الدلالة الالتزامیة اللفظیة یشترط فیها کون اللزوم بیناًَ بالمعنی الأخصّ فیشکل کونها مسألة لفظیة.

ص: 34

الفصل الأول: مفهوم الشرط

اشارة

ص: 35

ص: 36

مفهوم الشرط

تحریر محل النزاع

إنّ الجملة الشرطیة تدلّ علی ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ولکن اختلف فی دلالتها علی انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط بالوضع أو بالقرائن العامّة بحیث یحمل علیه فی جمیع الموارد إلّا إذا قامت قرینة علی خلافه.

أمّا دلالتها علی المفهوم فی بعض الموارد (من دون دلالة وضعیة أو قرینة عامّة) فلا شبهة فیها، کما أنّه قد استعمل فی بعض الموارد فی مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط بلا دلالة علی انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط لوجود قرینة خاصّة.

ثلاثة أقوال فی المسألة

اشارة

إنّ الأعلام اختلفوا فی دلالة الجملة الشرطیة علی المفهوم:((1))

ص: 37


1- . مفاتیح الأصول، ص207: «أن فی المسألة أقوال. الأوّل أنّ ذلک یدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الشرط و هو للفاضلین و الشهید و صاحب المعالم و الفاضل البهائی و جدی رحمه الله و والدی العلّامة مدّ ظلّه و البیضاوی و المحکی عن الشیخین و الشهید الثانی و صاحب المدارک و المدقّق الشیروانی و الشافعی و أبی الحسین البصری و أبی الحسین الکرخی و الرازی و أتباعه و الحاجبی و حکاه الشهید الثانی و المحقّق الثانی و غیرهما عن أکثر المحقّقین الثانی أنّه لایدلّ علی ذلک و هو للمحکی عن السید و ابن زهرة و الحرّ العاملی و الفاضل البشروی و أبی عبد الله البصری و القاضیین و الآمدی و مالک و أبی حنیفة و أتباعه و أکثر المعتزلة و حکی عن بعض أصحابنا المتأخرین المیل إلیه. الثالث أنّه یدلّ علیه فی الشرع لا غیر. الرابع أنّه یدلّ علیه فی الخبر لا غیر.
القول الأول:

إنّ بعض الأصولیین أنکروا دلالتها مثل السید المرتضی و ابن زهرة و الشیخ الحرّ العاملی و صاحب الکفایة (قدس سرهم) .((1))

ص: 38


1- . کفایة الأصول (طبع آل البیت)، ص194. فی الذریعة، ص406: «إنّ الشّرط عندنا کالصّفة فی أنّه لایدلّ علی أنّ ما عداه بخلافه و بمجرّد الشرط لایعلم ذلک و إنّما نعلمه فی بعض المواضع بدلیل منفصل» و فی زبدة الأصول، ص150 – 151: «مفهوم الشرط حجة ... خلافاً للمرتضی و موافقیه» و فی الوافیة، ص232: «و مختار المرتضی رحمه الله قوی» و فی الفوائد الطوسیة، الفائدة 63، ص279: «اختلف العلماء فی حجیة مفهوم الشرط ... و دلیل حجیته لایخفی ضعفه و أنّه ظنی و هی مسألة أصولیة فالعمل فیها بالدلیل الظنی یستلزم رد الآیات الکثیرة و الروایات المتواترة بالنهی عن العمل بالظن» إلخ و فی مفاتیح الأصول، ص207: «فی المسألة أقوال ... الثانی أنه لایدلّ علی ذلک و هو للمحکی عن السید و ابن زهرة و الحر العاملی و الفاضل البشروی و أبی عبد الله البصری و القاضیین و الآمدی و مالک و أبی حنیفة و أتباعه و أکثر المعتزلة و حکی عن بعض أصحابنا المتأخرین المیل إلیه» و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص424 عند التعلیقة علی قوله «و هو قول جماعة من العامة»: «فقد حکی القول به عن مالک و أبی حنیفة و أتباعه و أکثر المعتزلة و أبی عبد الله البصری و القاضی أبی بکر و القاضی عبد الجبار و الآمدی و اختاره من متأخری أصحابنا الشیخ الحر وغیره» و فی کفایة الأصول، ص196: «أنّه لم ینهض دلیل علی وضع مثل (إن) علی تلک الخصوصیة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء و لم تقم علیها قرینة عامة، أمّا قیامها أحیاناً کانت مقدمات الحکمة أو غیرها، ممّا لایکاد ینکر فلایجدی القائل بالمفهوم، أنّه قضیة الإطلاق فی مقام من باب الاتفاق» و فی درر الفوائد، ج1، ص191: «لایبعد دعوی ظهورها فی ترتّب التالی علی المقدّم و أمّا کون المقدّم من قبیل العلة المنحصرة أو جزئها المنحصر فلانجزم به بعد مراجعة الوجدان مراراً أتری أنّه لو قال المتکلم: إن جاءک زید فأکرمه فسئل المخاطب إن لم یجئ و لکنّه أکرمنی هل أکرمه أو لا؟ فأجاب أکرمه. هل یکون کلاماً منافیاً للظهور المنعقد لکلامه الأوّل؟ لاأظنک تجزم بذلک بعد التأمّل و أمّا الأدلة التی یستدلّ بها فی المقام فکلّها مخدوش». فی المکاسب المحرمة، ج2، ص86: «...فیه مضافاً إلی عدم المفهوم للشرطیة کما حقّق فی محله» إلخ؛ راجع عنایة الأصول، ج2، ص169 و نفی عنه الحجیة فی الخلاف، ج5، ص395 و السرائر، ج1، ص109.
القول الثانی:

إنّ بعضهم أثبتوها مثل المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .((1))

ص: 39


1- . راجع المعتبر، ج1، ص32 و معارج الأصول، ص68 و ذکری الشیعة، الشهید الأوّل، ج1، ص53 و فی معالم الدین، ص77: «الحق أنّ تعلیق الأمر بل مطلق الحکم علی شرط، یدلّ علی انتفائه عند انتفاء الشرط و هو مختار أکثر المحقّقین و منهم الفاضلان و ذهب السید المرتضی إلی أنّه لایدلّ إلّا بدلیل منفصل و تبعه ابن زهرة و هو قول جماعة من العامة» و فی زبدة الأصول، ص150 و 151: «مفهوم الشرط حجة عند الأکثر وعلیه المحقّق و العلّامة» و فی تجرید الأصول لملّا مهدی النراقی (قدس سره)، ص213: «مفهوم الشرط حجة خلافاً للمرتضی» و فی مفاتیح الأصول، ص207: «فی المسألة أقوال: الأوّل أنّ ذلک یدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الشرط و هو للفاضلین و الشهید و صاحب المعالم و الفاضل البهائی و جدی رحمه الله و والدی العلّامة مد ظلّه و البیضاوی و المحکی عن الشیخین و الشهید الثانی و صاحب المدارک و المدقّق الشیروانی و الشافعی و أبی الحسین البصری و أبی الحسین الکرخی و الرازی و أتباعه و الحاجبی و حکاه الشهید الثانی و المحقّق الثانی و غیرهما عن أکثر المحقّقین» و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص424 عند التعلیقة علی قوله «و هو مختار أکثر المحققین»: «و قد عزاه إلیهم المحقّق الکرکی و الشهید الثانی وعزّی إلی الشیخین والشهیدین (رحمهما الله) أیضاً و اختاره جماعة من المتأخرین و حکی القول به عن جماعة من العامة أیضاً، منهم أبو الحسین البصری و ابن شریح و أبو الحسین الکرخی و البیضاوی و الرازی و جماعة من الشافعیة» و قال بحجیته: فی مختلف الشیعة، ج2، ص426؛ منتهی المطلب (ط.ق)، ج2، ص779؛ جامع المقاصد، ج6، ص136؛ شرح اللمعة، ج5، ص193؛ روض الجنان (ط.ق) ص51؛ مدارک الأحکام، ج8 ص420؛ الحبل المتین (ط.ق)، ص206؛ مشارق الشموس (ط.ق)، ج1، ص186؛ الحدائق الناضرة، ج3، ص30؛ کشف الغطاء (ط.ق)، ج1، ص31؛ ریاض المسائل، ج13، ص326؛ مستند الشیعة، ج14، ص444؛ قوانین الأصول، ص175؛ الفوائد الحائریة، ص183؛ الفصول الغرویة، ص147؛ مطارح الأنظار، ص171؛ جواهر الکلام، ج29، ص346؛ کتاب النکاح، للشیخ الأنصاری، ص142؛ مصباح الفقیه (ط.ق)، ج1، ص154؛ نهایة الأفکار، ج1 – 2، ص481؛ مستمسک العروة، ج14، ص267؛ جامع المدارک، ج4، ص154؛ فقه الصادق (علیه السلام)، ج13، ص126.
القول الثالث:

((1))

و بعضهم قالوا بالتفصیل مثل العلّامة و فخر المحققین و الشیخ الأنصاری (قدس سرهم) . و هنا أقوال أُخر لانطیل الکلام بذکرها.

(2)

التحقیق فی المسألة:

اشارة

و هو یتمّ ببیان أدلة الطرفین فی ضمن مقامین: الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط؛ الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط.

ص: 40


1- . فی مفاتیح الأصول، ص207: «فی المسألة أقوال ... الثالث أنّه یدلّ علیه فی الشرع لا غیر. الرّابع أنّه یدلّ علیه فی الخبر لا غیر» و فی ص212 و 211: «و للقول الثالث غلبة إرادة النفی عن غیر المذکور فی التعلیقات الشرعیة و ضعف هذه الحجة فی غایة الظّهور و یضعف هذا القول مضافاً إلی ما تقدّم إلیه الإشارة أمران أحدهما ندرة القائل به و شذوذه و ثانیهما أنه لو ثبت الدلالة فی الشرع فاللازم أن یکون فی اللّغة کذلک لأصالة عدم النقل و للقول الرابع أنّ المتبادر کون الشرط شرطاً لإیقاع الحکم أی إصداره من المتکلّم فإنّ قوله: إن جاءک فأکرمه یفهم منه إن لم یجئک فلا حکم بوجوب الإکرام و قوله: إن نزل الثلج شتاء یفهم منه إن لم ینزل الثلج فلا أحکم بأنّ الزمان شتاء و ذلک فی الإنشاء یستلزم نفی الحکم عن غیر المذکور فإنّ عدم حکمه بالمعنی المصدر یستلزم عدم الحکم فی نفس الأمر لأنّه تابع له و لیس ذلک جاریاً فی الخبر لأنّ عدم الإخبار لایستلزم عدم وقوع النسبة الخبریة و ذلک واضح و فیه نظر للمنع من تبادر ذلک بل المتبادر ما ذکرناه کما صرّح به التفتازانی فقال مرجع ما قلتموه إلی الاختلاف فی أنّ أثر الاختلاف فی أنّ أثر الشرط فی منع السبب أو فی منع الحکم فقط لکنّ الحق الثانی للقطع فی قولنا: إن دخلت الدار فأنت حرّ بأنّ الدخول شرط لوقوع العتق لإیقاعه الذی هو تصرّف منّا بالتنجیز أو التعلیق انتهی هذا و القول المذکور فی غایة الشذوذ فلایمکن المصیر إلیه من هذه الجهة أیضاً» و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج2، ص424.
2- . نشیر إلیها إجمالاً: 1) فی تمهید القواعد، ص112، قاعدة 26: «إنّما یکون مفهوم الشرط و الوصف حجة عند القائل به إذا لم تظهر للتقیید فائدة غیر نفی الحکم فإن ظهرت له فائدة أخری لم یدلّ علی النفی فمن الفائدة أن یکون العاری عن تلک الصفة أولی بالحکم من المتصف بها أو یکون رجوعاً بالسؤال، کالسائل مثلاً عن سائمة الغنم هل فیها زکاة؟ فقال: فی سائمة الغنم الزکاة فلایدلّ علی النفی، لأنّ ذکر السوم و الحالة هذه لمطابقة کلام السائل أو لکون السوم هو الغالب فإن ذکره إنّما هو لأجل غلبة حضوره فی ذهنه» و فی بحار الأنوار، ج86، ص7: «المفهوم وإن کان حجة لکن بشرط عدم ظهور فائدة للتقیید، سوی المفهوم»؛ راجع أیضاً: زبدة البیان، ص119 و ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 1، ص54 و وقایة الأذهان، ص418 – 420. 2) فی الفصول الغرویة ص148: «إنّ دلالة التعلیق بالشرط علی انتفاء التالی علی تقدیر انتفاء المقدّم فی الجملة مستندة إلی الوضع لأنّ ذلک قضیة التعلیق و علی انتفائه عند انتفائه مطلقاً مستندة إلی ظهور التعلیق فی شرطیة المقدّم و ظهور الشرطیة فی الشرطیة التعیینیة فقول القائل: إن جاءک زید فأکرمه و إن أکرمک فأکرمه مخالف للظهور دون الوضع و أمّا نحو: أکرم زیداً إن جاءک و إن لم یجئک فالظاهر أنّه مخالف للوضع إذ لا تعلیق فیه حقیقة». 3) فی محاضرات فی أصول الفقه، ج5، ص83: «السابعة: إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم ترتکز علی ضوء نظریتنا فی بابی الأخبار و الإنشاء و لایمکن إثبات المفهوم لها علی ضوء نظریة المشهور فی هذین البابین»؛ راجع دراسات فی علم الأصول، ج2، ص198. 4) فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص171: «و فی المقام لنا عدة وجدانات عرفیة لابدَّ من التفکیر فی تخریج نظری موحد لها یمکن أَنْ ینسّق علی أساسه کل هذه الوجدانات فمن ناحیة نحس وجداناً بثبوت المفهوم للجمل الشرطیة التی یکون الجزاء فیها إنشائیاً و لم یکن الشرط مقوّماً لموضوعه و من ناحیة ثانیة نری أنَّ دلالتها علی المفهوم لیست بنحو بحیث لو لم یکن لها المفهوم کان استعمال أداة الشرط فی ذلک المورد مجازاً و بعنایة کما أدرک ذلک الأصولیون أنفسهم و من ناحیة ثالثة لابدَّ و أَنْ نلحظ بأنَّ دلالة الجملة الشرطیة علی المفهوم سنخ دلالة قابلة للتبعیض و التجزئة بمعنی أنّه إذا ثبت وجود علّة أخری بدلیل خارج غیر الشرط المصرّح به فی الجملة الشرطیة لایلغو المفهوم بذلک رأساً بل یتبعض و یثبت المفهوم بلحاظ ما عدا العلّتین و لو فرض أنَّ الانحصار فی ذلک الشرط قد انتقض علی کل حال و من ناحیة رابعة نری بوجداننا العرفی أنّه لا مفهوم للجمل الشرطیة التی یکون الجزاء فیها جملة خبریة، کما إذا قیل: «إذا أکلتَ السمَّ مُتّ» فإنّه لایدلّ علی عدم الموت إذا لم یأکل السم فلابدَّ من وضع تخریج نظری فنی لدلالة الجملة الشرطیة علی المفهوم بنحو تفی بتفسیر کل هذه الوجدانات الأربعة و الظاهر أنَّ المنکرین للمفهوم إنّما أنکروه لأنّهم لم یستطیعوا التوفیق بین هذه الوجدانات فشککوا فی أصل ثبوت مفهوم للجملة الشرطیة و أمّا تفسیر هذه الوجدانات فی صیاغة نظریة موحدة فی المقام فیکون بالنحو التالی: إنَّ الجملة الشرطیة تتضمّن ثلاث دلالات مختلفة ینتج من مجموعها الدلالة علی المفهوم بنحو لایتهافت مع ما یقتضیه الوجدان من الخصائص المذکورة لهذه الجملة و تلک الدلالات علی ما یلی: 1) الدلالة الوضعیة علی الربط بین الجزاء و الشرط بنحو النسبة التوقفیة و لانرید بالنسبة التوقفیة الترتّب العلّی الفلسفی، بل لانرید حتی اللزوم الفلسفی و إنّما معنی أوسع من کل ذلک و هو مطلق الالتصاق العرفی و عدم الانفکاک بین الجزاء و الشرط و لو کان ذلک من جهة الصدفة و الاتفاق و هذه دلالة ندّعی أنّها مأخوذة فی مدلول أداة الشرط وضعاً بشهادة الانسباق و التبادر العرفی. 2) الدلالة الإطلاقیة علی أنَّ المعلّق علی الشرط إنّما هو طبیعی الحکم لا شخصه بالنحو المتقدّم شرحه. 3) الإطلاق الأحوالی للنسبة التوقفیة و أنّها ثابتة فی جمیع حالات الشرط و لیست مخصوصة بحالة دون أخری فقولنا: «أکرم زیداً إِنْ جاءک» یتضمّن إطلاقاً أحوالیاً دالّاً علی ثبوت توقّف وجوب الإکرام علی مجی ء زید فی جمیع الحالات فی قبال ما إذا قید بحال صحته مثلاً فقال: أکرمه إذا جاءک ما دام صحیحاً».

ص: 41

ص: 42

المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط
اشارة

إنّ لإثبات المفهوم للشرط خمسة أدلة، الدلیل الأول، من طریق إثبات العلیة المنحصرة و أربعة منها من سائر الطرق.

الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط: من طریق العلیة المنحصرة
اشارة

و فی هذا الدلیل ثمانیة وجوه سنتکلم حولها عند البحث عن الرکن الرابع.

فإنّ ثبوت مفهوم الشرط من هذا الطریق یبتنی علی أربعة أرکان: ((1))

الرکن الأوّل: تعلیق الجزاء و ترتّبه علی الشرط.

الرکن الثانی: أن یکون الترتب و التعلیق لزومیاً فلابدّ من إثبات الملازمة بین الجزاء و الشرط.

الرکن الثالث: أن یکون ترتب الجزاء علی الشرط من باب ترتب المعلول علی العلّة.

ص: 43


1- . قال المحقّق النائینی فی فوائد الأصول، ج 2، ص479: «إنّ ثبوت المفهوم للقضیة الشرطیة یتوقف علی کون الترتّب بین الجزاء و الشرط ناشئاً عن علاقة ثبوتیة فی نفس الأمر و الواقع و لیس الترتّب بینهما لمجرّد الاتفاق و المصادفة، کما فی قولک: إذا کان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق، إذ لا علاقة بین نهیق الحمار و نطق الإنسان فی نفس الأمر، بل العلاقة بینهما تکون علاقة جعلیة لحاظیة و علی أن یکون الترتّب ترتّب العلیة و المعلولیة، بأن تکون العلاقة بین الجزاء و الشرط علاقة العلیة و المعلولیة لا علاقة التلازم و التضایف و أن تکون العلّة هو المقدّم و الشرط لا التالی و الجزاء و أن یکون الشرط علّة منحصرة لایخلفه شرط آخر و لایکون لشی ء آخر دخل فی علیته فإذا تمّت هذه الأمور للقضیة الشرطیة کان لها مفهوم و إذا انتفی أحد هذه الأمور لم یکن للقضیة مفهوم و السرّ فی اعتبار هذه الأمور واضح».

الرکن الرابع: أن یکون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

هذا الرکن الرابع هو الرکن الأساسی و سیأتی الوجوه الثمانیة الدالة علی إثبات مفهوم الشرط من طریق العلیة المنحصرة فی ضمن الرکن الرابع.

أمّا الرکن الأول:
اشارة

فهو تعلیق الجزاء و ترتبه علی الشرط؛ فهو صحیح بلا إشکال لأنّ الجملة الشرطیة ظاهرة عرفاً فی تعلیق الجزاء و ترتبه علی الشرط و هذا الترتب عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) أعمّ من الترتب الخارجی و الترتب فی ظرف عقد القضیة الشرطیة بفرض العقل و اعتباره کما فی مثال «إن کان النهار موجوداً فالشمس طالعة» و سیجیء البحث حول ما أفاده (قدس سره) فی الأمر الثانی إن شاء الله.

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) استدلّ فی إثبات هذا الأمر بوجهین:

الوجه الأوّل:
اشارة

((1))

إنّ أدوات الشرط إنّما وضعت لتعلیق مفاد جملة علی مفاد جملة أُخری من دون فرق بین أن تکون الجملة المعلّقة إنشائیةً و أن تکون خبریة.

أورد علیه بعض الأساطین:

((2))

إنّ صحّة الحمل فی جملة «إن کان النهار موجوداً فالشمس طالعة» تدلّ علی عدم وضع الجملة الشرطیة للترتّب.

ص: 44


1- . أجود التقریرات، ج2، ص247.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص175.
یلاحظ علیه:

إنّ الجملة الشرطیة فی المثال المذکور أیضاً تدل علی الترتّب و لکن الترتّب هو فی ظرف عقد القضیة الشرطیة باعتبار العقل کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

الوجه الثانی:

((1))

إنّ ظاهر جعل شیء مقدماً و جعل شیء تالیاً هو ترتّب التالی علی المقدم (و قد صرّح بذلک المحقق النائینی (قدس سره) عند بیان کون العلّة منحصرة).

تتمّة: إنّ تمامیة تعلیق الجزاء و ترتّبه علی الشرط تتوقف علی رجوع القید فی القضیة الشرطیة إلی الهیأة دون المادة، أمّا لو قلنا برجوعه إلی المادة کما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری (قدس سره) فیرجع مفهوم الشرط إلی مفهوم الوصف لأنّ الشرط حینئذ یکون قیداً للمادة و المراد بالوصف فی مفهوم الوصف هو القید سواء کان القید وصفاً أم غیر وصف من سائر القیود.

و لکن الحق هو رجوع القید إلی الهیأة خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) و خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث توهم استحالة تقیید مفاد الهیأة لأنّه معنی حرفی.

أمّا الرکن الثانی
اشارة

و هو الملازمة بین الشرط و الجزاء فقال أکثر الأعلام بثبوتها.

و قد استدل علیه بوجهین:

الوجه الأوّل:

ادّعی صاحب الکفایة (قدس سره) وضع الجملة الشرطیة لذلک فقال:

ص: 45


1- . أجود التقریرات، ج2، ص249.

منع دلالة الجملة الشرطیة علی اللزوم و دعوی کونها اتفاقیة فی غایة السقوط لانسباق اللزوم منها قطعاً. ((1))

الوجه الثانی:
اشارة

قال المحقق النائینی (قدس سره) ((2)) و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((3)): إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی کون العلاقة بین الشرط و الجزاء لزومیة ظاهرة لندرة استعمالها فی موارد الاتفاق جدّاً، بل إنّ ذلک غیر صحیح فی نفسه، و لابدّ فی صحّة الاستعمال فی تلک الموارد من رعایة علاقة و إعمال عنایة، ضرورة أنّه لایصحّ تعلیق کل شیء علی کل شیء.

استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی نفیه:

((4))

یمکن أن یقال: إنّ الشرطیة لاتلازم اللزوم لشهادة الوجدان علی أنّ الشرطیة الاتفاقیة کاللزومیة من دون عنایة.

و الوجه فیه أنّ شأن الأداة الشرطیة جعل متعلّقها و مدخولها واقعاً موقع الفرض و التقدیر و أنّ الشرطیة لیست إلّا لمصاحبة المقدم مع التالی بلا دلالة علی لزوم أو اتفاق و ترتّب الجزاء علی الشرط لایدلّ علی اللزوم، لأنّ الترتّب المستفاد من الجملة الشرطیة أعمّ من الترتّب الخارجی و الترتّب فی ظرف عقد

ص: 46


1- . کفایة الأصول، ص194.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص249 و فی فوائد الأصول، ج 2، ص: 480 قال: لو لم یکن بین الجزاء و الشرط علقة ثبوتیة و کانا متقارنین من باب الاتفاق، لم یکن انتفاء الشرط مستتبعاً لانتفاء الجزاء، إذ لا مدخلیة للشرط حینئذٍ فی وجود الجزاء.
3- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص199 - 200.
4- . نهایة الدرایة، ج2، ص413 - 414.

القضیة الشرطیة باعتبار العقل و فرضه و تقدیره، کما إنّ الفاء بین الجزاء و الشرط تدلّ علی الترتیب إلّا أنّ الترتیب قد یکون باعتبار العقل فلادلالة لمطلق الترتّب علی اللزوم.

فتحصّل: أنّه لا دلالة لأداة الشرط و لا للفاء الواقعة بین الشرط و الجزاء علی الترتّب بنحو الملازمة.

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله):
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح بدلالة أداة الشرط و الفاء علی التعلیق و الترتّب بین الشرط و الجزاء و التعلیق لیس إلّا الارتباط بین الشیئین و لانعنی من اللزوم إلّا هذا.

یلاحظ علیه:

إنّ الارتباط بین الجزاء و الشرط یکون تارة اتفاقیاً و أُخری لزومیاً فنفس الارتباط و التعلیق لایدلّ علی اللزوم.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ التقسیم الذی ذکره أهل المنطق من أنّ القضیة الشرطیة إمّا لزومیة أو اتفاقیة تقسیم مجازی لا حقیقی، فلا دلالة للقضیة الشرطیة علی کونها لزومیة.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) لم یستدلّ بالتقسیم المذکور بل استدل بالموارد التی

ص: 47


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص177.

تکون القضیة الشرطیة فیها اتفاقیة و الترتّب بین الجزاء و الشرط باعتبار العقل و فرضه فی ظرف القضیة الشرطیة.

الإیراد الثالث:
اشارة

إنّ إناطة وجوب الإکرام بالمجیء فی مثال «إذا جاءک زید فأکرمه» هی المستفاد من أداة الشرط، فمفهوم الأدوات الشرطیة الإناطة و التعلیق لا مجرد الفرض و التقدیر.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً صرّح بدلالة أداة الشرط علی التعلیق و لکن قال: التعلیق قد یکون خارجیاً و قد یکون بمجرد فرض العقل و اعتباره فی ظرف القضیة الشرطیة.

الإیراد الرابع:
اشارة

إنّ الفاء دالّة علی ترتّب الجزاء علی الشرط و لکن لو حذفنا الفاء نجد القضیة الشرطیة بنفسها دالّة علی الترتّب فما یدلّ علی الترتّب هو وقوع الجزاء بعد الشرط.

یلاحظ علیه:

نفس وقوع جملة بعد جملة لایدل علی الترتّب بینهما ما لم یکن بینهما ربط خاص و أداة الشرط و الفاء وُضِعتا لتدلّا علی الربط بین الجملتین و الترتّب بینهما و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الربط التعلیقی و الترتّبی قد یکون بفرض العقل فی ظرف القضیة الشرطیة.

ص: 48

ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ الترتّب المطلق یدلّ علی اللزوم و لکن إذا کان الترتّب فی ظرف القضیة الشرطیة بفرض العقل فاللزوم أیضاً یکون فی ظرف القضیة الشرطیة بفرض العقل.

فتحصّل من ذلک: أنّ القضیة الشرطیه کما تدلّ علی ترتّب الجزاء علی الشرط تدلّ علی أنّ الترتّب و التعلیق یکون لزومیاً فالدلالة علی الترتّب لفظیة و أمّا اللزوم فیدرکه العقل لأنّ الترتّب مستلزم عقلاً للزوم بین المترتب و المترتب علیه.

أمّا الرکن الثالث:
اشارة

و هو أن یکون ترتّب الجزاء علی الشرط من باب ترتّب المعلول علی العلّة.

فهذا أیضاً قد اختلف فیه الأعلام فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و المحقق الخوئی (قدس سره) و بعضاً آخر أنکروا ذلک و فی قبالهم المحقق النائینی (قدس سره) و جمع آخر أثبتوه حیث قالوا بأنّ المقدّم فی القضیة الشرطیة علّة للتالی.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الرکن الثالث:

(2)

إنّ ظاهر جعل شیء مقدماً و جعل شیء آخر تالیاً هو ترتّب التالی علی المقدم، فإن کان هذا الترتّب موافقاً للواقع و نفس الأمر بأن یکون المقدم علّة للتالی فهو

ص: 49


1- . کفایة الأصول (طبع آل البیت)، ص194.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص249 و فی الفوائد قال: «و کذا لو فرض أنّ بینهما علاقة ثبوتیة و لکن لم تکن تلک العلاقة علاقة العلیة و المعلولیة بل کانت علاقة التلازم فإنّه أیضاً لایقتضی انتفاء الشرط انتفاء الجزاء، لأنّ انتفاء أحد المتلازمین لایستلزم انتفاء اللازم الآخر. إلّا إذا کان التلازم دائمیاً، بحیث کانا معلولین لعلّة ثالثة منحصرة، فإنّ انتفاء أحد المتلازمین فی مثل هذا یقتضی انتفاء الآخر، إلّا أنّ القضیة الشرطیة حینئذٍ لاتدلّ علی هذا الوجه من التلازم فإنّ العلّة لم تکن مذکورة فی القضیة حتی یستفاد منها الانحصار أو عدم الانحصار و أقصی ما تقتضیه القضیة الشرطیة- بناء علی عدم استفادة علیة الشرط للجزاء- هو مجرّد التلازم بین الشرط و الجزاء و أمّا کونه علی هذا الوجه أو علی ذلک الوجه فلیس للقضیة الشرطیة دلالة علیه و لابدّ فی إثبات ذلک من الخارج فیخرج عمّا نحن فیه: من دلالة نفس القضیة الشرطیة علی المفهوم».

و إلّا لزم عدم مطابقة ظاهر الکلام للواقع مع کون المتکلم فی مقام البیان علی ما هو الأصل فی المخاطبات العرفیة و علیه فبظهور الجملة الشرطیة فی ترتّب التالی علی المقدم یستکشف کون المقدم علّة للتالی.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

هذا الذی أفاده (قدس سره) و إن کان غیر بعید فی نفسه نظراً إلی أنّ المتکلم إذا کان فی مقام بیان تفرع الجزاء علی الشرط و ترتّبه علیه بحسب مقام الثبوت و الواقع لدلّت القضیة علی ذلک فی مقام الإثبات أیضاً للتبعیة نظیر ما إذا قلنا «جاء زید ثم عمرو» فانّه یدل علی تأخر مجیء عمرو عن مجیء زید بحسب الواقع و نفس الأمر و إلّا لم یصحّ استعماله فیه.

و لکن إذا لم یکن المتکلم فی مقام بیان ذلک بل کان فی مقام الإخبار أو الإنشاء فلایتمّ ما أفاده (قدس سره) و ذلک لأنّ القضیة الشرطیة عندئذ لاتدلّ إلّا علی أنّ إخبار المتکلم عن وجود الجزاء متفرع علی فرض وجود الشرط أو إنشاء الحکم و اعتباره متفرع علی فرض وجوده و تحققه.

و أمّا أنّ وجود الجزاء واقعاً مترتب علی وجود الشرط فلا دلالة للقضیة علی ذلک أصلاً ضرورة أنّه لا مانع من أن یکون الإخبار عن وجود العلّة متفرعاً علی

ص: 50


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص203.

فرض وجود المعلول فی الخارج، و الإخبار عن وجود أحد المتلازمین متفرعاً علی فرض وجود الملازم الآخر فیه.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الرکن الثالث:

((1))

إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی الترتّب صحیحة کما هو مقتضی کلمة الفاء إلّا أنّها لاتدل علی أنّ هذا الترتّب من ترتّب المعلول علی العلّة التّامة، بحیث یکون استعمالها فی غیره مجازاً، بل هی تدل علی مطلق الترتّب سواء کان من قبیل ترتّب المعلول علی العلّة التامّة أو من قبیل ترتّب العلّة علی المعلول (کما فی برهان الإنّ) أو من قبیل ترتّب أحد معلولین لعلّة ثالثة علی المعلول الآخر (کقوله: إن کان النهار موجوداً فالعالم مضیء).

و من ناحیة أُخری إنّ القضیة الشرطیة لاتدل علی المفهوم فی موارد البرهان الإنّی لوضوح أنّ غایة ما تقتضیه القضیة الشرطیة فی تلک الموارد هو أنّ تحقق المقدم یستلزم تحقق التالی و یکشف عنه فیکون وسطاً للإثبات و العلم دون الثبوت و الوجود و لاتدل علی امتناع وجود التالی من دون وجود المقدم، بداهة أنّ وجود المعلول و إن کان یکشف عن وجود العلّة إلّا أنّ عدمه لایکشف عن عدمها، لإمکان أن یکون عدمه مستنداً إلی وجود المانع لا إلی عدمها، مثلاً وجود الممکن فی الخارج کاشف عن وجود الواجب بالذات و لکن عدمه لا یکشف عن عدم الواجب بالذات و لا عن عدم وجود ممکن آخر، لجواز أن یکون عدمه مستنداً إلی ما یخصّه من المانع.

نعم عدم المعلول یکشف عن عدم علّته التامّة کما أنّ وجوده یکشف عن

ص: 51


1- . المحاضرات (ط.ج): ج4، ص200.

وجودها و عدم أحد المعلولین لعلّة ثالثة یکشف عن عدم الآخر کما یکشف عن عدم علته التامّة.

و التحقیق فی المقام:

أنّ الترتّب المطلق (لا مطلق الترتّب) هو الترتّب بنحو العلیة و حینئذ یقع الکلام فیما إذا لم تقم قرینة علی تعیین نوع الترتّب فهل لنا طریق إلی إحراز کون الترتّب هنا ترتباً مطلقاً أو لا؟ فإنّه یمکن أن یستدل بالإطلاق الانصرافی((1)) أو بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإحراز الترتّب المطلق و یأتی بیان طرق إحراز ذلک فی المرحلة الرابعة، فإن تمّ بعض هذه الطرق فی المرحلة الرابعة یجدی ذلک فی إحراز علیة الشرط فی المرحلة الثالثة أیضاً.

أما الرکن الرابع:
اشارة

و هو أن یکون الشرط علّة منحصرة((2)) فإنّه قد ادّعی هنا إثبات العلّیة المنحصرة و إحرازها بوجوه متعدّدة فلابدّ من البحث حولها و هنا ثمانیة وجوه.

ص: 52


1- . أی المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأکمل.
2- . قال النائینی فی فوائده ج2 ص481: «کذا لو فرض عدم دلالة القضیة الشرطیة علی کون الشرط علة منحصرة فإنّ انتفاء الشرط فی مثل ذلک أیضاً لایقتضی انتفاء الجزاء، لإمکان أن یخلفه شرط آخر» و قیل فی غایةالمسؤول، ص334 و 335: «إنّ المستفاد من التّعلیق هو توقف الجزاء علی الشرط و انتفائه بانتفائه و مقتضی المنطوق هو وجوده عند وجوده و لکن لایستفاد من ذلک کون المقدّم علة تامة لاحتمال کونه جزء الأخیر أو کونهما معلولی علة واحدة أو کونهما متضائفین أو یکون شی ء آخر علة لکن یتوقف تأثیره علی وجود المقدم نحو إن لقیت صدیقی فسلّم علیه فإنّ اللقاء لیس علّة للسلام بل العلّة هی الصداقة و لکنّها لاتؤثر فی وجوب السلام إلاّ حال اللقاء و بالجملة فیکفی فی تحقّق المفهوم استفادة التّوقیف و التعلیق من الشرط و أن یثبت العلیة التامّة فافهم فقد علم بما ذکرنا أنّ الحق هو ثبوت المفهوم لأنّ المتبادر من الجملة الشرطیة هو التعلیق و لازمه ثبوت المفهوم کما عرفت و بهذا یعلم دفع ما یتوهّم من التناقض بین حکمهم بثبوت المفهوم و بین حکمهم بعدم تکرّر الحکم عند تکرر الشرط إذ لو کان الشرط علّة تامّة لوجب تکرّر المشروط بتکرّره».
الوجه الأول: الوضع
اشارة

((1))

إیراد علی هذا الوجه:

قد أنکره صاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال: دعوی تبادر الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة بعیدة لکثرة استعمال الجملة الشرطیة فی الترتّب علی غیر العلّة أو الترتّب علی العلّة غیر المنحصرة بلا عنایة و مجاز. ((2))

ص: 53


1- . فی زبدة الأصول، ص151: «لنا التبادر» و فی قوانین الأصول ص175: «لنا أنّ المتبادر من قولنا: إن جائک زید فأکرمه، إن لم یجئک فلایجب علیک إکرامه، لا لاتُکرمهُ فلا توهم و هو علامة الحقیقة فإذا ثبت التبادر فی العرف ثبت فی الشرع و اللغة لأصالة عدم النقل» و فی الفصول الغرویة ص147: «لنا أنّ المتبادر من التقیید ب- إن و أخواتها تعلیق الجزاء علی الشرط بمعنی إفادة أنّ الثانی لازم الحصول لحصول الأوّل و مرجعه إلی أنّ للشرط علقة بالجزاء یقتضی بها عدم انفکاکه عنه» و فی مطارح الأنظار، ص171: «لنا قضاء صریح العرف بذلک فإنّ المنساق إلی الأذهان الخالیة من الجمل و الشرطیة هو التعلیق علی وجه ینتفی الحکم بانتفاء الشرط و کفانا بذلک دلیلاً و حجة ملاحظة الاستعمالات الواردة فی العرف و ذلک لاینافی ثبوت استعمال الجملة فی معنی آخر فإنّ باب المجاز غیر منسدّ و لم یزل البلغاء و الفصحاء یستعملونه فی موارد تقضی بها الحال» و فی غایةالمسئول، ص334: «الأولی هو إسناد الظهور إلی الوضع لا لأصالة کون التبادر وضعیاً لأنّ حجّیة الأصل فی اللغات من باب الظّن و استفادة الظّن منه فی المقام غیر معلوم بل لأنّ الظّهور لایخلو إمّا أن یکون للوضع أو لغلبة الاستعمال و لا ریب أنّه لو کان من جهة الغلبة لاحتاج المخاطب فی فهم الظاهر إلی ملاحظة الغلبة کما فی المجاز المشهور و لکنّا إذا راجعنا أنفسنا نری أنّا نفهم التّعلیق من الجملة الشرطیة من غیر التفات إلی أنّ ذلک هو المعنی الغالب الاستعمال بل قد علمت أنّ فی أصل غلبة هذا الاستعمال منعاً ظاهراً فکیف یستند الظّهور إلیها».
2- . فی کفایة الأصول، ص194- 195: «و دعوی تبادر اللزوم و الترتّب بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة- مع کثرة استعمالها فی الترتّب علی نحو الترتّب علی الغیر المنحصرة منها بل فی مطلق اللزوم- بعیدة، عهدتها علی مدعیها، کیف؟ و لایری فی استعمالها فیهما عنایة و رعایة علاقة، بل إنّما تکون إرادته کإرادة الترتّب علی العلّة المنحصرة بلا عنایة، کما یظهر علی من أمعن النظر و أجال البصر فی موارد الاستعمالات و فی عدم الإلزام و الأخذ بالمفهوم فی مقام المخاصمات و الاحتجاجات و صحة الجواب بأنّه لم یکن لکلامه مفهوم و عدم صحته لو کان له ظهور فیه معلوم» و فی حواشی المشکینی، ج2، ص271: «و قد أجیب عنها بوجوه: الأوّل أنّ استعماله فی غیر الترتّب العلّی المنحصر لایحتاج إلی لحاظ العنایة، مثل: «إذا بلت فتوضّأ» و «إذا نمت فتوضّأ» لایقال: لعلّه لکون التصرّف فی الإرادة اللُّبیة نظیر: «زید أسد» فإنّه یقال: إنّه أیضاً محتاج إلی لحاظ العنایة. الثانی: عدم إلزام المتکلّم بالقضیة الشرطیة بالمفهوم و صحّة الجواب: بأنّه لم یکن لکلامه مفهوم و هذان الوجهان قد أشار إلیهما المصنّف. الثالث: ما قاله الأستاذ (قدس سره): من أنّه لو وضع للمعنی المذکور لزم عدم صحّة الاستعمال فی غیره، لأنّ المصحّح له إمّا الوضع أو العلاقة و الفرض عدم الأوّل و الثانیة مفقودة أیضاً، إذا استعمال مقید فی مقید آخر غیر جائز و القول بأنّه مستعمل فی مطلق اللُّزوم و الخصوصیة الأخری أریدت من دالّ آخر، غیر نافع، لأنّ استعمال الخاصّ فی العامّ -أیضاً- غیر جائز. انتهی و فیه: أنّ المصحّح للاستعمال فی غیر الموضوع له هی المناسبة الذوقیة و هی موجودة» و راجع أیضاً حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص436 و منتقی الأصول، ج3، ص223.
الوجه الثانی: الإطلاق الانصرافی
اشارة

و بیانه هو أنّ الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة أکمل أفراد الترتّب و المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی أکمل الأفراد، أو فقل: إنّ أکمل أفراد العلقة اللزومیة هو اللزوم بین العلّة المنحصرة و معلولها فلابدّ أن ینصرف المطلق عند الإطلاق إلیه و هذا الإطلاق الانصرافی یوجب أن یحمل الترتّب و اللزوم فی القضیة الشرطیة علی الترتّب المطلق و اللزوم المطلق.

ص: 54

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بمنع الصغری و الکبری:

((1))

أما منع الکبری: فلعدم کون الأکملیة موجبة للانصراف إلی الأکمل، سیما مع کثرة الاستعمال فی غیره.

و أما منع الصغری: فلعدم کون اللزوم بین العلة المنحصرة و معلولها أکمل مما إذا لم تکن العلّة بمنحصرة فإنّ الانحصار لایوجب أن یکون ذاک الربط الخاص الذی لابدّ منه فی تأثیر العلّة فی معلولها آکد و أقوی.

ص: 55


1- . فی کفایة الأصول ص195: «و أمّا دعوی الدلالة، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومیة إلی ما هو أکمل أفرادها و هو اللزوم بین العلّة المنحصرة و معلولها ففاسدة جداً، لعدم کون الأکملیة موجبة للانصراف إلی الأکمل، لاسیما مع کثرة الاستعمال فی غیره، کما لایکاد یخفی. هذا مضافاً إلی منع کون اللزوم بینهما أکمل ممّا إذا لم تکن العلة بمنحصرة فإنّ الانحصار لایوجب أن یکون ذاک الربط الخاص الذی لابدّ منه فی تأثیر العلّة فی معلولها آکد و أقوی» و فی غایة المسئول، ص334: «و فیه نظر أمّا أوّلاً: فلأنّ وضع الحروف شخصی و الموضوع له فیها جزئی لا فرد له حتی ینصرف إلیه و أمّا ثانیاً: فلأنّ انصراف المطلق إلی الفرد الکامل غیر مسلم ما لم یکن شائع الاستعمال فیه و شیوع الاستعمال فی المقام غیر مسلم لکثرة استعمال الشرطیة فی الاتفاقیات و الوصلیات و موارد معلولیة الأوّل للثانی و أمّا ثالثاً: فلأنّ کون علقة العلیة أکمل لایوجب إلاّ ظهور تحقّق العلیة بین المقدّم و التالی فما وجه الحکم بعلیة الأوّل للثانی دون العکس» و فی حواشی المشکینی، ج2، ص272: «و منشؤه إن کانت دعوی الأکملیة ففیه ما أورده المصنّف من الوجهین: من منع الکبری، لأنّ المنشأ هو التشکیک اللفظی و هو أنس اللفظ بالمعنی و کونه من مراتب وجوده، لا التشکیک الحقیقی الخارجی و من منع الصغری، لکون التأثیر فی کلا القسمین علی نسق واحد ... و إن کانت کثرة الاستعمال فهی ممنوعة صغری، بل دعوی کثرته فی غیر المنحصرة غیر بعیدة و إن کانت غلبة الوجود فهی ممنوعة صغری و کبری» و راجع أیضاً درر الفوائد ج1، ص192– 193؛ نهایة الأفکار ج1 - 2، ص481؛ عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص172؛ بحوث فی علم الأصول، ج3، ص164.
الوجه الثالث:
اشارة

و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الأول.((1))

إنّ مقتضی الإطلاق بمقدمات الحکمة هو العلّیة المنحصرة کما أنّ مقتضی إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسی.

بیانه: إنّ الوجوب النفسی مقید بقید عدمی و هو الوجوب لا للغیر و الوجوب الغیری مقید بقید وجودی و هو الوجوب للغیر.

و قد تقدم فی بحث الوجوب النفسی أنّه فیما إذا تمّت مقدمات الحکمة یتمسک بالإطلاق لإثبات أنّ الوجوب نفسی لأنّ القید العدمی لایحتاج إلی البیان الزائد أما القید الوجودی فیحتاج إلی مؤونة بیان زائد.

و هذا الإطلاق أیضاً یجری فی مفهوم الشرط، فإنّ العلّة المنحصرة هی التی لیس معها شیء و العلّة غیر المنحصرة هی ما یکون معها عدل فی العلّیة و مع عدم بیان عدل للشرط فیتمسک بالإطلاق و هو یقتضی انحصار العلّة.

ص: 56


1- . فی کفایة الأصول، ص195: «إن قلت: نعم و لکنّه قضیة الإطلاق بمقدّمات الحکمة، کما أنّ قضیة إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسی». و فی حواشی المشکینی، ج2، ص273: «تقریبه: أنّ کلمة «إن» أو هیئة الجملة الشرطیة، موضوعة لمطلق اللزوم، إلاّ أنّ له فردین: اللزوم بنحو الانحصار و اللزوم لا معه فإذا جرت المقدّمات الثلاث اللازمة فی کلّ مقام و ضمّ إلیها العلم بعدم إرادة الجامع، لعدم کون شی ء واحد علّة منحصرة و غیر منحصرة، یحمل علی الأولی دون الثانیة، نظیر التمسُّک بإطلاق صیغة الأمر فی إثبات النفسیة».
إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر:
الإیراد الأول:
اشارة

((1))

«هذا فیما تمّت هناک مقدمات الحکمة و لا تکاد تتم فی ما هو مفاد الحرف کما ههنا و إلا لما کان معنی حرفیا کما یظهر وجهه بالتأمل».((2))

بیان ذلک: إنّه یعتبر فی جریان الإطلاق بمقدمات الحکمة أن یکون المعنی قابلاً للإطلاق و المعنی الحرفی لیس کذلک.

و الوجه فیه: أولاً: جزئیة المعنی الحرفی لأنّ الجزئی لا یکون قابلاً للتقیید فلایکون قابلاً للإطلاق أیضاً.

ثانیاً: أنّ المعنی الحرفی لا یلحظ استقلالاً و ما لا یلحظ استقلالاً لایکون قابلاً للإطلاق و التقیید، فالإطلاق و التقیید یجریان فی المعانی الاسمیة التی تلحظ استقلالاً لا المعانی الحرفیة التی تلحظ آلیاً.

ص: 57


1- . فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج1، ص609 عند التعلیقة علی قوله کما یظهر وجهه بالتأمّل: «إذ ملاحظة العلیة و اللزوم و الترتّب بنحو الإطلاق المقتضی لشرطیة المقدّم فقط لاتکون إلّا بالنظر الاستقلالی فیوجب إنقلاب المعنی الحرفی اسمیاً». و فی حواشی المشکینی، ج2، ص273: «و أورد علیه بوجوه: أوّلها أنّ قرینة الحکمة مثل الانصراف لابدّ فیه من استعمال اللفظ فی الطبیعة لا بشرط، لا فیها مع القید و لو کان هو الشمول ثمّ لحاظ انطباقها علی المقید و لذا یقولون بکون المطلق حقیقة فی کلا المقامین فحینئذٍ یلزم من الثانی کون المعنی الحرفی ملحوظاً استقلالاً، لأنّ الانطباق نسبة بین المنطبق و المنطبق علیه و هی لاتتحقّق بلا لحاظ طرفیها استقلالاً و هو مناف لکونه معنی حرفیاً و هو الذی أشار إلیه بقوله: (قلت: أوّلاً) إلی آخره».
2- . کفایة الأصول، ص195.
أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((1))

أولاً: بالنقض حیث إنّ مدالیل الهیئات کلها معان حرفیة و مع ذلک تمسکوا بإطلاقها لإثبات نفسیة الوجوب و عینیته و تعیینیته فی قبال الغیریة و الکفائیة و التخییریة فإن قلنا بأنّ المعنی الحرفی غیر قابل للإطلاق و التقیید فلا یمکن أن نتمسک بإطلاق هیأة «افعل».

ثانیاً: بالحلّ فإنّ مفاد الهیئات علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) مثل مفاد المعانی الاسمیة کما قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی بحث الواجب المشروط أما حدیث عدم الإطلاق فی مفاد الهیأة فقد حققنا سابقاً أنّ کل واحد من الموضوع له و المستعمل فیه فی الحروف یکون عامّاً کوضعها.

و أما علی ما هو مقتضی التحقیق أیضاً یکون المعنی الحرفی قابلاً للإطلاق و التقیید.

و لعلّ وجه ذلک هو أنّ خصوصّیة المعنی الحرفی و جزئیته بتقومها بطرفیها فالمعانی الحرفیة لیست کلیة بمعنی ما لا مانع من صدقها علی الکثیرین لعدم الجامع الذاتی بین أفرادها بل هی کلیة بمعنی قبولها للوجودات، و تقیید المعانی الحرفیة و الهیئات هو بمعنی أنّ البعث الملحوظ نسبة بین أطرافها من الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه ربما یکون مطلقاً و أُخری یکون مخصّصاً و مشروطاً من جهة الشرط الذی علّق علیها.

و الإطلاق و التقیید فی المعانی الحرفیة لیسا بمعنی سعة المفهوم و تضییقه حتی یستشکل علیه بعدم إمکان سعة مفهومه و تضییقه بل الإطلاق بمعنی عدم

ص: 58


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص180.

تعلیق الفرد الموجود علی شیء و تعلیق الطلب لیس من شؤونه حتی یکون موجباً لتضییق دائرة مفهومه، فالتقیید بمعنی تعلیقه علی أمر مقدر الوجود.((1))

ص: 59


1- . راجع نهایة الدرایة، ج2، ص59. هنا أجوبة أخر: الجواب الأوّل: ما فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج1، ص609 قال: «و هو منقوض بالوجوب الإطلاقی فی قبال المشروط و فی استفادة الوجوب من الطلب الجامع بمقدّمات الحکمة و حله علی مسلکه (قدّس سرّه) بملاحظة المعنی الحرفی الوسیع أو الضیق بتبع المعنی الاسمی فملاحظة العلّة و المعلول علی نحو لاینفکّ أحدهما عن الآخر ملاحظة العلیة المنحصرة بالتبع» و فی منتقی الأصول، ج3، ص225 – 226 بعد ذکر نقض المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و حله: «و هذا الحل لو تمّ فهو ممّا یمکن الالتزام به فی الواجب المطلق فیلتزم بأنّ مجری المقدّمات هو المادة و متعلّق الوجوب فیتمسک بإطلاقه فی نفی تقید الوجوب و من المحتمل أن یکون نظر صاحب الکفایة فی ذلک المقام إلی هذا الطریق و أمّا فی الوجوب و الندب فلایمکن الالتزام به، إذ الاختلاف بین الوجوب و الندب لایمت إلی متعلّقهما بصلة أصلاً، بل هو اختلاف فی حقیقتهما و متعلّق الوجوب نفسه هو الذی یکون متعلّقاً للندب لو کان هو المراد بالکلام بلا تغیر فیه أصلاً فإطلاق المادّة یجدی فی إثبات الوجوب أو الندب و أمّا فیما نحن فیه فدعوی أنّ إطلاق المتعلّق یفید تعیین أحد النوعین من الترتب و إن کانت موجودة - کما ستعرف إن شاء الله تعالی - إلّا أنّه یمتنع أن یکون نظر المدعی للوجه الأوّل من الإطلاق إلیه، إذ المفروض أنّه ذکر وجها فی قبال الوجه القائل بالتمسک بإطلاق الشرط نفسه، بل المنظور فی هذا الوجه کون محل الإطلاق نفس الترتّب لا متعلّقه فیتجه علیه الإشکال المذکور فی الکفایة کما لایخفی». الجواب الثانی: ما فی حقائق الأصول ج1، ص451 عند التعلیقة علی قوله «کما یظهر وجهه» قال: «إن کان من أجل أنّ معنی الحروف جزئیاً لایقبل الإطلاق و التقیید فقد تقدّم منه فی معانی الحروف و فی الواجب المشروط و غیرهما خلافه و أنّه کلی لا جزئی و إن کان من جهة أن الإطلاق یتوقّف علی لحاظ المعنی مستقلاً و المعنی الحرفی لایلحظ کذلک فقد تقدّم فی الواجب المشروط إمکان إرجاع القید فی القضایا الشرطیة إلی هیئة الجزاء مع أنّها موضوعة وضع الحروف». الجواب الثالث: ما فی حواشی المشکینی، ج2، ص274 قال: «فیه أوّلاً: إنّ لحاظ التطبیق لبّی لا استعمالی فلایلزم المحذور و ثانیاً: إنّ الانطباق لیس ملحوظاً فی استعمال کلمة «إن»، بل هو ناشئ من قبل القرینة سواء کانت شخصیة أو نوعیة کالانصراف و قرینة الحکمة و ثالثاً: أنّه مناف لتمسّکه فی صیغة الأمر بإطلاقها فی إثبات النفسیة و التعینیة و العینیة و الوجوب علی فرض کونها حقیقة فی مطلق الطلب، کما تقدّم منه فی الأوامر». الجواب الرابع: ما فی عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص173 قال: «و فیه ما تقدّم من المصنّف هناک من کون اللحاظ الآلی خارجاً عن المعنی الحرفی کخروج اللحاظ الاستقلالی عن المعنی الاسمی و إلّا لکان الاسمی أیضاً جزئیاً کالحرفی و مع خروج اللحاظ عن المعنی الحرفی و کونه کالاسمی یکون قابلاً لا محالة لانعقاد الإطلاق کما لایخفی».
الإیراد الثانی:

(1)

«تعینه [أی تعین اللزوم و الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة] من بین أنحائه [أی أنحاء اللزوم و الترتّب] بالإطلاق المسوق فی مقام البیان بلا معین و مقایسته بتعینالوجوب النفسی بإطلاق صیغة الأمر مع الفارق، فإنّ النفسی هو الواجب

ص: 60


1- . فی منتقی الأصول، ج3، ص226 – 227: «إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ذکر- فی مقام توضیح الإیراد الثانی: إنّ الوجوب النفسی و الغیری یختلفان سنخاً فکان مقتضی الإطلاق تعیین النفسی و لیس کذلک الترتّب المنحصر وغیره فإنّهما متحدان سنخاً فلایعین الإطلاق أحدهما و نحن و إن اتفقنا معه فی الرأی، لکن لانوافقه علی أسلوب البیان فإنّ التمسک بالإطلاق لایتوقف علی اختلاف السنخ، بل هو لأجل نفی الخصوصیة الزائدة و لو اتحد المطلق و المقید سنخاً و حقیقة، کما فی الوجوب النفسی و الغیری فإنّهما متحدان حقیقة و إن اختلفا فی الخصوصیات، بل لابدّ من الاتحاد فی الحقیقة کما لایخفی. اللّهمّ إلّا أن یکون مراده من اختلاف السنخ الاختلاف فی الخصوصیات الطارئة علی الحقیقة الواحدة المنوعة لها أو المصنفة، لا الاختلاف فی الحقیقة و الماهیة فلاحظ» و فی درر الفوائد، ج1، ص193: «و لو سلّم أنّ حمله علیهما إنّما یکون من جهة مقدّمات الإطلاق فقیاس ما نحن فیه علیه قیاس مع الفارق فإن حمل الطلب علی النفسی و التعیینی عند الإطلاق من جهة أنّهما قسمان من الطلب فی قبال قسمین آخرین منه و لکل من الأقسام أثر خاص فلو لم یحمل علی قسم خاص فلابدّ من الالتزام بالإهمال و المفروض کونه فی مقام البیان فیجب أن یحمل علی ما هو أخفّ مئونة من الأقسام و النفسی أخفّ مئونة من الغیری فإنّ الغیری یحتاج إلی لحاظ الغیر و کذا التعیینی أخفّ مئونة من التخییری لأنّه یحتاج إلی ذکر البدل و هذا بخلاف انحصار العلّة فإنّه عنوان منتزع من عدم علة أخری و من المعلوم أنّ وجود علة أخری و عدمها لیسا موجبین لتفاوت العلة أصلاً فلو أراد بیان الانحصار یحتاج إلی دالّ مستقل آخر کما أنّه لو أراد بیان عدمه یحتاج إلی مبین آخر فافهم».

علی کل حال بخلاف الغیری فإنّه واجب علی تقدیر دون تقدیر، فیحتاج بیانه إلی مؤونة التقیید بما إذا وجب الغیر، فیکون الإطلاق فی الصیغة مع مقدمات الحکمة محمولاً علیه.

و هذا بخلاف اللزوم و الترتّب بنحو الترتب علی العلّة المنحصرة، ضرورة أنّ کل واحد من أنحاء اللزوم و الترتّب محتاج فی تعینه إلی القرینة مثل الآخر، بلاتفاوت أصلاً».((1))

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ الانحصار و عدمه لیسا من شؤون العلّیة أصلاً حتی یکون الإطلاق مقتضیاً لإثبات الخصوصیة أو نفیها بل حیثیة العلّیة أجنبیة عن حیثیة الانحصار و عدمه و إنّما هما من شؤون العلّیة، و الکلام فی الإطلاق من حیث السببیة لا الإطلاق من حیث وحدة السبب و تعدّده.

فتحصّل من ذلک بطلان الطریق الثالث (أی التقریر الأول للتمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة).

ثم إنّ الطریق الثالث لو ثبت یکون دلیلاً علی انحصار العلّیة فی الشرط بعد الفراغ عن أصل علّیته فلایکاد أن یتمسک به لإثبات العلّیة أوّلاً و انحصارها فی الشرط ثانیاً بخلاف الطریق الثانی و هو الإطلاق الانصرافی.

ص: 61


1- . أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی کفایة الأصول، ص195 و فی حواشی المشکینی، ج2، صفحه 274: «و فیه: أنّه قد مرّ فی مبحث الأمر: أنّ التوسّع فی مقام الثبوت لایوجب الحمل علیه فی مقام الإثبات بعد کون اللفظ حقیقة فی المقسم».
2- . أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص416.

هنا إیرادات أخر لانطیل الکلام بذکرها. ((1))

الوجه الرابع:
اشارة

و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الثانی((2)) (إطلاق الشرط و العلّة).

ص: 62


1- . فی درر الفوائد، ج1، ص193: «و فیه أوّلاً: أنّه لیس حمل الطلب علی النفسی و التعیینی من جهة الإطلاق بل یحمل علی النفسی عند الشک فی کونه نفسیاً أو غیریاً و علی التعیینی عند الشک فی کونه تعییناً أو تخییریاً إمّا من جهة ظهوره عرفاً فیها عند خلوّ اللفظ عمّا یدلّ علی غیرهما و إمّا من جهة أنّ الطلب المتعلّق بشیء حجة عقلاً علی کونه واجباً نفسیاً تعیینیاً بمعنی أنّه لو کان کذلک فی الواقع یصحّ العقوبة علی مخالفته و لایجوز عند العقل الإتیان بما یحتمل أن یکون بدلاً له» و فی حواشی المشکینی، ج2، صفحه 275: «و أورد علیه بوجوه: ... الثالث: أنّ المقام و إن کان مثل صیغة الأمر من کلّ جهة، إلاّ أنّ بناء العرف هناک علی إرادة النفسی عند جریان المقدّمات دون الغیری لأنّ بناءهم فیه علی نصب قرینة خاصّة، بخلاف المقام، فإنّهم ینصبون فی کلّ منهما قرینة خاصّة و فیه: أنّ الظاهر تحقّق البناء فی کلّ من المقامین. الرابع: أنّ کلمة إن أو هیئة الجملة موضوعة بالوضع العامّ للأشخاص الخارجیة فلیس هنا مطلق حتی یعین به أحد فردیه و قد تمسّک به فی التقریرات فی منع الانصراف و هو جار فی المقام أیضاً و فیه: منع هذا المبنی کما مرّ مراراً، مضافاً إلی أنّه لایمنع ما ذکرناه فی ذیل ردّ الوجه الثالث فإنّ البناء المذکور یکون قرینة علی کون هذا الفرد مراداً، نعم لایکون من باب الإطلاق. الخامس: أنّه لاینفع القائل بالمفهوم لأنّ الإطلاق المذکور یدور مدار جریان المقدّمات و لیس دائمیاً و مقصوده إثبات الظهور بحیث یکون متّبعاً ما لم تکن قرینة شخصیة علی الخلاف کما مرّ» و فی عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص173: «(أقول) بل قد عرفت منّا فی المبحث السادس من مباحث الصیغة أنّ إطلاق الصیغة أیضاً ممّا لایقتضی کون الوجوب نفسیاً لا غیریاً (و علیه) فیرد علی التمسک المذکور مضافاً إلی المنع فی المقیس أنّ اقتضاء الإطلاق کون الوجوب نفسیاً فی المقیس علیه أیضاً ممنوع».
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص164 و 165 ذکر تقریباً هو نظیر التقریر الثانی قال: «إنّ هناک فقرات لابدّ من إثباتها للتوصل إلی المفهوم فی الجملة الشرطیة ... الفقرة الثالثة کون العلیة انحصاریة ... و أمّا الانحصاریة فلأنّها مقتضی الإطلاق الأحوالی للشرط فإنَّ مقتضی الجملة الشرطیة ثبوت الاستلزام و العلّیة للشرط مطلقاً سواء اقترن بشی ء آخر أو سبقه شی ء آخر أو لا و هذا لایکون إلّا مع افتراض الشرط علّة منحصرة و بعبارة أخری: فی حالة اجتماع الشرط مع شی ء آخر یحتمل علّیته إمّا أن یکون کل منهما علّة مستقلة لحکم واحد أو یکون کل منهما علّة مستقلة لفرد من الحکم غیر الآخر أو و یکون کل منهما جزء العلّة للحکم الواحد و کل هذه الاحتمالات مستحیلة إذ یلزم من الأوّل اجتماع علّتین مستقلتین علی معلول واحد و یلزم من الثانی اجتماع الحکمین المثلین علی متعلّق واحد و یلزم من الثالث مخالفة ظهور الشرطیة فی أنّ الشرط تمام السبب لترتّب الجزاء کما یعترف به المنکر للمفهوم أیضاً و هذا التقریب لو تمّ ثبت المفهوم بلحاظ مرحلة المدلول التصدیقی للکلام المستکشف بالإطلاق و مقدّمات الحکمة» ثمّ ذکر فیه إشکالات ثلاثة فقال بعد الإشکال الأوّل: «و ثانیاً: ما جاء فی الفقرة الثالثة من إمکان إثبات العلّیة الانحصاریة بالإطلاق الأحوالی للشرط إنّما یجدی فی علّة محتملة یمکن أَنْ تجتمع مع الشرط فی الجملة الشرطیة و أمّا إذا کانت العلّة المحتملة ممّا لایمکن اجتماعها مع الشرط فلا معنی للتمسک بالإطلاق الأحوالی المذکور حینئذٍ، إذ یمکن اختیار الشقّ الثانی من الشقوق الثلاثة فی ذلک التقریب أعنی احتمال کون العلّة الأخری علّة مستقلّة أیضاً لحصة أخری من الحکم إذ لایلزم منه اجتماع حکمین مثلین علی موضوع واحد بعد أن افترضنا عدم اجتماع الشرطین معاً و ثالثاً: إمکان اختیار الشقّ الثالث من الشقوق المتقدّمة فی التقریب، أعنی احتمال کون الشرط حین اجتماعه مع العلّة الأخری المحتملة کل منهما جزء العلّة لإیجاد الجزاء الواحد، لأنَّ هذه الجزئیة لیست ناشئة عن القصور الذاتی للشرط کی یکون خلاف ظاهر الجملة الشرطیة فی کفایة الشرط لإیجاد الجزاء و إنّما هو قصور بالعرض و نتیجة الاقتران بین علّتین مستقلّتین فی نفسهما و مثل هذه الجزئیة غیر منفیة بالإطلاق لأنَّ الترتّب و العلّیة بین الشرط و الجزاء محفوظ فی هذه الحالة أیضاً غایة ما هنالک وجود فرق فی کیفیة تخریج هذه العلّیة فلسفیاً و حلّ إشکال عقلی فی کیفیة استناد المعلول إلی علّته و لا ربط لذلک بالدلالة».

إنّه لو لم یکن الشرط منحصراً یلزم علی المتکلم تقییده بأمر سابق أو مقارن ضرورة أنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثّر وحده بل التأثیر للأمر السابق فیما إذا سبق غیره و للجامع بینهما أو لمجموعهما فی صورة المقارنة و مقتضی إطلاق الشرط هو کونه شرطاً من دون دخل أمر سابق أو مقارن و هذا الإطلاق یدل علی أنّ الشرط هی العلّة المنحصرة.

ص: 63

إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر:
اشارة

((1))

الإیراد الأول: من صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ هذا الإطلاق لو تمّ فلاتکاد تنکر الدلالة علی المفهوم إلّا أنّ انعقاد الإطلاق لو لم نقل بعدم اتفاقه فهو نادر تحققاً، لعدم إحراز أنّ المتکلم کان فی مقام بیان انحصار الشرط و العلّة بل المتکلم هو فی مقام بیان ترتّب الجزاء علی الشرط من دون نظر و التفات إلی أنّه بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة أو لا. (فالقضیة الشرطیة تدل علی استناد الجزاء إلی الشرط و لاتدل علی أنّ الشرط هو تمام ما هو المؤثر و المستند).

یلاحظ علیه:

إنّ الأصل فی الخطابات الشرعیة هو کون الشارع فی مقام بیان تمام القیود، کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

الإیراد الثانی: من المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):
اشارة

الإیراد الثانی: (3) من المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح الإیراد (إیراد صاحب الکفایة (قدس سره)) علی هذا الطریق:

ص: 64


1- . إیرادان آخران: الإیراد الأوّل: ما فی فوائد الأصول، ج1 - 2، ص481؛ و الإیراد الثانی: ما فی عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص174– 175 فراجع.
2- . فی کفایة الأصول، ص196: «وفیه: أنّه لاتکاد تنکر الدلالة علی المفهوم مع إطلاقه کذلک، إلّا أنّه من المعلوم ندرة تحققه، لو لم نقل بعدم اتفاقه».
3- . فی منتقی الأصول، ج3، ص228: «و لم یعلم المقصود من کلام الکفایة و ما هو المراد من عدم کونه فی مقام البیان من هذه الجهة و المحتملات فیه متعدّدة. الاحتمال الأوّل: ما ذکره المحقّق الإصفهانی- و بعض المحشین علی الکفایة و هو المشکینی، کما ذکره المحقّق النائینی فی مقام الإیراد علی هذا الوجه- من أنّ القضایا الشرطیة الشرعیة لیست فی مقام بیان فعلیة تأثیر هذا الشرط و علّیته فعلاً، بل هی فی مقام بیان اقتضاء هذا الشرط لتحقق الجزاء و هو لاینافی عدم ترتّب الجزاء علیه لاحتفافه بالمانع أو عدم الشرط، کما لاینافی کون غیره مقتضیاً و جزء المؤثر و علیه فتأثیر غیره فی الجزاء لو سبقه لاینافی کونه مقتضیاً، کما لایخفی، نعم لو کانت فی مقام بیان أنّه شرط ومؤثر فعلاً کان مقتضی الإطلاق انحصار الشرط فیه و هذا التوجیه لایمکننا الالتزام به لأنّه غیر صحیح فی نفسه فإنّ الالتزام به یقتضی تأسیس فقه جدید، لأنّ مقتضاه أن لایستفاد من القضایا الشرطیة الواردة فی لسان الشارع فعلیة الوجوب عند تحقّق الشرط، إذ لا رافع لاحتمال وجود المانع أو انتفاء الشرط و هذا ممّا لایتفوّه به أحد فهل تری أحداً یتوقف فی الحکم بوجوب الوضوء عند النوم استناداً إلی قوله: إذا نمت فتوضأ؟»

إنّ القدر المسلّم من القضیة الشرطیة إفادة العلّیة و صلاحیة الشیء للتأثیر من دون دخل شیء وجوداً أو عدماً فی علیته الذاتیة، و أما ترتّب المعلول بالفعل علی العلّة فهو أمر آخر قد یتفق سوق الإطلاق بلحاظه. ((1))

کما قال المحقق النائینی (قدس سره): إنّ استناد التالی فی وجوده إلی المقدم بالفعل فلیس المتکلم فی مقام بیانه قطعاً لیتمسک بإطلاق کلامه لإثبات انحصار العلّة بالمقدم.((2))

و توضیح ذلک:

إنّ القضیة الشرطیة هی فی مقام بیان اقتضاء الشرط و صلاحیته للتأثیر فی تحقق الجزاء و ترتّبه علیه لا فی مقام بیان فعلیة تأثیر الشرط فی تحقق الجزاء و لذا لاینافی ذلک عدم ترتّب الجزاء لوجود مانع کما أنّه لاینافی کون غیره جزء المؤثر.

أمّا الجواب عن هذا الإیراد:

قال (قدس سره) فی منتقی الأصول:((3)) إنّ مقتضی هذا الإیراد هو أن لایستفاد من القضایا

ص: 65


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص416.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص250؛ فوائد الأصول، ج2، ص481.
3- . منتقی الأصول، ج3، ص228.

الشرطیة فی لسان الشارع فعلیة الوجوب عند تحقق الشرط فلابدّ أن یتوقف فی الحکم بوجوب الوضوء فی قوله «إذا نُمْتَ فَتوَضأ».

و قال بعض الأساطین (دام ظله):((1))بعد الفراغ عن الترتّب و علّیة الشرط یقال: إنّ الألفاظ تفید فعلیة وجود المعنی لا شأنیته فأداة الشرط ظاهرة فی الشرطیة الفعلیة لا الشرطیة الشأنیة.

و لایخفی أنّ هذا الإطلاق لو تمّ یدلّ علی انحصار العلّة فلابدّ فیه من إحراز کون الشرط علّة حتی یتمسّک بهذا الإطلاق لبیان انحصاره و أما لو لم یثبت علّیة الشرط للجزاء فلایفید التمسک بهذا الإطلاق.

الإیراد الثالث:
اشارة

(2)

بعض الأعلام استشکل هذا التقریر بأنّه یبتنی علی دلالة القضیة الشرطیة علی ترتّب الجزاء علی الشرط بنحو ترتّب المعلول علی العلّة مع أنّه غیر ثابت.

ص: 66


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص183.
2- . فی درر الفوائد، ج1، ص194: «و الجواب أنّه لو تکرّر المسبّب بتعدّد الأسباب فلایلزم إهمال السبب أو استناد المسبّب إلی مجموع السببین فیحفظ الإطلاق المستفاد من القضیة و هو أنّه متی یوجد الشرط یترتّب علیه الجزاء من دون لزوم القول بالحصر و أمّا لو فرضنا الجزاء واحداً علی کل حال فاللازم علی تقدیر تعدّد الأسباب و إن کان عدم ترتّبه علی الشرط أصلاً أحیاناً و عدم کونه مستقلاً کذلک لکنّک عرفت ممّا تقدّم أنّا ما سلمنا دلالة القضیة علی کون الشرط علّة تامّة بل المقدار المسلّم وقوع الجزاء عقیب الشرط مع ربط بینهما و تکفی فی الربط کونه صالحاً للتأثیر فیه و إن منع من تأثیره سبق علّة أخری» و فی فوائد الأصول ج1 - 2، ص481 – 482: «و لکنّ الإنصاف: أنّ هذا التقریب لایستقیم، لأنّه أوّلاً ... و ثانیاً: إنّ القضیة الشرطیة لا دلالة لها علی استناد الجزاء إلی الشرط و کون وجوده معلولاً لوجوده، بل غایة ما تدلّ علیه القضیة الشرطیة، هو الترتّب بین الجزاء و الشرط و وجود الجزاء عند وجود الشرط و هذا المعنی لایتفاوت الحال فیه، بین کون الشرط علّة منحصرة أو غیر منحصرة فإنّ الجزاء یکون مترتباً علی الشرط علی نسق واحد، سواء کان هناک شرط آخر أو لم یکن» و فی المحاضرات ج5، ص65: «هذا القول خاطئ جداً و لا واقع موضوعی له و السبب فی ذلک هو أنّ غایة ما تدلّ القضیة الشرطیة علیه هو ثبوت الملازمة بین التالی و المقدّم فحسب و أمّا ترتّب التالی علی المقدّم فإنّه لیس مدلولاً لها و إنّما هو قضیة تفریعه علیه فی ظاهر القضیة و تعلیقه و من هنا قلنا أنّ القضیة مع هذا التفریع لاتدلّ إلّا علی مطلق ترتّب الجزاء علی الشرط و أمّا الترتّب الخاص و هو ترتّب المعلول علی العلّة فلایستفاد منها إلّا بقرینة خاصة فضلاً عن کون هذا الترتّب من ترتّب المعلول علی العلّة المنحصرة».
أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((1))

إنّه إشکال مبنائی لأنّا افترضنا مفروغیة علّیة الشرط للجزاء (فإنّ بعض الأساطین (دام ظله) من أساتیذنا اختار ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)).

و الحاصل: أنّه لایبعد تمامیة هذا الوجه.

الوجه الخامس:
اشارة

و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الثالث((2)) (إطلاق الشرط أیضاً).

قد أورده فی الکفایة بعنوان التوهم ثم ناقش فیه((3)) و فی قبال صاحب الکفایة (قدس سره) بعض الأعلام مثل المحقق النائینی (قدس سره) اعتمدوا علی هذا الوجه.

بیان المحقق النائینی (قدس سره):

(4)

تقریره لإطلاق الشرط هو أنّ الشرط المذکور فی القضیة الشرطیة إما یکون

ص: 67


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص182.
2- . اختار هذا التقریر فی الفوائد الحائریة، ص184، و فی أصول الفقه، ج1، ص162 – 163 فراجع.
3- . کفایة الأصول، ص196.
4- . أجود التقریرات، ج2، ص251 و فی فوائد الأصول، ج2، ص483: «و إن کان الشرط، علی الوجه الأوّل، کمجیء زید و رکوبه و جلوسه و غیر ذلک من الحالات التی لایتوقف إکرامه علیها عقلاً فلا محالة یکون الجزاء مقیداً بذلک الشرط فی عالم الجعل و التشریع و معنی التقیید هو إناطة الجزاء بذلک الشرط و مقتضی إناطته به بالخصوص هو دوران الجزاء مداره وجوداً و عدماً، بمقتضی الإطلاق و مقدّمات الحکمة، حیث إنّه قید الجزاء بذلک الشرط بخصوصه و لم یقید بشیء آخر ... و مقتضی ذلک هو دوران الجزاء مدار ما جعل شرطاً فی القضیة، بحیث ینتفی عند انتفائه و هو المقصود من تحقّق المفهوم للقضیة فمقدمات الحکمة إنّما تجری فی ناحیة الجزاء من حیث عدم تقییده بغیر ما جعل فی القضیة من الشرط، لا فی الشرط ... و الحاصل: أنّ إطلاق الجزاء فی المقام بالنسبة إلی ما عدا الشرط فی اقتضائه المفهوم یکون کإطلاق الوجوب فی اقتضائه النفسیة العینیة التعیینیة، من غیر فرق بین المقامین أصلاً، حیث إنّ مقدّمات الحکمة إنّما تجری لاستکشاف المراد و أنّ المراد النفس الأمری هو ما تضمّنه الکلام بعد إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان، کما هو الأصل الجاری عند العقلاء فی محاوراتهم، حیث إنّ الأصل العقلائی یقتضی کون المتکلّم فی مقام بیان مراده النفس الأمری، إلّا أن تکون هناک قرینة نوعیة علی الخلاف و فی المقام مقتضی تقیید الجزاء بالشرط هو کون المتکلّم فی مقام البیان».

فی حدّ ذاته ممّا یتوقف علیه عقلاً وجود ما هو متعلق الحکم فی الجزاء، و إما لا یکون کذلک.

و علی الأوّل فبما أنّ ترتّب الجزاء علی الشرط و تقیده به قهری فلایکون للقضیة مفهوم مثل قولهم: إن رزقت ولداً فاختنه حیث إنّه لبیان تحقق الحکم عند تحقق الموضوع.

و أما علی الثانی فالحکم الثابت فی الجزاء إما مطلق بالنسبة إلی الشرط المذکور أو مقید به و ظاهر القضیة الشرطیة هو أنّه مقید بوجود الشرط، و بما أنّ المتکلم فی مقام البیان و قد أتی بقید واحد و لم یقیده بشیء آخر سواء کان التقیید بذکر عدل له ب- «أو» أم بانضمام شیء إلیه ب- «الواو» فیستکشف من عدم تقیید الشرط بالشیء الآخر الذی یعطف علیه ب- «الواو» عدم کون الشرط مرکباً من المذکور

ص: 68

فی القضیة و غیره و أیضاً یستکشف من إطلاقه و عدم تقییده بمثل العطف ب: «أو» انحصار الشرط بما هو مذکور فی القضیة.

و هذا نظیر استفادة الوجوب التعیینی من إطلاق الصیغة، فکما أنّ إطلاقها یقتضی عدم سقوط الواجب بإتیان ما یحتمل کونه عدلاً له فیثبت به کون الوجوب تعیینیاً، کذلک مقتضی الإطلاق فی المقام هو انحصار قید الحکم بما هو مذکور فی القضیة، فیثبت به أنّه لا بدل له فی ترتّب الحکم علیه.

بیان الفرق بین التقریر الثانی و الثالث:

((1))

إنّ کلیهما من باب إطلاق الشرط لکن الإطلاق بتقریره الثانی کان بلحاظ حالات الشرط من جهة انضمام شیء إلی الشرط سواء کان مسبوقاً أم مقارناً و أما الإطلاق بتقریره الثالث فکان بلحاظ عدل الشرط و بدله و إن کان الشرط منعدماً ففی الإطلاق بالتقریر الثانی لوحظ وجود الشرط منضمّاً و فی الإطلاق بالتقریر الثالث لم یلاحظ وجوده منضمّاً.

ص: 69


1- . فی حقائق الأصول، ج1، ص453، عند التعلیقة علی قوله «و أمّا توهّم أنّه قضیة إطلاق»: «الفرق بین هذا التقریب و ما قبله أنّ هذا بلحاظ ظهور کلمة "إن" فی کون الشرط شرطاً بذاته للجزاء و إن لم یکن مؤثراً فعلاً و ما قبله بلحاظ ظهورها فی کونه علّة تامّة مؤثراً فعلاً» و فی منتقی الأصول، ج3، ص232: «و الفرق بین هذا الوجه و سابقه واضح فإنّ سابقه یحاول إثبات الانحصار من طریق إثبات ترتّب الجزاء علی الشرط و عدم تأثیر غیره فیه لو سبقه أو قارنه و هذا الوجه یحاول إثبات الانحصار من طریق عدم تأثیر غیره فیه لو انعدم هنا الشرط و جاء غیره فلو لم یثبت الوجه السابق -کما تقرّر- و لم یعلم انفراد تأثیر الشرط و عدمه فی صورة تقدّم غیره علیه أو مقارنته أمکن دعوی ثبوت هذا الإطلاق و إثبات الانحصار به، لاختلافهما منهجاً و إن اتّحد نتیجة فلاحظ».
إیرادان علی هذا التقریر:
الإیراد الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

لا یجوز قیاس القضیة الشرطیة بالوجوب التعیینی و التخییری فإنّ وجود البدل و العدل للعلّة غیر وجود البدل و العدل للواجب لأنّ سنخ الوجوب التخییری مباین لسنخ الوجوب التعیینی فإنّهما مغایران ثبوتاً و إثباتاً.

أما ثبوتاً فلأنّ مصلحة الوجوب التعیینی قائمة بنفس الواجب و مصلحة الوجوب التخییری قائمة إما بالجامع بین أفراد التخییر أو بکل منهما علی حدة و الوجوب التعیینی غیر مشوب و لکن الوجوب التخییری وجوب مشوب بجواز ترکه إلی البدل.

و أما إثباتاً فلأنّ الواجب التخییری یحتاج إلی بیان زائد بالعطف ب- «أو» بخلاف الواجب التعیینی فإنّه لایحتاج إلی بیان زائد و حینئذٍ لابدّ من بیان العدل لو کان موجوداً و إلّا لأخلّ عدم البیان بسنخ الوجوب و أما سنخ العلّة

ص: 70


1- . فی کفایة الأصول، ص196 – 197: «فیه أنّ التعین لیس فی الشرط نحواً یغایر نحوه فیما إذا کان متعدّداً کما کان فی الوجوب کذلک و کان الوجوب فی کل منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر، لابدّ فی التخییری منهما من العدل و هذا بخلاف الشرط فإنّه واحداً کان أو متعدّداً، کان نحوه واحداً و دخله فی المشروط بنحو واحد، لاتتفاوت الحال فیه ثبوتاً کی تتفاوت عند الإطلاق إثباتاً و کان الإطلاق مثبتاً لنحو لایکون له عدل لاحتیاج ما له العدل إلی زیادة مؤونة و هو ذکره بمثل (أو کذا) و احتیاج ما إذا کان الشرط متعدّداً إلی ذلک إنّما یکون لبیان التعدّد، لا لبیان نحو الشرطیة فنسبة إطلاق الشرط إلیه لاتختلف، کان هناک شرط آخر أم لا، حیث کان مسوقاً لبیان شرطیته بلا إهمال و لا إجمال. بخلاف إطلاق الأمر فإنّه لو لم یکن لبیان خصوص الوجوب التعیینی فلامحالة یکون فی مقام الإهمال أو الإجمال، تأمّل تعرف» و أیضاً راجع المحاضرات، ج5، ص70.

المنحصرة لا یختلف مع سنخ العلّة غیر المنحصرة فعدم بیان العدل و البدل لایضر بسنخ العلّة و لذا لا ملزم لکون المتکلم فی مقام بیانه.((1))

الإیراد الثانی عن المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ الإطلاق لا یکون إلاّ مع انحفاظ مطلق فالإطلاق من حیث الضمیمة معقول و أما الإطلاق من حیث کونه ذا بدل فلا، إذ لا یکون بدله إلّا فی ظرف عدمه فلا یعقل إطلاق القید فی ظرف عدم نفسه.((3))

و هنا إیرادات أخر لانطیل الکلام بذکرها. ((4))

ص: 71


1- . فی حواشی المشکینی، ج2، ص278: «أقول: فیه: أنّه قد تقدّم أنّ ملاک التمسّک بالإطلاق فی صیغة الأمر فی إثبات النفسیة أو التعیینیة لیس تضیق الوجوب لأنّه لیس ملاکاً فی ظهور الألفاظ، بل الملاک هو بناء العرف و الظاهر وجوده فی المقام أیضاً. نعم قوله: مع أنّه لو سلّم لم یجد القائل إلی آخره، وارد علیه، کما أوردناه علی [التقریبین] الأوّلین أیضاً» و فی نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص482: «فیه أنّه لا وجه لهذا الإشکال بعد تسلیم أصل الإطلاق فإنّ معنی تعین الشرط إنّما هو کونه مؤثراً بالاستقلال بخصوصیته الشخصیة فی المشروط و لازم ذلک هو ترتّب الانتفاء عند انتفائه علی الإطلاق، کان هناک أمر آخر لا فإذا أثبت ذلک حینئذٍ قضیة الإطلاق و کان الحکم أیضاً سنخیاً فقهراً یلزمه الانتفاء عند الانتفاء، نعم لو کان الحکم شخصیاً أو ملحوظاً بنحو الطبیعة المهملة لم یلزمه انتفاء الحکم بقول مطلق عند انتفائه، من جهة إمکان أن یکون هناک علّة أخری توجب شخص حکم آخر مثله عند انتفائه فتدبّر».
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص417، هامش التعلیقة.
3- . قد استشکل بعض الأساطین (دام ظله) علی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بإیرادات.
4- . فی غایةالمسئول، ص334: «و منها: أنّ الظّهور المذکور من جهة إطلاق لفظ الشرط فإنّ قوله: إن جاء زید فأکرمه یقتضی بإطلاق لفظ جاء أنّ المجی ء مستقل فی السببیة إذ لو کان هناک شرط آخر وجب ذکره و فیه: أنّه إن أراد من الاستقلال فی الشرطیة أنّ الشرط لیس أمراً مرکباً من أمور یکون المجی ء جزءً منها بل هو مستقل فی الشرطیة کنفس الوضوء للصلاة و لیس من قبیل أجزاء الوضوء مثلاً فمسلّم لکن لاینافی ذلک وجود شرط مستقل آخر فإنّ الوضوء شرط مستقل للصلاة و لاینافی کون ستر العورة أیضاً شرطاً و إن أراد أنّه سبب تامّ بحیث لا مدخلیة لشی ء آخر فی الشرطیة فاقتضاء إطلاق الشرط لذلک ممنوع بل نقول إنّ إطلاق الشرط لایفید الاستقلال بالمعنی الأوّل أیضاً». أیضاً راجع المحاضرات، ج5، ص69 – 70 و بحوث فی علم الأصول، ج3، ص168 و منتقی الأصول، ج3، ص234 – 235.
الوجه السادس: الإطلاق المقامی

((1))

و بیانه یتوقف علی مقدّمة و هی أنّ الشارع یکون فی مقام بیان الأحکام الشرعیة بجمیع قیوده و ذلک من سیرته فی جمیع کلماته إلّا فیما إذا کانت المصلحة فی عدم البیان و لایضرّ تلک الموارد بظهور القضایا الشرعیة فی کونها لبیان جمیع القیود و الشرائط.

ص: 72


1- . أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص418. و فی حواشی المشکینی، ج2، ص278: «الرابع: التمسّک بالإطلاق المقامی، بأن یقال: إنّه إذا أحرز کون المولی فی مقام بیان وحدة السبب و تعدّده فحیث اقتصر علی واحد یعلم أنّها علّة منحصرة و إلّا لکان ناقصاً لغرضه. الخامس: التمسّک به أیضاً و لکن بوجه آخر بأن یقال: إنّه إذا أحرز کونه فی مقام بیان ما هو المؤثّر فی الجزاء و أنّه هل المجی ء بما هو أو الجامع بینه و بین غیره؟ و اقتصر علیه، یستکشف أنّها علّة منحصرة و إلّا لزم نقض غرضه إذ المؤثّر -علی فرض التعدّد- هو الجامع بناء علی القول بامتناع استناد الواحد إلی الکثیر و لم یبینه مع أنّه فی مقام بیانه و لایخفی أنّ هذا غیر سابقه لأنّ الأوّل لایحتاج إلی المقدّمة العقلیة المذکورة، بخلافه و لکن یرد علیهما: أنّهما غیر نافعین للقائل بالمفهوم لأنّهما لیسا دائمین» و فی منتقی الأصول، ج3، ص236 و 237: «لیس لدینا بعد إنکار ما تقدّم من الوجوه سوی طریقین:... الثانی: أن تکون مستعملة فی مقام إفادة ما هو الشرط، فیکون مقتضی الإطلاق المقامی انحصار الشرط بالمذکور و هذا الوجه قریب إلی نظر العرف و حینئذٍ یقال: إنّه حیث کان الغالب فی الاستعمالات العرفیة استعمال القضیة الشرطیة فی هذا المقام ففی مورد یشک فیه یلحق بالغالب فإنّ الغلبة بحدّ تکون من الأمارات العرفیة الموجبة لظهور الکلام فی ذلک و لولا هذا الوجه لما کان للمفهوم وجه یرتکن علیه و إنکاره یستلزم تأسیس فقه جدید فالتفت و بالجملة: فلا طریق إلی إثبات المفهوم سوی الإطلاق المقامی».

و بحث مفهوم الشرط أعمّ من مقام استنباط الأحکام الشرعیة بل هو یشمل المباحث التفسیریة و أیضاً یشمل جمیع المحاورات العرفیة و لکنّا نبحث عنه من جهة کونه فی طریق استنباط الأحکام الشرعیة و لذا لانشک فی کون الشارع فی مقام بیان الأحکام و أما فی المباحث التفسیریة فلم یثبت کون القضیة الشرطیة فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط و لذا نری أنّ المحدث الحر العاملی (قدس سره) ادعی فی الفوائد الطوسیة((1)) أنّ الآیات القرآنیة التی لا مفهوم للشرط فیها تبلغ مأة و عشرین آیة و لکن الآیات التی اعتبرت فیها مفهوم الشرط لاتبلغ هذا المقدار و لذا جعل ذلک دلیلاً علی عدم حجیة مفهوم الشرط و لکنه یرد علیه أنّ عدم دلالة أکثر الآیات المشتملة علی القضیة الشرطیة علی المفهوم هو من جهة عدم کونها فی مقام البیان و لکن البحث هنا یقع فیما إذا کان المتکلم فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط فهل حینئذ یدلّ القضیة الشرطیة علی المفهوم أو لا؟

فنقول: إذا کان المولی فی مقام بیان کل ما له العلّیة (أو فقل: فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط) فاقتصر علی خصوص المجیء مثلاً، کشف ذلک عن انحصاره فیها و إلّا کان ناقضاً لغرضه.

و هذا البیان الذی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو الاستدلال بالإطلاق المقامی فی قبال الاستدلال بالإطلاق الانصرافی و الإطلاق اللفظی.

و الحاصل: تمامیة الإطلاق المقامی الّذی تمسّک به المحقق الإصفهانی (قدس سره) عندنا.

ص: 73


1- . الفوائد الطوسیة، ص291.
الوجه السابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ مقتضی الترتّب العلّی علی المقدم بعنوانه أن یکون بعنوانه الخاصّ به علّة، و لو لم تکن العلّة منحصرة لزم استناد التالی إلی الجامع بینهما و هو خلاف ظاهر الترتب علی المقدم بعنوانه.

یلاحظ علیه:

((2))

إنّ ذلک یتمّ فی ما إذا قلنا بجریان قاعدة «الواحد لایصدر إلّا عن الواحد» فی هذا المقام و لکنّه ممّا لا یمکن الإلتزام به لأنّ هذه القاعدة لاتجری فی العلل الطبیعیة کما أنّها لاتجری فی موضوعات الأحکام التی هی کالعلل للأحکام.

ص: 74


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص416. و فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص166: «التقریب الرابع: و هو کسابقه فی الفقرات الثلاث و لکنّه یختلف عنه فی کیفیة البرهنة علی الفقرة الثالثة فإنَّه یتمسّک هنا بظهور آخر فی الجملة الشرطیة لإثبات الانحصاریة و هو ظهورها فی کون الشرط بعنوانه دخیلاً فی مقام التأثیر فی الجزاء لا بعنوان آخر ملازم أو مقارن و هذا لایکون إلّا حیثما یکون الشرط علّة منحصرة للجزاء إذ لو کان هناک علّة أخری فإمّا أن یکون کل من العلّتین بخصوصیته علّة للجزاء أو بالجامع بینهما و الأوّل مستحیل لأنّه یلزم منه صدور الواحد بالنوع من الکثیر و الثانی خلاف ظاهر الشرطیة فی دخل خصوصیة الشرط فی الحکم أیضاً».
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص167: «و هذا التقریب غیر تامّ أیضاً، لأنّه یمکن أن یختار الشقّ الأوّل و لایلزم منه محذور، أمّا علی القول باختصاص قانون (الواحد لایصدر إلاّ من واحد) بالواحد الشخصی فواضح و أمّا علی القول بعمومها للواحد النوعی أیضاً فلأنَّ الواحد بالنوع فی المقام إن أرید به الوجوب فإن أرید به المجعول فهو لیس أمراً حقیقیاً تصدیقیاً کی یطبق علیه قوانین العلّیة و إنّما هو أمر فرضی حالی تصوری علی ما تقدّم توضیحه مراراً و لو أُرید به الجعل فهو صادر عن الجاعل و معلول له و لیس معلولاً للشرط أصلاً و دور الشرط بحسب الحقیقة دور التحصیص و التقیید و إنْ أرید بالواحد النوعی الملاک فلا موجب لافتراض وحدته بالنوع فی الوجوبین المستندین إلی العلّتین».
الوجه الثامن: عن المحقق العراقی (قدس سره)

((1))

و هو الطریق الأول الذی سلکه المحقق العراقی (قدس سره)، فقال: إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی التلازم بین المقدم و التالی بل و علی کون اللزوم بینهما بنحو العلّیة و المعلولیة، فالظاهر هو کونها فی غایة الوضوح کما یشهد به الوجدان و یوضحه المراجعة إلی العرف و أهل المحاورة و اللسان فی نحو هذه القضایا حیث تری أنّهم یفهمون منها الترتّب بین المقدّم و التالی بنحو العلّیة فضلاً عن اللزوم بینهما و علیه فدعوی المنع عن الدلالة علی اللزوم أو الترتّب بنحو العلیة فی غایة السقوط.

و لکن لدعوی المنع عن الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة مجال ثم استدل علی ذلک بالإطلاق الانصرافی و بالإطلاق بمقدمات الحکمة.

تم الکلام هنا عن الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط و هو الاستدلال علیه من طریق إثبات العلیة المنحصرة، و قد تقدم أنّ لإثبات المفهوم الشرط خمس أدلة، فتصل النوبة إلی الدلیل الثانی.

نتیجة الکلام:

تمامیة هذا الدلیل الأول بالإطلاق بمقدّمات الحکمة بالتقریر الثانی و بالإطلاق المقامی.

ص: 75


1- . نهایة الأفکار، ج 2، ص481.
الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط:
اشارة

و هو ما أفاده أبو المجد الإصفهانی (قدس سره) فی وقایة الأذهان((1)) و الشهرستانی (قدس سره) فی غایة المسؤول.((2))

قبل بیان مختارهما نتعرض لمقدمة حتی یتضح ذلک:

مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق:

إنّ المحقق الأنصاری (قدس سره) قال: إنّ لفظ التعلیق مشعر بالانتفاء عند الانتفاء((3)) و قال أیضاً صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((4)) بالفرق بین معنی الترتّب و التعلیق (خلافاً لبعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره)) و فسّر التعلیق بأنّه ربط أحد الشیئین بالآخر بنحو لایتخلف عنه و لایمکن تحققه بدونه فهو یساوق العلّیة المنحصرة إذ من الواضح أنّ الشیء إذا کان یوجد بسببین لایقال: إنّه معلّق بکل منهما.

و فی قباله بعض الأعلام استعملوا التعلیق فیما لایفید الانتفاء عند الانتفاء مثل صاحب المعالم (قدس سره) حیث عبّر فی مفهوم الوصف أیضاً بالتعلیق((5)) و کما تقدّم ذلک فی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث أردفه بالترتّب.

ص: 76


1- . وقایة الأذهان، ص419.
2- . غایة المسؤول فی علم الأصول، ص334.
3- . مطارح الأنظار، ص169.
4- . منتقی الأصول، ج3، ص213.
5- . معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص79: «و اختلفوا فی اقتضاء التعلیق علی الصفة نفی الحکم عند انتفائها فأثبته قوم و هو الظاهر من کلام الشیخ و جنح إلیه الشهید فی الذکری و نفاه السید و المحقّق و العلّامة و کثیر من الناس و هو الأقرب».
بیان العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((1))

قال: إنّ التعلیق یدل علی الملازمة بین الشرط و الجزاء.

و قال: إن ثبت مفهوم للشرط فلیس لوضع «إن» و سائر حروف الشرط لذلک بل یثبت من التعلیق الذی دلّت أدواته علیه، فالأدوات تدل علی التعلیق و التعلیق یدل علی المفهوم حیث إنّه لاشک فی ظهور التعلیق فی اختصاص الحکم و التخصیص بالشرط لابدّ له من باعث صالح یدعو إلیه و احتمال وجود نکته أُخری غیر اختصاص الحکم بالشرط لایضرّ بالظهور فی اختصاصه به کما لایضرّ احتمال وجود القرینة الصارفة بظهور اللفظ فی المعنی الحقیقی فیدفع هنا بالأصل کما یدفع هناک و التعلیق یدل علی الملازمة بین الشرط و الجزاء بل هو معنی التعلیق و للملازمة أقسام و الظاهر الغالب کونها من قبیل سببیة الشرط للجزاء ما لم تکن قرینة علی خلافها و بالغ جماعة فجعلوها ظاهرة فی العلّة التامّة المنحصرة و یکفی فی فساده القطع بأنّ من قال «إن أکرمک فأکرمه» و قال بعده «إن زارک فأکرمه» لیس لکلامه الثانی أدنی مخالفة لکلامه الأول.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده من الظهور الغالب فی السببیة لایکفی لإثبات مفهوم الشرط بل لابدّ من إثبات الانحصار فما أفاده من أنّ الظهور فی العلّة التامّة المنحصرة فاسد لایناسب المقام بل ما أفاده من أنّ التعلیق ظاهر فی اختصاص الحکم لیس إلّا من باب انحصار سببیة الشرط، نعم إنّ ادعاء وضع القضیة الشرطیة للعلة التامّة المنحصرة فاسد لا ادعاء الظهور فیها.

ص: 77


1- . وقایة الأذهان، ص419.
الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط:
اشارة

و هو ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ((1)) و إنّه سلک من طریقین تارةً من طریق إثبات العلّة المنحصرة کما تقدم و أخری من طریق آخر غیر إثبات انحصار العلّة فی الشرط و البحث هنا فی هذا الطریق الثانی.

مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة:

قبل بیان مفاد القضیة الشرطیة لابدّ من تحلیل معنی القضیة الحملیة، فإنّ القضیة الحملیة لاتقتضی أزید من کون المتکلم فی مقام إثبات حکم وجوب الإکرام لزید بنحو الطبیعة المهملة و لایقتضی أن تکون بصدد إثبات سنخ الحکم و الطبیعة المطلقة (و المهملة فی قوة القضیة الشخصیة و لاینافی هذا الإهمال إطلاق الموضوع و الحکم بحسب حالات الموضوع).

نعم مقتضی القضیة الحملیة ثبوت الحکم للموضوع (و هو «زید» فی المثال المذکور) من جهة جمیع حالاته من القیام و القعود و المجیء و غیر ذلک و هذا معنی إطلاق الموضوع.

و لمّا کان موضوع الحکم مطلقاً بحسب الحالات من المجیء و غیره یلزمه إطلاق فی طرف الحکم المترتب علیه أیضاً بحسب تلک الحالات.

و یلزم من ذلک (إطلاق الحکم و الموضوع بحسب حالات الموضوع) عدم جواز ثبوت وجوب آخر أیضاً لذلک الموضوع فی حال القیام و القعود و المجیء من جهة ما یلزمه حینئذٍ بعد هذا الإطلاق من لزوم محذور اجتماع المثلین.

ص: 78


1- . نهایة الأفکار، ج 2، ص478.

(و عدم جواز ثبوت وجوب آخر شخصی لما یلزمه من محذور اجتماع المثلین هو ممّا یبتنی علیه الاستدلال علی مفهوم الشرط).

بیان المحقق العراقی (قدس سره):
اشارة

و حینئذ نقول: إنّ طبع أداة الشرط الوارد علیها أیضاً فی نحو قوله: «إن جاء زید یجب إکرامه» لایقتضی إلّا مجرد إناطة النسبة الحکمیة بما لها من المعنی الإطلاقی بالشرط و هو المجیء.

فإذا کان مقتضی طبع القضیة الحملیة فی مثل قوله «أکرم زیداً» هو ثبوت حکم شخصی محدود ل- «زید» علی الإطلاق (جمیع حالات زید) الملازم لانحصار الحکم الشخصی و عدم وجود فرد آخر منه فی بعض حالات الموضوع (مثل حالة عدم المجیء) فلاجرم بعد ظهور الشرط فی دخل الخصوصیة بمقتضی ما بیناه یلزمه قهراً انتفاء وجوب الإکرام عن زید عند انتفاء المجیء و عدم ثبوت وجوب شخصی آخر له فی غیر حال المجیء و یلزمه عقلاً انتفاء سنخ الحکم (وجوب الإکرام) عن الموضوع (زید) عند انتفاء الشرط (المجیء) و لانعنی من المفهوم إلّا ذلک.

و قد استشکل علیه بعض الأعلام بما لایمکننا المساعدة علیه فلا نتعرض له.

ملاحظتنا علی هذا الوجه:

و الحق فی الإیراد علیه: هو أنّ الإطلاق الأحوالی ل- «زید» إن کان موضوعاً للحکم الشخصی بوجوب الإکرام و بعد ذلک قید بحالة المجیء فیصح ما أفاده حیث إنّ الحکم الشخصی اختصّ بحالة المجیء و لم یبق وجه لهذا الحکم فی صورة عدم المجیء و لکن إن قلنا بأنّ الموضوع لوجوب الإکرام من الأول هو

ص: 79

زید فی حالة مجیئه کما هو الظاهر من القضیة الشرطیة فلاینافی ذلک وجود حکم شخصی آخر لزید فی حالة عدم مجیئه، لأنّ کل موضوع یقبل حکماً شخصیاً غیر الحکم الشخصی الذی یختصّ بموضوع آخر.

ص: 80

الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط:
اشارة

و هو ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

المقدمة:

إنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة و الإخبار عن ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها عنه و ذلک لأمرین:

الأول: إنّها لاتدلّ علی ثبوت النسبة فی الواقع أو عدمه مع قطع النظر عن حال المخبر من حیث وثاقته و قطع النظر عن القرائن الخارجیة.

الثانی: إنّ الوضع عبارة عن التعهّد و الالتزام النفسانی المبرز بمبرزٍما فی الخارج فاللفظ یدلّ علی أنّ المتکلم به أراد تفهیم معنی خاصّ و التعهد و الالتزام یتعلقان بالفعل الاختیاری فلا یتعلقان بثبوت النسبة فی الواقع أو عدم ثبوتها فیه لأنّ ثبوت النسبة و عدمها خارج عن اختیار المتکلم بل هو تابع لثبوت عللها فی الواقع، فالتعهد و الالتزام یتعلقان بإبراز قصد الحکایة و الإخبار عن ثبوت النسبة أو عدمها فی الخارج.

فالجملة الخبریة تشترک مع الجملة الإنشائیة فی الدلالة علی قصد المتکلّم لأنّ الجملة الإنشائیة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلّم إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فهما لاتتصفان بالصدق و الکذب نعم إنّ لمدلول الجملة الخبریة واقعاً موضوعیاً دون مدلول الجملة الإنشائیة و لذا تتصف الجملة الخبریة بالصدق و الکذب بملاحظة مطابقة مدلولها للواقع و عدم مطابقته له.

ص: 81


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص212.

و القضیة الشرطیة إذا کانت إخباریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الإخبار عن وجود التالی علی تقدیر وجود المقدّم فهی بطبیعة الحال تدلّ بالالتزام علی انتفاء الإخبار عنه علی تقدیر انتفاء المقدّم و هذا معنی دلالتها علی المفهوم بالدلالة الالتزامیة الوضعیة.

أما القضایا الشرطیة إذا کانت إنشائیة فعلی نوعین:

الأول: ما یتوقف الجزاء علی الشرط تکویناً مثل إن رزقت ولداً فاختنه

و الثانی: ما لایتوقف الجزاء علی الشرط تکویناً بل یکون التعلیق و التوقف بجعل المولی و اعتباره.

أما النوع الأول فهو خارج عن محل الکلام و لا یدل علی المفهوم.

و أما النوع الثانی فهو یدل علی المفهوم، لأنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: أن یکون الموضوع فیها غیر الشرط الذی علّق علیه الجزاء

الرکیزة الثانیة: أن لا یکون التعلیق تکوینیاً و عقلیاً.

و هذه الرکیزتان موجودتان فی النوع الثانی، دون النوع الأول حیث إنّه فاقد للرکیزة الثانیة.

بیان ذلک: إنّ حقیقة الإنشاء عبارة عن اعتبار المولی الفعل علی ذمّة المکلف و إبرازه فی الخارج بمبرزٍما.

و من الطبیعی أنّ هذا الاعتبار قد یکون مطلقاً و قد یکون معلقاً علی شیء خاص و تقدیر مخصوص فإنّه بطبیعة الحال یکشف عن ثبوت هذا الاعتبار عند ثبوت تقدیر خاصّ و عن انتفائه عند انتفائه فی الخارج و الدلالة علی انتفاء

ص: 82

الاعتبار عند انتفاء التقدیر الخاص هی بالدلالة الالتزامیة لأنّ الملازمة بینهما بینة بالمعنی الأخصّ.

و السرّ فیه ما عرفت من أنّ اعتبار المولی إذا کان مقیداً بحالة خاصّة فلازمه عدم اعتباره عند انتفاء هذه الحالة و من الطبیعی أنّ هذا اللازم بین بالمعنی الأخصّ حیث إنّ النفس تنتقل إلیه من مجرد تصور عدم الإطلاق فی اعتبار المولی و أنّه یکون علی تقدیر خاصّ و مقیداً به، فالقضیة الشرطیة التی تدلّ علی الأول بالمطابقة فلامحالة تدلّ علی الثانی بالالتزام.

ثمّ إنّ هذه الدلالة مستندة إلی الوضع أی وضع أدوات الشرط للدلالة علی ذلک ککلمة: إن و إذا و لو و ما شاکل ذلک و لم تکن مستندة إلی الإطلاق و مقدمات الحکمة، لفرض أنّها لازمة بینة بالمعنی الأخص لدلالتها المطابقیة و هی دلالتها علی التعلیق و الثبوت.

یلاحظ علیه:

أنّا لانری لمسلک التعهد هنا أثراً و علی أی حال یرد علیه أنّ تقیید الجزاء علی الشرط یفید انتفاء شخص حکم الجزاء عند انتفاء الشرط لا انتفاء سنخه نعم إنّ التعلیق أمر غیر التقیید.

ص: 83

الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط:

و هو الاستدلال بالروایات:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ (الْأَهْوَازِی) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَیدٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ یعْنِی (الْمُرَادِی) قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنِ الشَّاةِ تُذْبَحُ فَلَا تَتَحَرَّکُ وَ یهَرَاقُ مِنْهَا دَمٌ کَثِیرٌ عَبِیطٌ فَقَالَ (علیه السلام): «لَا تَأْکُلْ إِنَّ عَلِیاً (علیه السلام) کَانَ یقُولُ: إِذَا رَکَضَتِ الرِّجْلُ أَوْ طَرَفَتِ الْعَینُ فَکُل».((1))

فإنّ استدلال الإمام الصادق (علیه السلام) بکلام أمیرالمؤمنین (علیه السلام) یدلّ علی ثبوت مفهوم الشرط فإنّ الإمام (علیه السلام) استدلّ بمفهوم کلام أمیرالمؤمنین (علیه السلام) من دون قرینة و هو: إذا لم ترکض الرجل أو لم تطرف العین فلاتأکل.

و لا إشکال فی اعتبار سند الروایة، و هناک روایات أُخر استدلّوا بها علی مفهوم الشرط أیضاً.((2))

ص: 84


1- . الوسائل، ج24، کتاب الصید و الذباحة، الباب12، ح1. فی أصول الفقه، ج1، ص163: «فإنّ استدلال الإمام بقول علی (علیه السلام) لایکون إلّا إذا کان له مفهوم و هو إذا لم ترکض الرجل أو لم تطرف العین فلاتأکل».
2- . فی الحدائق الناضرة، المحقّق البحرانی، ج1، ص58: «و لم نقف فی النصوص علی ما یقتضی الحجیة فی شیء منها سوی مفهوم الشرط فقد ورد فی جملة منها ما یدلّ علی ذلک» ثمّ ذکر الروایة الأولی و الثانیة و الثالثة التی تذکر فی هدایة المسترشدین و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص428 – 430: «و یمکن الاحتجاج علی ذلک بوجهین آخرین: ... ثانیهما: عدة من الروایات الدالّة علیه منها: ما رواه القمی فی تفسیره و الصدوق فی معانی الأخبار أَنَّهُ سُئِلَ الصَّادِقُ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی قِصَّةِ إِبْرَاهِیمَ (علیه السلام) قالَ: (بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا ینْطِقُونَ)(الأنبیاء:63). قَالَ (علیه السلام) مَا فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ وَ مَا کَذَبَ إِبْرَاهِیمُ (علیه السلام) قِیلَ وَ کَیفَ ذَلِکَ فَقَالَ (علیه السلام) إِنَّمَا قَالَ إِبْرَاهِیمُ (فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا ینْطِقُونَ). إِنْ نَطَقُوا فَکَبِیرُهُمْ فَعَلَ وَ إِنْ لَمْ ینْطِقُوا فَلَمْ یفْعَلْ کَبِیرُهُمْ شَیئاً فَمَا نَطَقُوا وَ مَا کَذَبَ إِبْرَاهِیم (علیه السلام) ... و منها: ما ورد فی تفسیر قوله تعالی:(فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیصُمْهُ)(البقرة:185). فی ما رواه المشایخ الثلاثة بإسنادهم عن عبید بن زرارة أنّه سأل الصادق (علیه السلام) عن تلک الآیة فقال: «مَا أَبْینَهَا مَنْ شَهِدَ فَلْیصُمْهُ وَ مَنْ سَافَرَ فَلَا یصُمْه» ... و منها: ما ورد فی قوله تعالی: (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ)(غافر:60). فی ما رواه القمی فی الصحیح عن الصادق (علیه السلام) أنه قَالَ لَهُ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاکَ- إِنَّ اللهَ یقُولُ (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ) وَ إِنَّا نَدْعُو فَلَایسْتَجَابُ لَنَا، قَالَ لِأَنَّکُمْ لَاتَفُونَ اللهَ بِعَهْدِهِ وَ إِنَّ اللهَ یقُولُ (أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِکُمْ) (غافر:60) فمعناه أنّ قضیة التعلیق الظاهر من الآیة انتفاء وفائه تعالی بانتفاء وفائکم فحیث لاتفون الله بعهده لایفی لکم بعهدکم و منها: ما ورد فی قوله تعالی: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یوْمَینِ فَلَا إِثْمَ عَلَیهِ) حیث قال: لو سکت لم یبق أحد إلّا تعجل، و لکنّه قال: (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَیهِ)(البقرة:203) فإنّ ظاهره أنّ ذلک من أجل إثبات الإثم بالتأخیر من جهة المفهوم لولا أنّه تعالی صرّح بخلافه، إلی غیر ذلک ممّا ورد ممّا یقف علیه المتتبع» و فی الفصول الغرویة ص150 ذکر الروایة الثانیة و الرابعة ثمّ قال: «و قد یستدلّ ... و بما فی صحیحة جمیل عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قَالَ لَهُ رَجُلٌ جُعِلْتُ فِدَاکَ إِنَّ اللهَ یقُولُ (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ) وَ إِنَّا نَدْعُو فَلَایسْتَجَابُ لَنَا، قَالَ لِأَنَّکُمْ لَا تَفُونَ اللهَ بِعَهْدِهِ وَ إِنَّ اللهَ یقُولُ (أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِکُمْ) وَ اللهِ لَوْ وَفَیتُمْ لله لَوَفَی اللهُ لَکُم ولا دلالة فیها علی ذلک أیضاً فإنّ المستفاد منها أنّ ما وعد الله به عباده من إجابة دعائهم مقید بصورة وفائهم بعهده فلا وعد بالإجابة علی تقدیر عدم الوفاء به و هذا المعنی یستفاد من ضمّ أحد المنطوقین إلی الآخر من غیر حاجة إلی اعتبار المفهوم و قد یستدلّ أیضاً بروایات أخر ممّا لا دلالة لها علی ذلک ترکنا التعرض لها مخافة الإطناب» و ذکر جمیع هذه الروایات الستّة إلّا الروایة المتعلّقة بآیة (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ) السید عبد الله الشبر (قدس سره) فی الأصول الأصلیة. فی هدایة المسترشدین، ج2، ص430: «و قد یستدلّ فی المقام بعدة من الأخبار و لا دلالة فیها علی ذلک. منها: ما رواه العیاشی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِیادٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ بِالْمُتْعَةِ أَ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ لَا، لَاتَحِلُّ لَهُ حَتَّی تَدْخُلَ فِی مِثْلِ الَّذِی خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَ ذَلِکَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلاتَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَیهِما أَنْ یتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ یقِیما حُدُودَ اللهِ) وَ الْمُتْعَةُ لَیسَ فِیهَا طَلَاقٌ».

و المتحصّل هو ثبوت مفهوم الجملة الشرطیة بالدلیل الأول و الخامس، فإنّ الدلیل الأول هو إثبات مفهوم الشرط من طریق العلّیة المنحصرة بالإطلاق

ص: 85

بمقدمات الحکمة و بالإطلاق المقامی و الدلیل الخامس هو الاستدلال بالروایات، و هنا وجوه أخر نصفح الوجه عن بیانها. ((1))

ص: 86


1- . قد استدلّ علی ثبوت المفهوم بوجوه أخر: فی الوافیة ص233 – 234: «احتجّ الخصم بوجوه ضعیفة، أقواها: أنّ التعلیق علی الغایة و الشرط و الصفة و غیرها، یجب أن یکون لفائدة و الفائدة هی مخالفة حکم المذکور للمسکوت عنه، لأنّ الأصل عدم غیرها من الفوائد و هی أمور: الأوّل أن یکون قد خرج مخرج الأغلب، مثل: (وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُمْ)(النساء:23) فإنّ الغالب کون الربائب فی الحجور فقید لذلک، لا لأنّ حکم اللاتی لسن فی الحجور بخلافه. الثانی: أن یکون لسؤال سائل عن المذکور أو لحادثة مخصوصة به، مثل أن یسأل: هل فی الغنم السائمة زکاة ؟ فیقول: فی الغنم السائمة زکاة أو یکون الغرض بیان ذلک لمن له السائمة دون المعلوفة. الثالث: أن تکون المصلحة فی السکوت عن المسکوت عنه، وعدم إعلام حاله و غیر ذلک من الفوائد المذکورة فی المطولات و المخالفة ممّا لایحتاج إلی القرینة، بخلاف الفوائد الأخر فإنّها محتاجة إلی القرائن الخارجة فیصیر عند عدم القرینة من قبیل اللفظ المردّد بین المعنی الحقیقی و المجازی فظاهر أنّه محمول علی المعنی الحقیقی، عند التجرّد عن القرینة» و راجع أیضاً قوانین الأصول، ص176؛ مفاتیح الأصول، ص209. و فی معارج الأصول ص68: «لنا أنّ قول القائل: اعط زیداً درهماً إن أکرمک، جار مجری قولنا: الشرط فی (إعطائه) إکرامک و فی الثانی ینتفی العطاء عند انتفاء الإکرام فکذلک فی مسألتنا و أیضاً فإنّ الشرط هو ما (یتوقّف) علیه الحکم فلو حصل بدونه لم یکن شرطاً» و فی الفوائد الحائریة، ص183: «إنّ مفاد کلمة (إذا) مثلاً الشرطیة أی شرطیة شی ء لشیء. هذا بحسب اللغة و العرف معاً و مقتضی معنی الشرط انتفاء المشروط عند انتفائه و لا فرق بین أن یکون مفاد الکلمة الاسمیة أو الفعلیة أو الحرفیة. مثل أعط زیداً درهماً، بشرط أن یکرمک أو الشرط فیه أن یکرمک أو یشترط فیه أن یکرمک، أو إن أکرمک أو إذا أکرمک و ممّا ذکر ظهر أنّ حکم المفهوم عامّ، کما هو المعروف من المشهور، لأنّ معنی الشرطیة أنّه کلّما انتفی الشرط انتفی المشروط» و فی مفاتیح الأصول، ص208: «و منها أنّ کلمة إن للشرط و هو ما یلزم من انتفائه انتفاء المشروط. أمّا المقدمة الأولی فلوجهین: أحدهما أنّه لافرق بین أن یقول إن جاءک فأکرمه و بین أن یقول یجب إکرامه بشرط مجیئه و یعبّر عن مضمون کلّ منهما بالآخر و لیس ذلک إلّا لاتّحاد معناهما و ممّا یؤکد ذلک أنّه لو نذر أن لایشترط فقال: إن جاءک فأکرمه کان عاصیاً و ثانیهما تصریح النحاة فیما حکی عنهم جماعة بأنّ کلمة إن حرف الشرط و إجماعهم حجة و أمّا المقدمة الثانیة فلوجوه الأوّل أنّ المتبادر من لفظ الشرط حیثما یطلق ما ذکرناه فإنّه إذا قیل یشترط فی وجوب الصلاة دخول الوقت و فی وجوب الزکاة الحول و فی صحة الصّلاة الطهارة فإنّه یفهم من غیر شک الحکم بانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. الثانی أنّ الأمة متفقة علی أنّ الحیاة شرط لوجود العلم و کذا القدرة و الإرادة و نحو ذلک و أنّ الحول شرط لوجوب الزکاة و حکموا بانتفاء العلم و القدرة و الإرادة عند عدم الحیاة و بانتفاء الزکاة عند عدم الحول و لولا أن مقتضی الشرط ذلک لما کان الأمر کذلک. الثالث أنّ الشرط لایلزم من وجوده وجود المشروط لأنّه لیس علّة له و لا مستلزماً فلو لم یستلزم عدمه عدم المشروط لجاز أن یطلق علی کلّ شی ء أنّه شرط لکلّ شی ء و هو باطل قطعاً» و راجع أیضاً الوافیة، ص235؛ قوانین الأصول، ص175؛ هدایة المسترشدین، ج2، ص432 و ص428 و زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص151؛ درر الفوائد، ج1، ص192؛ حواشی المشکینی، ج2، ص279؛ نهایة الأصول ص269 – 270.

ص: 87

المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط
اشارة

هنا وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الحکم فی الجزاء معلّق علی الشرط و لا مانع من أن یخلفه و ینوب عنه شرط آخر یجری مجراه مثل قوله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهیدَینِ مِنْ رِجالِکُمْ)((2)) حیث إنّه ینوب عن الآیة شهادة رجل و امرأتین و أیضاً ضمّ الیمین إلی الشاهد الأول.

الإیراد علی هذا الوجه:

(3)

إنّه لا إشکال فی نیابة شرط عن شرط آخر و قیامه مقامه و لاشک فی احتمال

ص: 88


1- . فی الذریعة، ج1، ص403: «و منها أنّ تعلیق الحکم بالشرط لمّا دلّ علی انتفائه بانتفاء الشرط فکذلک الصّفة و الجامع بینهما أنّ کلّ واحد منهما کالآخر فی التخصیص، لأنّه لا فرق بین أن یقول: «فی سائمة الغنم الزکاة» و بین أن یقول: فیها إذا کانت سائمة الزکاة ... و الجواب عن الثالث أنّ الشرط عندنا کالصّفة فی أنّه لایدلّ علی أنّ ما عداه بخلافه و بمجرّد الشرط لایعلم ذلک و إنّما نعلمه فی بعض المواضع بدلیل منفصل، لأنّ تأثیر الشرط أن یتعلّق الحکم به و لیس یمتنع أن یخلفه و ینوب عنه شرط آخر یجری مجراه و لایخرج من أن یکون شرطاً، ألاتری أنّ قوله تعالی: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِیدَینِ مِنْ رِجَالِکُمْ)(البقرة:282) إنّما منع من قبول الشاهد الواحد حتی ینضمّ إلیه الآخر فانضمام الثانی إلی الأوّل شرط فی القبول ثمّ یعلم أنّ ضمّ امرأتین إلی الشاهد الأوّل یقوم مقام الثانی ثمّ یعلم بدلیل أنّ ضمّ الیمین إلی الشّاهد الواحد یقوم مقام الثانی فنیابة بعض الشروط عن بعض أکثر من أن یحصی» و فی کفایة الأصول، الآخوند الخراسانی، ص197: «ثمّ إنّه ربّما استدلّ المنکرون للمفهوم بوجوه: أحدها: ما عزی إلی السید من أنّ تأثیر الشرط، إنّما هو تعلیق الحکم به» إلخ.
2- . سورة البقرة(2): 282.
3- . فی قوانین الأصول ص177: «أنت خبیر بأنّ الاحتمال لایضرّ بالاستدلال بالظواهر و إلّا لانسدّ باب الاستدلال فی الآیات و الأخبار» و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، الشیخ محمّد حسین الحائری، ص151: «الجواب ما أشرنا إلیه سابقاً من أنّ المتبادر من اعتبار شیء شرطاً عند الإطلاق أن یکون شرطاً علی التعیین و هذا الظهور لایختصّ بالمقام ألاتری أنّ المتبادر من قولک هذا واجب أو مندوب أنّه کذلک علی التعیین مع أنّ الکل حقیقة فی البدل أیضاً علی ما هو التحقیق هذا إذا أرید المنع من إطلاق المفهوم وإن أرید المنع منه مطلقاً فالجواب عنه واضح إذ لا خفاء فی أنّ زوال الشرط یستلزم زوال المشروط فی الجملة» و فی کفایة الأصول، ص197– 198: «و الجواب: أنّه (قدس سره) إن کان بصدد إثبات إمکان نیابة بعض الشروط عن بعض فی مقام الثبوت و فی الواقع فهو ممّا لایکاد ینکر، ضرورة أنّ الخصم یدعی عدم وقوعه فی مقام الإثبات و دلالة القضیة الشرطیة علیه و إن کان بصدد إبداء احتمال وقوعه فمجرّد الاحتمال لایضرّه، ما لم یکن بحسب القواعد اللفظیة راجحاً أو مساویاً و لیس فیما أفاده ما یثبت ذلک أصلاً، کما لایخفی» و راجع أیضاً و فی مطارح الأنظار، ص172 و درر الفوائد، الشیخ عبدالکریم الحائری، ج1، ص195.

ذلک بحسب مقام الثبوت، و لکن الکلام هو فی مقام الإثبات فإنّ المدّعی هو أنّ ظاهر الجملة الشرطیة ینفی هذا الاحتمال.

فما أفاده السید (قدس سره) خلط بین مقام الثبوت و الإثبات.

الوجه الثانی:
اشارة

((1))

إنّ القضیة الشرطیة لو دلّت علی المفهوم لکانت بإحدی الدلالات الثلاث المطابقی و التضمنی و الالتزامی و کلها مفقودة فی المقام.

ص: 89


1- . فی هدایة المسترشدین، ج2، ص440: «و هناک وجوه أخر قد یتمسّک بها القائل بنفی المفهوم المذکور، لابأس بالإشارة إلی جملة منها: أنّه لو دلّت لکانت بإحدی الدلالات الثلاث و کلّها منتفیة. أمّا المطابقة و التضمّن فظاهر، کیف؟ و لو دلّ علیه بأحد الوجهین لکان منطوقاً و أمّا الالتزام فلأنّ من شروطه اللزوم العقلی أو العرفی و کلاهما منتفیان فی المقام، ضرورة أنّه لا ملازمة بین حصول الجزاء عند حصول الشرط و انتفائه عند انتفائه لا عقلاً و لا عادة و لذا لایراد بها الانتفاء عند الانتفاء فی کثیر من المقامات» و فی کفایة الأصول، ص198: «ثانیها أنّه لو دلّ لکان بإحدی الدلالات و الملازمة کبطلان التالی ظاهرة».
الإیراد علی هذا الوجه:

((1))

إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم هی بالدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأخصّ.

الوجه الثالث: عن السید المرتضی (قدس سره)
اشارة

(2)

لو دلّت القضیة الشرطیة علی المفهوم یلزم دلالة هذه الآیة (وَ لا تُکْرِهُوا

ص: 90


1- . فی مفاتیح الأصول، ص209 و 210: «التحقیق أنّ التعلیق المفروض یدلّ علی ذلک بالدلالة الالتزامیة و أنّه لاینفک تصوّر نفی وجوب إکرام زید عند عدم المجی ء إذا قال: إن جاءک زید فأکرمه عن وجوب إکرامه عند المجی ء و هو آیة الدّلالة الالتزامیة و الشواهد علی ذلک کثیرة منها أنّا نجد التناقض الصّریح لو قال أکرم العلماء فی جمیع أحوالهم قیامهم و قعودهم و استلقائهم فقال بلا فصل أکرمهم إن کانوا قائمین و حملنا ذلک علی البداء من القائل و لو قاله بعد مدّة حملناه علی النسخ و منها» إلخ و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص440: «الأظهر فی الجواب أن یقال بحصول الدلالة الالتزامیة، لا بدعوی حصول الملازمة بین ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط و عدمه عند عدمه، لوضوح خلافه، بل لأنّ المفهوم من القضیة الشرطیة شیء یلزم من إرادته الانتفاء عند الانتفاء إمّا عقلاً أو عادةً أو عرفاً، نظراً إلی جریان المخاطبات العرفیة علی ذلک و انصراف ذلک منه عند الإطلاق» و فی مطارح الأنظار، ص172: «و الجواب أنّا نمنع بطلان التالی إذ الالتزام ثابت فإنّا قد قدمنا أنّ العرف قاضٍ بأنّ المستفاد من أداة الشرط هو التعلیق علی وجه خاص یلزم منه الانتفاء عند الانتفاء و ذلک نظیر قضاء العرف باستفادة الطلب من الأمر علی وجه لایرضی الطالب بترکه و هو المعبّر عنه بالوجوب فیکون الوجوب مدلولاً التزامیاً وضعیاً للأمر» و فی کفایة الأصول، ص198: «و قد أجیب عنه بمنع بطلان التالی و أنّ الالتزام ثابت و قد عرفت بما لا مزید علیه ما قیل أو یمکن أن یقال فی إثباته أو منعه فلاتغفل».
2- . فی الأحکام لابن حزم، ج7، ص920: «فصل فی إبطال دعواهم فی دلیل الخطاب ... و کذلک قوله تعالی: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33). أتراه مبیحاً للبغاء إن لم یردن تحصن». المحصول، الرازی (606)، ج2، ص127: «احتج المخالف بالآیة و الحکم. أمّا الآیة فهو أنّ المعلّق إن علی شیء لو کان عدماً عند عدم ذلک الشیء لکان قوله عزّوجلّ: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33) دلیلاً علی أنّه ما حرم الإکراه علی البغاء إن لم یردن التحصن وقوله تعالی: (فَکَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِیهِمْ خَیرًا) (النور:33) و قوله ... ففی جمیع هذه الآیات الحکم غیر منتف عند انتفاء الشرط». تفسیر الرازی، فخر الدین الرازی، ج10، ص77 – 78: «و إمّا أن تستدلّوا به من حیث إنّ المعلّق بکلمة "إن" علی الشیء عدم عند عدم ذلک الشیء و هذا أیضاً ضعیف و یدلّ علیه آیات: إحداها: قوله: (وَاشْکُرُوا لِلَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیاهُ تَعْبُدُونَ)(البقرة:172) فالشکر واجب سواء عبد الله أو لم یعبد و ثانیها: قوله تعالی: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُمْ بَعْضًا فَلْیؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) (البقرة:283) و أداء الأمانة واجب سواء ائتمنه أو لم یفعل ذلک و ثالثها: (فَإِنْ لَمْ یکُونَا رَجُلَینِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) (البقرة:282) و الاستشهاد بالرجل و المرأتین جائز سواء حصل الرجلان أو لم یحصلا و رابعها: (وَلَمْ تَجِدُوا کَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) و الرهن مشروع سواء وجد الکاتب أو لم یجده و خامسها: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33) و الإکراه علی البغاء محرّم، سواء أردن التحصن أو لم یردن و سادسها: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِی الْیتَامَی فَانْکِحُوا مَا طَابَ لَکُمْ مِنَ النِّسَاءِ)(النساء:3) و النکاح جائز سواء حصل ذلک الخوف أو لم یحصل و سابعها: (فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ) (النساء:101) و القصر جائز، سواء حصل الخوف أو لم یحصل و ثامنها: (فَإِنْ کُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَینِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَکَ)(النساء:11) و الثلثان کما أنّه حق الثلاثة فهو أیضاً حق الثنتین و تاسعها: قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَینِهِمَا فَابْعَثُوا حَکَمًا مِنْ أَهْلِهِ) (النساء:35) و ذلک جائز سواء حصل الخوف أو لم یحصل و عاشرها: قوله: (إِنْ یرِیدَا إِصْلَاحًا یوَفِّقِ اللهُ بَینَهُمَا) (النساء:35) و قد یحصل التوفیق بدون إرادتیهما و الحادی عشر: قوله: (وَإِنْ یتَفَرَّقَا یغْنِ اللهُ کُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) (النساء:130) و قد یحصل الغنی بدون ذلک التفرق و هذا الجنس من الآیات فیه کثرة. الإحکام، الآمدی (631)، ج3، ص91: و ربّما احتج القاضی عبد الجبار و أبو عبد الله البصری بأنّه لو منع الشرط من ثبوت الحکم عند عدمه، لکان قوله تعالی: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33). یمنع من تحریم الإکراه علی الزنا عند عدم إرادة التحصن و هو محال مخالف للاجماع. معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ابن الشهید الثانی (1011)، ص78 - 79: و احتج موافقوه [أی السید المرتضی (قدس سره) ] مع ذلک: بأنّه لو کان انتفاء الشرط مقتضیاً لانتفاء ما علق علیه، لکان قوله تعالی: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33) دالّاً علی عدم تحریم الإکراه، حیث لایردن التحصن و لیس کذلک، بل هو حرام مطلقاً.

ص: 91

فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)((1))علی جواز الإکراه بالبغاء إن لم یردن التحصّن.

إیرادان علی هذا الوجه:
الإیراد الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ استعمال الجملة الشرطیة فیما لا مفهوم له أحیاناً و بالقرینة لایکاد ینکر کما فی هذه الآیة و غیرها و إنّما الکلام فی ظهورها فی المفهوم وضعاً أو بقرینة عامّة.

أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((3))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) بوجود المانع و لکن هنا لا مقتضی للدلالة علی المفهوم فلاتصل النوبة إلی القول بوجود المانع.

الإیراد الثانی:

(4)

الحق فی الإیراد هو أنّ الشرط فی الآیة مسوق لبیان تحقق الموضوع فلا مقتضی للدلالة علی المفهوم.

ص: 92


1- . سورة النور(24):33.
2- . کفایة الأصول، ص198؛ فی الفصول، ص151: «الثانی أنّ المقصود ظهور التعلیق بالشرط فی انتفاء الحکم عند انتفائه و ذلک لاینافی قیام قرینة علی عدم إرادته کما فی المقام حیث قام الإجماع فیه علی تحریم الإکراه مطلقاً». و فی مطارح الأنظار، ص172: «و الجواب أنّ مجرّد الاستعمال أعمّ من الحقیقة و نحن لاننکر استعمال الجمل الشرطیة فیما یلغو فیه المفهوم و إنّما الکلام فی الظهور العرفی و وجود الاستعمالات المخالفة و إن کانت غالبة غیر مضرّ فیه لاقترانه بالقرینة فی الکل».
3- . تحقیق الأصول، ج4، ص193 - 194.
4- . فی زبدة الأصول، ص151: «انتفاء التحریم لامتناع المنهی عنه» و فی قوانین الأصول، ص177: «جوابه أنّ السالبة هنا بانتفاء الموضوع» و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص151: «و [الجواب] عن الثانی بوجوه مرجعها إلی وجهین: الأوّل أنّ قضیة الشرط عدم تحریم الإکراه علی تقدیر عدم إرادتهنّ التحصن و هو لایستلزم الإباحة لانتفاء الموضوع الذی هو محل الحکم لأنّهن إذا لم یردن التحصن و هو التعفّف فقد أردن البغاء و علی تقدیر إرادتهن له یمتنع إکراههن علیه» و راجع أیضاً درر الفوائد، الشیخ عبد الکریم الحائری، ج1، ص196 و عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص17.

هذا تمام الکلام فی أدلّة الطرفین، و هنا وجوه أخر أعرضنا عن بیانها.((1))

ص: 93


1- . فی مفاتیح الأصول، ص210 و 211: «و منها: أنّه لا فرق بین قولنا [زک الغنم السائمة و] زک الغنم إن کانت سائمة فکما أنّ الأوّل لایدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الصفة فکذا الثانی و قد أشار إلی هذا بعض المحققین و فیه نظر للمنع من عدم الفرق إن قلنا بعدم دلالة التعلیق علی الانتفاء عند الانتفاء و إلّا فلا فرق بینهما و منها: أنّ التعلیق لو دلّ علی الانتفاء عند الانتفاء لزم التناقض أو التأکید المخالف للظاهر إذا صرّح بجریان حکم المذکور فی غیر المذکور أو تحقّق نقیضه فیه نحو إن جاءک فأعطه و إن لم یجئک فأعطه أو لایجب علیک الإعطاء و الأصل عدمها و فیه نظر لأنّ الأصل ظاهر و ما ذکرناه قاطع فیقدم و منها: أنّ التعلیق لو دلّ علی ذلک لما جاز الاستفهام عن حکم غیر المذکور و اللازم باطل فإنّه یصحّ أن یستفهم عقیب قوله: إن جاءک فأکرمه عن حکم عدم المجی ء فیقول: هل یجب الإکرام إذا لم یجیء فالملزوم مثله بیان الملازمة أنّ الاستفهام لایکون إلّا فی موضع الإجمال و الاشتباه فینا فی فرض الوضوح و الدلالة و لذا لایجوز الاستفهام من الضرب و القتل بعد تحریم التأفیف و فیه نظر ... و منها: أنّ ألفاظ النفی مفارقة لألفاظ الإثبات فی لغة العرب فلایجوز أن یفهم من لفظ الإثبات النفی و بالعکس فلایفهم من قولنا: إن جاءک فأکرمه الذی هو إثبات النفی و فیه نظر للمنع من أنّ ألفاظ النفی مفارقة لألفاظ الإثبات ... و منها: أنّه لو کان التعلیق دالّاً علی ذلک للزم عدم الانحصار فی المدلول و اللازم باطل و الملزوم مثله بیان الملازمة أنّ قولک لایجب إکرام غیر القائم إن لم یکن عندک فلأنّ مفهومه وجوب إکرام غیر القائم إذا کان عندک فلان و غیر القائم لاینحصر فی عدد فلایتعلّق به التکلیف و إلّا لزم التکلیف بما لایطاق و التخصیص بالبعض ترجیح من غیر مرجح و فیه نظر ... و منها: أنّ الحکم بالدلالة لابدّ و أن یکون بدلیل و لیس لأنّه إمّا عقلی و لا مدخل له فی مثل المسألة أو نقلی و هو إمّا متواتر أو آحاد. الأوّل مفقود و إلّا لما وقع الخلاف و الثانی لایفید إلّا الظنّ و المسألة علمیة و فیه نظر ... و منها: أنّه لو کان التعلیق دالّاً علی ذلک لجاز أن یبطل حکم المنطوق و یبقی حکم دلالة المفهوم کما یجوز أن یبطل حکم دلالة المفهوم و یبقی حکم المنطوق و هو ممتنع و فیه نظر لما ذکره فی المعالم ...» و ذکر الأوّل و الثانی و الثالث و السادس و السابع من هذه الوجوه فی هدایة المسترشدین، ج2، ص440 – 442 و زاد علیها فقال: «منها: أنّه قد جرت الاستعمالات بذکر الشرط تارة و إرادة الانتفاء بالانتفاء و تارة مع عدم إرادته و قد وقع استعمال الفصحاء و البلغاء علی الوجهین و قد حکی عن الشیخ الحرّ: أنّه ذکر فی الفوائد الطوسیة مائة وعشرین آیة من القرآن لم یوجد فیها مفهوم الشرط و ذکر أنّ الآیات التی اعتبر فیها مفهوم الشرط لاتکاد تبلغ هذا المقدار و کذا الأخبار و أکثر کلام البلغاء و حینئذٍ فکیف یوثق به و یجعل دلیلاً علی إرادة المتکلّم له من غیر قیام قرینة علیه ؟ ... و منها: أنّه یصحّ التصریح بالمفهوم بعد ذکر المنطوق من غیر أن یعدّ ذلک لغواً فیصحّ أن یقال: «إن جاءک زید فأکرمه و إن لم یجئک لم یجب علیک إکرامه» و لو دلّ الأوّل علی الثانی لکان ذکر الثانی بعد الأوّل لغواً مستهجناً و لیس کذلک، کما یشهد به العرف و ضعفه أیضاً واضح ...» و فی الفوائد الطوسیة، الفائدة 63، ص279 فی ضمن استدلاله: «و الذی ینبغی الجزم و القطع به و یحصل منه العلم و الیقین و لایشک فیه منصف أنّ المتکلم قد یقصد مفهوم الشرط و قد لایقصده و تتبع کلام الفصحاء و البلغاء یفید القطع بذلک فکیف یوثق بقصد المتکلّم له من غیر قرینة ظاهرة علی إرادته و أمثلة عدم إرادته أکثر من أن تحصی ... فمن جملة الأمثلة التی لم یقصد فیها مفهوم الشرط قوله تعالی: (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَیةٍ لَیقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ)(الروم:58) مع أنّهم کانوا یقولون ذلک و یعتقدونه قبل مجیء الآیة» و یذکر 129 آیة ثمّ یقول فی ص291: «هذا حال مفهوم الشرط ... قد وجدناه غیر معتبر فی القرآن فی أکثر من مائة و خمسة و عشرین موضعاً و لو أردنا الأمثلة من غیر القرآن لوجدناه ألوفاً متعدّدة فکیف یوثق بإرادة المتکلم له من غیر قرینة واضحة» إلخ و فی غایة المسئول، ص335: «و استدلّ لمنع ثبوت المفهوم بأنّ للجملة الشرطیة استعمالات ثلاث أحدها أن تستعمل فی سببیة الأوّل للثانی نحو إن کانت الشمس طالعة فالنّهار موجود و هذا یفید المفهوم و الثّانی أن تستعمل فی تلازمهما مع قصد الاستدلال بانتفاء التالی علی انتفاء المقدّم نحو: (لَوْ کَانَ فِیهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا)(الأنبیاء:22) و الثالث أن تستعمل فی تلازمهما من دون القصد المذکور نحو إن کان هذا إنساناً کان حیواناً و مع ثبوت هذه الاستعمالات یجب الحکم بوضعها للقدر المشترک و هو مطلق التلازم حذراً من الاشتراک و المجاز و حینئذٍ فلا دلالة لها علی المفهوم و فیه نظر».

ص: 94

و لهذه المسألة ثمرات مهمّة.((1))

ص: 95


1- . لهذه المسألة ثمرات کثیرة فی الفقه لا بأس بالإشارة إلی نبذة منها: فی مختلف الشیعة، ج2، ص426: «وجه الاستدلال به أمران: الأوّل: إنّ مفهوم الشرط فی قوله: "من حفظ سهوه فأتمه فلیس علیه سجدتا السهو" یدلّ علی أنّ من لم یحفظ سهوه یجب علیه السجدتان» و فی منتهی المطلب (ط.ق)، ج2، ص779: «فی حدیث معاویة بن عمّار الصحیح عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی قوله: إذا أردت أن تخرج من مکة و یأتی أهلک فودع البیت دلالة علی استحباب الوداع للخارج من مکة و عدمه من غیره بدلیل مفهوم الشرط» و فی جامع المقاصد، ج1، ص330: «فإن قلت: إذا ثبت الحکم هنا بالروایة ثبت فی غیره بالإجماع المستفاد من عدم القائل بالفرق. قلنا: ینافیه مفهوم الشرط فی قوله: (فَإِذَا کَانَ لِلدَّمِ حَرَارَةٌ وَ دَفْعٌ وَ سَوَادٌ فَلْتَدَعِ الصَّلَاة) فإنّه حجة عند کثیر» و فی ج6، ص136: «یدلّ علی الکراهیة قول الباقر (علیه السلام): «لَا یأْکُلُ الضَّالَّةَ إِلَّا الضَّالُّون» و هو مخصوص بقول الصادق (علیه السلام): «الضَّوَالُّ لَا یأْکُلُهَا إِلَّا الضَّالُّونَ إِذَا لَمْ یعَرِّفُوهَا» فإنّ مفهوم الشرط معتبر» و فی ج12، ص265: «اختلف الأصحاب فی أنّه هل تقبل شهادة النساء فی الرضاع منفردات علی قولین: ... و ذهب المفید و السید و سلّار و ابن حمزة و جمع من الأصحاب إلی القبول ... و لمفهوم روایة: عَبْدِ اللهِ بْنِ بُکَیرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِی امْرَأَةٍ أَرْضَعَتْ غُلَاماً وَ جَارِیةً قَالَ: یعْلَمُ ذَلِکَ غَیرُهَا؟ قَالَ قُلْتُ: لَا. قَالَ: لَا تُصَدَّقُ إِنْ لَمْ یکُنْ غَیرُهَا فإنّ مفهوم الشرط أنّها تصدق إذا کان معها غیرها و هو أعمّ من الرجال و النساء» و راجع أیضاً ریاض المسائل، ج13، ص326 و جواهر الکلام، ج29، ص346 و فی ج13، ص242 – 243: «و هذا هو المختار، لأنّ فی صحیحة داود بن سرحان السابقة: "و إن کان بها زمانة لایراها الرجال أجیز شهادة النساء علیها" فإنّ ظاهرها أنّ الرد منوط بالزمانة فإنّ مفهوم الشرط معتبر عند جمع من المحقّقین» و فی روض الجنان (ط.ق)، ص51: «و یدلّ علی الجمیع أیضاً ما رواه زرارة فی الصحیح عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ وَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ و فی إذا معنی الشرط فینتفی المشروط بانتفائه لأنّ مفهوم الشرط حجة عند کثیر من الأصولیین و منهم المصنّف» و فی شرح اللمعة، ج5، ص193 – 195: «و کذا لایجوز للحرّ أن یتزوج الأمة مع قدرته علی تزویج الحرّة أو مع عجزه إذا لم یخش العنت ... و علی اعتبار الشرطین ظاهر الآیة قال الله تعالی: (وَ مَنْ لَمْ یسْتَطِعْ مِنْکُمْ طَوْلًا أَنْ ینْکِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَکَتْ أَیمَانُکُمْ مِنْ فَتَیاتِکُمُ الْمُؤْمِنَاتِ...)(النساء:25) و بمعناها روایة محمّد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) [قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ یتَزَوَّجُ الْمَمْلُوکَةَ قَالَ إِذَا اضْطُرَّ إِلَیهَا فَلَا بَأْسَ] و دلالتهما بمفهوم الشرط و هو حجة عند المحقّقین» و راجع أیضاً نهایة المرام، ج1، ص160 و مستمسک العروة،ج 14، ص267 و فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1 ق 1، ص2: «الثانی أنّ مفهوم الشرط حجة عند أکثر الأصولیین فالآیة (یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ....)(المائده:6) تدلّ علی عدم وجوب الوضوء عند عدم إرادة الصلاة فلایکون واجباً لنفسه و فیه أنّ المسلّم حجیة مفهوم الشرط إذا لم یکن للتعلیق بالشرط فائدة أخری سوی التخصیص و هیهنا لیس کذلک إذ یجوز أن تکون الفائدة هیهنا بیان أنّ الوضوء واجب لأجل الصلاة و إن کان واجباً فی نفسه فیکون الغرض متعلّقاً بالوجوب العارض له حین إرادة الصلاة باعتبار التوصّل به إلیها و کونه من مصالحها» و فی زبدة البیان، ص435 فی باب الربا: «و لایخفی أنّ مفهوم الشرط المعتبر عند أکثر الأصولیین [فی قوله تعالی: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِکُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)(البقرة:279)] یفید عدم جواز أخذ رأس مالهم، مع عدم الرجوع و هو محلّ التأمّل» و فی مجمع الفائدة، ج2 ص337: «و صحیحة عمر بن یزید (الثقة علی الظاهر) عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا کَانُوا سَبْعَةً یوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْیصَلُّوا فِی جَمَاعَة ... إلّا أنّ دلالتها علی عدم الوجوب بالخمسة بالمفهوم لکنه مفهوم الشرط و هو معتبر عند أکثر الأصولیین» و فی مدارک الأحکام، ج8، ص420: «مقتضی مفهوم الشرط فی قوله: "و إن کان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشی فقد أفسد حجه و علیه بدنة" الانتفاء إذا وقع ذلک بعد تجاوز الثلاثة» و راجع أیضاً ریاض المسائل، ج7، ص384 و فی الحبل المتین (ط.ق)، ص206: «و ذهب الشیخان و ابن البراج و ابن حمزة إلی وجوبهما [أی الأذان و الإقامة] فی صلاة الجماعة ... و الحدیث الحادی عشر [عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِاللهِ (علیه السلام) قَالَ: یجْزِیکَ إِذَا خَلَوْتَ فِی بَیتِکَ إِقَامَةٌ وَاحِدَةٌ بِغَیرِ أَذَانٍ] و العشرون یدلّان علی ما ذهب إلیه الشیخان فإنّ مفهوم الشرط حجة و قوله (علیه السلام) إذا خلوت فی بیتک یراد به إذا صلیت منفرداً».

ص: 96

التنبیه الأول: هل المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم أو شخص الحکم؟

المطلب الأوّل: فی أنّ مفاد المفهوم انتفاء سنخ الحکم

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)): إنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفاء الشرط.

أما انتفاء شخص الحکم بانتفاء الشرط فهو عقلی و لیس قابلاً للنزاع و الخلاف و الوجه فیه هو أنّ ما هو المشهور من أنّ انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه ممّا لاخلاف فیه بین الأعلام.

و لذا نسب((2)) إلی الشهید (قدس سره) فی تمهید القواعد((3)) أنّه قال: إنّ انتفاء الحکم فی

ص: 97


1- . کفایةالأصول، ص198و قال النائینی فی فوائده، ج2، ص484: «إنّ المراد من انتفاء الحکم عند انتفاء الشرط- المعبّر عنه بالمفهوم- هو انتفاء سنخ الحکم و نوعه، لا شخصه، فإنّ انتفاء الشخص إنّما یکون بانتفاء موضوعه عقلاً و فی زبدة الأصول، ج 3، ص215 و فوائد الأصول، ج 2، ص484 و المحاضرات (ط.ج)، ج 4، ص223 و مطارح الأنظار (ط. ج)، ج 2، ص37.
2- . نقل عنه فی هدایة المسترشدین، ص281، و مطارح الأنظار، ج 2، ص37.
3- . تمهید القواعد، ص110.

باب الوصایا و الأوقاف و ما شاکلهما لیس من باب مفهوم الشرط بل من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه، لأنّ الواقف إذا وقف شیئاً علی أحد أو مورد فینتفی شخص هذا الوقف عن غیر هذا المورد، کما أنّ الوقف أیضاً ینتفی بانتفاء العنوان العام الذی وقف الشیء له و ذلک من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه.

و الفرق بین باب مفهوم الشرط و باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه هو أنّ الحکم المنتفی فی باب مفهوم الشرط هو سنخ الحکم و الدلیل علی انتفائه هو ظهور الجملة الشرطیة سواء کان منشأه الوضع أو الإطلاق الانصرافی أو الإطلاق بمقدمات الحکمة أو الإطلاق المقامی أو غیر ذلک و لکن الحکم المنتفی فی باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه هو شخص الحکم و الدلیل علی انتفاء شخص الحکم هو العقل.

ص: 98

المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً
اشارة

هناک مشکلة فیما إذا کان جزاء الشرط جملة إنشائیة حیث إنّ الحکم المذکور فی الجزاء یستفاد من الهیأة و الهیئات تفید المعانی الحرفیة فلابدّ أن یکون الحکم المستفاد من الهیئات شخص الحکم.

و أیضاً هنا مشکلة أُخری و هی أنّ الهیأة تفید المعنی الحرفی فلا یلحظ مفاد الهیأة استقلالاً فلا یجری فیها الإطلاق و التقیید مع أنّ الجزاء فی القضیة الشرطیة مقید بالشرط و للأعلام مسالک فی حلّ هذه المشکلة.

الأوّل: مسلک الشیخ الأنصاری (قدس سره)

إنّه قال بالفرق بین الوجوب الإخباری و الإنشائی بأنّ الوجوب الإخباری کلی و الوجوب الإنشائی خاصّ و لکن ارتفاع مطلق الوجوب فی الوجوب الإنشائی من فوائد العلّیة المنحصرة المستفادة من الجملة الشرطیة.

قد نقل فی المحاضرات((1))عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أنّه فصّل بین ما کان الحکم فی الجزاء مستفاداً من المادّة کقوله (علیه السلام): «إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ»((2)) و ما کان مستفاداً من الهیأة کقولنا «إن جاءک زید فأکرمه» حیث نسب إلیه (قدس سره) أنّه التزم بدلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم فی الأول دون الثانی بملاک أنّ الحکم فی الأول کلی و فی الثانی جزئی.

ص: 99


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص226.
2- . «محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن حمّاد عن حریز عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) ...». الوسائل، ج1، ص372، الباب 4 من أبواب الوضوء، ح1.

(و لکن النسبة المذکورة إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) غیر صحیح فإنّه صرّح فی مطارح الأنظار((1)) بعدم التفصیل).

و قد تقرّر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) بثلاث مقدمات:((2))

المقدمة الأُولی: لابدّ من أن یلاحظ مناسبة الحکم و الموضوع فقد یعمّم بالنسبة إلی الحکم الذی هو بالنظر البدوی حکم شخصی إلی أنّه سنخ الحکم بالنظر إلی مناسبة سنخ الحکم للموضوع.

المقدمة الثانیة: إنّ نسبة الشرط إلی الجزاء هی نسبة المقتضی إلی المقتضی.

المقدمة الثالثة: قد افترضنا أنّ الشرط علّة منحصرة للجزاء، و الشرط إما یرجع إلی الهیأة کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و إما یرجع إلی المادة کما هو مختار الشیخ (قدس سره) فعلی أی حال مناسبة الحکم و الموضوع یقتضی أن یکون المراد سنخ الحکم.

الثانی: مسلک صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ المعلّق علی الشرط إنّما هو نفس الوجوب الکلی الذی هو مفاد الصیغة و معناها لا شخص الوجوب و الدلیل علی ذلک هو أنّ التشخّص و الجزئیة و الخصوصیة ناشئة عن الاستعمال (أی استعمال الصیغة فی معناها) فلایدخل فی المستعمل فیه لما تقدم فی البحث عن المعنی الحرفی من أنّ المعنی الاسمی و الحرفی واحد و الاختلاف بینهما فی اللحاظ فإنّ المعنی الحرفی ملحوظ آلیاً و المعنی الاسمی ملحوظ استقلالیاً و اللحاظ الآلی مثل اللحاظ الاستقلالی من

ص: 100


1- . مطارح الأنظار (ط ق)، ص173 و (ط ج)، ج 2، ص37.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص196.
3- . کفایة الأصول (ط آل البیت)، ص199.

خصوصیات الاستعمال لا خصوصیات المستعمل فیه، بل یستحیل أن یکون من خصوصیات المستعمل فیه لأنّ الاستعمال متأخر عن المعنی المستعمل فیه فیستحیل أن تکون خصوصیات الاستعمال دخیلاً فی المستعمل فیه و إلّا یلزم تقدم المتأخر.

فالموضوع له فی الحروف عام کما أنّه کذلک فی أسماء الأجناس.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا الجواب یتم بناءً علی ما ذهب إلیه فی المعنی الحرفی، و لایجدی لمن لم یلتزم بنظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی اتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی.

الثالث: مسلک المحقق النائینی
اشارة

((1))

إنّ المعلق فی القضیة الشرطیة لیس هو مفاد الهیأة لأنّه معنی حرفی و ملحوظ آلی، بل المعلق فیها هی نتیجة القضیة المذکورة فی الجزاء و إن شئت عبّرت عنها بالمادة المنتسبة (کما ذکرنا تفصیل ذلک فی بحث الواجب المشروط) و علیه یکون المعلّق فی الحقیقة علی الشرط المذکور فی القضیة الشرطیة هو الحکم العارض للمادة کوجوب الصلاة فی قولنا «إذا دخل الوقت فصلّ» فینتفی هو بانتفاء شرطه، غایة الأمر أنّ المعلّق علی الشرط حینئذٍ هو حقیقة الوجوب مثلاً من دون توسط مفهوم اسمی فی البین.

ص: 101


1- . أجود التقریرات، ج2، ص254 و فی الفوائد، ج2، ص484: إنّ الشرط لایرجع إلی الهیئة و إن قلنا بأنّ الموضوع له فی الحروف عامّ لأنّ المعنی غیر قابل للتّعلیق و التقیید فإنّ التقیید و التعلیق یقتضی لحاظ الشی ء معنی اسمیاً، بل الشرط یرجع إلی المحمول المنتسب، أی المحمول فی رتبة الانتساب، علی ما تقدّم تفصیله فی الواجب المشروط فالمعلّق علیه هو وجوب الإکرام علی جمیع الصور و هو الذی ینتفی بانتفاء الشرط و ممّا ذکرنا ظهر: أنّه لایبتنی التوهم المذکور علی کون الوضع فی الحروف خاصّاً و لا جوابه علی کون الوضع فیها عامّاً فتأمّل جیداً.
یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده من ارجاع الشرط إلی المادّة المنتسبة خلاف ظاهر الجملة الشرطیة فإنّ ظاهر الجملة الشرطیة هو تعلیق مفاد الجزاء علی الشرط لا نتیجة الجزاء علی الشرط.

الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ التحقیق هو أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة نفس وجوب الإکرام المُنشَأ فی شخص هذه القضیة، لکنّه لا بما هو متشخص بلوازمه، فإنّ انتفاءه بانتفاء موضوعه و شخص علّته (و إن لم تکن منحصرة) عقلی، لا یحتاج إلی إفادة انحصار علّته بأداة أو غیرها، بل بما هو وجوب، فإذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی المجیء مثلاً، استحال أن یکون للوجوب فرد آخر بعلّة أُخری.

فالمعلّق علی المجیء فیه احتمالات أربعة:

الأول: أن یکون وجود طبیعة الوجوب بحیث لایشذّ عنه فرد منها و حینئذٍ یلزم من انتفائه انتفاء سنخ الحکم عقلاً إلّا أنّه خلاف ظاهر الجملة الشرطیة

الثانی: أن یکون وجود طبیعة الوجوب بمعنی وجودها الناقض للعدم و تعلیق الوجوب علی الشرط فی هذا الاحتمال لا یکون مقتضیاً لانتفاء سنخ الحکم و الوجه فیه هو أنّ الوجود نقیض العدم و کل وجود بدیل عدم نفسه لا العدم المطلق، فانتفاءه انتفاء نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.

ص: 102


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص419.

الثالث: أن یکون وجود شخص الحکم بما هو وجود شخصی و حینئذ انتفاءه بانتفاء موضوعه عقلی و لیس فیه خلاف بین الأعلام و لکنه غیر مرتبط ببحث مفهوم الشرط.

الرابع: أن یکون وجود الحکم المنشأ فی شخص هذه القضیة بما هو وجود الوجوب، لا بما هو متشخص بلوازمه

و هذا الاحتمال الرابع هو المختار من بین الاحتمالات الأربعة و هو المستفاد من ظهور القضیة الشرطیة فی انحصار الشرط فی العلّیة.

الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ حقیقة إنشاء الوجوب عبارة عن إظهار اعتبار کون فعلٍ ما علی ذمّة المکلف فإذا کان المعتبر بالاعتبار المزبور معلقاً علی وجود شیء مثلاً، استلزم ذلک انتفاءه بانتفائه و لایفرق فی ذلک بین أن یکون الاعتبار مستفاداً من الهیأة و أن یکون مستفاداً من المادّة المستعملة فی المفهوم الاسمی باعتبار فنائه فی معنونه.

و هذا الجواب تام علی ما ذهب إلیه.

فالمتحصل: أنّ ما أفاده صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) وافٍ بحل المشکلة علی مبانیهم و أما علی المبنی المختار فالحق فی الجواب هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و مع التنزل عنه فما أفاده المحقق الأنصاری (قدس سره) فی غایة المتانة.

ص: 103


1- . أجود التقریرات، ج2، ص254.

ص: 104

التنبیه الثانی: فیما إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء

بیان المشکلة:

إنّه إذا قلنا بثبوت مفهوم الشرط یقع الکلام فیما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء و ذلک مثل قضیة «إذا خفی الأذان فقصّر» و قضیة «إذا خفی الجدران فقصّر» فیقع التعارض بین القضیتین فلابدّ من التصّرف فی ظهور أحدهما أو کلیهما حتی یرتفع التعارض و ینحل المشکلة.((1))

ص: 105


1- . فی کفایة الأصول، ص201: «إذا تعدّد الشرط مثل إذا خفی الأذان فقصر و إذا خفی الجدران فقصر فبناء علی ظهور الجملة الشرطیة فی المفهوم لابدّ من التصرّف و رفع الید عن الظهور إمّا بتخصیص مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر فیقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطین و إمّا برفع الید عن المفهوم فیهما فلا دلالة لهما علی عدم مدخلیة شی ء آخر فی الجزاء بخلاف الوجه الأوّل فإنّ فیهما الدلالة علی ذلک و إمّا بتقیید إطلاق الشرط فی کل منهما بالآخر فیکون الشرط هو خفاء الأذان و الجدران معاً فإذا خفیا وجب القصر و لایجب عند انتفاء خفائهما و لو خفی أحدهما و إمّا بجعل الشرط هو القدر المشترک بینهما بأن یکون تعدّد الشرط قرینة علی أنّ الشرط فی کل منهما لیس بعنوانه الخاص بل بما هو مصداق لما یعمّهما من العنوان» و راجع حواشی المشکینی، ج2، ص293؛راجع أیضاًحقائق الأصول، ج1 ص459.
هناک وجوه لحلّ هذه المشکلة:
اشارة

((1))

الوجه الأول: أن یرفع الید عن ظهور کل منهما فی المفهوم لیرتفع التعارض

ص: 106


1- . أورد صاحب الکفایة (قدس سره) -کما عرفت فی التعلیقة السابقة- الوجه الأوّل إلی الرابع المذکور فی المتن و فی مطارح الأنظار، ص174 ذکر هذه الوجوه الأربعة و قال عند ذکر الوجه الثالث [فی الکفایة]: «ثالثها تقیید إطلاق الشرط فی کل منهما بالآخر وجوداً فیکون المراد فی المثال المذکور إذا خفی الأذان عند خفاء الجدران فقصّر أو عدماً فالمعنی إذا خفی الأذان و لم یکن الجدران مخفیة فقصّر» و زاد وجهاً خامساً فقال: «إبقاء إحدی الجملتین بحالها مفهوماً و منطوقاً و التصرّف فی الأخری کذلک کما هو الظاهر من الحلّی فی المثال» و فی غایة المسؤول، ص340 جعل الوجه الثالث عند الشیخ (قدس سره) وجهین و فی تقریرات المجدد الشیرازی (قدس سره)، ج3، ص191 – 195 جعل الوجه الثالث [فی الکفایة] وجهین فقال: «رابعها: حمل کل منها علی بیان جزء السبب للجزاء لا تمامه، بأن یجعل السبب التامّ له هو المجموع المرکّب منها و یکون الغرض من الجمیع تعلیق الجزاء علی ذلک المجموع من حیث المجموع ... و خامسها: تقیید سببیة کل من الشروط المذکورة فیها بکونه مع الشروط الأخر المذکورة فی الخطابات الأخر بمعنی حمل کلّ من الخطابات علی إرادة ذلک» و قال بدل الوجه الرابع [فی الکفایة]: «إبقاء کلّ من الخطابات المذکورة علی ظاهره، لکن مع التصرّف فی وجه صدورها بحمل کلّ منها علی التوطئة مع کون الغرض من المجموع من حیث إفادة کون کلّ واحد من الشروط المذکورة فیها سبباً للجزاء علی البدل علی نحو دلالة الإشارة» و فی أجود التقریرات، ج1، ص423 زاد وجهاً خامساً فقال: «أن یکون کل منهما شرطاً مستقلّاً و علیه یترتّب لزوم تقیید إطلاق کل من الشرطین المذکورین فی القضیتین بإثبات العدل له فیکون وجود أحدهما کافیاً فی ثبوت الجزاء» ثمّ قال: لایخفی أنّه فی ما إذا لم یکن هناک جامع عرفی بین الشرطین المذکورین فی القضیتین کما هو الواقع فی المثال المتقدّم و ما شاکله یرجع الوجه الرابع [فی الکفایة] إلی هذا الوجه فیکون الشرط فی الحقیقة أحد الأمرین المزبورین و أمّا الوجه الثانی [فی الکفایة] فهو أیضاً یرجع إلی التصرّف فی منطوق کل من القضیتین بإثبات العدل له فیرجع إلی هذا الوجه و فی المحاضرات، ج5، ص98 قال بدل الوجه الرابع [فی الکفایة]: «أن یلتزم فی هذه الموارد إنّ الشرط هو عنوان أحدهما الذی هو نتیجة العطف بکلمة "أو" و علیه فإن کان لهما جامع ذاتی فذلک الجامع الذاتی هو الشرط فی الحقیقة و إن لم یکن لهما جامع کذلک فالجامع الانتزاعی هو الشرط فیها».

بینهما و هذا الوجه هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .((1))

الوجه الثانی: أن یقید مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر من دون تصرف فی المنطوقین.((2))

الوجه الثالث: أن یکون الشرط فی الحقیقة هو الکلی الجامع بین الأمرین و هو عنوان «أحدهما» أو «أحدها» و کل واحد من الشرطین مصداقاً لهذا الکلی الجامع.((3))

ص: 107


1- . و اختاره أیضاً فی حقائق الأصول، ج1، ص461 قال: «و الانصاف یقتضی الأخذ بما ذکره المصنّف من ترجیح التصرّف فی ظهور الشرط فی الخصوصیة فإنّه - کما ذکر - ممّا یساعد علیه العرف جدّاً و لاسیما فی مثل کلمة (إذا) ممّا کان من الظروف المتضمّنة لمعنی الشرط» و لعلّ هذا الوجه هو مختار وقایة الأذهان ص424 – 426.
2- . هذا الوجه هو الوجه الأوّل الذی ذکر فی کفایة الأصول ص201 قال: «إذا تعدّد الشرط مثل إذا خفی الأذان فقصر و إذا خفی الجدران فقصر فبناء علی ظهور الجملة الشرطیة فی المفهوم لابدّ من التصرّف و رفع الید عن الظهور إمّا بتخصیص مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر» إلخ و اختاره بعض الأصولیین. ففی تقریرات المجدد الشیرازی، ج3، ص195: أقربها هو الوجه الأوّل لکونه أقرب من غیره بالنسبة إلی ظاهر القضیة الشرطیة. و فی حواشی المشکینی، ج2، ص294: «إنّ الظاهر ترجیح الأوّلین علی الأخیرین ... و کذا الظاهر ترجیح الأوّل علی الثانی و إن کانا مشترکین فی طرح ظهورین، إلّا أنّه بناء علی الأوّل ظهور کلمة «إن» فی الانحصار محفوظ فی الجملة، دون الثانی، کما یظهر فی بیان الثمرة و من المعلوم أنّ الظهور المنعقد لایخرج عنه إلّا بمقدار الیقین» و فی المحاضرات تقریرات المحقّق الداماد (قدس سره)، ج1، ص406 أیضاً اختار هذا الوجه و فی عنایة الأصول، ج2، ص189: «الذی یساعده العرف من بین الوجوه المذکورة هو الوجه الأوّل».
3- . فی مطارح الأنظار، ص175: «و لعلّ العرف یساعد علی ذلک بعد الاطلاع علی التعدّد» و فی غایة المسئول، ص341: «الظاهر من القضیتین المذکورتین فی العرف کون القدر المشترک سبباً». و فی نهایة الأصول ص274: «... الظاهران المعتبر فی تحقّق القصر هو البعد عن البلد عرفاً بحیث یخفی علیه آثاره و یتحقّق هذا بطریقین: أحدهما: طریق یدرک بالبصر و الآخر: طریق یدرک بالسمع فهما أمارتان لأمر یکون هو المعیار فی ثبوت القصر و هو تحقّق البعد المخصوص عن البلد» و فی عنایة الأصول ج2، ص190: «و العقل فی مقام الثبوت و اللب یری الجامع بینهما هو السبب المؤثر فی الجزاء لقاعدة الواحد لایصدر إلّا من الواحد» و راجع أیضاً لمحات الأصول، ص290 و فی مباحث الأصول للمحقّق البهجة (قدس سره)، ج2، ص441: «اللازم الموافق لما جرّوا علیه رفع الید عن الظهور المقتضی للانحصار وضعاً کان أو إطلاقاً إلّا أنّه بالإضافة إلی الثابت شرطیته لا مطلقاً فینتفی بهما شرطیة الثالث فیکشف ذلک عن أنّ العلة هو الجامع أو أحد الأمرین» إلخ.

الوجه الرابع: أن یقید الشرط فی کل من القضیتین من ناحیة استقلالهما فی العلّیة بالعطف ب- «الواو» و هذا مختار المحقق النائینی (قدس سره) .((1))

ص: 108


1- . فوائد الاصول، ج 2، ص488: إن قیل فیه وجوه أربعة أو خمسة: من تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الأخری و من رفع الید عن المفهوم فی کلّ منهما و غیر ذلک، کما لاتخفی علی المراجع. إلّا أنّ الإنصاف: أنّ ذلک تطویل بلا طائل، بل لا محصّل لبعض الوجوه فإنّ تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الأخری لایستقیم، إذ لیس المفهوم قضیة مستقلّة یمکن تقییدها ما لم یقید أولا المنطوق فإنّ المفهوم تابع للمنطوق فی جمیع القیود فلایعقل تقیید المفهوم بلا تقیید المنطوق فالتحقیق، هو أن یقال: إنّه بعد ما کان الشرط ظاهراً فی العلّة التامّة المنحصرة و کان تعدّد الشرط ینافی ذلک فلابدّ إمّا من رفع الید عن کونه علّة تامة و جعله جزء العلّة فیکون المجموع من الشرطین علّة تامّة منحصرة ینتفی الجزاء عند انتفائهما معاً و یکون قوله: مثلاً، إذا خفی الأذان فقصّر و إذا خفی الجدران فقصّر، بمنزلة قوله: إذا خفی الأذان و الجدران فقصّر و إمّا: من رفع الید عن کونه علّة منحصرة مع بقائه علی کونه علّة تامّة فیکون الشرط أحدهما تخییراً و یکون المثال بمنزلة قوله: إذا خفی الأذان أو خفی الجدران فقصّر و یکفی حینئذٍ أحدهما فی ترتّب الجزاء، مع قطع النظر عن کون خفاء الأذان یحصل قبل خفاء الجدران دائماً و حینئذٍ لابدّ من رفع الید عن أحد الظهورین، أمّا ظهور الشرط فی کونه علّة تامة و أمّا ظهوره فی کونه علة منحصرة و حیث لم یکن أحد الظهورین أقوی من ظهور الآخر و لا أحدهما حاکماً علی الآخر- لمکان أنّ کلّاً من الظهورین إنّما یکون بالإطلاق و مقدّمات الحکمة، علی ما تقدّم- کان اللازم الجری علی ما یقتضیه العلم الإجمالی من ورود التقیید علی أحد الإطلاقین. نسبه فی مختلف الشیعة، ج3، ص110 إلی السید المرتضی (قدس سره) و فی مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص379 إلی الشهید (قدس سره) فی غیر اللمعة و قال: «و إلیه ذهب العلّامة و الشهید الثانی و أکثر المتأخرین» و اختار هذا القول فی نهایة الإحکام، ج2، ص172؛ روض الجنان (ط.ق)، ص392؛ مشارق الشموس؛ ریاض المسائل ج4، ص435 و نسبه فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411 إلی الشیخ فی الخلاف و فی روض الجنان إلی المشهور بین المتأخّرین و فی مدارک الأحکام، ج4، ص457 إلی أکثر المتأخرین.

الوجه الخامس: أن یقید الشرط فیهما من ناحیة انحصارهما فی العلّیة بالعطف ب «أو» و هذا هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) .((1))

أما الوجه الأوّل:
اشارة

فهو مختار صاحب الکفایة((2)) (قدس سره) حیث ادّعی أنّ العرف یساعد علی هذا الوجه((3)).

ص: 109


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص199: «إنّ هذا یرجع بالنتیجة إلی التقیید بأو». المعتبر ج2، ص473 و اختاره أیضاً فی تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج4، ص377؛ مجمع الفائدة ج3، ص397؛ مدارک الأحکام، ج4 ص456؛ ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411؛ الحدائق الناضرة، ج11، ص406 و نسبه فی مختلف الشیعة، ج3، ص109إلی الشیخ فی النهایة و المبسوط و الخلاف و ابن البرّاج و فی روض الجنان (ط.ق)، ص392 إلی أکثر المتقدّمین و فی منتهی المطلب (ط.ق)، ج1، ص391 إلی أکثر علمائنا و فی مدارک الأحکام و ذخیرة المعاد إلی أکثر الأصحاب.
2- . توضیحات حول الوجه الأوّل الذی اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) فی کفایة الأصول، ص201: «... فلابدّ من المصیر إلی أنّ الشرط فی الحقیقة واحد و هو المشترک بین الشرطین بعد البناء علی رفع الید عن المفهوم و بقاء إطلاق الشرط فی کل منهما علی حاله و إن کان بناء العرف و الأذهان العامیة علی تعدّد الشرط و تأثیر کل شرط بعنوانه الخاص فافهم» و فی نهایة الدرایة، ج1، ص613 و 614: «و أمّا ما أفاده من أنّ الجامع یکون شرطاً بعد البناء علی رفع الید عن المفهوم فإن أراد (قدس سره) أنّه لاتصل النوبة إلی الالتزام بالجامع إلّا بعد الفراغ عن الثبوت عند الثبوت فی کل منهما و الالتزام بالمفهوم مطلقاً فی کل منهما بمعنی عدم الالتزام بالثبوت عند الثبوت فی کل منهما فلایجب الالتزام بتأثیر الجامع فیندفع بأنّ الالتزام بالمفهوم و إن کان التزاماً بالمحال من حیث إنّه التزام بالنقیضین لکنّه من حیث الالتزام بالثبوت عند الثبوت فی کلیهما التزام بمحال آخر و هو تأثیر المتبائنین أثراً واحد و إن أراد أنّ الالتزام بالجامع بعد عدم الالتزام بالمفهوم فإنّه محال فهو غیر مختص بهذا الوجه بل سائر وجوه التصرف أیضاً أنّما یلتزم بها من أجل أنّ الالتزام بظاهر القضایا جمیعاً محال و الظاهر إرادة الشقّ الأوّل کما یؤمی إلیه اقترانه ببقاء إطلاق الشرط فی کل منهما علی حاله فظاهره أنّه کما لا مجال للجامع مع کون کل منهما جزء العلة کذلک لا مجال مع الالتزام بالمفهوم». راجع حقائق الأصول، ج1،ص 461 و منتقی الأصول، ج3، ص251.
3- . فی الکفایة رجح الوجه الثانی علی الأوّل و لکن لبعض الأصولیین تفصیل: فی منتقی الأصول ج3، ص248: «التحقیق أن یقال: إنّ طریق الجمع بین الدلیلین یختلف بحسب اختلاف طریق إثبات المفهوم فإن التزمتا بالمفهوم من طریق الإطلاق المقامی و کون المتکلّم فی مقام بیان ما هو الشرط، تعین رفع الید عن المفهوم فی کل منهما، لأنّ ذکر الشرط الآخر یکشف عن عدم کونه فی مقام بیان ما هو الشرط فینتفی الإطلاق الذی هو مستند المفهوم فلایثبت المفهوم و هکذا الحال لو التزمنا بالمفهوم من طریق کون الجملة الشرطیة ظاهرة فی تعلیق الجزاء علی الشرط الملازم للانحصار، لأنّ تعدّد الشرط یکشف عن عدم استعمال الأداة أو الهیئة فی التعلیق لمنافاته لتعدّد الشرط و إن التزمنا بالمفهوم من طریق الإطلاق اللفظی بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة، تعین رفع الید عن إطلاق المفهوم لا نفس المفهوم، لأنّ تعدّد الشرط لایخلّ بانعقاد الإطلاق لفظاً و إنّما یکشف عن أنّه غیر مطابق للمراد الجدّی فیقید إطلاق کل منهما المقتضی للمفهوم بالشرط الأخر و یبقی علی حاله فی غیر مورده کسائر موارد المطلق و المقید و من هنا ظهر أنّه لا وجه لما ذکره صاحب الکفایة بقول مطلق من أنّ العرف یساعد علی الوجه الثانی، إذ عرفت أنّه متعین علی تقدیر دون آخر»؛ راجع تهذیب الأصول ج1، ص347.
إیرادان علی هذا الوجه:
الإیراد الأوّل: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّه بلا مقتض و موجب، بداهة أنّ الضرورة تتقدر بقدرها، و من الطبیعی أنّ الضرورة لاتقتضی رفع الید عن مفهوم کلتا القضیتین معاً و الالتزام بعدم دلالتهما علیه أصلاً، بل غایة ما تقتضی هو رفع الید عن إطلاق کل منهما بتقییده بالأُخری بمثل العطف بکلمة «أو» أو بکلمة «الواو».

ص: 110


1- . المحاضرات (ط.ج): ج4، ص241. و فی المحاضرات، تقریرات المحقّق الداماد (قدس سره)، ج1، ص406: هو کما تری «ضرورة أنّه لا وجه لرفع الید عن الظهور بهذا المقدار مع عدم ما یدلّ علیه» و فی عنایة الأصول، ج2، ص189 أیضاً: «إنّه ضعیف جداً فإنّ رفع الید عن المفهوم رأساً بمجرّد تعدّد الشرط ممّا لا وجه له بل اللازم علی القول بالمفهوم هو الاقتصار فی رفع الید عنه علی القدر الذی ورد به دلیل و هو منطوق الآخر لا أکثر».
الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (دام ظله)

((1))

إن کان أحد الدلیلین متصلاً بالآخر فلایدلّان علی المفهوم لأنّ کلاً منهما قرینة علی عدم المفهوم فی الآخر، و إن کانا منفصلین فمع تمامیة القول بالمفهوم فلا وجه لعدم ظهور کل منهما فی المفهوم بل القول بعدم المفهوم حینئذ مستلزم للتفکیک بین العلّة و المعلول.

أما الوجه الثانی:
اشارة

فهو تقیید مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر بدون التصرف فی المنطوقین.((2))

ص: 111


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص198.
2- . أمّا الدلیل علی هذا الوجه: ففی مطارح الأنظار، ص174: «و الوجه فی ذلک ما هو المعروف من أنّ دلالة اللفظ علی منطوقه أقوی من دلالته علی مفهومه و لاریب أنّه عند التعارض یقدّم الأقوی» و فی منتقی الأصول ج3، ص247:«الالتزام بتقیید مفهوم کل منهما بمنطوق الأخری إذ النسبة بینهما العموم و الخصوص المطلق» و فی دروس فی علم الأصول، ج3، ص237: «هنا قد یقال بأنّ منطوق کل منهما یقدّم علی مفهوم الأخری و ینتج أنّ للتقصیر علّتین مستقلّتین إمّا لأنّ دلالة المنطوق دائماً أظهر من دلالة المفهوم و إمّا بدعوی أنّ المنطوق فی المقام أخصّ فیقدّم تخصیصاً لأنّ المفهوم فی کل جملة یدلّ علی انتفاء الجزاء بانتفاء شرطها و هذا مطلق لحالتی وجود شرط الجملة الأخری و عدم وجوده و المنطوق فی الجملة الأخری یدلّ علی ثبوت الجزاء فی حالة وجود شرطها فیکون مخصّصاً» و قد أورد علی هذا الاستدلال فی الأخیر فقال: «و نلاحظ علی ذلک منع الأظهریة و منع الأخصیة. أمّا الأوّل: - فلأنّ الدلالة علی المفهوم مردها إلی دلالة المنطوق علی الخصوصیة التی تستتبع الانتفاء عند الانتفاء فالتعارض دائماً بین منطوقین و أمّا الثانی: - فلأنّنا لابدّ أن نلتزم إمّا بافتراض الشرطین علّتین مستقلّتین للجزاء و هذا یعنی تقیید المفهوم و إمّا بافتراض أنّ مجموع الشرطین علّة واحدة مستقلة و هذا یعنی الحفاظ علی إطلاق المفهوم و تقیید المنطوق فی کل من الشرطیتین بانضمام شرط الأخری إلی شرطها فالتعارض إذن بین إطلاق المنطوق و إطلاق المفهوم و النسبة بینهما العموم من وجه فالصحیح أنّهما یتعارضان و یتساقطان و لا جمع عرفی»؛ راجع عنایة الأصول ج2، ص188.
أورد علیه المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّه غیر معقول، إذ المفهوم لیس هو بنفسه مدلولاً للکلام مستقلاً لیتصرف فیه بتخصیص أو تقیید، بل هو تابع للمنطوق، فإذا لم یتصرّف فیه امتنع التصرف فی المفهوم.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی المقام:

((2))

تقدم أنّ المفهوم لازم عقلی للمنطوق باللزوم البین بالمعنی الأخصّ و علیه فلا یعقل التصرف فیه بتقیید أو تخصیص من دون التصرف فی المنطوق أصلاً

ص: 112


1- .أجود التقریرات، ج2، ص260 و فی فوائد الأصول، ج1 - 2 ص487: «إنّ تقیید مفهوم کل منهما بمنطوق الأخری لایستقیم، إذ لیس المفهوم قضیة مستقلّة یمکن تقییدها ما لم یقید أولا المنطوق فإنّ المفهوم تابع للمنطوق فی جمیع القیود فلایعقل تقیید المفهوم بلا تقیید المنطوق» و فی مطارح الأنظار، ص175: «یلزم المجاز کما عرفت و إن لم نقل بأنّ التخصیص مجاز و الوجه فیه أنّ المفهوم من اللوازم العقلیة للمنطوق و لایعقل التصرّف فی المدلول الالتزامی إلّا بعد التصرف فی المدلول المطابقی» و فی نهایة الأفکار ج1 – 2، ص484: «إنّ المفهوم فی نفسه غیر قابل للتقیید، لأنّه من اللوازم العقلیة للقضیة اللفظیة حسب مالها من الخصوصیات الموجبة لذلک فکان مرجع تقییده حینئذٍ مع إبقاء القضیة اللفظیة المنطوقیة علی حالها بما لها من الخصوصیة إلی نحو تفکیک بین الملزوم و لازمه و هو کما تری من المستحیل جدّاً» و راجع أیضاً تقریرات المجدّد الشیرازی، ج3، ص192؛ حقائق الأصول، ص460؛ تحقیق الأصول، ج4، ص198؛ مجمع الفرائد لفریدة الإسلام (قدس سره)، ص41 و فی مباحث الأصول للمحقّق البهجة (قدس سره)، ج2، ص443: «أمّا استلزام التصرّف فی المفهوم للتصرّف فی المنطوق فإنّ الأوّل من شؤون الثانی و لوازمه العقلیة بمعنی حکم العقل بالملازمة بین أمرین شرعیین فلایوجب بمجرّده المجازیة لإمکان التصرّف بذلک فی إطلاق المنطوق لا فی ظهوره الوضعی».
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص241.

بداهة أنّ مردّ ذلک إلی انفکاک اللازم من الملزوم و المعلول من العلّة و هو مستحیل و علی الجملة قد عرفت أنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم إنّما هی بدلالة التزامیة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و من الطبیعی أنّ هذه الدلالة بما أنّها دلالة قهریة ضروریة لدلالة القضیة علی المنطوق، فلایمکن رفع الید عنها و التصرف فیها من دون رفع الید و التصرف فی تلک.

فإذن لابدّ من إرجاع هذا الوجه إلی الوجه الخامس (التقیید بالعطف ب- «أو»).((1))

أما الوجه الثالث:
اشارة

((2))

فهو أن یکون الشرط الکلی الجامع و استدلّ علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بقاعدة «الواحد لایصدر إلّا عن الواحد».

ص: 113


1- . فی المحاضرات ج5، ص99 جعل هذا الوجه الوجه الرابع و قال: «أمّا الوجه الرابع فبظاهره غیر معقول إلّا أن یرجع إلی الوجه الثانی والسبب فی ذلک هو ما تقدم من أنّ المفهوم لازم عقلی للمنطوق باللزوم البین بالمعنی الأخص ... فلایمکن رفع الید عنها و التصرف فیها من دون رفع الید و التصرف فی تلک فإذن لابدّ من إرجاع هذا الوجه إلی الوجه الثانی» و الوجه الثانی عنده «أن یلتزم فی هذه الموارد أنّ الشرط هو عنوان أحدهما الذی هو نتیجة العطف بکلمة "أو" و علیه فإن کان لهما جامع ذاتی فذلک الجامع الذاتی هو الشرط فی الحقیقة و إن لم یکن لهما جامع کذلک فالجامع الانتزاعی هو الشرط فیها» فراجع.
2- . فی کفایة الأصول، ص201: «... و إمّا بجعل الشرط هو القدر المشترک بینهما، بأن یکون تعدّد الشرط قرینة علی أنّ الشرط فی کل منهما لیس بعنوانه الخاص، بل بما هو مصداق لما یعمّهما من العنوان ..، کما أنّ العقل ربّما یعین هذا الوجه، بملاحظة أنّ الأمور المتعدّدة بما هی مختلفة، لایمکن أن یکون کل منها مؤثراً فی واحد فإنّه لابدّ من الربط الخاص بین العلّة و المعلول و لایکاد یکون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنین بما هما اثنان و لذلک أیضاً لایصدر من الواحد إلّا الواحد»؛راجع عنایة الأصول ج2، ص189.
یلاحظ علیه:

إنّ هذه القاعدة تجری فی الوحدة الحقّة الحقیقیة کما تقدّم مراراً.

و لذا قال المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) بإرجاعه إلی الوجه الخامس أیضاً بل المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی الوجه الخامس بلزوم الجامع الذاتی أو الجامع الانتزاعی. ((1))

ص: 114


1- . فی المحاضرات، ج5، ص100: «یرد علیه: أوّلاً: ما ذکرناه غیر مرّة من أنّ هذه القاعدة إنّما تتمّ فی الواحد الشخصی الحقیقی حتی یکشف عن جامع وحدانی کذلک و لاتتمّ فیما إذا کانت وحدة المعلول اعتباریة فإنّه لایکشف إلّا عن وحدة کذلک و من المعلوم أنّ وحدة الجزاء فی المقام وحدة اعتباریة لا حقیقیة و علیه فلایکشف عن جامع واحد ذاتی و ثانیاً: أنّه لا شمول و لا عموم لتلک القاعدة بالإضافة إلی جمیع الأشیاء بشتّی ألوانها و أشکالها بل أنّ لها إطاراً خاصاً و موضعاً مخصوصاً و هو إطار سلسلة العلل و المعالیل الطبیعتین دون إطار سلسلة الأفعال الاختیاریة و قد تقدّم الحجر الأساسی للفرق بین السلسلتین فی ضمن لقد مذهب التفویض بشکل موسّع و قلنا هناک باختصاص القاعدة بالسلسلة الأولی فحسب دون الثانیة و علیه فلاتنطبق علی ما نحن فیه و ذلک لما ذکرناه غیر مرّة من أنّ الأحکام الشرعیة بأجمعها أمور اعتباریة و لا واقع موضوعی لها ما عدی اعتبار المعتبر و لیست بأمور تکوینیة و أنّها فعل اختیاری للشارع و صادرة منه باختیاره و إعمال قدرته و لیس للأمور الخارجیة دخل و تأثیر فیها أصلاً و إلّا لکانت أموراً تکوینیة بقانون التطابق و السنخیة ... و ثالثاً: أنّه قد لایعقل الجامع الماهوی بینهما و ذلک کما إذا افترضنا کون أحد الشرطین من مقولة و الشرط الآخر من مقولة أخری فإذن لایعقل أن یکون بینهما جامع حقیقی، لاستحالة وجود الجامع کذلک بین المقولتین» و فی منتقی الأصول، ج3، ص250: «یرد علیه: أوّلاً: أنّه إنّما یتمّ إذا کان المسبّب واحداً شخصیاً، أمّا الواحد النوعی فلا مانع من تأثیر المتعدّد فیه فیجوز تأثیر شرط فی مسبّب و تأثیر غیره فی فرد آخر کما نری ذلک بالوجدان فإنّ النار تؤثر فی الحرارة کما أنّ الکهرباء یؤثر فیها و بالجملة: فبرهان السنخیة إنّما یتمّ فی الواحد الشخصی لا النوعی و ثانیا: أنّه إنّما یجری فی الأسباب و المسبّبات التکوینیة التی یکون تأثیرها واقعیاً ناشئاً عن ربط خاص بین العلّة و المعلول – و إلّا لزم تأثیر کل شیء فی کل شیء، لا الأسباب الشرعیة التی هی فی الحقیقة تنتزع عن ترتّب تحقّق شیء علی وجود آخر بلا أن یکون للسبب تأثیر فی المسبّب نحو تأثیر العلّة فی المعلول فلا مانع من اعتبار شیء واحد مرتّباً علی أحد شیئین». أمّا سائر الأدلّة المذکورة للوجه الرابع: الدلیل الأوّل: هو مقتضی الجمع بین الروایتین راجع ذکری الشیعة، ج4، ص421؛ روض الجنان (ط.ق)، ص392؛ ریاض المسائل، ج4، ص435؛ الإشکال الأوّل: ارتکاب التخصیص فی المفهوم أولی من ارتکابه فی المنطوق. راجع مجمع الفائدة، ج3، ص398و 399 و مدارک الأحکام، ج4 ص456 و ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411 و مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص380؛ جواهر الکلام ج14، ص288. الإشکال الثانی: تأخیر البیان عن وقت الحاجة راجع مجمع الفائدة، ج3، ص398 و ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411 و الحدائق الناضرة ج11، ص406. الإشکال الثالث: لیس هذا الجمع مقتضی متفاهم العرف راجع مستند الشیعة، ج8، ص293 أجیب عن هذا الإشکال فی کتاب الصلاة (ط.ق)، الشیخ الأنصاری، ص398. الدلیل الثانی: هو الأوفق لمقتضی الأصل راجع ریاض المسائل، ج4، ص435 و مستند الشیعة، ج8،ص293 و جواهر الکلام، ج14، ص288 – 289 و کتاب الصلاة (ط.ق)، الشیخ الأنصاری، ص398.
أما الوجه الرابع:
اشارة

فهو مختار المحقق النائینی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «الواو».

فقد قال المحقق النائینی (قدس سره) فی وجهه((1)): التحقیق أنّ دلالة کل من الشرطیتین علی ترتّب الجزاء علی الشرط المذکور فیها باستقلاله من غیر انضمام شیء آخر إلیه إنما هی بالإطلاق المقابل للعطف ب- «أو» و بما أنّه لابدّ من رفع الید عن أحد الإطلاقین و لا مرجّح لأحدهما علی الآخر((2)) یسقط کلاهما عن الحجیة، لکن

ص: 115


1- . أجود التقریرات، ج2، ص261.
2- . ذکروا لترجیح الإطلاق المقابل للتقیید بأو علی الآخر وجوهاً: ففی نهایة الأفکار، ج1 – 2، ص485: «فی مقام التوفیق یدور الأمر بین رفع الید عن أحد الظهورین، إمّا عن ظهور الشرطین فی الاستقلال ... و إمّا عن ظهورهما فی الدخل بعنوانهما الخاص بجعل الشرط الجامع بینهما أو عن قضیة ظهور إطلاقهما فی الانحصار ... و فی مثله نقول: بأنّه و إن کان الظهوران کلاهما بمقتضی الإطلاق و لکن أمکن دعوی تعین الثانی و ترجیح ظهور الشرطین فی الاستقلال علی ظهورهما فی الدخل بعنوانهما الخاص و فی الانحصار، إذ علی هذا الفرض کان ظهور کل واحد من الشرطین فی الاستقلال فی التأثیر علی حاله، بخلاف العکس، فإنّه علاوة عمّا یلزمه من رفع الید عن ظهور الشرطین فی الاستقلال یلزمه أیضاً رفع الید عن ظهورهما فی الانحصار و واضح حینئذٍ أنّه عند الدوران کان المتعین هو الأوّل، لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها» و فی أصول الفقه، ج1، ص164: «لابدّ من التصرّف فیهما بأحد وجهین: الوجه الأوّل: أن نقید کلا من الشرطین من ناحیة ظهورهما فی الاستقلال بالسببیة - ذلک الظهور الناشئ من الإطلاق الذی یقابله التقیید بالعطف بالواو ... الوجه الثانی: أن نقیدهما من ناحیة ظهورهما فی الانحصار - ذلک الظهور الناشئ من الإطلاق المقابل للتقیید بأو - و الأوجه- علی الظاهر هو التصرّف الثانی، لأنّ منشأ التعارض بینهما هو ظهورهما فی الانحصار الذی یلزم منه الظهور فی المفهوم فیتعارض منطوق کل منهما مع مفهوم الآخر، کما تقدّم فلابدّ من رفع الید عن ظهور کل منهما فی الانحصار بالإضافة إلی المقدار الذی دلّ علیه منطوق الشرطیة الأخری، لأنّ ظهور المنطوق أقوی. أمّا ظهور کل من الشرطیتین فی الاستقلال فلا معارض له حتی ترفع الید عنه» و فی البحوث، ج3، ص187: «المقطع الثالث: ما أُفید من تکافؤ الظهورین المتعارضین لأنّ کلّاً منهما بالإطلاق و مقدّمات الحکمة فیحکم بالتساقط و قد علّق علی هذا المقطع السید الأستاذ، بما یلی: "الظاهر أنّه لابدَّ فی محل الکلام من رفع الید عن خصوص الإطلاق المقابل للعطف بکلمة أو و إبقاء الإطلاق المقابل للعطف بالواو علی حاله و السرّ فی ذلک أنَّ الموجب لوقوع المعارضة بین الدلیلین فی المقام إنّما هو ظهور کل من القضیتین فی المفهوم و ظهور القضیة الأخری فی ثبوت الجزاء عند تحقّق الشرط المذکور فیها مع قطع النظر عن دلالتها علی المفهوم و عدم دلالتها علیه ... و بما أنّ نسبة کل من المنطوقین بالإضافة إلی مفهوم القضیة الأخری نسبة الخاص إلی العام لابدَّ من رفع الید عن عموم المفهوم فی مورد المعارضة و بما أنّه یستحیل التصرف فی المفهوم نفسه لأنّه مدلول تبعی و لازم عقلی للمنطوق لابدَّ من رفع الید عن ملزوم المفهوم بمقدار یرتفع به التعارض و لایکون ذلک إلّا بتقیید المنطوق و رفع الید عن إطلاقه المقابل للتقیید بکلمة أو و أمّا رفع الید عن الإطلاق المقابل للتقیید بالواو لتکون نتیجة ذلک اشتراط الجزاء بمجموع الأمرین المذکورین فی الشرطیتین فهو و إن کان موجباً لارتفاع المعارضة بین الدلیلین إلّا أنّه بلا موجب ضرورة أنّه لا مقتضی لرفع الید عن ظهور دلیل ما مع عدم کونه طرفاً للمعارضة بظهور آخر و لو ارتفع بذلک أیضاً التعارض بین الدلیلین اتفاقا" و یستخلص منه ضابطاً عامّاً و تطبیقاً له علی المقام و کلاهما ممّا لایمکن المساعدة علیه» إلخ.

ص: 116

ثبوت الجزاء کوجوب القصر فی المثال یعلم بتحققه عند تحقق مجموع الشرطین علی کل تقدیر، و أما فی فرض انفراد کلّ من الشرطین بالوجود فثبوت الجزاء فیه یکون مشکوکاً فیه، و لا أصل لفظی فی المقام علی الفرض لسقوط الإطلاقین بالتعارض، فتصل النوبة إلی الأصل العملی، فتکون النتیجة موافقة لتقیید الإطلاق المقابل للعطف ب- «الواو».

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه:

إنّ المورد لیس من صغریات الرجوع إلی الأصل العملی بل المقام هو مجری الأصل اللفظی من عموم أو إطلاق.((1))

ص: 117


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص246-251. هنا إیرادات علی المحقق النائینی (قدس سره): ففی منتقی الأصول، ج3، ص249: «وجه الإشکال فیه ما عرفت من أنّ الجمع الدلالی إنّما یکون فی مورد التعارض فلایدور الأمر بین الإطلاقین، بل یتعین التصرف بالإطلاق المقابل للعطف ب "أو" و بتعبیر آخر: إطلاق کل من الشرطین المقتضی لإستقلالهما فی التأثیر لیس مورد التعارض، بل هو منشأ التعارض کالدلیل الدال علی حجیة الخبر و هو لایسوّغ التصرف فیه مع إمکان الجمع فی مورد المعارضة» و فی البحوث، ج3، ص185 عند مناقشة المقطع الأوّل من کلام المحقّق النائینی (قدس سره) حیث ذکر إنّ مقتضی الأصل العملی بعد التساقط هو التقیید بالواو أی رفع الید عن إطلاق المنطوق: «هذا الکلام إذا أُرید به أنّ مقتضی الأصل العملی هو ذلک فی خصوص هذا المثال ورد علیه أوّلاً: - إنَّ مقتضی القاعدة بعد التساقط الرجوع إلی العموم الفوقانی الدالّ علی وجوب التقصیر فی السفر الصادق قبل خفاء الجدران أو الأذان، لأنّ دلیل التقیید المتمثل فی هاتین الشرطیتین أجمل بالتعارض فیقتصر علی قدره المتیقّن و هو ما إذا خفی الجدران و الأذان معاً و لو فرض الشک فی صدق مفهوم السفر مع خفاء أحدهما کان المرجع عمومات أقیموا الصلاة الدالّة علی وجوب الصلاة تماماً إذا فرض الإطلاق فیها و ثانیاً: - لو فرض عدم العموم الفوقی مع ذلک لاتجری أصالة البراءة إذ لو أُرید به أصالة البراءة عن وجوب القصر فهو طرف لعلم إجمالی و لو أُرید استصحاب بقاء وجوب التمام فهذا أصل تعلیقی فی کثیر من الأحیان حیث لایکون الوجوب فیها فعلیا قبل بلوغ حدّ الترخص و إنْ أرید تطبیقه بشکل کلی فی تمام موارد التعارض بین شرطیتین من هذا القبیل فالإشکال أوضح، إذ قد لایکون الحکم المعلّق إلزامیاً بل ترخیصی فیکون مقتضی أصالة البراءة العکس و کفایة أحد الشرطین فی رفع الإلزام و علی کل حال لایوجد هناک ضابط عام للأصل العملی الجاری بعد التساقط بل یختلف الحال من مسألة إلی أخری فلابدَّ من ملاحظة کل مورد بخصوصه» و إیرادات علی الوجه الرابع: ففی حقائق الأصول، ج1، ص461: «إنّ ظهور الشرط فی الاستقلال و لو بالإطلاق أقوی من غیره فیتعین رفع الید عن غیره» و فی منتقی الأصول، ج3، ص249: «و أمّا الوجه الثالث: فلاطریق إلی إثباته أصلاً و لأجل وضوح بطلانه لم یتعرّض صاحب الکفایة لنفیه و ذلک: لأنّ قواعد المعارضة و الجمع الدلالی بین المتعارضین هو التصرف فی مرکز المعارضة و محطّها من الظهور و من الواضح أنّ التعارض بین مفهوم کل منهما و منطوق الأخر أمّا ظهور کل منهما فی الاستقلال فلیس محطّ المعارضة و إن کان رفع الید عنه موجباً لارتفاع المعارضة، لکن لاتنتهی النوبة إلیه ما دام یمکن الجمع و التصرف فی مورد التعارض و لذا لایتوهّم أحد مع إمکان الجمع الدلالی التصرف فی أحد المتعارضین من حیث الجهة أو السند مع أنّه یرفع التعارض فالجمع بالوجه الثالث جمع تبرّعی» و فی عنایة الأصول، ج2، ص189: «إنّ تقیید شرطیة کل منهما بوجود الآخر تصرف فی منطوق کل منهما بلا ملزم».
أما الوجه الخامس:
اشارة

فهو ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))

إنّ القاعدة تقتضی تقیید الإطلاق المقابل للعطف ب- «أو» دون العطف ب- «الواو» (کما اختاره المحقق النائینی (قدس سره)) و السبب فی ذلک هو أنّه لا منافاة بین منطوقی القضییتین الشرطیتین المتقدمتین، ضرورة أنّ وجوب القصر عند خفاء

ص: 118


1- . المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص248.

الأذان لاینافی وجوبه عند خفاء الجدران أیضاً لفرض أنّ ثبوت حکم لشیء لایدلّ علی نفیه عن غیره و کذا لا منافاة بین مفهومیهما لوضوح أنّ عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان لاینافی عدم وجوبه عند عدم خفاء الجدران، إذ عدم ثبوت حکم عند شیء لایقتضی ثبوته عند عدم شیء آخر لیکون بینهما تنافٍ.

فالنتیجة: أنّ المنافاة إنما هی بین إطلاق مفهوم إحداهما و منطوق الأُخری مع قطع النظر عن دلالتها علی المفهوم و لذا لو کان الوارد فی الدلیلین «إذا خفی الأذان فقصّر» و «یجب تقصیر الصلاة عند خفاء الجدران»، کان بین ظهور القضیة الأُولی فی المفهوم و ظهور القضیة الثانیة فی ثبوت وجوب التقصیر عند خفاء الجدران تعارض لامحالة فإنّ مقتضی إطلاق مفهوم الأُولی عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان و إن فرض خفاء الجدران و مقتضی القضیة الثانیة وجوب القصر فی هذا الفرض.

و حیث إنّ نسبة المنطوق إلی المفهوم نسبة الخاصّ إلی العام فبطبیعة الحال یقید إطلاقه و بما أنّ التصرف فی المفهوم بدون التصرف فی المنطوق لایمکن لما عرفت من أنّه لازم عقلی له فیدور مداره سعةً وضیقاً فلایمکن انفکاکه عنه و لو بالإطلاق و التقیید فلامحالة یستلزم التصرف فیه التصرف فی المنطوق.

و التصرف فی إطلاق مفهوم کل من القضیتین بهذا الشکل لامحالة یستدعی التصرف فی إطلاق منطوق کل منهما بنتیجة العطف بکلمة «أو» و لازم ذلک هو أنّ الشرط أحدهما فالنتیجة هی عدم وجوب التقصیر إلّا إذا خفی أحدهما.

أما التقیید بالعطف بکلمة «الواو» فلا مقتضی له أصلاً و إن کان یرتفع به التعارض.

فالحق هو التقیید بالعطف بکلمة «أو».

ص: 119

تقریر العلّامة المظفر (قدس سره)

((1)) لهذا الوجه:

إنّ منشأ التعارض بین الدلیلین هو ظهورهما فی الانحصار الذی یلزم منه الظهور فی المفهوم فیتعارض منطوق کل منهما و مفهوم الآخر کما تقدّم فلابدّ من رفع الید عن ظهور کل منهما فی الانحصار بالإضافة إلی المقدار الذی دلّ علیه منطوق الشرطیة الأُخری، لأنّ ظهور المنطوق أقوی، أما ظهور کل من الشرطیتین فی الاستقلال فلا معارض له حتی ترفع الید عنه، و حینئذ یکون کل من الشرطین مستقلاً فی التأثیر فإذا انفرد أحدهما کان له التأثیر فی ثبوت الحکم و إن حصلا معاً فإن کان حصولهما بالتعاقب کان التأثیر للسابق و إن تقارنا کان الأثر لهما معاً و یکونان کالسبب الواحد، لامتناع تکرار الجزاء حسب الفرض.

و هنا وجوهاً أخری، لحلّ المشکلة، لانشیر إلیها. ((2))

ص: 120


1- . أصول الفقه (ط. اسماعیلیان)، ج 1، ص115.
2- . نشیر إلی سائر الوجوه: منها: اعتبار الخروج من بیته؛ فی المعتبر، ج2، ص474: «و قال بعض أصحاب الحدیث من أصحابنا (علی بن بابویه): إذا خرج من منزله، لقول أبی عبد الله (علیه السلام): إِذَا خَرَجْتَ مِنْ مَنْزِلِکَ فَقَصِّرْ إِلَی أَنْ تَعُودَ إِلَیه». منها: اعتبار خفاء الأذان؛ نسبه فی مختلف الشیعة، ج3، ص110إلی الشیخ المفید (قدس سره) و فی مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص379: «و ظاهر کلام الحسن و المفید و سلّار و أبی الصلاح و صریح ابن إدریس اعتبار الاذان خاصة» و راجع أیضاً تحریر الأحکام، ج1، ص337. هنا وجوه أخر للجمع بین الصحیحتین: الأوّل: فی مصباح الفقیه (ط.ق)، ج2، ق 2، ص751؛ الثانی: فی کتاب الصلاة، الشیخ عبد الکریم الحائری، ص622؛ الثالث: فی صلاة المسافر، الشیخ الإصفهانی، ص109 – 110؛ الرابع: فی مستمسک العروة، ج8، ص90 – 92؛ الخامس: فی کتاب الصلاة، السید الخوئی، ج8 ص202؛ السادس: فی جامع المدارک، ج1، ص586.

التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات

اشارة

و فیه مطلبان:

قال المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)): إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء و ثبت من الخارج أو من نفس ظهور الدلیلین کون کل شرط مستقلاً فی ترتّب الجزاء علیه، فهل القاعدة تقتضی تداخل الشروط فی تأثیرها أثراً واحداً فیما إذا تقارنت زماناً أو تقدّم بعضها علی بعض، أو إنّها تقتضی تعدّد الأثر عند تعدّد المؤثر؟ و یعبّر عن ذلک بتداخل الأسباب و عدمه.

و فی المقام نزاع آخر و هو أنّه علی تقدیر تعدّد الأثر کوجوب الغسل المترتب علی الجنابة و وجوبه المترتب علی الحیض فهل یجوز امتثالهما بفعل واحد أو إنّه یجب أن یکون امتثال کل منهما بفعل مغایر لما یتحقق به امتثال الآخر؟ و یعبّر عن ذلک بتداخل المسبّبات و عدمه.

فلابدّ من البحث عن مطلبین: تداخل الأسباب و تداخل المسببات.((3))

ص: 121


1- . أجود التقریرات، ج2، ص262؛ فوائد الأصول، ج 2، ص489.
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص252.
3- . هدایة المسترشدین (ط.ج)، ج 1، ص707.
المطلب الأوّل: تداخل الأسباب
اشارة

و الکلام فیه فی أربع جهات:

الجهة الأُولی:
اشارة

فیها خمس مقدّمات:

قد أفاد الأعلام مثل المحقق النائینی((1)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما) مقدمات قبل الورود فی البحث نذکر بعض تلک المقدمات:

المقدمة الأُولی:

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((2)) إنّ الکلام هو فیما إذا لم یعلم التداخل أو عدمه من الخارج کما فی بابی الوضوء و الغسل حیث علم من الخارج أنّه لایجب علی المکلّف عند اجتماع أسبابه إلّا وضوء واحد و کذا الحال فی الغسل.

أما فی باب الوضوء فلأنّ الوارد فی لسان روایاته هو التعبیر بالنقض مثل: «لَاینْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ»((3))و من الطبیعی أنّ صفة النقض لاتقبل التکرر و التکثّر.

ص: 122


1- . قال النائینی فی فوائد الأصول، ج 2، ص489: «أمّا المراد من تداخل الأسباب فهو أنّ اجتماع الأسباب المتعدّدة لایقتضی إلّا إیجاد جزاء واحد، بمعنی أنّ الأسباب التی هی عند الانفراد تقتضی إیجاد جزاء واحد فعند الاجتماع لاتقتضی أیضاً إلّا إیجاد جزاء واحد، لا أنّها یقتضی کلّ سبب إیجاد جزاء حتی یتعدّد الجزاء حسب تعدّد الأسباب».
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص253.
3- . الوسائل، ج1، ص180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، ح 4.

و أما فی باب الغسل فلأنّ بعض روایاته ظاهرة فی تداخل المسببات فیدلّ علی إجزاء غسل واحد عن المتعدد مثل صحیحة زُرارَة: «إِذَا اغْتَسَلْتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَکَ غُسْلُکَ ذَلِکَ لِلْجَنَابَةِ وَ الْجُمُعَةِ وَ عَرَفَةَ وَ النَّحْرِ وَ الْحَلْقِ وَ الذَّبْحِ وَ الزِّیارَةِ وَ إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَیکَ حُقُوقٌ أَجْزَأَهَا عَنْکَ غُسْلٌ وَاحِد».((1))

المقدمة الثانیة:

قال المحقق النائینی (قدس سره):((2))

إنّ ظاهر کل من الشرطیتین هو ترتّب الجزاء علی وجود الشرط المذکور فیها و حدوثه عند حدوثه، فالقول بالتداخل یستلزم رفع الید عن هذا الظهور و حمل الکلام علی خلاف ظاهره کما أنّ ظاهر الجزاء (علی ما قیل) هو تعلّق الحکم بصرف الوجود و کونه حکماً واحداً، لأنّ صرف الوجود یمتنع أن یکون محکوماً بحکمین متضادین أو متماثلین فالقول بعدم التداخل یستلزم رفع الید عن هذا الظهور.

فمن نظر إلی الظهور الأول ذهب إلی عدم التداخل، کما أنّ من نظر إلی الظهور الثانی ذهب إلی التداخل.

ص: 123


1- . الوسائل، ج2، ص261، الباب 43 من أبواب الجنابة، ح1.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص263 و فی فوائد الأصول، ج 2، ص490: مقتضی الأصل العملی عند الشک فی تداخل الأسباب، هو البراءة، لرجوع الشک فیه إلی الشک فی التکلیف، لأنّ الشک فی تداخل الأسباب یرجع إلی الشک فی اقتضاء السبب الثانی لتعقّبه بالجزاء و توجّه التکلیف به زائداً علی التکلیف المتوجّه بالسّبب الأوّل و أمّا الشک فی تداخل المسبّبات فالأصل فیه یقتضی الاشتغال لرجوع الشک فیه إلی الشک فی فراغ الذمّة بإیجاد جزاء واحد، مع أنّها قد کانت مشغولة بالمتعدّد و المرجع فی ذلک هو الاشتغال لیس إلّا. هذا فی باب التکالیف و أمّا باب الوضعیات: فربّما یختلف الأصل فیه. مثلاً لو شک فی اقتضاء العیب للخیار زائداً علی ما اقتضاه بیع الحیوان أو المجلس فمقتضی الأصل و إن کان عدم ثبوت خیار العیب و لکن یمکن أن یقال: إنّ مقتضی الأصل بقاء الخیار بعد الثلاثة أیام فتأمّل جیداً.

لکن المحقق النائینی (قدس سره) فی خلال البحث استشکل علی ما قیل من الظهور الثانی فقال:((1))

لا موجب لأخذ صرف الوجود فی متعلق الطلب بعد عدم کونه مدلولاً علیه بالهیأة و لا بالمادة.

المقدمة الثالثة:

قال المحقق الخوئی: (قدس سره) ((2)) إنّ محل الکلام فی تداخل الأسباب أو المسببات إنّما هو فیما إذا کان الجزاء قابلاً للتعدد کالوضوء أو الغسل، و أما إذا لم یکن قابلاً لذلک فهو خارج عن محل الکلام کالقتل فیمن یستحق ذلک بارتداد أو قصاص أو نحوهما.

المقدمة الرابعة:

قال المحقق الخوئی: (قدس سره) ((3)) إنّ محل الکلام هو فیما إذا کان الشرط قابلاً للتعدد و التکرر و أما إذا لم یکن قابلاً له فهو خارج عن محل الکلام لعدم الموضوع عندئذ للقول بالتداخل و عدمه و ذلک کالإفطار متعمداً فی نهار شهر رمضان((4))

ص: 124


1- . أجود التقریرات، ج2، ص268.
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص255.
3- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص259.
4- . فی کتاب الصوم، السید الخوئی، ج1 ص314 – 315: «إنّ الأسباب فی محل الکلام لایتصوّر فیها التعدّد کی یبحث عن تداخلها و عدمه، إذ الکفارة لم تترتّب فی شیء من النصوص علی عنوان الأکل أو الشرب أو الارتماس و نحوها من ذوات المفطرات ما عدا الجماع و ما یلحق به کما ستعرف – و إنّما ترتّبت علی عنوان الإفطار مثل قوله (علیه السلام): من أفطر متعمّداً فعلیه الکفارة فالإفطار هو السبب و الموجب لتعلّق الکفارة و من البدیهی أن لا معنی للإفطار بعد الإفطار، إذ هو نقض الصوم و هدمه المتحقّق بأوّل وجود لاستعمال ما یجب الإمساک عنه فإنّ الصوم و الإفطار متضادّان علی ما مرّ مراراً و أحدهما مقابل للآخر حتی فی الاستعمال الدارج فی ألسنة العوام فیقال علی فطورک أی عند رفع الید عن الإمساک فالصائم هو الممتنع عن تلک الأمور و یقابله المفطر و هو غیر الممتنع فإذا نقض صومه فقد أفطر فلیس هو بصائم بعد ذلک و لو فرض أنّه وجب علیه الإمساک حینئذٍ أیضاً فهو حکم آخر ثبت بدلیل آخر فعنوان الصوم و الإفطار ممّا لایجتمعان أبداً بحیث یقال له فعلاً أنّه مفطر صائم و علیه فقد تحقّق الإفطار بالوجود الأوّل و تعلّقت الکفارة و انتقض الصوم و انعدم و معه لایتصوّر إفطار ثانٍ کی یبحث عن تداخله أو عدمه مطلقاً أو مع التفصیل فکأنّهم استفادوا أنّ الکفارة مترتّبة علی تناول ذات المفطر من عنوان الأکل و الشرب و نحو ذلک، مع أنّه لم یوجد ما یدلّ علیه حتی روایة ضعیفة، بل الموجود ترتّب الکفارة علی عنوان الإفطار الذی له وجود واحد لایقبل التکریر حسبما عرفت، من غیر فرق فی ذلک بین اتحاد الجنس و اختلافه أو تخلل التکفیر و عدمه کما هو ظاهر جداً». راجع المعتبر، ج2، ص680؛ مجمع الفائدة، ج5، ص140؛ و فی مدارک الأحکام، ج6، ص111 و مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص418 و ریاض المسائل، ج5، ص388 و غنائم الأیام، ج5، ص181 و جواهر الکلام، ج16، ص303 و 304 و مستمسک العروة، ج8، ص353 .

الذی هو موضوع لوجوب الکفارة((1)) حیث إنّه من العناوین التی لاتقبل التعدد

ص: 125


1- . أمّا موضوع وجوب الکفارة: فی العروة الوثقی، السید الیزدی، ج3، ص589: «فصل المفطرات المذکورة کما أنّها موجبة للقضاء کذلک توجب الکفارة إذا کانت مع العمد و الاختیار من غیر کره و لا إجبار، من غیر فرق بین الجمیع حتی الارتماس و الکذب علی الله و علی رسوله، بل و الحقنة و القئ علی الأقوی؛ نعم الأقوی عدم وجوبها فی النوم الثانی من الجنب بعد الانتباه بل و الثالث» و فی کتاب الصوم، السید الخوئی، ج1، ص283 – 284: «قد ورد فی غیر واحد من النصوص وجوب الکفارة علی من أفطر متعمّداً کصحیحة عبد الله بن سنان و غیرها کما لایخفی علی من لاحظها و مقتضی إطلاقها عدم الفرق بین أقسام المفطرات و أنّ الاعتبار بنفس الإفطار الذی هو مضاد للصوم ولا ثالث لهما فإنّ الإفطار فی نظر العرف فی مقابل الاجتناب عن خصوص الأکل و الشرب و لکنّ الشارع اعتبر الصوم مؤلّفاً من الاجتناب عن عدّة أمور أخر أیضاً زائداً علی ذلک من الارتماس و الجماع و الکذب و الحقنة و نحو ذلک ممّا تقدّم فمتی تحقّق الإمساک بهذا النحو کان صائماً و إلّا فهو مفطر فیندرج حینئذٍ تحت إطلاق هذه النصوص الدالّة علی ثبوت الکفارة علی من أفطر و دعوی الانصراف إلی خصوص الأکل و الشرب کما فی الجواهر غیر مسموعة، بعد کون الصوم فی نظر الشرع مؤلّفاً من مجموع تلک التروک و مضادّاً للإفطار من غیر ثالث کما عرفت و الاقتصار فی بعض الأخبار علی القضاء لایدلّ علی نفی الکفارة، غایة الأمر أنّها ساکتة عنها و غیر متعرضة لها فتثبت بعموم النصوص المشار إلیها و قد تقدّم التعرض لذلک عند التکلّم عن کل واحد من هذه الأمور و علی الجملة فالظاهر أنّ الحکم المزبور عام لجمیع المفطرات» إلخ؛ راجع مستمسک العروة، ج8، ص338.

و التکرر و من هنا لو أکل أو شرب فی نهار شهر رمضان مرّات عدیدة لایصدق علی الأکل فی المرة الثانیة الإفطار العمدی فلم یجب علیه إلّا کفارة واحدة ((1)).

ص: 126


1- . فی مشارق الشموس (ط.ق)، ج2 ص418: «إنّ أقوالهم فی مسألة تکرّر الکفارة بتکرّر الموجب فی الیوم الواحد سبعة» و نحن نذکرها و نکمّلها. الأوّل: قول الشیخ و ابن حمزة بعدم التکرّر مطلقاً و استشبه المحقّق و جمع من الأصحاب و فی ریاض المسائل، ج5، ص388: «هل تتکرّر ... أو لایتکرّر مطلقاً، کما علیه الشیخ فی المبسوط و الخلاف و ابن حمزة فی الوسیلة و الماتن فی کتبه الثلاثة و الفاضل فی المنتهی». راجع الوسیلة، ص146و المختصر النافع، ص67 و المعتبر، ج2، ص680 و شرائع الإسلام، ج1، ص144 و منتهی المطلب (ط.ق)، ج2، ص58. و اختاره فی کشف الرموز، ج1، ص291 و مجمع الفائدة، ج5، ص140 و مدارک الأحکام، ج6، ص111 و مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص418 و غنائم الأیام، ج5، ص181 و تحریر الوسیلة، ج1، ص289 و تعلیقة علی العروة الوثقی، السید علی السیستانی، ج2، ص439. الثانی: ما نقله الشیخ أخیراً عن بعض الأصحاب من تکرّرها بتکرر الموجب مطلقاً و اختاره المحقّق الثانی و مال إلی تصحیحه الشهید الثانی. فی مسالک الأفهام، ج2، ص36 «و اختار المحقّق الشیخ علی تکرّرها مطلقاً و هو الأصح إن لم یکن قد سبق الإجماع علی خلافه». الثالث: ما ذکره الشیخ من قول ابن الجنید و هو التکرّر مع تخلّل التکفیر و عدم التکرّر إن لم یتخلّل. الرابع: قول السید بتکرّرها مع تکرّر الوطئ دون غیره علی الظاهر و اختاره فی مستند الشیعة، ج10، ص528 و جواهر الکلام، ج16، ص304 و رسائل فقهیة (مخطوط)، الشیخ الجواهری، ص168 و العروة الوثقی، ج3، ص593 و منهاج الصالحین، السید الخوئی، ج1، ص270. الخامس: قول المصنّف بالتکرّر مع تکرّر الوطئ أو تغایر الجنس أو تخلّل التکفیر و عدم التکرّر فی غیر الوطئ مع اتحاد الجنس و عدم تخلّل التکفیر و فی اللمعة الدمشقیة، ص47: «و تتکرّر الکفارة بتکرّر الوطء أو تغایر الجنس أو تخلّل التکفیر أو اختلاف الأیام و إلّا فواحدة». السادس: قول العلّامة فی بعض کتبه بالتکرّر مع اختلاف جنس المفطر و الاتحاد مع اتحاده. السابع: قوله فی المختلف بالتکرّر مع تغایر الجنس مطلقاً و مع اتحاده و تخلّل التکفیر و عدم التکرّر مع اتحاده و عدم التخلّل و فی ریاض المسائل، ج5، ص388: «هل تتکرّر ... أو مع تغایر الجنس و إلّا فلا، إلّا مع تخلّل التکفیر فیتکرّر، کما علیه الفاضل فی القواعد و المختلف» راجع مختلف الشیعة، ج3، ص450.

لکن صاحب العروة (قدس سره) قال((1)) فی جواب بعض المسائل: إنّ الکفارة تتعدد بتعدد الجماع و الأکل بدعوی أنّ عنوان الإفطار فی الروایات کنایة عن الأکل و الشرب.

و فیه: أنّ ظاهر الروایات هو أخذ عنوان الإفطار بنفسه موضوعاً لوجوب

ص: 127


1- . فی سؤال و جواب (فارسی)، السید الیزدی، ص121 – 122: «سؤال 205: [شخصی] عمداً روزه رمضان نگرفت با وصف غیر معذور بودن، کفاره لازم دارد، یا نه ؟ جواب: با فرض این که قصد روزه نکرده اگر همه مفطرات را ترک کرده باشد، اظهر عدم وجوب کفاره است، به جهت عدم صدق افطار به مجرد عدم نیت صوم. و حکم کفاره در أخبار معلق است بر افطار، یا بر عناوین خاصه از اکل، وشرب، و جماع. لکن احوط دادن کفاره است چنانچه [چنان که] بعضی تقویت کرده اند، از جهت این که ممکن است که مراد از من افطر فعلیه کذا که در أخبار است من لم یصم باشد. و اما اگر با عدم قصد صوم، ایجاد یکی از مفطراتی که کفاره دارد کرده باشد مثل: اکل و شرب و جماع و نحو اینها پس اقوی وجوب آن است، چون در بعض أخبار آن تعلیق حکم شده است بر ایجاد بعض عناوین خاصه در نهار رمضان. مثل قوله (علیه السلام): «من جامع فی شهر رمضان معتمدا فعلیه کذا» و در اخبار دیگر که فرموده است: «من افطر...». ظاهر این است که مراد من اوجد ذات المفطر است یعنی من اکل او شرب مثلا، نه این که مراد ایجاد مفطر به وصف المفطریه تا گفته شود که: با عدم روزه صدق عنوان افطار نمیکند. (والله العالم).

الکفارة من دون أن یکون کنایة عن الأکل و الشرب و ما أفاده فی العروة الوثقی((1)) هو وحدة الکفارة.

المقدمة الخامسة:

قد نسب صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) إلی فخر المحققین (قدس سره) ((3)) أنّه قال((4)) بابتناء القول بالتداخل و عدمه علی أنّ الأسباب الشرعیة معرّفات أو مؤثرات، فإن کانت من المعرفات لا مانع من التداخل لإمکان اجتماع معرّفات عدیدة علی شیء واحد و حکایتها عنه و إن کانت من الأسباب و المؤثرات لایمکن القول بالتداخل.

ص: 128


1- . فی العروة الوثقی، ج3، ص593 – 594: «مسألة 2: تتکرّر الکفارة بتکرّر الموجب فی یومین و أزید من صوم له کفارة و لاتتکرر بتکرّره فی یوم واحد فی غیر الجماع و إن تخلّل التکفیر بین الموجبین أو اختلف جنس الموجب علی الأقوی».
2- . کفایة الأصول، ص205.
3- . حکی الشیخ الأعظم نسبته إلی فخر المحقّقین و احتمل تبعیة النراقی له فی العوائد. مطارح الأنظار، ص175.
4- . فی إیضاح الفوائد، ج1، ص145: «قال دام ظلّه: لا تداخل فی السهو و إن اتفق السبب علی رأی. أقول: ذهب الشیخ فی المبسوط إلی التداخل مطلقاً لتعلّق وجوبهما علی السهو من حیث هو هو و الأمر المعلّق علی شرط أو صفة لایتکرّر بتکرّرها إلّا بدلیل خارج و لیس و ذهب ابن إدریس إلی التداخل فی المتفق لا المختلف قال المصنّف کل واحد سبب تام مع الانفراد فکذا مع الاجتماع لأنّه لایخرج الحقیقة عن مقتضاها و لاستلزام التداخل خرق الإجماع أو تخلّف المعلول عن علّته التامّة لغیر مانع أو تعدّد العلل التامة مع تشخص المعلول أو الترجیح من غیر مرجح أو عدم تساوی المتساویات فی اللوازم و الکل محال و التحقیق أنّ هذا الخلاف یرجع إلی أنّ الأسباب الشرعیة هل هی مؤثرة أو علامات».
إیرادات ثلاثة علی قول فخر المحققین (قدس سره):
الإیراد الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ المعرفیة فی الشرط لاتوجب القول بالتداخل لاحتمال أن یکون کلّ من الشرطین أو الشروط معرفاً لسبب حقیقی علی حدة، لا أن یکون جمیع الشروط معرفاً لسبب واحد و الدلیل علی ذلک هو أنّ ظاهر القضیة الشرطیة هو تعدد المسبب بتعدد السبب فإنّ هذا الظهور یدل علی التعدد فی الأسباب الحقیقیة.

الإیراد الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً

لا أصل لما اشتهر من أنّ الأسباب الشرعیة معرّفات، بل الحقّ هو أنّ الأسباب الشرعیة علی نوعین معرفات و مؤثرات و مثال السبب الشرعی المؤثر هو الاستطاعة التی هی مؤثرة فی وجوب الحج و مثال السبب الشرعی المعرف هو خفاء الأذان و خفاء الجدران و هما معرّفان لما هو مؤثّر فی وجوب القصر فی الصلاة و هی المسافة الخاصّة التی نسمیها بحد الترخص.

ص: 129


1- . کفایة الأصول، ص204: «أنّ المجدی للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التی ذکرناها لا مجرّد کون الأسباب الشرعیة معرّفات لا مؤثّرات فلا وجه لما (عن الفخر و غیره من ابتناء المسألة علی أنّها معرّفات أو مؤثّرات) مع أنّ الأسباب الشرعیة حالها حال غیرها فی کونها معرّفات تارة و مؤثّرات أخری ضرورة أنّ الشرط للحکم الشرعی فی الجمل الشرطیة ربّما یکون ممّا له دخل فی ترتّب الحکم بحیث لولاه لما وجدت له علة کما أنّه فی الحکم الغیر الشرعی قد یکون أمارة علی حدوثه بسببه و إن کان ظاهر التعلیق أنّ له الدخل فیهما کما لایخفی. نعم لو کان المراد بالمعرّفیة فی الأسباب الشرعیة أنّها لیست بدواعی الأحکام التی هی فی الحقیقة علل لها و إن کان لها دخل فی تحقّق موضوعاتها بخلاف الأسباب الغیر الشرعیة فهو و إن کان له وجه إلّا أنّه ممّا لایکاد یتوهّم أنّه یجدی فیما هم و أراد».
الإیراد الثالث: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

قال (قدس سره): إنّ القول بکون الأسباب الشرعیة معرفات خاطئ جداً.

و السبب فیه أنّه إن أُرید بکونها معرّفات أنّها غیر دخیلة فی الأحکام الشرعیة کدخل العلّة فی المعلول فهذا و إن کان متیناً لأنّ ملاکات الأحکام الشرعیة داعیة لجعل الشارع و لکن یرد علیه أنّه لا ملازمة بین عدم دخلها فی الأحکام الشرعیة و کونها معرفات بل هذا أمر ثالث و هو کونها موضوعات للأحکام و تتوقف فعلیة الأحکام علی فعلیة هذه الموضوعات و من هنا تشبه العلّة التامة.

و إن أُرید بذلک کونها معرفات لموضوعات الأحکام فی الواقع و لا مانع من اجتماع معرفات متعددة علی موضوع واحد

فیرد علیه: أنّ ذلک خلاف ظواهر الأدلة فإنّ الظاهر منها هو أنّ العناوین المأخوذة فی ألسنة الروایات بنفسها موضوعات الأحکام لأنّها معرفات له

و إن أُرید بذلک کونها معرفات للملاکات الواقعیة للأحکام

فیرد علیه: أنّها لیست بکاشفة عنها فإنّ الکاشف عنها إجمالاً هو نفس الحکم الشرعی و أما ما سمی سبباً له فلایکون بکاشف عنها.

ص: 130


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص257.
الجهة الثانیة: الأقوال فی المقام
القول الأوّل: التداخل

(1)

و هو مختار المحقق الخوانساری (قدس سره) .

ص: 131


1- . ذهب إلیه العلّامة الخوانساری (قدس سره) فی مشارق الشموس، ص61 و اختار هذا القول فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 1، ص8؛ ج1 ق 3، ص511. راجع الحدائق الناضرة، ج3، ص97 – 98 و ص272؛ مستند الشیعة، ج2، ص367و 370 و عوائد الأیام، ص293و ص298 – 299 و بین هذا القول و استدلّ علیه فی ص296 و 297 و قال: أنّ الأصل الأوّلی فی جمیع الأسباب الشرعیة التداخل إلّا ما شذّ و ندر و إن جوّزنا کون بعضها مؤثّرات حقیقیة و مقتضیات بأنفسها، إذ لایمکن العلم بالعلّة الحقیقیة غالباً» إلخ. تنبیه: فی زبدة الأصول، ج2، ص265: «أمّا الکلام فی المقام الأوّل و هو التداخل فی الأسباب ففیه أقوال: 1 - عدم التداخل و هو المشهور بین الأصحاب. 2 - التداخل اختاره جماعة منهم المحقّق الخوانساری و المحقّق صاحب العروة فی ملحقات العروة» إلخ و فی العروة الوثقی، ج6، ص164 – 165: «مسألة 8): اختلفوا فی أنّ مقتضی القاعدة مع قطع النظر عن الدلیل الخارجی - من الأخبار أو غیرها- تعدّد العدّة مع تعدّد الموجب أو التداخل و کفایة عدّة واحدة عنهما مع تساویهما و دخول الأقل تحت الأکثر مع اختلافهما فی الزیادة و النقصان ... قلت: التحقیق فی المقام هو التداخل بمقتضی الأصل و القاعدة، أمّا إذا کان الموجبان من نوع واحد کما إذا تعدّد الوطء بالشبهة مع استمرار الاشتباه أو بالارتفاع ثمّ العود أو مع کون الوطئ متعدّداً فلأن الموجب حینئذٍ جنس الوطئ الصادق علی الواحد و المتعدّد فبحصول العدّة دفعة واحدة یصدق حصول مقتضی کل منها ویکون من باب التداخل فی السبب نظیر الجنایات المتعدّدة و أمّا إذا کانا من نوعین مع کون المسبّب أمراً واحداً کالطلاق مع الوطئ شبهة فکذلک یصدق بمرّة واحدة من الأشهر أو الأقراء حصول مسبب کل منهما بعد عدم خصوصیة و قید فی المسبّب و کون المدار علی وجوده فی الخارج بأی وجه اتفق و بأی قصد کان و لذا یکفی إذا لم تعلم بوجود الموجب إلی ما بعد الأقراء أو الأشهر، بل و کذا إذا کان المسبّب متعدّداً کما إذا کان مسبّب الطلاق الوضع و مسبّب وطئ الشبهة الأشهر أو الأقراء فإنّه لا منافاة بینهما بعد عدم اعتبار خصوصیة و قید فیهما فیصدق بعد مضی ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء حصول مقتضی وطء الشبهة و بعد الوضع حصول مقتضی الطلاق و کذا فی الطلاق و الوفاة فظهر أنّ مقتضی القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار و الإجماع هو التداخل مطلقاً و الوجه فیه عدم اعتبار خصوصیة فی مقتضی کل منهما، بل المناط وجوده فی الخارج بأی کیفیة کانت و بأی قصد کان، هذا مجمل المطلب بحسب الأصل و القاعدة» و لکن عبارته (قدس سره) کما رأیت: «التحقیق فی المقام» و لذا قال فی العروة الوثقی، ج4، ص514 – 515: (مسألة 19): إذا نذر الحج و أطلق من غیر تقیید بحجة الإسلام و لا بغیره و کان مستطیعاً أو استطاع بعد ذلک فهل یتداخلان فیکفی حج واحد عنهما أو یجب التعدّد أو یکفی نیة الحج النذری عن حجة الإسلام دون العکس؟ أقوال؛ أقواها: الثانی لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب و القول بأنّ الأصل هو التداخل ضعیف».
القول الثانی: عدم التداخل

و هو مختار المشهور منهم صاحب الکفایة و المحقق النائینی((1)) و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))

القول الثالث: التفصیل

المحقق ابن إدریس الحلّی (قدس سره) قال((3)) بالتفصیل بین ما إذا کان السبب مختلفاً ذاتاً

ص: 132


1- . فوائد الأصول، ج 2، ص 493: «إنّ الأصل اللفظی یقتضی عدم تداخل الأسباب و المسبّبات».
2- . مطارح الأنظار (ط.ق)، ص175؛ کفایة الأصول، ص239- 242؛ نهایة الأفکار، ج2، ص489؛ المحاضرات، ج5، ص118؛ تحقیق الأصول، ج 4، ص206 و ص215: بأنّ الإطلاق فی طرف الشرط منعقدٌ منجّزاً، لکنّه فی طرف الجزاء معلّق علی عدم تعدّد البعث و المفروض تعدّده فیثبت عدم التداخل فی الأسباب.
3- . فی السرائر، ج1، ص258: «إن سها المصلّی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرات کثیرة، فی صلاة واحدة، أیجب علیه بکل مرّة سجدتا السهو أو سجدتا السهو عن الجمیع؟ قلنا: إن کانت المرّات من جنس واحد فمرّة واحدة یجب سجدتا السهو، مثلاً تکلّم ساهیاً فی الرکعة الأولة و کذلک فی باقی الرکعات فإنّه لایجب علیه تکرار السجدات، بل یجب علیه سجدتا السهو فحسب، لأنّه لا دلیل علیه و قولهم (علیهم السلام): من تکلّم فی صلاته ساهیاً یجب علیه سجدتا السهو و ما قالوا دفعة واحدة أو دفعات فأمّا إذا اختلف الجنس فالأولی عندی بل الواجب، الإتیان عن کل جنس بسجدتی السهو، لأنّه لا دلیل علی تداخل الأجناس، بل الواجب إعطاء کل جنس ما تناوله اللفظ، لأنّ هذا قد تکلّم مثلاً و قام فی حال قعود و أخلّ بإحدی السجدتین و شک بین الأربع و الخمس و أخلّ بالتشهد الأوّل و لم یذکره إلّا بعد الرکوع فی الثالثة و قالوا (علیهم السلام): من فعل کذا یجب علیه سجدتا السهو و من فعل کذا فی صلاته ساهیاً یحب علیه سجدتا السهو و هذا قد فعل الفعلین فیجب علیه امتثال الأمر و لا دلیل علی تداخلهما، لأنّ الفرضین لایتداخلان بلا خلاف من محقّق».

مثل سببیة مسّ المیت و الجنابة و الحیض فی الغسل فحینئذ لا تداخل و ما إذا کان السبب واحداً مثل تکرار الجنابة الموجبة للغسل فحینئذ المختار هو التداخل.

ص: 133

الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلّة
اشارة

استدلّ علی عدم التداخل بعدّة أوجه((1)) نذکر بعضها:

الوجه الأوّل: استدلال صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) اختار القول بعدم التداخل، لأنّ القول بالتداخل مستلزم لاجتماع الحکمین المتماثلین.

بیان ذلک هو أنّ القضیة الشرطیة ظاهرة فی علیة الشرط و سببیته للجزاء أو ظاهرة فی کاشفیة الشرط عن الأمر الذی هو سبب الجزاء و مقتضی ذلک هو تعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط، لکن الأخذ بهذا الظهور و الالتزام بالقول بعدم التداخل فیما إذا کان الجزاء واحداً حقیقة مستلزم لاجتماع المثلین، مثل قولهم «إذا

ص: 134


1- . فی مختلف الشیعة، ج2، ص427 – 430: «مسألة: لو تعدّد ما یوجب السجدتین قال الشیخ فی الخلاف: الأحوط أنّ علیه لکل واحدة سجدتی السهو سواء اختلف أو تعدّد ... و الأقرب عدم التداخل مطلقاً. لنا: إنّ التداخل ملزوم لأحد محالات ثلاثة و هو إمّا خرق الإجماع أو تخلّف المعلول عن علّته التامة لغیر مانع أو تعدّد العلل المستقلّة علی المعلول الواحد الشخصی و کل واحد منها محال فالملزوم محال. بیان الملازمة: إنّ السهو الأوّل إمّا أن لایوجب السجدتین أو یوجبهما فإن کان الأوّل لزم خرق الإجماع و إن کان الثانی فالثانی إمّا أن لایوجب شیئاً و هو خرق الإجماع و قول بالترجیح من غیر مرجح لتساوی الأوّل و الثانی فرضاً و المتساویان یتشارکان فی الأحکام و اللوازم و قول بمخالفة الاستصحاب و قد ثبت کونه دلیلاً لإفادته الظن و هو واجب العمل به فی الشرعیات فإنّ الثانی قبل وجود الأوّل قد کان مسبباً فیستصحب الحکم بعد وجود الثانی و قول یکون الأوصاف العرضیة - أعنی کون الثانی بعد الأوّل - مزیلاً للصفات اللازمة للماهیة من الإیجاب و کل ذلک محال و إمّا أن یوجب فإن کان هو ما أوجبه الأوّل لزم استناد المعلول الشخصی إلی علّتین مستقلّتین بالتأثیر و هو محال فیبقی أن یکون الثانی غیر الأوّل و هو المطلوب» إلخ.
2- . کفایة الأصول، ص202.

بُلتَ فَتوَضأ» و قولهم أیضاً «إذا نُمتَ فتَوضأ» حیث إنّ الوضوء حقیقة واحدة و حینئذ یلزم اجتماع الوجوبین للوضوء إلّا أن نتلزم بتعدد وجود أفراد طبیعة الوضوء بأن یکون القضیة الشرطیة الأُولی دالّة علی وجوب فرد من الوضوء و القضیة الشرطیة الثانیة دالّة علی وجوب فرد آخر فیرتفع إشکال اجتماع الحکمین المتماثلین علی القول بعدم التداخل.

و لکن القائل بالتداخل لا مفرّ له من هذا الإشکال لأنّه ملتزم بأنّ الجزاء ظاهر (بالظهور الإطلاقی) فی أنّ الطبیعة مأخوذة بما هی واحدة (أی صرف وجود الطبیعة) و بعبارة أُخری: إنّ إطلاق متعلق الوجوب ظاهر فی صرف الوجود من الطبیعة فلابدّ له من أن یلتزم بأحد التصرفات الثلاثة:

الأول: التصرف فی ظهور القضیة الشرطیة بالالتزام بعدم دلالتها فی هذا الحال علی حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بل تدل حینئذ علی مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط.

الثانی: التصرف فی متعلق الجزاء بالالتزام بأنّ متعلق الجزاء و إن کان واحداً صورةً إلّا أنّه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط، متصادقة علی واحد، فالذمة و إن اشتغلت بتکالیف متعددة، حسب تعدد الشروط إلّا أنّ الاجتزاء بواحد لکونه مجمعاً لها، کما «فی أکرم هاشمیاً و أضف عالماً» فأکرم العالم الهاشمی بالضیافة.

الثالث: التصرف فی الأثر بأن یلتزم بحدوث الأثر عند وجود کل شرط إلّا أنّ الأثر للشرط الأول هو وجوب الوضوء فی المثال المذکور و الأثر للشرط الثانی هو تأکد وجوب الوضوء.

و لایخفی أنّه لا وجه لأن یصار إلی واحد منها للإشکال فیها.

ص: 135

أما الإشکال الأول

((1)):

فهو أنّ الالتزام بهذه الوجوه هو رفع الید عن الظاهر.

أما الإشکال الثانی:

((2))

فهو أنّ فی الوجهین الأخیرین لابدّ من إثبات أنّ متعلق الجزاء متعدد متصادق علی واحد و إن کان صورة واحداً سمّی باسم واحد کالغسل مع عدم وجود دلیل علی ذلک.

أما الإشکال الثالث:

((3))

فهو أنّ فی الوجه الثالث لابد من إثبات أنّ الحادث بالشرط الثانی تؤکد ما حدث بالشرط الأول و مجرد احتمال ذلک لایجدی، ما لم یکن فی البین ما یثبته.

إشکال بالنسبة إلی القول بعدم التداخل:

إنّ ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث یقتضی عدم التداخل و لکن ظهور إطلاق المتعلق فی الجزاء یقتضی أن یکون متعلق الوجوب هو صرف وجود الطبیعة و هو واحد.

و الجواب: هو أنّ هذا الظهور إطلاقی فهو معلّق علی عدم البیان و ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث یکون قرینة علی سقوط هذا الظهور الإطلاقی و بیاناً علی تعدد الجزاء.

ص: 136


1- . و هو بالنسبة إلی جمیع الوجوه الثلاثة.
2- . و هو بالنسبة إلی الوجه الثانی و الثالث.
3- . و هو بالنسبة إلی الوجه الثالث.
الوجه الثانی: استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی عدم التداخل

((1))

و هو ما تقدم فی المقدمة الثانیة من أنّ هناک ظهورین: الظهور الأول هو ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث و هو یقتضی عدم التداخل و الظهور الثانی هو ظهور الجزاء (الظهور الإطلاقی) فی تعلق الحکم بصرف الوجود و کونه حکماً واحداً و هو یقتضی القول بالتداخل.

و لکن الظهور الثانی مخدوش عنده حیث قال: لا موجب لأخذ صرف الوجود فی متعلق الطلب بعد عدم کونه مدلولاً للهیأة و لا للمادة.

الوجه الثالث: استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی عدم التداخل

((2))

إنّ العرف إذا أُلقی إلیه القضیتان فکأنّه یری مقام الإثبات مقترناً بمقام الثبوت و یحکم بمقتضی تعدد السبب بتعدد متعلق الجزاء من غیر التفات إلی أنّ مقتضی إطلاق المتعلق خلافه، و هذا المقدار من الظهور العرفی کاف فی المقام

بل التحقیق: أنّ الوحدة التی یقتضیها إطلاق المتعلّق و قرینة الحکمة (الموجبة لصلوح المتعلق لتعلق الحکم به) هی وحدة المتعلق من حیث المطلوبیة بالطلب المتعلق به، بمعنی أنّ البعث المتعلق بالإکرام مثلاً یقتضی وجوداً واحداً من الإکرام و لایقتضی عدم البعث إلی وجود آخر بل هو لااقتضاء بالنسبة إلی وجود آخر بوجوب آخر، و البعث الآخر مقتضٍ لوجود آخر بنفسه.

و منه علم أنّ مطلوبیة وجود آخر لیس من باب تقیید المتعلق بالآخر ضرورة

ص: 137


1- . أجود التقریرات، ج2،ص269.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص426 و 427.

أنّ کل قضیة لیست ناظرة إلی قضیة أُخری بل کل قضیة مفادها التحریک إلی وجود واحد من الإکرام.

(و هذا البیان دلیل علی بطلان قولهم بإطلاق متعلق الوجوب فی الجزاء علی أنّ المتعلق هو صرف الوجود من الطبیعة).

و هنا وجوه أخری لانطیل الکلام بذکرها.((1))

ص: 138


1- . فی عوائد الأیام ذکر ستة وجوه لأصالة عدم التداخل و أجاب عن جمیعها. ففی ص299: «حجة القائلین بثبوت هذا الأصل وجوه: الأوّل: أنّ السببین إذا تعاقبا فلا ریب فی ثبوت المسبّب السبب الأوّل فإذا وجد الثانی فإمّا یجب به شیء أو لا و الثانی باطل، لأنّ السببین متساویان فی دلیل السببیة و الاقتضاء فالحکم بثبوت المسبّب بأحدهما دون الآخر تحکّم و لأنّه لو تقدّم یثبت به المسبّب قطعاً فکذا لو تأخّر، لأنّ ما دلّ علی سببیته یتناول الصورتین من غیر فرق فتعین الأوّل و هو ثبوته بالثانی و حینئذٍ فإمّا أن یکون الثابت به عین ما یثبت بالأوّل أو غیره و الأوّل باطل، لأنّ المسبّب یترتّب علی السبب فلایکون متقدّماً علیه فوجب أن یکون الثابت به أمراً مغایراً للأوّل فیتعدّد المسبّب بتعدّد السبب و هو المطلوب» ثمّ ذکر له تقریراً ثانیاً و ثالثاً ثمّ استشکله و فی ص301: «الثانی: أنّ المتبادر اختصاص کل سبب بالمسبب و هو مقتضٍ للمتعدّد فإنّ المفهوم من قوله: "إذا تکلّمت فی الصلاة ناسیاً فاسجد سجدتی السهو" وجوب السجود لخصوص التکلم و من قوله: "إذا شککت بین الأربع و الخمس فاسجد" وجوب سجود آخر للشک غیر الأوّل و کذا نحو: "من تعمّد الأکل فی نهار رمضان فلیکفر و من تعمّد الجماع فلیکفر" فإنّ المتبادر منه وجوب کفارتین: کفارة للأکل و کفارة أخری للوطئ، من غیر تفاوت فی الأوّل بین وقوع السهو و الشک فی صلاة واحدة أو متعدّدة و لا فی الثانی بین وقوع الأکل و الوطئ فی الیوم و الأیام، مع تخلّل الکفارة و بدونه و لا بین هذه الأمثلة و نحوها من مواضع الخلاف و غیرها ممّا أجمعوا فیه علی التعدّد أو الاتحاد فإنّ المتبادر فی جمیع ذلک اختصاص کل سبب بمسبّبه بلا اختلاف یعود إلی دلالة اللفظ فیکون المطلوب فی الجمیع متعدّداً إلّا ما صرف عنه الدلیل کما فی أسباب الوضوء و من ثمّ تری الفقهاء یعلّلون التداخل فیما یقولون به بإلغاء الخصوصیة أو وجود الظن المعتبر و أمّا إذا انتفی الدلیل علی ذلک فیه فإنّهم لایرتابون فی الاختصاص، أخذاً بظاهر اللفظ من غیر معارض و کفی بذلک شاهداً علی التبادر، مع حکم الوجدان و شهادة العرف» إلخ ثمّ استشکله. و فی ص303: «الثالث: ما مرّت الإشارة إلیه من أنّ کل سبب یقتضی اختصاص مسبّبه به، بمعنی أن یؤتی بمسبّبه لأجل أنّه مسبّب من ذلک السبب، بل هو مقتضی وجوب الامتثال فإنّ صدق الامتثال عرفاً بأن یقصد تعیین ما یأتی به، فإنّه لایحصل امتثال الأمر بغسل الجنابة إلّا مع قصد أنّه غسل الجنابة، أی مسبب من الجنابة فلو لم یقصدها أو قصد غیرها لم یعد ممتثلاً و کذا غسل الجمعة و مقتضی ذلک وجوب الإتیان بکل مسبّب بقصد أنّه مسبّب من السبب الفلانی فلازم ذلک أصالة عدم التداخل» ثمّ أورد علیه و فی ص304: «الرابع: ما ذکره بعض سادة مشایخنا فی بعض فوائده، من اتفاق الفقهاء -عدا من شذ- علیه فإنّهم قطعوا به و استندوا إلیه فی جمیع أبواب الفقه و أرسلوه إرسال المسلّمات و سلکوا به سبیل المعلومات و لم یخرجوا عنه إلّا بدلیل و اضح أو اعتبار لائح و ربّما ترکوا الظواهر بسببه و طرحوا النصوص لأجله، کما صنعه جماعة فی تداخل الأغسال و غیره و لم یعهد منهم طلب الدلیل علی عدم التداخل فی شیء من المسائل فلو ذهب أحد إلی التداخل فی شیء طالبوه بالدلیل و لیس ذلک إلّا لکونه من الأصول المسلّمة و القواعد المعلومة و إلّا لکان الأمر بعکس ما صنعوه و خلاف ما قرّروه، لأنّ الأصل فیما دار بین الاتحاد و عدمه هو الاتحاد و ما یتفق لبعضهم من الاستناد إلی الأصل فیما قالوا فیه بالتداخل فالوجه فیه عدم ظهور التعدّد فی تلک الموارد و لا شک فی أنّ الأصل فیه هو الاتحاد» ثمّ أورد علیه و فی ص305: «الخامس: ما ذکره أیضاً و هو: استقراء الشرعیات فی أبواب العبادات و المعاملات. قال رحمة الله: فإنّ المدار فیها من الطهارات إلی الدیات علی تعدّد المسبّبات إذا تعدّدت أسبابها، عدا النزر القلیل، المستند إلی ما جاء فیه من الدلیل، علی اختلاف فی أکثره و شک فی أغلبه و إنّک متی تجاوزت ذلک و ارتقیت فی الأسباب وجدتها علی ما وصفناه من غیر شک و لا ارتیاب و لذا تری أنّ أسباب الصلاة و الزکاة و الصوم و الحج و الإیمان و النذور و الدیات و الحدود و غیرها علی کثرتها، کثیراً ما تجتمع مع توافق مسبباتها فی الجنس و الکیفیة و الوقت و هی مع هذا متعدّدة متغایرة، کالصلاة المتوافقة من فائتة و حاضرة و الفوائت المتعدّدة من الفرائض و النوافل، الراتبة و غیر الراتبة، الموافقة و غیرها و کصلاة الفجر مع الطواف و الزلزلة مع الکسوف و العید مع الاستسقاء و کذا أنواع الصیام من القضاء و الکفارة و أفرادهما المتکثرة و أقسام الزکاة، مثل زکاة المال و الفطرة و أفرادهما الکثیرة و الدیون المستقرة فی الذمة بأسباب مختلفة، کالبیع و الصلح و الإجارة و غیر ذلک من صور اجتماع الأسباب مع توافق المسبّبات ممّا لایمکن حصره فإنّ البناء فی جمیعها علی التعدّد، بحیث لایحتمل فیها التداخل و الاکتفاء بالواحد عن المتعدّد، کصلاة واحدة من ألف صلاة و صوم یوم عن ألف یوم أو دفع دینار بدلاً عن قنطار و لو أنّ أحداً حاول ذلک، لکان مخالفاً لقانون الشریعة، خارجاً عن الدین و الملة و لاندعی أنّ الأسباب کلّها بهذه المثابة فإنّها تختلف جلاءً أو خفاءً و لکنّ الفحص و الاستقراء و تتبع الجزئیات التی لاتحصی یکشف عن استناد الأمر فی ذلک کلّه علی شیء جامع مطرد فی الجمیع و لیس إلّا أصل عدم التداخل و هذا من قبیل الاستدلال بالنصوص المتفرقة الواردة فی جزئیات المسائل علی ثبوت ما اجتمعت علیه من المطالب الکلیة و ذلک لیس من الظن و القیاس فی شیء» ثمّ ذکر إشکالاً علیه و فی ص307: «السادس: ما ذکره أیضاً و هو أنّ اختلاف المسبّبات إمّا أن یکون بالذات، کالصوم و الصلاة و صلاة الفجر و الظهر أو بالاعتبار، کصلاة الفجر أداءً و قضاءً و الاختلاف فی الثانی لیس إلّا اختلاف النسبة و الإضافة إلی السبب فإنّ صلاة رکعتین بعد الفجر ممّن علیه صبح فائتة، صالحة لها و للحاضرة و إنّما تختلف و تتعدّد باعتبار نسبتها إلی دخول الوقت و خروجه فإن أضیفت إلی الأوّل کانت أداءً و إلّا قضاءً و مثل ذلک الاختلاف یتحقّق فی کل ما ینفی فیه التداخل، لأنّ المفروض فیه اختلاف الأسباب التی تختلف معها النسبة ثمّ إنّه متی کان هذا الاختلاف فی النسبة مقتضیاً للتعدّد فی مورد واحد، کان مقتضیاً له فی غیره، لأنّ المعنی المقتضی للتعدّد یتحقّق فی الجمیع، قائم فی الکل من غیر فرق فیکون الأصل تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب و لایلزم منه امتناع التداخل، لأنّه إنّما یلزم لو کان اختلاف النسبة سبباً تامّاً للتعدّد و لیس کذلک فإنّه مقتضٍ له و التخلّف عن المقتضی جائز مع وجود المانع و هو موجود فی کل ما یثبت فیه التداخل فإنّا لانقول به إلّا علی تقدیر وجوده» ثمّ ذکر إشکالاً علیه.

ص: 139

ص: 140

الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المقام
بیان المحقق النائینی (قدس سره)

((1)):

إذا شک فی تداخل الأسباب کان مقتضی الأصل تداخلها و عدم ثبوت تکلیف زائد علی التکلیف الواحد المتیقن علی کل تقدیر، فإنّه مشکوک فیه و مقتضی القاعدة فیه الرجوع إلی البراءة عقلاً و نقلاً و أما إذا شک فی تداخل المسببات، کان مقتضی الأصل عدم تداخلها لأنّه إذا ثبت تکلیفان أو تکالیف متعددة و شک فی جواز امتثالها بفعل واحد فقاعدة الاشتغال تقضی بعدم جواز الاکتفاء به فی مقام امتثال کلا التکلیفین أو جمیعها هذا فی الأحکام التکلیفیة.((2))

أما فی الأحکام الوضعیة فلیس فی مواردها ضابط کلی.

إیراد المحقق الخوئی علی ما أفاده المحقق النائینی (قدس سرهما) بالنسبة إلی الأحکام الوضعیة

((3))

إنّ هذا لایفرق فیه بین الأحکام الوضعیة و التکلیفیة، لوضوح أنّ الشک إذا کان فی وحدة الحکم و تعدده عند تعدد شرطه فمقتضی الأصل عدم تعدّده، یعنی عدم حدوث حکم آخر زائداً علی المتیقن و من المعلوم أنّه لا یفرق فیه بین أن یکون المشکوک حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً، کما أنّه إذا شک فی سقوطه بعد العلم

ص: 141


1- . أجود التقریرات، ج2، ص263.
2- . تحقیق الأصول، ج 4، ص207: «أمّا الأسباب فمقتضی الأصل هو التداخل و عدم التعدّد فإذا تعدّد السبب و شک فی إیجابها للآثار المتعدّدة، کما فی الوضوء مثلًا، فإنّ الشک یرجع إلی دوران الأمر بین الأقل و الأکثر، لکنّ هذا العلم الإجمالی ینحلّ من جهة کون الأقل متیقّناً، أمّا الزائد فمشکوک فیه فیستصحب عدم تعلّق الجعل الشرعی به و هذا هو الأصل الأوّل الحاکم فی المقام.
3- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص255.

بثبوته فمقتضی الأصل العملی عدم سقوطه و لایفرق فیه أیضاً بین کونه حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً.

ص: 142

المطلب الثانی: تداخل المسبّباب
اشارة

و فیه جهتان:

الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل
اشارة

و الدلیل علیه ثلاث:((1))

إنّ مقتضی القاعدة فی المسببات أیضاً عدم التداخل و استدل علیه تارةً بإطلاق الخطاب و أُخری بالاستصحاب و ثالثةً بالاشتغال.

الدلیل الأوّل:

و هو إطلاق دلیل الحکم لأنّ دلیل الحکم یقتضی الإتیان بمتعلقه مطلقاً سواء امتثل متعلق حکم آخر أم لا، فلکلّ حکم امتثال لایتداخل مع امتثال الآخر.

الدلیل الثانی:

و هو استصحاب بقاء الحکم فیما إذا شککنا فی سقوطه بالامتثال عن أحد السببین فمقتضی القاعدة بقاء وجوب الامتثال بالنسبة إلی السبب الآخر.

الدلیل الثالث:

و هو اشتغال الذمّة حیث نشک فی فراغ الذمّة فیما إذا تعدّدت الأسباب واکتفینا بامتثال مسبّب واحد و القاعدة تقتضی اشتغال الذمّة.

ص: 143


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص215.
الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة

استثنی عن ذلک ما إذا کانت النسبة بین متعلقی الحکمین نسبة العموم و الخصوص من وجه مثل قوله «أکرم العلماء» و «أکرم هاشمیاً» فإنّهما حکمان مختلفان و لکن بین متعلقهما و هما «العالم» و «الهاشمی» العموم و الخصوص من وجه، فإذا أتی المکلّف بالمجمع مرّة واحدة و أکرم العالم الهاشمی یکتفی به فی مقام امتثال کلا التکلیفین (مثل نافلة المغرب و صلاة الغفیلة و أیضاً مثل صلاة الجعفر و النوافل الیومیة أو نافلة اللیل).

و اختلف الأعلام هنا فی وجه الاکتفاء بالامتثال الواحد:

فقال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) بأنّ الحکم الشرعی واحد لامتناع اجتماع المثلین و الخطاب الثانی هو مؤکّد للحکم.

ص: 144


1- . فی کفایة الأصول، ص202، الأمر الثالث [تداخل المسببات]: إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء فلا إشکال علی الوجه الثالث و أمّا علی سائر الوجوه فهل اللازم لزوم الإتیان بالجزاء متعدّداً حسب تعدّد الشروط أو یتداخل و یکتفی بإتیانه دفعة واحدة. فیه أقوال و المشهور عدم التداخل و عن جماعة منهم المحقّق الخوانساری التداخل و عن الحلی التفصیل بین اتحاد جنس الشروط و تعدّده و التحقیق أنّه لما کان ظاهر الجملة الشرطیة حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بکشفه عن سببه و کان قضیته تعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط کان الأخذ بظاهرها إذا تعدّد الشرط حقیقة أو وجوداً محالاً ضرورة أنّ لازمه أن یکون الحقیقة الواحدة مثل الوضوء بما هی واحدة فی مثل إذا بلت فتوضأ و إذا نمت فتوضأ أو فیما إذا بال مکرّراً أو نام کذلک محکوماً بحکمین متماثلین و هو واضح الاستحالة ک: المتضادین فلابدّ علی القول بالتداخل من التصرّف فیه... .
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص218.

و قال المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) بتعدد الحکم الشرعی و انطباق متعلق الحکمین علی مورد واحد انطباقاً قهریاً و العقل یحکم بالإجزاء لأنّه لایعتبر عقلاً فی تحقق الامتثال إلّا الإتیان بما ینطبق علیه متعلق الأمر فی الخارج و هذا هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً.

و الحق هو الوجه الأخیر لأنّ المتعلق فی کل من الحکمین غیر المتعلق فی الحکم الآخر و انطباقهما فی الخارج علی مورد واحد، لا دخل له فی مرحلة جعل الحکم للمتعلق، فلابدّ من الالتزام بوجود الحکمین.

ثم إنّ ما قلنا من أنّ القاعدة تقتضی عدم تداخل المسببات هو فیما إذا لم تقم قرینة علی التداخل و أما إذا دلت القرینة علی التداخل فهی متّبعة مثل ما ورد فی باب الغسل من جواز الاکتفاء بالغسل الواحد فی ما إذا تعددت الأسباب((2)).

ص: 145


1- . أجود التقریرات، ج2، ص273؛ المحاضرات، ج4، ص269.
2- . قال النائینی (قدس سره) فی الفوائد، ج2، ص498: «إنّ هذا الذی ذکرنا من عدم تداخل الأسباب، إنّما هو بمقتضی القواعد اللفظیة فأصالة عدم التداخل تامّة لو لم یقم دلیل علی خلافها، کما فی کلّ أصل قام الدلیل علی خلافه فمن جملة ما قام الدلیل فیه علی خلاف هذا الأصل موجبات الوضوء و بعض موجبات الکفّارة». راجع القواعد و الفوائد، ج1، ص43 – 45 و ص165 – 169؛ الأقطاب الفقهیة، لابن أبی جمهور، ص38 – 40 و للتداخل ثمرة فی کثیر من مسائل الفقه نذکر نبذاً منها: 1) نزح البئر: فی المعتبر، ج1، ص78: «إذا وقع أکثر من واحد فمات فإن کانت الأجناس مختلفة لم یتداخل النزح، "کالطیر" و " الإنسان" ... و إن کان الجنس واحداً ففی التداخل تردّد» و راجع أیضاً نهایة الإحکام، ج1، ص260 و تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج1، ص29؛ منتهی المطلب (ط.ج)، ج1، ص107؛ جامع المقاصد، ج1، ص147؛ مدارک الأحکام، ج1، ص97 – 98؛ کفایة الأحکام، ج1، ص53. 2) سجدتا السهو: فی المعتبر ج2، ص402 – 403: «قال الشیخ فی الخلاف: إذا سهی بأنواع مختلفة أو متجانسة فالأحوط أن یقول لکل سهو سجدتان،... وجه ما ذکره الشیخ: إنّ کل واحد من تلک الأسباب لو أنفرد أوجب سجدتی السهو فمع الإجماع یکون کذلک عملاً بمقتضی السبب، لأنّ تداخل الأسباب خلاف الظاهر» إلخ و راجع أیضاً إیضاح الفوائد، ج1، ص145؛ ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة، ج4، ص90 – 91؛ کفایة الأحکام، ج1، ص133. 3) لو جامع نهاراً فی صوم الاعتکاف: فی کشف الرموز، ج1، ص321: «أقول: اتفق أصحابنا، علی أنّ الصوم شرط فی الاعتکاف و تجب بالجماع فیه کفارة و هل یلزم کفارتان لو جامع نهاراً؟ کلام الشیخ فی المبسوط و الخلاف و الجمل مشعر ب- "نعم" و اختاره الراوندی ... و ثانیاً: لانعقاد الإجماع، علی أنّ الجماع فی الاعتکاف موجب للکفارة و کذا فی رمضان نهاراً و لا دلیل علی التداخل فیجب العمل بمقتضی کل منهما» و راجع أیضاً تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج6، ص316 – 317. 4) لو لبس قمیصاً و عمامة فی الإحرام: فی تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج8، ص8: «و لو لبس قمیصاً و عمامة و خفین و سراویل، وجب علیه لکل واحد فدیة، لأنّ الأصل عدم التداخل، خلافاً لأحمد» و راجع أیضاً مجمع الفائدة، ج7، ص38 – 39. 5) لو کرّر الحلق: فی مجمع الفائدة، ج7، ص60: «و لو کرّر الحلق إلخ یعنی لو حلق بعضاً من رأسه بحیث صدق علیه الحلق عرفاً غدوة مثلاً ثمّ حلق کذلک عشیته، تکرّرت الکفارة لتکرّر موجبها و یحتمل التداخل هنا لصدق الحلق» إلخ. 6) من نذر الحج: مختلف الشیعة، ج4، ص375 – 376: «الناذر إن نذر حجة الإسلام تداخلتا و إن نذر غیرها لم یتداخلا إجماعاً و إن أطلق ففیه الخلاف، قیل: بعدم التداخل و هو الحق و هو اختیار الشیخ فی الجمل و الخلاف و اختیار ابن البراج و ابن حمزة و ابن إدریس، خلافاً للشیخ فی النهایة» و راجع أیضا مسالک الأفهام، ج2، ص157. 7) غسل الیدین من الإحداث: فی منتهی المطلب (ط.ج)، ج1، ص296: «العاشر: المستحب عندنا غسل الیدین من حدث البول و النوم مرّة واحدة و من الغائط مرّتین و من الجنابة ثلاثاً، لأنّ تفاوت الأحداث ینساب تفاوت الغسل، و الجمهور استحبوا غسلهما من حدث النوم ثلاثاً خاصة الحادی عشر: لو تعدّدت الأحداث فالأولی التداخل سواء اتحد الجنس أو اختلف». 8) لو اجتمع الاغسال: فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 1، ص8: «و لایتداخل أی لایتداخل هذه الأغسال بأن یکفی غسل واحد عند اجتماع سببین أو أکثر من أسباب الغسل و إلی هذا ذهب جماعة من الأصحاب منهم المصنّف استناداً إلی أنّ کل واحد منهما سبب مستقل فی استحباب الغسل و الأصل عدم التداخل و التداخل فی بعض الصور علی خلاف الأصل خارج عن هذا الحکم بدلیل مختص به» و راجع أیضاً نهایة الإحکام، ج1، ص113 و ص179. 9) الغسل للاستحاضه و الانقطاع: فی الحدائق الناضرة، ج3، ص242: «إن قلنا بالتداخل بین الأغسال -کما هو الحق فی المسألة- یجب علیها للصلوات الخمس خمسة أغسال و إن قلنا بعدم التداخل یجب علیها للصلوات الخمس ثمانیة أغسال مع کثرة الدم، خمسة للانقطاع و ثلاثة للاستحاضة». 10) الوطئ أثناء کفارة الظهار: فی إیضاح الفوائد، ج3، ص416 – 417: «إنّه هل یکفی الاستیناف عن کفارة الوطئ قبل إکمال التکفیر ذکر فیه إشکالاً ینشأ (من) أنّه یصدق علیه أنّه کفر فیکفی عن کفارة الوطئ و عن کفارة الظهار (و لأنّه) لم یطأ قبل التکفیر لأنّه فی أثنائه و الکفارة الثانیة إنّما تجب علی من وطئ قبل التکفیر (و من) أنّه لم یکفر بعد و لتعدّد السبب و الأصل عدم التداخل». 11) لو ظاهر من واحدة مراراً: فی مسالک الأفهام، ج9، ص516 – 517: «الثانیة: لو ظاهر من واحدة مراراً متعدّدة ففی تعدّد الظهار أقوال: أحدها -و هو الأشهر: التعدّد مطلقاً، سواء اتحد المجلس أم تعدّد و سواء اتحدت المشبه بها أم اختلفت، لأنّ کل ظهار سبب تام موجب للکفارة مع العود بالآیة و تعدّد الأسباب یقتضی تعدّد المسبّبات، إلّا أن یدلّ دلیل من خارج علی التداخل أو الاتحاد ... و ثانیها: تعدّدها [مطلقاً] مع تراخی أحدهما عن الآخر أو توالیها من غیر أن یقصد به التأکید و إلّا فواحدة و هو قول الشیخ فی المبسوط و تبعه ابن حمزة و ثالثها: التفصیل بتعدّد المشبه بها - کالأمّ و الأخت- فتتعدّد الکفارة و اتحادها - کالأم - فتتحد و إن فرق، إلّا أن یتخلل التکفیر فتتعدّد و هو قول ابن الجنید» 12) لو تعدّد النجاسات: فی البیان (ط.ق)، ص40: «و لو نجس بالولوغین فالسبع بالماء بعد التراب بخلاف نجاسة أخری مع ولوغ الکلب فإنّها یتداخل و کذا یتداخل النجاسة الأخری مع نجاسة الخنزیر و الفأرة و لو تعدّد الخنزیر أو الفأرة فالسبع و لو اجتمعا فالأجود التداخل». 13) تکرّر وطئ الحائض: فی جامع المقاصد، ج1، ص323 – 324: «قوله: (فإن کرّره تکرّرت مع الاختلاف أو سبق التکفیر و إلّا فلا) ... و ذهب ابن إدریس إلی عدم التکرّر مطلقاً و شیخنا الشهید إلی التکرّر مطلقاً، لأصالة عدم التداخل و هو أقرب» فی جامع المقاصد، ج6، ص250: «قوله: و إن کان بالاستعمال کنقص الثوب باللبس فالأقرب المساواة للأوّل فتثبت الأجرة و الأرش و یحتمل وجوب الأکثر من الأرش و الأجرة؛ أی: لو کان نقص القیمة باستعمال المغصوب المثلی له لو کان ثوباً و لم یکن ذلک لسقوط عضو فالأقرب المساواة للأوّل؛ أی: لما إذا انتقص بسقوط عضو فتثبت الأجرة و الأرش معاً ... و وجه القرب تعدّد السبب فإنّ الأجزاء الناقصة بدلها الأرش و المنفعة -و هی اللبس- غیرها فیجب عوضها و هو أجرة المثل، لأن الأصل فی الأسباب إذا اجتمعت عدم التداخل و یحتمل أکثر الأمرین». 15) کفّارة الحمام علی المحرم فی الحرم: شرح اللمعة، ج2، ص343: «و یجتمعان الشاة و الدرهم علی المحرم فی الحرم، الأوّل لکونه محرّماً و الثانی لکونه فی الحرم و الأصل عدم التداخل، خصوصاً مع اختلاف حقیقة الواجب». 16) لو أحصر و کان السیاق واجباً بالإشعار أو التقلید: فی شرح اللمعة، ج2، ص367 – 368: «(و متی أحصر الحاج بالمرض عن الموقفین أو المعتمر عن مکة بعث) کل منهما (ما ساقه) إن کان قد ساق هدیاً (أو) بعث (هدیاً أو ثمنه) إن لم یکن ساق و الاجتزاء بالمسوق مطلقاً هو المشهور، لأنّه هدی مستیسر و الأقوی عدم التداخل إن کان السیاق واجباً و لو بالإشعار أو التقلید لاختلاف الأسباب المقتضیة لتعدّد المسبب» و راجع أیضاً مسالک الأفهام، ج2 ص390؛ مجمع الفائدة ج7 ص404 – 405؛ التحفة السنیة (مخطوط) ص194. و نشیر إلی مسائل أخر أیضاً: هل یضمن المشتری الواطی أرش البکارة أیضاً لو ظهرت الأمة مستحقة؟ شرح اللمعة ج3، ص328؛ وجوب أرش البکارة مع المهر لو کانت المکرهة بکراً کشف اللثام (ط.ج)، ج11، ص400 – 401؛ لو شهدا علیه بسرقة أخری قبل القطع شرح اللمعة، ج9، ص288؛ لو قلع الأجفان مع العینین شرح اللمعة، ج10، ص204؛ مجمع الفائدة، ج14، ص362؛ إذا کان الصید مملوکاً مسالک الأفهام، ج2، ص473 – 474؛ لو قتل المحرم صیداً فی الحل و أکل منه مجمع الفائدة، ج6، ص393 – 394؛ لو طلق الزوج الأمة ثمّ باعها المالک هل یجب أن یستبرأها المشتری زیادة عن العدّة؟ مسالک الأفهام، ج8، ص63 – 72؛ لو وطئ امرأة بالشبهة مرّتین کشف اللثام (ط.ج)، ج8، ص150 – 151؛ لو تکرّر الیمین- کتاب الإیلاء مسالک الأفهام، ج10، ص168؛ کفایة الأحکام، ج2، ص411؛ لو وطئ مملوکة و افتضها بإصبعة مسالک الأفهام، ج12، ص229 – 230؛ لو کرّر القذف مجمع الفائدة، ج13، ص16؛ تکبیرة الرکوع ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص267؛ هل یجزی غسل النجس عن غسل الجنابة؟ کشف اللثام (ط.ج)، ج2، ص48؛ مفتاح الکرامة، ج3، ص115 – 116؛ طواف النساء کشف اللثام (ط.ج)، ج6، ص228؛ لو کانت تحته حرّة مسلمة و أمة کتابیة کشف اللثام (ط.ج)، ج7، ص500.

ص: 146

ص: 147

ص: 148

ص: 149

ص: 150

الفصل الثانی: مفهوم الوصف

اشارة

ص: 151

ص: 152

مفهوم الوصف

إنّ المحقّقین قبل الورود فی البحث أفادوا مقدّمتین لتحریر محل النزاع.((1))

المقدمة الأُولی: محل النزاع

إنّ محلّ النزاع هو الوصف المعتمد علی موصوفه و أمّا الوصف غیر المعتمد علی الموصوف فهو فی الحقیقة یرجع إلی البحث عن مفهوم اللقب و لا خلاف فی أنّه لا دلالة له علی المفهوم، و ذلک مثل قوله تعالی: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیدِیهُمَا)((2)) حیث لا دلالة لها علی المفهوم.

المقدّمة الثانیة:

إنّ الوصف إمّا یکون أخصّ من موصوفه مطلقاً أو أخصّ منه من وجه أو یکون مساویاً له أو یکون أعمّ منه.

ص: 153


1- . أجود التقریرات، ج2، ص275 و قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص501: و لایخفی: أنّ عنوان محلّ البحث و إن جعل فی کلمات الأساطین- کالکفایة بل التقریر- هو الأعمّ و لکنّ الحق هو اختصاص محلّ النزاع بالوصف المعتمد علی الموصوف دون غیره فإنّ غیره لیس إلّا کمفهوم اللقب.
2- . سورة المائدة(5): 38.

أمّا الوصف المساوی أو الأعم فهما خارجان عن محل النزاع والوجه فی ذلک ما أفاده الأعلام (مثل المحقق النائینی (قدس سره))((1))من أنّ الوصف فی هذین القسمین لایوجبان تضییق الموصوف و لذا مع انتفاء الوصف ینتفی الموضوع فلا مجال للبحث عن دلالته علی المفهوم.

أمّا الوصف الأخصّ فهو داخل فی محل النزاع قطعاً.

أمّا الوصف الأخصّ من موصوفه من وجه فهو داخل فی محل البحث بالنسبة إلی مورد افتراق ذات الموصوف عن الوصف کما صرّح به المحّقق الخراسانی((2)) و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) مثل ما ورد من أنّ «فِی الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّکَاة»((3)) فإنّ مفهومه هو عدم وجوب الزکاة فی الغنم غیر السائمة (أی الغنم المعلوفة).

و أمّا بالنسبة إلی مورد افتراق الوصف عن ذات الموصوف فلا دلالة له علی المفهوم فلایجری النزاع مثل غیر الغنم السائمة أو غیر الغنم غیر السائمة و الوجه فی ذلک هو عدم کون الموضوع فی القضیة و هو الموصوف محفوظاً فی المفهوم و لذا خلاف بعض الشافعیة حیث قالوا بعدم وجوب الزکاة فی الإبل المعلوفة فی هذا المثال لایخلو عن الإشکال.

ص: 154


1- . أجود التقریرات، ج2، ص275.
2- . کفایة الأصول، ص207: «لایخفی أنّه لا شبهة فی جریان النزاع فیما إذا کان الوصف أخصّ من موصوفه و لو من وجه فی مورد الافتراق من جانب الموصوف».
3- . عوالی اللئالی، ج 1، ص399، ح50. أیضاً: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الزَّکَاةُ فِی الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ یعْنِی الرَّاعِیة...». دعائم الإسلام، ج 1، ص257؛ مستدرک الوسائل، ج7، ص63، ح1. أیضاً: محمد بن الحسن بإسناده عن علی بن أسباط عن محمد بن زیاد عن عمر بن أذینة عن زرارة قال: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ فَقَالَ (علیه السلام): فِی تِسْعَةِ أَشْیاءَ لَیسَ فِی غَیرِهَا شَی ءٌ فِی الذَّهَبِ ... وَ الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ...» الوسائل، ج9، ص57، الباب8 من أبواب ما تجب فیه الزکاة، ح9.

الأقوال فی المسألة أربعة:

اشارة

((1))

القول الأوّل: دلالة الوصف علی المفهوم
اشارة

و هو مختار الشیخ الطوسی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) و نسب ذلک إلی الشهید (قدس سره) فی الذکری((2)).

ص: 155


1- . مفاتیح الأصول، ص218: اختلف الأصولیون فی أنّ تعلیق الحکم علی الصفة هل یدلّ علی انتفائه فی غیر محلّها أو لا؟ علی أقوال: الأوّل أنّه یدلّ و هو اختیار الشهید فی الذکری و السید الأستاذ و البیضاوی و العضدی کما عن الشیخ و شیخه و الشافعی و مالک و أحمد بن حنبل و أبی الحسن الأشعری و إمام الحرمین و جماعة من الفقهاء و المتکلّمین و أهل العبریة و فی شرح المختصر أنّه مذهب کثیر من العلماء و فی بعض مصنفات السید الأستاذ ذهب إلیه کثیر من الفقهاء و الأصولیین الثانی أنّه لایدلّ و هو اختیار السید و ابن زهرة و الفاضلین و صاحب المعالم و الآمدی کما عن الشهید الثانی و أبی حنیفة و القاضی أبی بکر و ابن شریح و القفّال و الجوینی و الغزالی و ابن داود و الرازی و أبی علی و أبی هاشم و أبی بکر الفارسی و إمام الحرمین و أکثر الإمامیة و المتکلّمین و عزّاه فی العدة إلی جماهیر المعتزلة الثالث إنّه یدلّ لکن فی مواضع ثلاثة الأوّل أن یکون الخطاب قد ورد للبیان کما فی قوله (علیه السلام) فی الغنم السّائمة زکاة الثانی أن یکون للتعلیم کما فی خبر التحالف عند التحالف و السلعة قائمة الثالث أن یکون ما عدا الصفة داخلاً تحتها کالحکم بالشاهدین فإنّه یدلّ علی نفیه عن الشاهد الواحد لدخوله فی الشاهدین و لایدلّ فیما عدا ذلک و قد حکاه فی النهایة عن أبی عبد الله البصری و توقّف الحاجبی.
2- . قال الشیخ البهائی (قدس سره) فی زبدة الأصول، ص151 – 152 قال: «فصل: مفهوم الصفة حجة عند الشیخ و الشهید فی الذکری و نفاه الأکثر کالمرتضی والمحقّق و العلّامة. فی معالم الدین، ص79: «جنح إلیه الشهید فی الذکری» و فی زبدة الأصول، ص151: «مفهوم الصفة حجة عند ... الشهید فی الذکری» و فی الوافیة، ص232: «مال إلیه الشهید» و فی ذکری الشیعة، ج1، ص53 – 54: «و خامسها: دلیل الخطاب و هو المسمّی بالمفهوم و أقسامه کثیرة. الوصفی و الشرطی و هما حجّتان عند بعض الأصحاب و لا بأس به و خصوصاً الشرطی» و فی الذریعة، ج1، ص393 و 394 و ذهب أکثر أصحاب الشافعی و جمهورهم إلی أنّ تعلیق الحکم بصفة دالّ بمجرّده علی نفی الحکم عمّا لیس له تلک الصفة و فی عدّة الأصول (ط.ج)، ج2، ص467: «ذهب الشافعی و أکثر أصحابه إلی أنّ الحکم إذا علق فی الموصوف بصفة دلّ علی انتفاء ذلک الحکم إذا زالت تلک الصفة... و أکثر أصحاب الشافعی و جلّهم و جمهورهم علی المذهب الأوّل ... و کان شیخنا رحمه الله یذهب إلی المذهب الأوّل». الوافیة ص232: «به قال أکثر العامة» و فی تجرید الأصول، ص215 نسبه إلی الأشاعرة و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص475: «قوله: و جنح إلیه الشهید فی الذکری حیث نفی البأس عن القول بحجیته، بل جعل مفهوم الغایة - الذی هو أقوی من مفهوم الشرط - راجعاً إلی مفهوم الوصف و قد حکی القول به عن المفید و عن جماعة من العامة، منهم: الشافعی و مالک و أحمد بن حنبل و الأشعری و إمام الحرمین و البیضاوی و العضدی و جماعة من الفقهاء و المتکلّمین و حکاه فی النهایة و الإحکام عن أبی عبیدة و جماعة من أهل العربیة و عزی القول به إلی کثیر من العلماء و عزاه الغزالی إلی الأکثرین من أصحاب الشافعی و مالک و اختار حجیته أیضاً شیخ الشریعة الإصفهانی (قدس سره) فی نخبة الأزهار، تقریر بحث الإصفهانی، للسبحانی، ص120 و 121. أمّا الشیخ الطوسی (قدس سره) ففی معالم الدین، ص79: «أثبته قوم و هو الظاهر من کلام الشیخ» و فی زبدة الأصول، ص151: «مفهوم الصفة حجة عند الشیخ» و فی الوافیة، ص232: «و الشیخ الطوسی رحمة الله: قال بحجیة مفهوم الصفة» و فی تجرید الأصول، ص215: «مفهوم الصفة حجة وفاقاً للشیخ» و لکن فی عدة الأصول (ط.ج)، ج2، ص481، بعد ذکر القولین و أدلتهما مفصلاً قال فی ختام البحث: «و فی هذه المسألة نظر» و راجع: ج1، ص111 – 112 و راجع الخلاف، ج3، ص223 و ج5، ص395 و ج6، ص371 – 372 و وقایة الأذهان، ص427.
أدلّة القول الأول:
اشارة

نذکر منها ستة:

الدلیل الأوّل: لغویة الوصف
اشارة

((1))

لو لم نقل بمفهوم الوصف یلزم لغویة الوصف المذکور و عدم الفائدة فی ذکره.

ص: 156


1- . فی الإحکام، الآمدی، ج3، ص76 – 77: «و أمّا الحجج العقلیة فخمس حجج. الحجة الأولی: أنّه لو کان حکم السائمة و المعلوفة، سواء فی وجوب الزکاة لما کان لتخصیص السائمة بالذکر فائدة» و فی زبدة الأصول، ص151: «للأوّل: لولاه للغی [أعنی الوصف]: کالإنسان الأبیض حیوان»
ملاحظة علی هذا الدلیل:

إنّ الفائدة لاتنحصر فی المفهوم بل قد تکون الفائدة تضییق الموضوع و تحدید دائرته فقط.

الدلیل الثانی: أصالة الاحترازیة فی الوصف
اشارة

استدلّ به المحقّق صاحب الحاشیة (قدس سره) ((1)) فإنّ المشتهر هو أنّ الأصل فی القیود أن تکون احترازیة و مقتضی احترازیة الوصف دلالته علی المفهوم.

إیراد علی هذا الدلیل:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) أورد علیه بأنّ معنی الاحترازیة هو تضییق الموضوع فإنّ الاحترازیة لاتوجب إلّا تضییق دائرة موضوع الحکم فی القضیة، مثل ما إذا کان بهذا الضیق بلفظ واحد، فلا فرق بین أن یقال: جئنی بإنسان أو بحیوان ناطق.

الدلیل الثالث: ما هو الملاک فی حمل المطلق علی المقید
اشارة

نُسب الاستدلال به إلی الشیخ البهائی (قدس سره) ((3))، بیانه هو أنّ المطلق و المقید إذا کانا مثبتین فنحمل المطلق علی المقید و الوجه فی الحمل المذکور لیس إلّا التنافی بینهما، لأنّه لولا التنافی لم یبق وجه لحمل المطلق علی المقید و التنافی لایتحقّق إلّا فیما إذا دلّ المقید علی المفهوم فیکون مفهوم المقید منافیاً لمنطوق المطلق.

ص: 157


1- . هدایة المسترشدین، ص294.
2- . کفایة الأصول، ص206.
3- . معالم الدین، ص314 و زبدة الأصول، ص143.
إیرادان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه لا وجه لحمل المطلق علی المقید لو کان ذلک بلحاظ مفهوم الوصف لأنّ ظهور المقید فی المفهوم لیس بأقوی من ظهور المطلق فی الإطلاق بل الأمر بالعکس حیث إنّ ظهور المطلق فی الإطلاق دلالة منطوقیة و ظهور المقید فی المفهوم دلالة مفهومیة و لاشک فی تقدیم الدلالة المنطوقیة علی المفهومیة لبناء العقلاء علی تقدیم الأظهر علی الظاهر و لو لم نقل بأقوائیة الدلالة المنطوقیة للمطلق لا أقلّ من تساویهما و تعارضهما فیتساقطان فلایبقی وجه للحمل المذکور.

یلاحظ علیه:

إنّ دلالة المقید و إن فرضت أنّها مفهومیة و لکنها نصّ فی مورده بخلاف المطلق فیکون المقید قرینة بالنسبة إلی المطلق و بیاناً له، کما أنّ الخاصّ یقدّم علی العامّ و إن کانت دلالة الخاصّ مفهومیة و دلالة العامّ منطوقیة، بل الأمر فی المطلق و المقید أسهل لأنّ الاطلاق یتوقّف علی مقدّمات الحکمة و منها عدم البیان و عدم وجود القرینة و المقید یکون بیاناً علی المطلق.

الإیراد الثانی: ما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ قضیة حمل المطلق علی المقید لیس إلّا أنّ المراد بالمطلق هو المقید لأنّ المقید قرینة علی المراد و کأنّه لایکون فی البین غیر الدلیل الذی هو المقید، فموضوع

ص: 158


1- . علی ما فی مطارح الأنظار، ص183.
2- 2. کفایة الأصول، ص206.

الحکم لیس مطلقاً بل هو مقید فالوجه لصحّة حمل المطلق علی المقید لیس دلالة المقید علی المفهوم بل الوجه هو تضییق دائرة الموضوع کما یقتضی ذلک الدلیل المقید، من دون حاجةٍ إلی دلالة الوصف علی المفهوم.

ملاحظة علیه:

یلاحظ علی کلام صاحب الکفایة (قدس سره) ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) من أنّ المعارضة بین المطلق و المقید لیس من ناحیة مجرّد التقیید (کما توهّمه صاحب الکفایة (قدس سره)) بل بلحاظ استفادة وحدة التکلیف من الخارج.

الدلیل الرابع:
اشارة

و هو دعوی تبادر المفهوم من الوصف((2)) و قد نقل ذلک عن الشیخ (قدس سره) ((3)).

یلاحظ علیه:

إنّه یتمّ فیما إذا رجع مفهوم الوصف إلی مفهوم الشرط کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أمّا إذا رجع مفهوم الوصف إلی مفهوم اللقب فلا موقع لهذا التبادر.

الدلیل الخامس: أنّ الوصف علّة منحصرة
اشارة

استدلّ بذلک المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((4)) فقال بعد إحراز أنّ الأصل فی القید أن یکون احترازیاً:

ص: 159


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص436.
2- . و استدلّ بالتبادر أیضاً المحقّق ملّا مهدی النراقی (قدس سره) فی تجرید الأصول، ص215.
3- . مطارح الأنظار، ص184.
4- . نهایة الدرایة، ج2، ص435 و 436.

إنّ معنی قیدیة شیء لموضوع الحکم حقیقة هو أنّ ذات الموضوع غیر قابلة لتعلّق الحکم بها إلّا بعد اتصافها بهذا الوصف، فالوصف متمّم قابلیة القابل و هو معنی الشرط حقیقة فعادت الجملة الوصفیة إلی الجملة الشرطیة و یکون الوصف بمثابة الشرط فی الجملة الشرطیة.

و حیث إنّ الظاهر دخل الوصف بعنوانه الخاصّ و أنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب، لا بما هو شخص من الوجوب، فلامحالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخیل فی موضوعیة الموضوع لسنخ الحکم.

فالوصف هنا علّة للحکم و هذا معنی أنّ الوصف مشعر بالعلّیة و المراد من العلّیة هنا أعمّ من المقتضی و الشرط و عدم المانع.

فالحکم ینتفی بانتفاء أحد أجزاء علّته التامّة.

و الدلیل علی أنّ الوصف هنا علّة منحصرة هو عین ما مرّ فی القضیة الشرطیة من أنّ إناطة الحکم بشیء بعنوانه (وصفاً کان أو غیره) تقتضی الانحصار.

ملاحظة علی صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ ما أفاده یتمّ فیما إذا کان الموضوع عند العرف نفس الموصوف، و کان الوصف قیداً له، و أمّا فیما إذا کان الموضوع عندهم ذا جزءین بحیث یمکن تبدیل الوصف بالموصوف و الموصوف بالوصف مثل «أکرم البالغ الذکر»، فالعرف یری الموضوع مرکّباً و یؤول ذلک إلی مفهوم اللقب، فالحقّ هو التفصیل فی المقام و سیأتی الإشارة إلیه إن شاء الله تعالی.

ص: 160

الدلیل السادس: الاستدلال الروائی

((1))

عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَ مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَا تَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ)((2)) فَمَا خَلَا الْکِلَابَ فَلَیسَ صَیدُهُ بِالَّذِی یؤْکَلُ إِلَّا أَنْ تُدْرَکَ ذَکَاتُهُ»((3))

ص: 161


1- . فی الأصول الأصلیة للسید عبد الله الشبر (قدس سره)، ص38 و 39، باب مفهوم الوصف: «قال الله تعالی: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُکَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَکُمُ اللهُ فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)(المائدة:4)... الکافی، مُحَمَّدُ بْنُ یحْیی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِی بْنِ الْحَکَمِ، عَنْ مُوسَی بْنِ بَکْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ: عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ... فَأَمَّا خِلَافُ الْکَلْبِ مِمَّا یصِیدُ الْفَهْدُ وَ الصَّقْرُ وَ أَشْبَاهُ ذلِکَ فَلَا تَأْکُلْ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ) فَمَا کَانَ خِلَافَ الْکَلْبِ فَلَیسَ صَیدُهُ مِمَّا یؤْکَلُ إِلَّا أَنْ تُدْرِکَ ذَکَاتَهُ» و رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد و رواه أیضاً بإسناده عن موسی بن بکر. تفسیر العیاشی، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) «قَالَ: مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورَةُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَاتَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ قَالَ (مُکَلِّبِینَ) فَمَا خَلَا الْکِلَابَ فَلَیسَ صَیدُهُ بِالَّذِی یؤْکَلُ إِلَّا أَنْ تُدْرَکَ ذَکَاتُهُ» و فی الکافی، ج5، ص25 فی حدیث: «ثُمَّ قَالَ: یا عَمْرُو دَعْ ذَا أَ رَأَیتَ لَوْ بَایعْتُ صَاحِبَکَ الَّذِی تَدْعُونِی إِلَی بَیعَتِهِ ثُمَ اجْتَمَعَتْ لَکُمُ الْأُمَّةُ فَلَمْ یخْتَلِفْ عَلَیکُمْ رَجُلَانِ فِیهَا فَأَفَضْتُمْ إِلَی الْمُشْرِکِینَ الَّذِینَ لَایسْلِمُونَ وَ لَایؤَدُّونَ الْجِزْیةَ أَ کَانَ عِنْدَکُمْ وَ عِنْدَ صَاحِبِکُمْ مِنَ الْعِلْمِ مَا تَسِیرُونَ بِسِیرَةِ رَسُولِ اللهِ (صلی الله علیه و آله) فِی الْمُشْرِکِینَ فِی حُرُوبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَتَصْنَعُ مَا ذَا؟ قَالَ: نَدْعُوهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَوْا دَعَوْنَاهُمْ إِلَی الْجِزْیةِ قَالَ: وَ إِنْ کَانُوا مَجُوساً لَیسُوا بِأَهْلِ الْکِتَابِ؟ قَالَ: سَوَاءٌ قَالَ وَ إِنْ کَانُوا مُشْرِکِی الْعَرَبِ وَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ؟ قَالَ: سَوَاءٌ. قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنِ الْقُرْآنِ تَقْرَؤُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اقْرَأْ: (قاتِلُوا الَّذِینَ لا یؤْمِنُونَ بِا اللهِ وَ لا بِالْیوْمِ الْآخِرِ وَ لایحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ لایدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حَتَّی یعْطُوا الْجِزْیةَ عَنْ یدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ) فَاسْتِثْنَاءُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اشْتِرَاطُهُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ فَهُمْ وَ الَّذِینَ لَمْ یؤْتَوُا الْکِتَابَ سَوَاء؟».
2- . سورة المائدة(5):4.
3- . الوسائل، ج23، ص339، الباب4 من أبواب الصید، ح3.

فإنّ الإمام (علیه السلام) تمسّک بمفهوم الوصف فی کلمة (مُکَلِّبِینَ) و مفهوم الوصف هنا یرجع إلی مفهوم الشرط و الروایة معتبرة سنداً.

القول الثانی: عدم دلالة الوصف علی المفهوم
اشارة

و هو مختار المشهور مثل: الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق العراقی (قدس سرهم) .((1))

ص: 162


1- . فی مطارح الأنظار، اختار الشیخ (قدس سره) عدم حجیة مفهوم الوصف قال فی ص182 و هکذا فی فرائد الأصول، ج1، ص256 – 257؛ ج1، ص175 – 176. و فی کفایة الأصول، ص206: «فصل: الظاهر أنّه لا مفهوم للوصف». و فی فوائد الأصول، ج 2، ص502: «و الحق: عدم الدلالة مطلقا». الذریعة، ج1، ص392 – 394؛ عدة الأصول (ط.ج)، ج2، ص468 و منهم من قال: إنّه لایدلّ علی أنّ ما عداه بخلافه و هو الذی نصره أبو عبد الله البصری و حکاه عن أبی الحسن و هو قول أبی العباس ابن سریج و من تبعه من أصحاب الشافعی، کأبی بکر الفارسی و أبی بکر القفال و غیرهما و ذکر أبو العباس: أنّ الحکم إذا علّق بصفة إنّما یدلّ علی ما یتناوله لفظه إذا تجرّد و قد تحصل فیه قرائن أو أسباب یدلّ معها علی أنّ ما عداه بخلافه ... و هذا المذهب -أعنی الأخیر- هو الذی اختاره سیدنا المرتضی رحمة الله و إلیه ذهب أبو علی و أبو هاشم و أکثر المتکلّمین و فی المعتبر، ج1، ص31: «الثالث دلیل الخطاب و هو تعلیق الحکم علی أحد وصفی الحقیقة کقوله: فِی سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّکَاة فالشیخ یقول: هو حجة و علم الهدی ینکره و هو الحق» . راجع مبادئ الوصول، ص100؛ زبدة الأصول، ص151 – 152؛ الوافیة ص232؛ الفوائد الطوسیة، الفائدة 63، ص279 و فی تجرید الأصول، ص215: «فصل مفهوم الصفة حجة ... خلافاً للسید و المعتزلة و الحنفی» و فی الفوائد الحائریة، ص185: «و أمّا مفهوم الصفة ففیه إشعار، لأنّ تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلیة فیکفی لجعله مؤیداً أو یخرج شاهداً أو بأدنی قرینة یصیر دالّاً و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص476: «قوله: و نفاه السید و المحقّق و العلّامة. قد وافقهم فی ذلک کثیر من أصحابنا، منهم ابن زهرة و الشهید الثانی، بل عزی ذلک إلی أکثر الإمامیة. قوله: (وَکَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ)(الحج:18). قد اختاره الغزالی و الآمدی و قد حکی القول به عن أبی حنیفة و القاضی أبی بکر و أبی علی و أبی هاشم و أبی بکر الفارسی و ابن شریح و الجوینی و الشافعی و القفال و المروزی و ابن داود و الرازی و جماهیر المعتزلة و أسنده الغزالی إلی جماعة من حذاق الفقهاء و الآمدی إلی أصحاب أبی حنیفة ... ثمّ إنّ الأظهر عندی هو القول بعدم دلالة مجرّد التعلیق المفروض علی الانتفاء بالانتفاء» و فی الفصول الغرویة، ص151: «إذا تقرّر هذا فالحق عندی أنّ التقیید بالوصف لا إشعار فیه فی نفسه بانتفاء الحکم من غیر محلّه نعم کثیراً ما یفید ذلک لمعاضد خارجی من قرینة مقال أو شهادة حال فیتّجه التعویل علیه حینئذٍ» و من النافین لمفهوم الوصف جمع من الأعلام نشیر إلی مواضع نفی مفهوم الوصف فی کتبهم: معالم الدین، ص79؛ درر الفوائد، ج1، ص200؛ منتهی الأصول، ج1، ص435؛ أصول الفقه، ج1، ص172؛ دروس فی علم الأصول ج2، ص110؛ أجود التقریرات ج1، ص435؛ مجمع الفائدة ج11 ص210؛ وسائل الشیعة، ج27، ص347 – 348؛ ریاض المسائل ج13، ص301؛ جواهر الکلام ج41، ص93؛ الحدائق الناضرة ج1، ص58؛ مستند الشیعة ج1، ص113و ص393؛ العروة الوثقی ج6، ص728.
دلیل القول الثانی:
اشارة

((1))

إلیک نصّ عبارة المحقّق النائینی (قدس سره):

دلالة الوصف علی المفهوم تتوقّف علی کونه قیداً لنفس الحکم لا لموضوعه و لا لمتعلّقه، و بما أنّ الظاهر فی الأوصاف أن تکون قیوداً للمفاهیم الإفرادیة

ص: 163


1- . أجود التقریرات، ج2، ص277 و ط.ج. ج4، ص274؛ فوائد الأصول، ج 2، ص502. هنا أدلّة أخری أیضاً: درر الفوائد ج1، ص200 و التحقیق عدم دلالتها علی کون الوصف المذکور فی القضیة علّة للحکم فضلاً عن کونه علّة منحصرة لاحتمال کون ذکره فی القضیة من جهة وجود مانع من تعلّق الحکم بالمطلق فی مرحلة الإثبات و إن کان ثابتاً له فی مرحلة الثبوت أو لکون الاهتمام بشأنه أو لعدم احتیاج غیره إلی الذکر و غیر ذلک من النکات نعم قد یستظهر العلّیة من جهة المناسبة بین الحکم و الموضوع کوجوب الإکرام المتعلّق بالعالم أو وجوب التبین المتعلّق بخبر الفاسق. راجع: الذریعة ج1، ص394 و مبادئ الوصول ص100؛ معالم الدین ص79؛ زبدة الأصول ص152؛ الفصول الغرویة ص152؛ منتهی الأصول ج1، ص435.

یکون الأصل فیها عدم الدلالة علی المفهوم، کما هو الحال فی اللقب عیناً، غایة الأمر أنّ الموضوع أو المتعلّق فی اللقب أمر واحد یمکن التعبیر عنه بلفظ واحد، بخلافهما فی المقام، فإنّهما لایمکن التعبیر عنهما غالباً إلّا بلفظین، و هذا لایکون فارقاً بین الموردین بعد اشتراکهما فی ملاک عدم الدلالة علی المفهوم، أعنی به کون الحکم غیر مقید بشیء. ((1))

یلاحظ علیه:

لایتمّ ما أفاده بالنسبة إلی جمیع الموارد فالحقّ هو التفصیل کما تقدّم فی ذیل استدلال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

القول الثالث: تفصیل العلامة الحلّی (قدس سره)
دلیل القول الثالث:

(2)

إنّ الوصف الذی یکون علّة منحصرة للحکم یدلّ علی المفهوم و أمّا الوصف الذی لایکون علّة أو یکون علّة و لایکون منحصرة فلایدلّ علی المفهوم.

ص: 164


1- . فی فوائد الأصول، ج 2، ص502: ذلک لما ظهر فی مفهوم الشرط: من أنّ کون القضیة ذات مفهوم إنّما یتصوّر فیما إذا کان القید راجعاً إلی الحکم، بالمعنی المعقول الذی بیناه و هو تقیید المتحصّل من الجملة، لا ذات الانتساب الذی هو معنی حرفی و أمّا لو کان القید راجعاً إلی عقدی الوضع و الحمل- أی لو کان القید وارداً قبل الانتساب و کان مقیداً لأحد المنتسبین- فلایتصوّر ثبوت المفهوم للقضیة و فی المقام لایمکن إرجاع القید إلّا إلی الموضوع، فیکون کالشرطیة التی سیقت لفرض وجود الموضوع، فلا مجال لتوهم المفهوم فیها. و بالجملة: القید فی المقام لیس کالقید فی باب القضیة الشرطیة، و لا کالغایة التی یمکن أن تکون غایة للحکم.
2- . و قد أشار إلیه صاحب الکفایة (قدس سره) فی أوّل البحث. فی هدایة المسترشدین، ص498: «و منها: التفصیل بین کون الوصف علّة للحکم و غیره، کما یظهر من کلام العلّامة فی النهایة، حیث قال: إنّ الأقرب أنّ تقیید الحکم به لایدلّ علی النفی إلّا أن یکون علّة. وتبعه غیره، وکأنّه لایرید التفصیل فی محل المسألة، لأنّه لایعمّ صورة التصریح بعلیة الوصف، لرجوعه إلی مفهوم العلة، و هو أمر آخر غیر ما نحن فیه. نعم، یمکن أن یعدّ من التفصیل ما یشعر به کلام البعض من التفرقة فی محل المسألة بین الوصف المناسب للعلیة، کقولک: " أکرم العلماء" و "أهن الفساق" و "لاترکن إلی الظالمین" و أمثال ذلک و غیره کما فی المثال المعروف "فی السائمة زکاة" و نحو ذلک، فیقال بثبوت المفهوم فی الأوّل دون غیره. و وجهه: ظهور الکلام عرفاً علی الأوّل فی إفادة العلّیة و إن لم یصرّح بها فیرجع إلی مفهوم العلّة بخلاف الثانی و فیه: أنّ مجرّد المناسبة إنّما یفید صلاحیته للعلّیة و ذلک أعمّ من الوقوع، و القابلیة حاصلة فی القسم الثانی أیضاً».

و لابدّ من إرجاع هذا التفصیل إلی وجه الجمع بین نظریة المشهور المنکرین لمفهوم الوصف و نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره)
دلیل القول الرابع:

((1))

قال (قدس سره): إنّ المفهوم تارة بمعنی أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی انتفاء الحکم عن غیره و هذا مما لایمکن الالتزام به کما تقدّم، لأنّه یرجع إلی مفهوم اللقب.

و أُخری بمعنی أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی عدم ثبوت الحکم له علی نحو الإطلاق و الظاهر هو أنّ الوصف یدلّ علی المفهوم بهذا المعنی.

و نکتة هذه الدلالة هی ظهور القید فی الاحتراز و دخله فی موضوع الحکم أو متعلّقه إلّا أن تقوم قرینة علی عدم دخله فیه، ففی مثل قولنا «أکرم رجلاً عالماً»

ص: 165


1- 1. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص278.

یدلّ علی أنّ وجوب الإکرام لم یثبت لطبیعی الرجل علی الإطلاق و لو کان جاهلاً، بل ثبت لخصوص حصّة خاصّة منه و هی الرجل العالم.

و الضابط أنّ کلّ قید أُتی به فی الکلام فهو فی نفسه ظاهر فی الاحتراز و دخله فی الموضوع أو المتعلّق أی إنّ الحکم غیر ثابت له إلّا مقیداً بهذا القید لا مطلقاً و إلّا لکان القید لغواً فالحمل علی التوضیح أو غیره خلاف الظاهر فیحتاج إلی قرینة.

و الحاصل أنّ مثل قولنا «أکرم رجلاً عالماً» و إن لم یدلّ علی نفی الوجوب عن حصة أُخری من الرجل کالعادل أو نحوه و لو بملاک آخر، إلّا أنّه لا شبهة فی دلالته علی أنّ وجوب الإکرام غیر ثابت لطبیعی الرجل علی نحو الإطلاق (و لذا إن کان فاسقاً فلا یجب إکرامه). (1)

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یری أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی عدم ثبوت الحکم له علی نحو الإطلاق، و لکن سیجیء القول المختار و هو أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف، قد یدلّ علی ثبوت عدم الحکم، بمعنی ارتفاع سنخ الحکم عند ارتفاع الوصف، لا عدم ثبوت الحکم علی إطلاقه فقط.

ص: 166


1- . تظهر ثمرة اختیار هذا القول فی کثیر من المسائل: 1) منها ما ذکره السید الخوئی (قدس سره) فی کتاب الطهارة ج2، ص20، حیث استدل صاحب الحدائق علی عدم حرمة الدم المتخلف فی الذبیحة مطلقاً بقوله تعالی: (قُلْ لَا أَجِدُ فِی مَا أُوحِی إِلَی مُحَرَّمًا عَلَی طَاعِمٍ یطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ یکُونَ مَیتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا)(الأنعام:145). فقال السید الخوئی (قدس سره) عند مناقشته: «... و إن کان نظره إلی توصیف الدم فی الآیة المبارکة بکونه مسفوحاً و إنّ مفهوم الوصف یقتضی حلیة غیر المسفوح منه فیتوجّه علیه: إنّا و إن التزمنا بمفهوم الوصف أخیراً إلّا أنّ مفهومه علی ما شرحناه فی محله أنّ الحکم لم یترتّب علی طبیعة الموضوع أینما سرت لاستلزام ذلک لغویة التوصیف إلّا فیما إذا کان له فائدة ظاهرة فیستفاد منه أنّ الحکم مترتّب علی حصة خاصة منها - مثلاً- إذا ورد أکرم الرجل العادل یدلّ توصیف الرجل بالعدالة علی أنّ طبیعیه علی إطلاقه غیر واجب الإکرام و إلّا لم یکن وجه لتقییده بالعدالة بل إنّما یجب إکرام حصة خاصة منه و هو الرجل المتّصف بالعدل، و لکن لا دلالة له علی أنّ فاقد الوصف أعنی المتصف بصفة أخری غیر محکوم بذلک الحکم و لو بسبب وصف آخر و علی الجملة أنّ التوصیف و إن کان ظاهراً فی الاحتراز إلّا أنّه لایدلّ علی نفی الحکم عن غیر موصوفه فالآیة لا دلالة لها علی عدم حرمة الدم غیر المسفوح». 2) و منها ما ذکره فی کتاب الطهارة ج9 ص78 حیث قال عند الاستدلال علی وجوب أصل الدعاء فی صلاة المیت: «یدلّ علی ما ذکرناه صحیحة زرارة و محمّد بن مسلم و معمر بن یحیی و إسماعیل الجعفی عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «لَیسَ فِی الصَّلَاةِ عَلَی الْمَیتِ قِرَاءَةٌ وَ لَا دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ تَدْعُو بِمَا بَدَا لَکَ» و ذلک لما ذکرناه فی مفهوم الوصف من أنّ له مفهوماً غیر المفهوم المدعی للقیود بمعنی أنّه إذا ورد "أکرم الرجل العالم" لم یدلّ ذلک علی أنّ الرجل العادل غیر واجب الإکرام إذ لایستفاد منه العلیة المنحصرة بل یمکن أن یدلّنا دلیل ثان علی أنّ العدالة علّة أخری للإکرام إلّا أنّه یدلّ علی أنّ للعالمیة مدخلیة فی ترتّب الحکم علی موضوعه و أنّ وجوب الإکرام لم یترتّب علی طبیعی الرجل بل لعلی الحصة الخاصة منه و هو المقید بالعلم و إلّا لکان أخذه فی لسان الدلیل لغواً محضاً و علی هذا یتبین أنّ نفی الوجوب فی الصحیحة إنّما ترتّب علی الدعاء الموقّت أی المعین و أمّا أصل الدعاء فلم ینف وجوبه فیها فیستفاد منه أنّ أصل الدعاء واجب فی صلاة الأموات لامحالة». 3) و منها ما ذکره فی کتاب الصلاة، ج3، ص288 – 289، حیث قال عند بیان الأدلّة علی وجوب قراءة سورة کاملة بعد الحمد: «و منها: صحیحة عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: یجُوزُ لِلْمَرِیضِ أَنْ یقْرَأَ فِی الْفَرِیضَةِ فَاتِحَةَ الْکِتَابِ وَحْدَهَا وَ یجُوزُ لِلصَّحِیحِ فِی قَضَاءِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِاللَّیلِ وَ النَّهَار. فإنّ التقیید بالمریض یدلّ علی عدم جواز الاقتصار علی الفاتحة فی حال الصحة و أورد علیه بأنّ مفهوم الوصف لیس بحجة و من الجائز فی حقه و یندفع بما حقّقناه فی الأصول من ثبوت المفهوم له لا بالمعنی المصطلح، أعنی الانتفاء عند الانتفاء، بل معنی عدم کون الطبیعی علی إطلاق و سریانه موضوعاً للحکم و إلّا کان التقیید لغواً محضاً و علیه فتدلّ الصحیحة بمقتضی المفهوم علی أنّ الموضوع لجواز الاقتصار علی الفاتحة لیس هو مطلق المکلّفین و أنّ السورة واجبة علی بعضهم فی الجملة و هو المطلوب إذ لاندعی وجوبها علی الإطلاق و لذا ذکرنا آنفاً سقوطها لدی الاستعجال». 4) و منها ما ذکره فی کتاب الصلاة، ج7، ص77 – 78، حیث قال عند ذکر الأدلّة علی اختصاص البطلان بزیادة الرکن بالفریضة: «و منها: و هو العمدة ما ورد فی صحیحة زُرَارَةَ وَ بُکَیرٍ ابْنَی أَعْینَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «إِذَا اسْتَیقَنَ أَنَّهُ زَادَ فِی صَلَاتِهِ الْمَکْتُوبَةِ رَکْعَةً لَمْ یعْتَدَّ بِهَا وَ اسْتَقْبَلَ صَلَاتَهُ اسْتِقْبَالًا... إلخ». دلّت علی اختصاص البطلان بالمکتوبة لا من أجل القضیة الشرطیة ... بل من أجل مفهوم الوصف، أعنی تقیید الصلاة بالمکتوبة الذی لا مناص من کونه احترازاً عن غیرها و إلّا لأصبح التقیید لغواً ظاهراً فإنّا قد ذکرنا فی الأصول أنّ الوصف و إن لم یکن له مفهوم بالمعنی المصطلح أعنی الدلالة علی العلّیة المنحصرة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء کما فی مفهوم الشرط فیمکن ثبوت الحکم فی غیر مورد التوصیف أیضاً بأن یرتب علی الموضوع مقیداً بقید آخر فلا منافاة و لا معارضة بین قوله: "أکرم رجلاً عادلاً " و بین قوله: "أکرم رجلاً عالماً "، کما کانت ثابتة بینهما لو کانت الجملتان علی صورة القضیة الشرطیة بدلاً عن القضیة الوصفیة. إلّا أنّه یدلّ لا محالة علی أنّ موضوع الحکم لیس هو الطبیعی علی إطلاقه و سریانه کذات الرجل فی المثال و إلّا کان التقیید بالعدالة لغواً ینزه عنه کلام الحکیم فهذا المقدار من المفهوم ممّا لا مناص عن الالتزام به، أعنی الدلالة علی أصل العلیة لا انحصارها رعایة لظهور القید فی الاحتراز و نتیجة ذلک وقوع المعارضة بین القضیة الوصفیة و بین ما لو ورد دلیل آخر تضمّن تعلق الحکم علی الطبیعی». 5) و منها ما ذکره فی کتاب الصوم، ج1، ص228 – 229، قال: «قد عرفت حرمة الاحتقان بالمایع بمقتضی الصحیحة فهل یستوجب ذلک البطلان و فساد الصوم فیجب قضاؤه أو أنّ الحرمة تکلیفیة محضة ... الأظهر الأوّل ... فقوله (علیه السلام) فی الصحیح: لایجوز. إلخ أو البأس المستفاد من مفهوم الموثق - بالمعنی الذی نقول به فی مفهوم الوصف - ظاهر فی البطلان و الفساد کما هو الحال فی سائر المرکبات الارتباطیة» و راجع أیضاً مصباح الفقاهة ج2، ص712.

ص: 167

القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه

هو التفصیل جمعاً بین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و المشهور و هذا هو المختار فإنّ مقتضی التحقیق هو الجمع بین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من ثبوت مفهوم الوصف فیما إذا کان الموضوع هو الموصوف و لکن اتصافه بالوصف هو الشرط لثبوت الحکم له و ظهور حال الوصف هو هذا المعنی حیث إنّ الوصف متمّم لقابلیة القابل فیکون شرطاً فی الحقیقة.

ص: 168

أمّا إذا کان الموضوع هو المرکّب من قیدین و أُشیر إلیهما بصورة الموصوف و الصفة و لکنهما فی الحقیقة یرجعان إلی اللقب المرکّب فلا مفهوم حینئذ.

أمّا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) مثل قوله «أکرم رجلاً عالماً» فإنّه یدلّ علی المفهوم بالمعنی المتعارف و لکنه فی مقام بیان موضوع الإکرام من حیث صفة العلم و الجهل لا من سائر الجهات مثل العدالة و الفسق و لذا یکون مفهوم «أکرم رجلاً عالماً» عدم وجوب إکرام الرجل الجاهل، أمّا عدم وجوب إکرام الرجل العادل فإنّه خارج عن نطاق الکلام.

فتحصّل من ذلک أنّ مقتضی التحقیق هو القول الخامس((1)).

ص: 169


1- . لهذا البحث ثمرة فی کثیر من المسائل نذکر بعضا منها: فی شرح اللمعة ج4، ص56 – 57: «و إنّما یتمّ الرهن (بالقبض علی الأقوی) للآیة و الروایة و معنی عدم تمامیته بدونه کونه جزء السبب للزومه من قبل الراهن کالقبض فی الهبة بالنسبة إلی المتهب. و قیل: یتمّ بدونه للأصل و ضعف سند الحدیث، و مفهوم الوصف فی الآیة. و اشتراطه بالسفر فیها و عدم الکاتب یرشد إلی کونه للإرشاد». فی شرح اللمعة ج6، ص184: «نسبته إلی القول یؤذن بتوقفه فیه. و وجهه أصالة عدم الاشتراط، و الحکم فی الآیة وقع مقیداً بالوصف و هو لایدلّ علی نفیه عمّا عداه، و جاز خروجه مخرج الأغلب، و قد روی أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) لاعن بین عویمر العجلانی و زوجته و لم یسألهما عن البینة». فی شرح اللمعة ج7، ص277: «لیس فی الباب حدیث صحیح غیر ما دلّ علی التحریم فالقول به متعین و لعل المخصص استند إلی مفهوم حدیث أبی یحیی، لکنّه ضعیف». فی مسالک الأفهام ج5 ص27: «قوله: إذا استأجر أرضا مدّة معینة لیغرس فیها ما یبقی. .. إلخ». وجه الأوّل: أنّ المستأجر غیر متعدّ بالزرع، لأنّه مالک المنفعة تلک المدة، فله الزرع، و ذلک یوجب علی المالک إبقاؤه، لمفهوم قوله (صلی الله علیه و آله): «لَیسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَق». فی مصباح الفقیه (ط.ق) ج2، ص161: «و توهم اختصاص ما دلّ علی الستر بالحرة المنصرفة عنها أیضا فبقی علی حکم الأصل مدفوع بأنّ أخبار الستر مطلقة و الاختصاص نشأ من الأخبار الواردة فی الأمة فیختصّ بها المطلقات و یقتصر فی تخصیصها علی ما ینصرف إلیه الأخبار المخصّصة نعم ورد التقیید بالحرة فی بعض أخبار الستر کصحیحة یونس المتقدّمة و لکن هذا لایجدی فی صرف سائر الروایات إلیها إلّا بلحاظ مفهوم الصفة لو اعتبرناه إذ لاتنافی بینه و بین المطلقات بحسب المنطوق و أمّا مفهومه مع ضعفه فی حدّ ذاته و عدم کونه إلّا مجرّد إشعار خصوصاً فی مثل الصحیحة المتقدّمة ممّا لیس الوصف فیه معتمداً علی موصوف مذکور فهو علی تقدیر الحجیة لایصلح لتقیید المطلقات إلّا بالنسبة إلی الأمة المنصرفة عن المبعضة لأنّها هی المقابلة للحرة التی ینسبق إلی الذهن إرادته من المفهوم علی تقدیر تسلیمه فلیتأمل». فی شرح العروة الوثقی، السید محمد باقر الصدر، ج2، ص286 فی التعلیقة علی قوله «نعم یکره سؤر حرام اللحم ما عدا المؤمن»: «لروایتی عبد الله بن سنان و عمار المتقدمتین، و إن کان اثبات الکلیة بمفهوم الوصف فیهما مشکلا، فإنّ مفهوم الوصف یدل علی الانتفاء عند الانتفاء بنحو القضیة المهملة، کما بیناه فی الأصول».

و فی المسألة تفصیلات أخر تظهر لمن راجع إلی کتب الأعلام. ((1))

ص: 170


1- . فی هدایة المسترشدین ج2، ص476 هناک قولان آخران بالتفصیل أحدهما: ما تقدم من التفصیل الذی ذکره شیخنا البهائی، إذ لا أقل من ذهابه إلیه. ثانیهما: ما حکاه فی النهایة و الإحکام عن أبی عبد الله البصری من التفصیل بین ما إذا ورد فی مقام البیان أو فی مقام التعلیم، أو کان ما عدا الصفة داخلاً تحت الصفة ... وهذا القول فی الحقیقة راجع إلی القول بنفی المفهوم، وإنّما یستفاد المفهوم فی تلک الصورة لانضمام شهادة المقام» و أشار إلی تفصیل الشیخ البهائی (قدس سره) المیرزا القمی (قدس سره) فی قوانین الأصول ص329 – 330 قال: «إنّ هیهنا کلاماً من المحقق البهائی رحمة الله فی حواشی زبدته فی مباحث المفاهیم و هو أنّه قال قد یقال: إنّ القائلین بعدم حجیة مفهوم الصفة قد قیدوا المطلق بمفهومها فی نحو أعتق فی الظهار رقبة أعتق فی الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم یکن مفهوم الصفة حجة عندهم کیف یقیدون به المطلق فما هذا إلّا التناقض والجواب أنّ مفهوم الصفة إمّا أن یکون فی مقابله مطلق کما فی المثال المذکور أو لا نحو جاء العالم ففی الثانی لیس مفهوم الصفة حجة عندهم فلایلزم من الحکم بمجیء العالم نفی مجیء الجاهل إلّا إذا قامت قرینة علی إرادة ذلک أمّا الأوّل فقد أجمع أصحابنا علی أنّ مفهوم الصفة فیه حجة کما نقله العلامة طاب ثراه فی نهایة الأصول فالقائلون بعدم حجیة مفهوم الصفة یخصون کلامهم بما إذا لم یکن فی مقابلها مطلق لموافقتهم فی حجیة ما إذا کان فی المقابل مطلق ترجیحا للتأسیس علی التأکید وقریب من هذا الاعتراض علی القائلین بأنّ الأمر حقیقة فی الوجوب کیف قالوا بأنّ الأمر الوارد عقیب الحظر حقیقة فی الإباحة انتهی» و فی الإحکام، الآمدی، ج3، ص72: «و فرق أبو عبد الله البصری من المعتزلة، و قال: الخطاب المتعلق بالصفة دالّ علی النفی عما عداها فی أحد أحوال ثلاث، وهی: أن یکون الخطاب قد ورد للبیان، کما فی قوله (صلی الله علیه و آله): فی الغنم السائمة زکاة أو التعلیم، کما فی خبر التحالف عند التخالف والسلعة قائمة أو یکون ما عدا الصفة داخلاً تحتها، کالحکم بالشاهدین، فإنّه یدلّ علی نفیه عن الشاهد الواحد لدخوله فی الشاهدین، و لایدلّ علی النفی فیما سوی ذلک». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص495: «وعلی هذا فیمکن استفادة أقوال أخر فی المسألة من کلام جماعة من الأصولیین و لو فی غیر المقام». الأوّل: فی ص496: «منها: التفضیل بین ذکر الموصوف فی الکلام و اعتماد الوصف علیه و عدمه، فإنّ المستفاد من کلام غیر واحد منهم عدّ القسم الثانی من مفهوم اللقب مع القول بعدم حجیته، بل دعوی الوفاق علیه، و اختصاص محلّ المسألة بالقسم الأوّل، کما نصّ علی ذلک بعضهم فی تعلیق الحکم علی الفاسق فی آیة النبأ عند ردّ الاحتجاج بها علی حجیة أخبار الآحاد» الثانی: فی ص499: «و منها: التفصیل بین الأوقاف والوصایا والنذور والأیمان ونحوها، فیعتبر مفهوم الوصف فی أمثال تلک المقامات وغیر ذلک فلا یعتبر، یظهر القول به من کلام شیخنا الشهید الثانی (قدس سره) حیث قال فی مفهومی الشرط والوصف: إنّه لا إشکال فی دلالتهما فی مثل ما ذکر، کما إذا قال: وقفت هذا علی أولادی الفقراء أو إن کانوا فقراء، أو نحو ذلک. ویرد علیه: أنّ إثبات المفهوم فی تلک الموارد إنّما هو لاختصاص الانشاء بالموصوف بالوصف المفروض فینتفی فی غیره». الثالث: فی ص500: «و منها: التفصیل بین الخبر والإنشاء، فإنّ التعلیق علی الأوصاف فی الإخبار، و لایکاد یدلّ علی انتفاء المخبر به عن المخبر عنه بانتفائها فی الخارج، غایته عدم تعلّق الإخبار به، و لا إشعار فیه بعدم وجوده فی نفس الأمر، کقولک: «أکرمت رجلاً عالماً» و «ضربت فاسقاً» و «جاءنی العبد الصالح» و«مررت بالمظلوم فنصرته» و «رأیت الفقیر فأغنیته و الظالم فأهنته» إلی غیر ذلک، فإنّ شیئاً من ذلک لایفید نفی وقوع تلک الأفعال عن غیر المتصف بتلک الأوصاف فی الواقع، و إنّما تعلّق الغرض ببیان المذکورات، و هذا بخلاف الإنشائات، لوضوح انتفاء مدلولاتها عن غیر المتصف بالأوصاف التی علّقت علیها. و هذا التفصیل قد یستفاد من کلام بعضهم فی غیر المقام، و مقتضاه عدم ثبوت المفهوم فی الأخبار الواردة فی بیان الأحکام الشرعیة إلّا مع ورودها علی وجه الإنشاء، کالأمر و النهی و غیرهما، و هو ضعیف جداً، لوضوح اشتراک الإخبار والإنشاء فی عدم تعلّقهما بغیر المذکور» إلخ. الرابع: فی ص501: «و منها: التفصیل بین التوصیف بوصف الغیر و ما یؤدی مؤدّاه، کقولک: «أکرم الناس غیر الکفار و سوی الفساق» و غیر ذلک، فیدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الأوّل دون غیره، ذهب إلیه بعض المتأخرین، و هو خروج عن محل الکلام، إذ الأوّل یجری مجری الاستثناء و یفید معناه، و لا کلام عندنا فی دلالته إذا علی المعنی المذکور، و أین ذلک ممّا نحن فیه من دلالة التعلیق علی الوصف من حیث هو علی ذلک ؟». و فی مستند الشیعة ج1، ص318: و قد بینّا فی الأصول أنّ مفهوم الوصف المستفاد من لفظ الغیر الوصفی حجة و إن لم نقل بحجیة مطلق مفهوم الوصف. الخامس: فی ص501 و 502: «و منها: التفصیل بین الوصف الصریح و الوصف المفهوم من الکلام، أو بضمیمة قرائن المقام، کالوصف المستفاد من قوله (صلی الله علیه و آله): «لِأَنْ یمْتَلِئَ جَوْفُ الرَّجُلِ قَیحاً خَیرٌ مِنْ أَنْ یمْتَلِئَ شِعْرا» لدلالته علی الشعر الموصوف بالکثرة، و ظاهر الأکثر عدم الفرق بین المقامین، و لذا احتجوا بقول أبی عبیدة فی المثال المذکور ونحوه، إلّا أنّ ظاهر العنوان لایتناوله». السادس: فی ص502: «و منها: التفصیل بین الوصف الظاهر فی المدح أو الذم أو التأکید أو الجواب عن السؤال المخصوص، أو غیرها من الفوائد و ما لایظهر منه سوی إناطة الحکم به، فإنّ الأوّل یفید التوضیح، و نحوه لو ظهر هناک مانع من عذر أو جهالة من بیان الحکم فی غیر مورد الوصف. و الثانی ظاهر فی الاحتراز، و الظاهر خروج الأوّل عن محل المسألة کما مرّت الإشارة إلیه فی محل النزاع» إلخ و فی ذخیرة المعاد (ط.ق) ج1 ق 2، ص269: «إنّ التحقیق أنّ مفهوم الصفة إنّما یکون حجة إذا حصل الظن بأنّ ذکر الصفة بخصوصیتها لا فائدة له سوی التخصیص و الأمر هیهنا لیس کذلک» و فی حاشیة المکاسب، الإصفهانی، ج2، ص377: «إنّ الوصف إنّما یکون له مفهوم إذا لم یکن لإیراده فی الکلام فائدة». السابع: فی ص502: «و منها: التفصیل بین التوصیف بالوصف الوارد فی مورد الغالب، کما فی قوله تعالی (وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُمْ)(النساء:23). و غیره، فلا دلالة فی الأوّل علی المفهوم، لظهوره فی إرادة التوضیح تنزیلاً للأفراد النادرة منزلة المعدوم، فلایظهر منه إرادة الانتفاء عند الانتفاء، و لا أقل من الشک، فلایمکن الاحتجاج به. و یمکن التفصیل فی ذلک بین غلبة الوجود و غلبة الإطلاق، و یقابل الأوّل ندرة الوجود، و الثانی ندرة الإطلاق. کما فرّقوا بذلک فی شمول المطلقات للأفراد النادرة و عدمه. فعلی الثانی لایکون الموصوف شاملاً للفرد النادر من أصله، فیکون الوصف توضیحیاً کما فی الأوصاف اللازمة، و لایکون هناک تخصیص بعد التعمیم لیفید حکم المفهوم، بخلاف الأوّل لشموله للأفراد النادرة، فیظهر من التخصیص بغیرها إرادة المفهوم کما فی غیرها». و ذکر فی ص498 تفصیل العلّامة (قدس سره) الذی جعل فی المتن: «و منها: التفصیل بین کون الوصف علّة للحکم و غیره، کما یظهر من کلام العلّامة فی النهایة» إلخ. هنا تفصیلان آخران: الأوّل: فی کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31: «التاسع و العاشر والحادی عشر و الثانی عشر - مفهوم الصفة و العدد زیادة و نقصاً و الزیادة و النقصان فی أی محل کان و کشف الحال أنّها حکمها الاختلاف باختلاف المواضع فمتی وقعت جواباً عن المطلق أفادت المفهوم نفی الحکم عند انتفاء الصفة و نفی زیادة العدد و نفی النقصان و نفی الزیادة و إن وقعت جواباً عن المقید لم یفد ذلک و إن أطلقت و ظهرت حکمه للتعیین سوی التخصیص فلا دلالة و إن لم تظهر أفادت و علی کل حال فالمدار علی حصول الفهم بحیث یعدّ فهما فی العرف و الإجماع و السیرة و احتجاجات السلف قاضیة بحجیتها مع القید المذکور» و نظیره ما فی الفصول، ص152. الثانی: فی المحاضرات تقریر درس المحقّق الداماد (قدس سره)، ج1، ص412: «إنّ فی المسألة أقوالاً ... الثالث التفصیل بین ما یفید النفی أو الإثبات» و لم نظفر بمأخذه. تتمّة: جاء فی هدایة المسترشدین ج2، ص476: «و قد یزاد قول خامس، و هو البناء علی الوقف إن عدّ قولاً و علیه الحاجبی فی مختصره، و یمیل إلیه کلام بعض أفاضل المتأخرین». و الظاهر أنّ مراده من هذا البعض المحقّق القمی (قدس سره) قال فی قوانین الأصول ص181: «ولی فی المسألة التوقّف و إن کان الظاهر فی النظر أنّه لایخلو عن إشعار کما هو المشهور إذ التعلیق بالوصف مشعر بالعلیة لکن لا بحیث یعتمد علیه فی الاحتجاج إلّا أن ینضمّ إلیه قرینة کما فی صحیحة الفضیل المتقدّمة و من هذا القبیل القیود الاحترازیة فی الحدود و الرسوم» و راجع أیضاً غنائم الأیام ج2، ص497؛ مناهج الأحکام ص82؛ جامع الشتات ج2، ص402؛ جامع الشتات ج3، ص380 و للوحید البهبهانی (قدس سره) هنا کلام ما أکثَرَ فائدته قال (قدس سره) فی الفوائد الحائریة ص343 – 344: «خاتمة قد عرفت ضرر عدم معرفة شرائط الاجتهاد، و عدم مراعاتها، و الخطر الشدید الذی فیها، لکن فی معرفة تلک الشرائط خطر أیضاً لابدّ من عدم الغفلة عنه، و حفظ النفس عنه، و ذلک الخطر من وجوه: الأوّل: أنّه - من شدة الأنس بها، و الاستناد إلیها و الاعتماد علیها - ربّما یغفل عن قرائن الحدیث غافل، و لاتنجلی له سیما إذا کانت خفیة. مثلاً: حقّق فی أصول الفقه أنّ مفهوم الوصف لیس بحجة، و فی کثیر من الأخبار یظهر اعتبار ذلک المفهوم باعتبار خصوصیة المقام، فالغافل یعترض علیه: بأنّه مفهوم الوصف، و هو لیس بحجة - علی ما هو محقّق فی الأصول - سیما إذا کانت القرینة لم تکن بذلک الجلا، إذ قد عرفت أنّ تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلیة و الإشعار موجود علی أی حال فإذا تقوی ذلک الإشعار بخصوصیة مقام یحصل القدر المعتبر من الظهور، و إن کان الإشعار لایکفی لو لم یکن القوة. و بالعکس إلّا أنّه بانضمامهما معاً حصل الکفایة، بل ربّما یجد القرینة فی غایة الظهور، و مع ذلک یعترض ذلک الاعتراض. مثل: ما ورد فی صحیحة الفضیل فی غایة خیار الحیوان، فإنّه قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا الشَّرْطُ فِی الْحَیوَانِ؟ فَقَالَ: إِلَی ثَلَاثَةِ أَیامٍ لِلْمُشْتَرِی. قُلْتُ فَمَا الشَّرْطُ فِی غَیرِ الْحَیوَانِ؟ قَالَ الْبَیعَانِ بِالْخِیارِ مَا لَمْ یفْتَرِقَا. و هذا کالصریح فی تخصیصه بالمشتری، و مع ذلک یعترض: بأنّ دلالته بمفهوم الوصف، و هو لیس بحجة. و قس علی ذلک سائر القواعد الأصولیة، و کذا القواعد النحویة، أو الصرفیة، أو غیرهما».

ص: 171

ص: 172

ص: 173

ص: 174

الفصل الثالث: مفهوم الغایة

اشارة

ص: 175

ص: 176

مفهوم الغایة

و البحث هنا یقع فی مقامین:

اشارة

الأول: فی المفهوم و هو أنّ التحدید بالغایة هل یدلّ علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی و نذکره هنا.

الثانی: فی المنطوق و هو أنّ الغایة هل هی داخلة فی حکم المغیی أو لا؟

ص: 177

المقام الأوّل:هل تدلّ الغایة علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟
اشارة

أما الأقوال المهمّة فی مفهوم الغایة فهی خمسة:

القول الأوّل:

و هو ما اشتهر((1)) عند الأصولیین من دلالة الغایة علی المفهوم((2)) و هو المختار.

ص: 178


1- . ادعی التفتازانی کون مفهوم الغایة إجماعیاً و فی تفسیر الآلوسی ج26، ص7 «إنّ قوله [أی التفتازانی] فی التلویح: "إنّ مفهوم الغایة متفق علیه" لایخلو من الخلل».
2- . فی زبدة البیان ص173: «و تحریم الأکل و الشرب بعد الفجر للغایة لأنّ مفهوم الغایة حجة کما هو الحق المبین فی الأصول». و فی زبدة الأصول، ص152 – 153: «فصل مفهوم الغایة حجة عند الأکثر، إلّا المرتضی و بعض العامة. لنا: إنّ المتبادر من نحو: "صوموا إلی اللیل" بیان آخر وجوبه». و فی الرواشح السماویة ص299: «و منها: "مفهوم الغایة ". و ما قال شیخنا فی الذکری: " أنّه راجع إلی الوصفی" غیر مستبین السبیل، و هو أقوی من مفهوم الشرط، و من لایقول بحجیته لایعتدّ بقوله. فإذا قیل -مثلاً: "یصام" أو "لایؤکل و لایشرب فی الصوم حتی یغیب الشمس" کان لا محالة معناه: آخر وجوب الصوم، أو: آخر حرمة الأکل و الشرب فی الصوم غیبوبة الشمس، فلو قدرنا ثبوت الوجوب أو الحرمة بعد ما غابت، لم تکن الغیبوبة آخراً و ذلک خلاف صراح المنطوق». و فی تجرید الأصول ص218: «فصل مفهوم الغایة أقوی المفاهیم و حجة عند الکل إلّا المرتضی و لا بعض الجماهیر لنا ما مرّ من التبادر و غیره و لولاه للغی ذکرها و لم یکن بیاناً لاخر الفعل مع أنّه صریح المنطوق فی مثل صم إلی اللیل و قم إلی النهار و لکون المفهوم لازماً له یرتفع بارتفاعه لایلزم إیجادهما» و فی کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31: «الثالث: مفهوم الغایة فإذا أتی بصیغة تفیدها علی نحو المفهوم دلّت علی خروج ما بعد الغایة». و فی قوانین الأصول، ص186: «قانون الحق أنّ مفهوم الغایة حجة وفاقاً لأکثر المحقّقین و الظاهر أنّه أقوی من مفهوم الشرط و لذلک قال به کل من قال بحجیة مفهوم الشرط و بعض من لم یقل بها». و فی مفاتیح الأصول، ص213: «اعلم أنّ فی المسألة قولین أحدهما ثبوت الدلالة و هو الذی اختاره المحقّق و العلّامة و السید عمید الدین و صاحب المعالم کما عن أبی الحسین البصری و القاضیین و الرازی و الغزالی بل مستفاض نقله عن أکثر المحققین و جعله العضدی أقوی من مفهوم الشرط قال: و قال به کل من قال بمفهوم الشرط و بعض من لم یقل به کالقاضی عبد الجبّار انتهی و تعدّی بعض و قال: إنّه منطوق لا مفهوم ... و الأقرب الأوّل لأنّ معنی صوموا إلی اللیل بحکم التبادر صوموا صوماً یکون آخره اللیل فلو وجب بعد مجیئها لم یکن اللیل آخراً بل وسطاً». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص531 – 533 عند التعلیقة علی قوله «وفاقاً لأکثر المحقّقین»: «هذا القول هو المعروف بین أصحابنا و العامة، ذهب إلیه المحقّق فی المعارج، و العلّامة فی موضعین من النهایة، و موضع من التهذیب، و السید عمید الدین فی المنیة، و شیخنا البهائی فی الزبدة، و شارحه الجواد، و المازندرانی، و المحقق البهبهانی، و صاحب القوانین، وغیرهم، وجنح إلیه فی الذکری، لأنّه أرجعه إلی مفهوم الوصف. وعزاه الآمدی إلی أکثر الفقهاء وجماعة من المتکلمین، کالقاضی أبی بکر، والقاضی عبد الجبار، وأبی الحسین البصری، وغیرهم وفی الزبدة إلی الأکثر. وفی غایة المأمول إلی أکثر أصحابنا والعامة. ونسبه جماعة من أصحابنا والعامة إلی کل من قال بمفهوم الشرط، وبعض من لم یقل به مصرحین بأنّه أقوی منه، فیکون أقوی من مفهوم الوصف إن قلنا به بطریق أولی». و فی نهایة الأفکار ج1 - 2، ص497: «ومن المفاهیم الغایة وقد اختلف کلماتهم فی أنّه هل التقیید بالغایة یقتضی انتفاء سنخ الحکم عمّا بعد الغایة ... أو أنّه لایقتضی ذلک ؟ و لکنّ الذی یقتضیه التحقیق هو الأوّل، و ذلک لعین ما ذکرنا فی مفهوم الشرط». و فی مجمع الأفکار، ج2، ص129: «نحن فی الدورة السابقة اخترنا تبعاً لأساتیذنا عدم المفهوم له و لکن فی هذه الدورة نرجع عنه لأنّ السیر إذا صار مقیداً یکون مثل ما إذا صار الحکم بالسیر مقیداً فإرجاع القید إلی المتعلق یکون مثل إرجاعه إلی الحکم و لقد أجاد شیخنا النائینی (قدس سره) حیث قال بأنّ قید الفعل یکون حاله حال الشرط فی وجود المفهوم له فلایرجع قید الفعل إلی اللقب فی عدم المفهوم و لاتکون الغایة مثل الوصف الذی لایکون له مفهوم لأنّ المتفاهم العرفی فی الغایة غیره فی الوصف». و راجع غایةالمسئول، ص350؛ نهایة النهایة ج1، ص269.
القول الثانی:

نسب إلی بعضهم مثل السید المرتضی و الشیخ الطوسی (قدس سرهما) عدم ثبوت مفهوم الغایة. ((1))

ص: 179


1- . فی الوافیة ص232: «ولما کان حجیة مفهوم الغایة أقوی من باقی الأقسام، فنحن نتکلّم فیه و یظهر منه حال البواقی، من غیر تأمّل» ثمّ استدلّ علی عدم حجیته. و فی الحدائق الناضرة ج3، ص245: «... وفیه (أوّلاً): أنّ مدار الاستدلال علی حجیة مفهوم الغایة کما ذکره، وهو و إن سجل علی حجیته بما ذکره إلّا أنّه غیر ظاهر عندی لما قدمناه فی مقدمات الکتاب من أنّه لم یقم دلیل شرعی علی حجیة شیء من المفاهیم المذکورة سوی مفهوم الشرط کما تقدم، والتعویل علی مجرد ما یذکر فی الأصول من الدعاوی التی یزعمونها أدلة غیر ثابت عندی، بل المدار عندی فی الاستدلال إنّما هو علی الکتاب والسنة وهما الثقلان اللذان أمر (صلی الله علیه و آله) بالتمسک بهما بعده». و فی مفاتیح الأصول، ص213: «اعلم أنّ فی المسألة قولین ... و ثانیهما المنع من الدلالة و هو الذی حکی عن المرتضی و الآمدی و أبی حنیفة و أصحابه و جماعة من المتکلمین و الفقهاء». و فی هدایة المسترشدین ج2 ص532 عند التعلیقة علی قوله «وخالف فی ذلک السید»: «قد وافق السید (رحمه الله) فی ذلک الشیخ فی العدة فی جمیع ما ذکره، لکنّ الذی یظهر من آخر کلامه هو التوقف، فإنّه بعد أن بالغ فی التسویة بین مفهوم الغایة والوصف والمنع منهما ذکر أخیرا: أنّ له فی ذلک نظراً و اختار هذا القول جماعة من أصحابنا، منهم صاحب الوافیة وغیره، ومن العامة الآمدی فی الإحکام وجماعة. وعزاه الآمدی إلی أصحاب أبی حنیفة وجماعة من الفقهاء». و راجع أیضاً بحوث فی علم الأصول، ج3، ص211 و دروس فی علم الأصول، ج2، ص111؛ اقتصادنا ص704.
القول الثالث:

و هو ما اختاره المحقّق الخراسانی (قدس سره) ((1)) من التفصیل بین ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم و قیداً للموضوع.

ص: 180


1- . فی کفایة الأصول ص208 – 209. و فی درر الفوائد ج1، ص204: «الحق أن یقال إنّ الغایة بحسب القواعد العربیة تارة تکون غایة للموضوع وأخری تکون غایة للحکم (الأوّل) مثل سر من البصرة إلی الکوفة (والثانی) مثل اجلس من الصبح إلی الزوال ففی الأوّل حالها حال الوصف فی عدم الدلالة و إن کان تحدید الموضوع بها یوجب انتفاء الحکم المذکور فی القضیة عند حصولها لکن قد مر أنّ هذا لیس قولاً بالمفهوم وفی الثانی الظاهر الدلالة فإنّ الغایة جعلت بحسب مدلول القضیة غایة للحکم المستفاد من قوله اجلس وقد حقّقنا فی محله أنّ مفاد الهیئة إنشاء حقیقة الطلب لا الطلب الجزئی الخارجی فیکون الغایة فی القضیة غایة لحقیقة الطلب المتعلّق بالجلوس ولازم ذلک ارتفاع حقیقة الطلب عن الجلوس عند وجودها». و فی مقالات الأصول ج1، ص416 و 417: «قد یفصل بین کون الغایة قیداً للموضوع أو المحمول وبین کونه قیدا للنسبة، بالالتزام بانتفاء السنخ من ظاهر القضیة فی الآخر دون الأولین ... وحینئذ فلک أن تختار التفصیل المزبور فی المسألة تبعاً لبعض الأعلام بأخذ المفهوم فی الأخیر دون الأوّلین فتدبر فی المقام فإنّه من مزال الأقدام» و اختار هذا القول فی مقام الثبوت بعض الأعلام و إن اختلفوا فی التعبیر: ففی منتهی الأصول ج1، ص438: «قد عرفت فی باب مفهوم الوصف أنّ المناط فی کون القضیة ذات مفهوم هو أن یکون التقیید المذکور فی القضیة من شرط أو وصف أو غایة قیداً للحکم بالمعنی المعقول منه أی یکون قیدا لمفاد الجملة و نتیجتها بعد تحقق الإسناد، بمعنی أن یکون التقیید فی رتبة نفس الإسناد و لایکون متقدماً علیه (وبعبارة أخری) لایکون التقیید راجعاً إلی عقد وضع القضیة أو عقد حملها حتی یکون الإسناد وارداً علی عقد الوضع المقید أو عقد الحمل کذلک و بناء علی هذا إن کانت الغایة المذکورة فی القضیة قیداً للحکم المذکور فیها، فتکون القضیة ذات مفهوم. وأمّا إن کانت قیداً للموضوع أو للمحمول فلا. (هذا) کله بحسب مقام الثبوت» و أمّا بحسب الإثبات فالأقوال مختلفة: ففی نهایة النهایة ج1، ص269 عند التعلیقة علی قوله «و التحقیق أنّه إذا کانت»: «الظاهر أنّ ضابط الأمرین أعنی رجوع القید بحسب القواعد العربیة إلی الحکم أی ثبوت المحمول للموضوع ورجوعه إلی الموضوع و کونه من حدوده أنّه إن ذکر القید عقیب ذکر الجملة بموضوعها و محمولها کان ظاهره أنّه راجع إلی الجملة من حیث هی جملة أعنی مفاد هیئتها الذی هو ثبوت المحمول للموضوع دون مفاد مواد الجملة أعنی موضوعها ومحمولها وإن ذکر فی أثناء الموضوع قبل ذکر الحکم کان ظاهره أنّه قید للموضوع و إن أمکن فی کل من الموردین العکس بقرینة مقامیة». راجع منتهی الأصول ج1، ص438.
القول الرابع:

و هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) و هو دلالة الغایة علی المفهوم بحسب مقام الإثبات.

ص: 181


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص280.
2- 2. تحقیق الأصول، ج4، ص231.
القول الخامس:

و هو التفصیل الذی اختاره المحقق الخوئی و سیأتی کلام حوله إنشاء الله.

و هنا أقوال أُخر لانطیل الکلام بذکرها. ((1))

ص: 182


1- . الأول: فی الرواشح السماویة ص299 – 300: «وفی حزب أولی تدقیق النظر من قال: التحقیق یستدعی تفصیلاً و هو أنّ الغایة إمّا أن تکون منفصلة عن ذی الغایة حسّاً ک «اللیل» فی قوله تعالی: (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ) (البقرة:187). فإنّه غایة لزمان الصوم، و هو منفصل عن ذلک الزمان حساً أو لاتکون کذلک ک (الْمَرَافِقِ) فی قوله: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ) (المائدة:6). فإنّه غایة للید، غیر منفصل عنها حساً و القسم الأوّل یقتضی أن یکون حکم ما بعد الغایة خلاف ما قبلها؛ لأنّ انفصال أحدهما عن الآخر معلوم حساً و القسم الثانی لایقتضی ذلک؛ لأنّ (الْمَرَافِقِ) لما لم یکن منفصلاً عن الید حساً لم یکن تعینه؛ لکونه غایة أولی من سائر مفاصل الید، فلایجب خروجه عمّا قبله. قلت: إنّما حریم البحث دخول ما بعد الغایة فی الحکم بالذات وعلی القصد الأوّل، ومن المنصرح أنّ قضیة التعینیة قاضیة بخروج ما بعد الغایة المتعینة فی الواقع و عند شارع الحکم وإن لم تکن متعینة فی حس المکلّف عن القصد بالذات. و ما ذکره من عدم الانفصال حساً لیس یقتضی إلّا إدخال جزء ما ممّا بعد الغایة الحقیقیة فی المأتی بالعرض وعلی القصد الثانی من باب المقدمة؛ تحصیلاً لما هو الغایة فی الواقع حقیقة، و لیس الکلام فیه». و فی هدایة المسترشدین ج2 ص532: «هناک قول ثالث بالتفصیل بین ما إذا کانت الغایة منفصلة عن ذی الغایة بمفصل محسوس، کما فی قوله تعالی: (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). وما لم یکن کذلک، کما فی قوله سبحانه: (وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ)(المائدة:6). ففی الأوّل یجب أن یکون حکم ما بعد الغایة مخالفا لما قبلها، للعلم حسا بانفصال أحدهما عن الآخر. و فی الثانی یجوز أن یکون ما بعدها داخلاً فی ما قبلها، حکاه العلامة فی النهایة، واختاره فی المبادئ وموضع من التهذیب. وبه قال الرازی فی المحصول، وهو فی محل المسألة لایخلو من غرابة. وإنّما یناسب الکلام فی نفس الغایة، کما مرّ فی تبیان الأقوال المذکورة فیها، وکأنّه یؤید ما قیل من اختصاص النزاع بنفس الغایة دون ما بعدها، إلّا أنّ کلماتهم فی عنوان المسألة بین صریحة وظاهرة فی اختصاصه بما بعد الغایة کما عرفت. نعم، کلام بعضهم یحتمل إرادة الغایة وما بعدها، فیکون الکلام فی نفس الغایة مندرجاً فی محل المسألة، فلعل الجماعة المذکورة بهذا الاعتبار ذهبوا إلی التفصیل المذکور» الثانی: فی هدایة المسترشدین ج2 ص532: «قد یذکر فی المسألة قول رابع، و هو: أنّ التقیید بالغایة یقتضی المخالفة بالنسبة إلی الحکم المذکور، بحیث یکون المفهوم من المثال المعروف انقطاع الصوم المأمور به بذلک عند مجئ اللیل، ولایقتضی مخالفة ما بعدها لما قبلها مطلقا حتی یکون مدلوله أنّ لا أمر بالصیام بعدها مطلقا ولو بأمر آخر. و أنت إذا أحطت خبرا بما قدمناه فی محل النزاع تعلم رجوع هذا التفصیل إلی النفی المطلق، إذ لایتصور القول بکون الصوم المطلوب بذلک الخطاب مستمرا بعد اللیل و هو ظاهر». و اختار هذا التفصیل فی الفصول الغرویة ص153، قال (قدس سره): «ولنحرر أولا محل النزاع فاعلم أنّ النزاع یتصوّر هنا فی مقامین الأول أنّ التقیید بالغایة هل یقتضی مخالفة ما بعدها لما قبلها مطلقاً بحیث یکون المفهوم من قولنا صم إلی اللیل أنّه لا أمر بالصیام بعدها مطلقا ولو بأمر آخر ولایقتضی ذلک الثانی أنّ التقیید بها هل یقتضی المخالفة بالنسبة إلی الحکم المذکور بحیث یکون المفهوم فی المثال المذکور انقطاع الصوم المأمور به بذلک الأمر عند مجیء اللیل أو لایقتضی ذلک حتی أنّه یجوز أن یکون الصوم المطلوب بذلک الخطاب مستمراً بعد اللیل أیضاً من غیر شهادة فی اللفظ علی خلافه فنقول إن کان النزاع فی المقام الأوّل کما هو ظاهر بل صریح بعضها فالحق فیه مع من أنکر الدلالة وإن کان فی المقام الثانی فالحق فیه مع من أثبتها قلنا فی المقام إذن دعویان نفی الدلالة فی المقام الأوّل و إثباتها فی المقام الثانی». الثالث: فی هدایة المسترشدین ج2 ص533 ویظهر من بعضهم التوقف فی المسألة، فیرجع فیما بعد الغایة إلی مقتضی الأصل العملی، سواء وافق القول بالمخالفة أو خالفه، فیکون ذلک هو رابع الأقوال، والله سبحانه هو العالم بحقیقة الحال». الرابع: فی منتقی الأصول ج3، ص284: «التحقیق أن یقال: إنّ الکلام إذا کان مسوقاً لبیان الغایة فقط مع کون الحکم مفروغا عنه، وانّما کان المولی فی مقام بیان غایته وحده، کان مقتضی الإطلاق المقامی ثبوت المفهوم وارتفاع الحکم بحصول الغایة، و إلّا لم تکن الغایة غایة للحکم، ومثاله قوله تعالی: (کُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ..)(البقرة:187). فإنّ أصل جواز الأکل معلوم و الآیة مسوقة لبیان غایته. وإن کان مسوقاً لبیان الحکم المغیی فلا دلالة له علی المفهوم لما عرفت من أنّ اعتبار حکم مقید بقید لایتنافی مع اعتباره مقیداً بقید آخر أو غیر مقید بقید فتدبّر والتفت». الخامس: فی عنایة الأصول ج2، ص214: «إنّ الغایة و إن لم تدل علی ارتفاع الحکم بحصول الغایة مطلقاً علی وجه لو قال صم إلی الیوم العاشر ثمّ قال ومن العشرین إلی الآخر کان الثانی منافیاً لمفهوم الأوّل بحیث وجب تخصیص المفهوم به ولکنّها مما تدلّ علی ارتفاع الحکم بحصول الغایة فی الجملة وإلّا لکان التحدید بها لغواً غالباً (و أمّا التحدید) بها لأجل شدة الاهتمام بما قبل الغایة أو لغیرها و إن کان قد یتفق أحیاناً ولکنّه لیس دائماً من هذا القبیل ففی الأغلب یکون لأجل ارتفاع الحکم بحصول الغایة ولو فی الجملة وإلّا لکان التحدید بها عبثاً جداً».

ص: 183

أدلّة الأقوال و مناقشتها
أمّا الدلیل علی القول الأول و الثانی و الکلام حولهما:

فیظهر من البحث حول القول الثالث و الرابع و الخامس.

أمّا الدلیل علی القول الثالث:
اشارة

إذا کانت الغایة قیداً للحکم مثل «کلّ شیء حلال حتّی تعرف أنّه حرام» فقد تدلّ علی المفهوم و الدلیل علیه:

أوّلاً: هو التبادر.

و ثانیاً: هو حکم العقل بذلک، لأنّه مقتضی تقیید الحکم بالغایة و إلّا یلزم عدم کون ما جعل غایة للحکم غایة له و معنی ذلک لغویة الغایة.

و أمّا ما إذا کانت الغایة قیداً للموضوع مثل «سر من البصرة إلی الکوفة» فحال الغایة حال الوصف فی عدم الدلالة علی المفهوم، لأنّ مقتضاه هو عدم الحکم فی القضیة إلّا بالنسبة إلی المغیی فالغایة جاءت لتحدید الموضوع.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده بالنسبة إلی الغایة التی تکون قیداً للحکم فهو صحیح، فإنّها تدلّ علی المفهوم و أمّا ما کانت قیداً للموضوع فقد تکون مثل الوصف دالّة علی المفهوم کما تقدّم فی مفهوم الوصف بل التفصیل الذی مضی فی مفهوم الوصف لایجری هنا، لأنّ الغایة تکون من قبیل الأوصاف التی ترجع إلی مفهوم الشرط لا التی ترجع إلی مفهوم اللقب.

ص: 184

فالحق هو دلالة الغایة علی المفهوم.

هنا إیرادات أخر لانطیل الکلام بذکرها.((1))

ص: 185


1- . الأوّل: فی نهایة النهایة ج1، ص269: «إنّ المصنف (قدس سره) أخطأ فی مقامین (أحدهما) عدّ مثال سر من البصرة إلی الکوفة ممّا یرجع فیه القید بحسب القواعد العربیة إلی الموضوع مع أنّه بمقتضی الضابط الذی ذکرناه یرجع إلی الحکم وإنّما القرینة تصرفه عن هذا الظهور (ثانیهما) تفصیله بین ما یرجع فیه القید بحسب القواعد العربیة إلی الحکم وما یرجع بحسبها إلی الموضوع مع أنّ الصواب التفصیل بین مطلق ما یرجع إلی الحکم وما یرجع إلی الموضوع من غیر فرق بین أن یکون ذلک بحسب القواعد العربیة أو لقرینة مقامیة». الثانی: فی وسیلة الوصول ص355 – 356: «الحق عدم الفرق بین کونها غایة للحکم أو الموضوع، وذلک لأنّ الحکم کالوجوب - مثلاً- لابدّ له [ من ] موجب، لأنّه لایمکن أن یکون بلا مصلحة وبلا علّة، فکما یمکن أن یکون للحکم موضوع آخر غیر الموضوع المذکور فی القضیة ویکون مبدؤه منتهی ذلک الموضوع المذکور و إثباته للموضوع لایدلّ علی انتفائه عن غیره یمکن أن تکون مصلحة مقتضیة لجعل حکم إلی ذلک الحد المذکور فی القضیة ومصلحة أخری أیضاً مقتضیة لجعل حکم آخر مماثل للحکم الأوّل لما بعد ذلک الحد، فکما یمکن تعدّد الموضوعات یمکن تعدّد الوجوبات. ولو قیل بأنّه یستفاد من الجملة أو من الخارج انحصار علّة الوجوب بما قبل الغایة یمکن أن یقال مثله بالنسبة إلی الموضوع، وأنّه یستفاد أنّ الموضوع منحصر به. وبعبارة أخری إن استفیدت العلیة المنحصرة ففی کلیهما یقتضی انتفاؤه عمّا بعد الغایة، وإلّا ففی کلیهما لایقتضی انتفاؤه، فالتفصیل بین ما لو کانت الغایة غایة للحکم أو الموضوع لا وجه له فتأمّل». الثالث: فی عنایة الأصول ج2، ص214: «وأمّا الفرق بین تحدید الحکم بها وبین تحدید متعلّقه بها فمما لا وجه له فإنّ الحکم الظاهری کما فی الحدیثین الشریفین وإن کان ممّا یرتفع مطلقاً بمجرّد حصول غایته وهو العلم إذ لایعقل ثبوت الحلیة الظاهریة أو الطهارة الظاهریة مع حصول العلم وارتفاع الجهل ولکن الحکم الواقعی لیس من هذا القبیل فیجوز أن یجتمع مع حصول غایته ولو فی الجملة فإذا قال مثلاً یجب علیک الصوم من أوّل الشهر إلی العاشر جاز أن یقول ومن العشرین إلی الآخر من دون أن یکون بینهما تناف عرفاً (و بالجملة) التحدید بالغایة فیما سوی الحکم الظاهری مما یدل علی ارتفاع الحکم فی الجملة وإن لم یدل علی ارتفاعه مطلقا من غیر فرق بین کون الغایة قیدا للحکم الواقعی أو لمتعلقه».
بیان القول الرابع و الدلیل علیه:
اشارة

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) جعل البحث فی مقام الثبوت أوّلاً ثم فی مقام الإثبات ثانیاً.

أمّا البحث الثبوتی فهو أنّ ملاک الدلالة علی المفهوم هو کون القید راجعاً إلی الجملة الترکیبیة، و ملاک عدم الدلالة علی المفهوم هو رجوع القید إلی المفهوم الإفرادی و لذا بنی علی ظهور الجملة الشرطیة فی المفهوم دون الوصفیة.

و أمّا البحث الإثباتی فهو أنّ الأدوات الموضوعة للغایة لم توضع لخصوص تقیید المفاهیم الإفرادیة (کالوصف) و لا لخصوص تقیید الجمل الترکیبیة (کأدوات الشرط) فعلی هذا أدوات الغایة لیست ظاهرة فی المفهوم و لا غیر ظاهرة فیه بحسب الوضع.

و لکن هذه الأدوات بحسب التراکیب الکلامیة لابدّ أن تتعلّق بشیء و المتعلّق لها هو الفعل المذکور فی الکلام، فتکون حینئذ ظاهرة فی کونها من قیود الجملة، لا من قیود المفهوم الإفرادی، فتلحق بأدوات الشرط من هذه الجهة، فتکون ظاهرة فی المفهوم.

فالمتحصل من کلام المحقّق النائینی (قدس سره) أنّ الغایة تدلّ علی المفهوم بحسب مقام الإثبات و لذا یمکن إرجاع هذا القول إلی القول الأوّل.((2))

ص: 186


1- . فوائد الأصول، ج2، ص505: ظاهر القضیة بحسب القواعد العربیة رجوع الغایة إلی اسناد المحمول إلی الموضوع، فکأنّه جعل وجوب إتمام الصیام مغیا بغایة اللیل، فیقتضی رجوع الغایة إلی الحکم انتفائه عمّا بعد الغایة، و ینفی ثبوت حکم آخر من سنخ هذا الحکم للّیل.
2- . أجود التقریرات، (ط عرفان)، ج 1، ص437.
إیراد علی هذا الدلیل:

المحقّق الخوئی (قدس سره) استشکل علی کلام المحقّق النائینی (قدس سره) بحسب مقام الإثبات حیث إنّ الغایة عند المحقّق الخوئی (قدس سره) قد یکون ظاهرة فی رجوعه إلی متعلّق الحکم و أُخری یکون ظاهرة فی رجوعه إلی نفس الحکم و ثالثةً لایبقی للغایة ظهور فی رجوعه إلی متعلّق الحکم أو نفس الحکم و سیتضح ذلک إن شاء الله تعالی عند بیان مختاره (قدس سره) .

بیان القول الخامس و الدلیل علیه:
اشارة

((1))

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2)): أمّا بحسب مقام الثبوت فإنّ أدوات الغایة إن کانت قیداً للموضوع کما فی قوله تعالی: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ)((3)) أو کانت قیداً للمتعلّق فدلالتها علی المفهوم تبتنی علی مسألة

ص: 187


1- . بیان الفرق بین القول الرابع و الخامس عند المحقق الصدر (قدس سره) . فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص211: «الغایة تارة: تکون راجعة إلی موضوع الحکم کما فی قوله تعالی: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ)(المائدة:6).، و أخری إلی متعلق الحکم فی قولنا "صُمْ إلی اللیلِ"، و ثالثة: إلی نفس الحکم المستفاد من مدلول الهیئة و النسبة التامة کما فی قولنا "صُمْ حتی تصبح شیخا"، و رابعة: ترجع إلی الحکم المستفاد من مفهوم اسمی أفرادی کما فی قولنا "الصوم واجب إلی اللیلِ" أی وجوبا مستمراً إلی اللیل. و مدرسة المحقق النائینی (قدس سره)، تفصل بین هذه الأنحاء فتری ثبوت المفهوم فی بعضها دون بعض علی خلاف بین ظاهر کلام المیرزا نفسه و کلام السید الأستاذ، فالظاهر من کلام المحقق النائینی إنَّ المفهوم ثابت فیما إذا کانت الغایة راجعة إلی مدلول الهیئة التامة فی الجملة الإنشائیة و هو النحو الثالث من الأقسام فقط، و ظاهر کلام السید الأستاذ ثبوته فیما إذا کانت الغایة راجعة إلی الحکم سواءً کان مفاداً بنحو المعنی الاسمی أو النسبی».
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص283؛ أجود التقریرات، ج2، ص280.
3- . سورة المائدة(5): 6.

مفهوم الوصف، لأنّ التقیید بالغایة حینئذ من إحدی صغریات التقیید بالوصف، إذ المراد بالوصف فی ذلک المبحث لیس خصوص الوصف المصطلح علیه فی علم النحو، بل المراد به مطلق ما یکون قیداً لموضوع الحکم أو لمتعلّقه فی الکلام.

و إن کانت قیداً للحکم فتدلّ علی انتفاء الحکم عند تحقق غایته، بل لایبعد أن یقال: إنّ دلالة تقیید الحکم بغایةٍ ما علی المفهوم أقوی من دلالة تعلیق الحکم علی الشرط علی المفهوم.

و أمّا بحسب مقام الإثبات فهنا ثلاث صور:

الصورة الأولی: أن یکون الحکم مستفاداً من الهیأة، فالغایة ترجع إلی متعلّق الحکم إذ الظاهر هو رجوع القید إلی المعنی الحدثی، فرجوعه إلی الموضوع خلاف الظاهر کما أنّ رجوعه إلی مفاد الهیأة و إن کان أمراً ممکناً فی نفسه إلّا أنّه علی خلاف المتفاهم العرفی ما لم تقم قرینة علیه.

الصورة الثانیة: أن یکون الحکم مستفاداً من مادّة الکلام و لم یذکر متعلّق الحکم فی الکلام، کما فی قولنا «یحرم الخمر إلی أن یضطرّ إلیه المکلّف» فلاینبغی الشک فی ظهور الکلام فی رجوع القید إلی نفس الحکم.

الصورة الثالثة: أن یکون الحکم مستفاداً من مادة الکلام و کان المتعلّق مذکوراً کما فی قولنا «یجب الصیام إلی اللیل»، فلایکون للکلام ظهور فی رجوع القید إلی الحکم أو إلی متعلّقه، فلایکون له دلالة علی المفهوم، لو لم تقم قرینة فی الکلام أو من الخارج علیها.

انتهی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 188

إیراد علی قول المحقق الخوئی (قدس سره):

قد استدلّ بعض الأساطین (دام ظله) علی حجیة مفهوم الغایة فیما إذا کان الحکم مدلول الهیأة (خلافاً لما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الصورة الأُولی من صور مقام الإثبات) و کانت الغایة قیداً للمتعلّق (خلافاً لما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی مقام الثبوت) بما رواه الکلینی (قدس سره) بالسند الصحیح:

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلَینِ قَامَا فَنَظَرَا إِلَی الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ ذَا وَ قَالَ الْآخَرُ مَا أَرَی شَیئاً قَالَ (علیه السلام): فَلْیأْکُلِ الَّذِی لَمْ یسْتَبِنْ لَهُ الْفَجْرُ وَ قَدْ حَرُمَ عَلَی الَّذِی زَعَمَ أَنَّهُ رَأَی الْفَجْرَ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ یقُولُ: (کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)( سورة البقرة: 187).((1))

التحقیق فی المقام:

هو أنّ الغایة إن رجع إلی نفس الحکم فتدلّ علی المفهوم قطعاً و إن رجع إلی متعلّق الحکم تدل علی المفهوم أیضاً بناء علی ما اخترنا من حجیة مفهوم الوصف کما تقدّم فی ذیل کلام صاحب الکفایة (قدس سره) نقداً علیه.

فالمتحصّل هو ثبوت مفهوم الغایة مطلقاً.((2))

ص: 189


1- 1. الوسائل، ج10، ص119، الباب 48 من أبواب ما یمسک عن الصائم و وقت الإمساک، ح1.
2- . تنبیه: مفهوم الغایة أقوی المفاهیم عند بعض الأعلام: فی جامع المقاصد ج1 ص333 عند شرح قوله «و یجوز لزوجها وطؤها قبل الغسل علی کراهیة، وینبغی له الصبر حتی تغتسل، فإن غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها»: «المشهور بین الأصحاب جواز وطئ الحائض إذا طهرت قبل أن تغتسل من الحیض، وقال ابن بابویه بتحریمه، قبل الغسل. لنا: قوله تعالی: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یطْهُرْنَ)(البقرة:222). بالتخفیف، کما قرأ به السبعة، أی: حتی یخرجن من الحیض، جعل سبحانه غایة التحریم خروجهن من الحیض، فثبت الحل بعده بمقتضی الغایة، و لایعارض بمفهوم قوله سبحانه: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ)(البقرة:222). لأنا نقول: تعارض مفهوما الغایة والشرط فیتساقطان، إن لم یکن مفهوم الغایة أقوی، ویرجع إلی حکم الأصل وهو الحل فیما لم یقم دلیل علی تحریم». و فی الوافیة ص232: «ولما کان حجیة مفهوم الغایة أقوی من باقی الأقسام» إلخ. و فی تجرید الأصول ص218: «فصل مفهوم الغایة أقوی المفاهیم». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص556 عند التعلیقة علی قوله «إنّه أقوی دلالة من التعلیق بالشرط»: «قد صرح بذلک جماعة، ویشهد به مضافاً إلی الفهم العرفی أمران: أحدهما: ما ذکره من أنّ کل من قال بمفهوم الشرط قال بثبوته، وقد قال به بعض من أنکره أیضاً، کما صرح بذلک جماعة من الخاصة والعامة. والآخر: أنّ استعمال أداة الغایة فی غیر ما یفید انتهاء المغیا إلیها أو انقطاعه عندها نادر بخلاف أداة الشرط، لکثرة استعمالها فی غیر ما یفید معنی الشرطیة، کالشروط المسوقة لبیان الموضوع فإنّها شائعة فی الاستعمالات جداً، والواردة فی مورد الغالب وغیرها، وحیث إنّ مفهوم الشرط أقوی من الوصف والعدد عند القائل بهما - إذ الدلالة فی الأوّل وضعیة دون الأخیرین کما عرفت - کان مفهوم الغایة أقوی منهما أیضاً بطریق أولی. وتظهر الفائدة فی صورة المعارضة، کتعارض مفهومی الغایة والشرط فی قوله سبحانه: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ.. .) الآیة، فیقدم الأول مع انحصار الدلیل وفقد المرجح الخارجی. وأما القول بالوقف فمرجعه بحسب العمل إلی نفی المفهوم، للزوم الرجوع إلی الأصل العملی مع الشک فی الدلالة کالجزم بنفیها» إلخ. و فی ج2، ص475 – 476: «جعل [الشهید (قدس سره) فی الذکری] مفهوم الغایة - الذی هو أقوی من مفهوم الشرط - راجعاً إلی مفهوم الوصف».

ص: 190

المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟
اشارة

اختلفوا فی أنّ الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا، فاختاروا أقوالاً:

القول الأول: عدم دخول الغایة فی المغیی

و هو مختار صاحب الکفایة((1)) و نجم الأئمة الرضی(علی ما نسب إلیه)((2)) و مال إلیه المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهم)، و هو المختار. ((3))

ص: 191


1- . کفایة الأصول، ص209: «هل هی داخلة فی المغیی بحسب الحکم؟ أو خارجة عنه؟ و الأظهر خروجها».
2- . نسب إلیه فی مطارح الأنظار، ص185 و فی (ط ج): ج 2، ص96، حیث قال: أمّا المقام الأوّل، فاختلف القوم فیه علی أقوال: فذهب نجم الأئمة إلی الخروج مطلقا؛ نظرا إلی أنّ حدود الشی ء خارجة عنه، و حمل الموارد الّتی یظهر فیها الدخول علی وجود القرینة فیها. و قیل بالدخول مطلقا. و فصّل ثالث: بین «حتّی» و «إلی»، فقال بالدخول فی الأوّل و بعدمه فی الثانی. اختاره الزمخشری علی ما نسب إلیه. و ادّعی بعض النحاة الإجماع علی الدخول فی «حتّی». و لعلّه خلط بین العاطفة و الخافضة، کما نصّ علیه ابن هشام. و فصّل بعضهم: بین ما إذا کان ما قبل الغایة و ما بعدها متّحدین فی الجنس فقال بالدخول، و بین غیره. و هنا أقوال أخر. و فی عنایة الأصول ج2، ص216 و حکی عنه النراقی فی المناهج، ص132 القول بالخروج مطلقاً و لکن هو ممن یفصّل بین "حتی" و "إلی "، کما سیأتی بیانه إن شاء الله.
3- . اختار عدم الدخول کثیر من الأعلام: فی کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31: و الأقوی دلالتها علی خروج الغایة مع التجانس وعدمه والانفصال وعدمه ومحسوسیة المفصل و عدمها. و فی قوانین الأصول ص186: و الحق عدم الدخول لأنّه الأصل بمعنی أنّ اللفظ لایدل علی الدخول و الأصل عدم إرادة المتکلم ذلک و إلّا فقد یکون الدخول موافقاً للأصل بل المتبادر من اللفظ عدم الدخول فیکون ذلک أیضاً مفهوماً من التعلیق بکلمة إلی و أمّا دخول المرفق فی آیة الوضوء فإنّما هو من دلیل خارج لا لأنّ إلی بمعنی مع لأنّ الحق أنّه لانتهاء الغایة و کونه بمعنی مع مجاز و إنّما یصار إلیه من جهة الدلیل الخارجی. و فی الفصول الغرویة، ص153: أظهرها القول الثانی من أنّها لاتقتضی الدخول مطلقاً بدلیل التبادر وصحة السلب فإن السیر فی الکوفة لیس سیراً إلی الکوفة قطعاً وکذلک الصوم فی اللیل لیس صوماً إلی اللیل قطعاً. و فی نهایة الأفکار ج1 - 2، ص498: التحقیق هو خروجها عن المغیی مطلقاً، و الوجه فیه ظاهر إذا الغایة للشیء عبارة عمّا ینتهی إلیه وجود الشیء و لایتعدّی عنه فیستحیل حینئذٍ دخولها فی الشیء. و فی مجمع الأفکار، ج2، ص129 و 130: و الحق هو عدم دخولها فی المغیا مطلقاً لأنّ المعانی الحرفیة النسبیة فی مقابل المعانی الاسمیة وضعت للنسبة ففی المثال کلمة من وضعت للنسبة الابتدائیة و کلمة إلی للنسبة الانتهائیة و طرفا النسبة خارجان عنها فإنّ ما قبل لفظة من لو کان داخلاً أیضاً فیما بعده یکون خلاف وضع هذه الکلمة للابتداء و وضع کلمة "إلی " و "حتی " للانتهاء فإن کان ما بعدها داخلاً فیما قبلها یکون خلاف وضعها فلا یکون الغایة داخلاً فی المغیا أصلاً. ففی شرح الرضی علی الکافیة ج4، ص274: «و أمّا دخول الفجر المجرور بحتی فی حکم ما قبلها، ففیه أقوال، جزم جار الله، بالدخول مطلقاً، سواء کان جزءً ممّا قبلها، أو ملاقی آخر جزء منه، حملاً علی العاطفة، و تبعه المصنف و جوز ابن مالک الدخول و عدم الدخول ... و فصل عبد القاهر، و الرمانی، و الأندلسی، و غیرهم فقالوا: الجزء داخل فی حکم الکل، کما فی العاطفة، و الملاقی غیر داخل» إلخ. و راجع غایةالمسئول، ص350.
القول الثانی: دخول الغایة فی المغیی

و هو مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الإیروانی (قدس سرهما) .((1))

ص: 192


1- . فی مطارح الأنظار، ص185 قال الشیخ الأنصاری (قدس سره) بعد الإشارة إلی الأقوال: «و لعلّ الأظهر بمقتضی لفظ النهایة الدخول مطلقاً حیث قد عرفت من أنّها الأمر المنتزع عمّا نفرض جزءً أخیراً للشی ء المفروض امتداده بملاحظة ما یغایره» إلخ و اختار هذا القول فی نهایة النهایة ج1، ص269 – 270: حیث قال عند التعلیقة علی قوله «و الأظهر خروجها»: «بل الأظهر دخولها فإنّ غایة الشیء عرفاً هو الجز الذی ینتهی إلیه الشیء لا جز فغایة النهار هو آخر جزء منه عرفاً دون اللیل و غایة الدار هو جز من آخر الدار و هو الذی یتصل بخارج الدار لا خارج الدار و هذا واضح جداً وهذا الجز الآخر العرفی یقتطع من البقیة و یجعل مدخول "إلی " کما أنّ الجز الأول یقتطع و یجعل مدخول "من" فإذا أراد المولی إکرام عشرین دار مما یلی داره یقول أکرم الجیران إلی عشرین دارا و لایقول أکرم إلی واحد و عشرین لأجل إفادة عشرین فاستعمال اغسلوا إلی المرافق جار علی مقتضی الظهور الأولی دون مثل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187)». و قال السید المجاهد فی المفاتیح ص100: و القول بالدخول مطلقا شاذّ لایعرف قائله.
القول الثالث:

((1)):

و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة من جنس المغیی فتدخل فیه نحو قولهم «أمسکت النهار من الطعام إلی اللیل» حیث إنّ اللیل من جنس النهار و بین ما إذا لم تکن من جنسه مثل «کل شیء لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه».

ص: 193


1- . فی شرح الرضی علی الکافیة ج4، ص271: «و قیل: إن کان ما بعدها من جنس ما قبلها نحو: أکلت السمکة حتی رأسها، فالظاهر الدخول، وإلّا، فالظاهر عدم الدخول، نحو: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)» و ذکر هذا التفصیل فی المغنی، ج1، ص74 فی"إلی ". و فی قوانین الأصول، ص186: «اختلفوا فیه علی أقوال ثالثها دخولها فی المغیا إن کانتا من جنس واحد کقولک بعتک هذا الثوب من هذا الطرف إلی هذا الطرف و إلّا فلا کقول القائل صوموا إلی اللیل و الظاهر أنّ دلیلهم فی ذلک عدم التمایز فیجب إدخاله من باب المقدمة کما فی إدخال المرفق فی الغسل بخلاف ما لو اختلفا فی الماهیة و تمیزا فی الخارج فلایظهر حینئذ ثمرة بین هذا القول و بین القول بالعدم مطلقاً». و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص515: «و فصل غیر واحد منهم بین المجانس وغیره، فإن کانا من جنس المغیا حکم بدخولهما فیه، کما صرّح به الشهید فی الذکری حیث قال بدخول الحد المجانس فی الابتداء [والانتهاء]، مثل: بعت الثوب من هذا الطرف إلی هذا الطرف. و عزاه جماعة فی الثانی إلی المبرد، و حکاه ابن هشام و نجم الأئمة قولا».
القول الرابع:

((1))

و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة بعد کلمة «إلی» فلاتدخل فی المغیی و ما إذا کانت الغایة بعد کلمة «حتّی» فتدخل فی المغیی و هذا القول منسوب إلی نجم

ص: 194


1- . اختار هذا التفصیل الرضی (قدس سره) فی شرحه علی الکافیة ج4، ص277 قال: «و من الفرق بین "حتی "، و"إلی " ... أنّ الأظهر دخول ما بعد حتی فی حکم ما قبلها کما اخترنا، بخلاف إلی، فإنّ الأظهر فیها عدم الدخول إلّا مع القرینة، و إن کان أیضاً، جزءً ... و ما اخترناه أظهر عند النحاة» و فی مغنی اللبیب ج1، ص122 – 123: «"حتی " حرف یأتی لأحد ثلاثة معان: انتهاء الغایة، و هو الغالب ... و تستعمل علی ثلاثة أوجه: أحدها: أن تکون حرفاً جاراً بمنزلة إلی فی المعنی و العمل، ولکنّها تخالفها فی ثلاثة أمور: ... الثانی: أنّها إذا لم یکن معها قرینة تقتضی دخول ما بعدها کما فی قوله: "ألقی الصحیفة کی یخفف رحله * و الزاد، حتی نعله ألقاها" أو عدم دخوله کما فی قوله: "سقی الحیا الأرض حتی أمکن عزیت *لهم فلا زال عنها الخیر مجدودا" حمل علی الدخول، و یحکم فی مثل ذلک لما بعد "إلی " بعدم الدخول، حملاً علی الغالب فی البابین، هذا هو الصحیح فی البابین». و قال فی ج1، ص74 – 75: «إلی حرف جر، له ثمانیة معان: أحدها: انتهاء الغایة ... وإذا دلّت قرینة علی دخول ما بعدها نحو "قرأت القرآن من أوله إلی آخره " أو خروجه نحو" (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). و نحو: (فَنَظِرَةٌ إِلَی مَیسَرَةٍ) ا(لبقرة:280). عمل بها، و إلا فقیل ... و قیل: لایدخل مطلقاً و هو الصحیح، لأنّ الأکثر مع القرینة عدم الدخول، فیجب الحمل علیه عند التردد». و فی الحدائق الندیة، الحدیقة الثانیة، ص111 عند بیان حروف الجر: «تنبیه متی دلّت قرینة علی دخول الغایة فی حکم ما قبلها أو علی عدمه عمل بها و إلّا فأقوال أصحها الحکم بالدخول مع "حتی" دون "إلی " حملاً علی الغالب لأنّ الأکثر مع القرینة عدم الدخول فی"إلی " و الدخول فی"حتی"». و فی تاج العروس ج20، ص367: «إلی ... حرف جر من حروف الإضافة تأتی لانتهاء الغایة، و الفرق بینها و بین حتی أنّ ما بعد "إلی " لایجب أن یدخل فی حکم ما قبلها بخلاف "حتی "». و ذکر هذا التفصیل فی الفصول، ص153 من جملة الأقوال. و فی مقالات الأصول ج1، ص415: «الظاهر أنّ مرکز البحث المزبور فی نفی الحکم عمّا بعد أداة الغایة. و حینئذٍ ربما [اختلفت الأدوات] فی ذلک. فإن کانت مثل "حتی " فالظاهر [ظهورها] فی دخول [ مدخولها ] فی المغیا مثل: قوله أکلت السمکة حتی رأسها. و صوموا حتی [اللیل]. وأمّا لو کانت مثل "إلی " فالظاهر عدم [دلالتها] علی دخول المدخول فی المغیا و [تفارق] من تلک الجهة کلمة "حتی "».

الأئمة الرضی (قدس سره) ((1)) و الزمخشری و قد اختاره المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)).

القول الخامس:

و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة قیداً للفعل مثل «سرت من البصرة إلی الکوفه» فتکون داخلة فی المغیی و بین ما إذا کانت قیداً للحکم مثل «صم من الفجر إلی اللیل» فتکون خارجة عنه و هذا هو مختار المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) ((3)).

ص: 195


1- . نسب إلیه فی مطارح الأنظار، ص185 و عنایة الأصول ج2، ص216 القول بالخروج مطلقاً و لکن هو ممن یفصّل بین "حتی" و "إل" ففی شرح الرضی علی الکافیة ج4، ص271: «اعلم أن "إلی " تستعمل فی انتهاء غایة الزمان والمکان بلا خلاف، نحو: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). و الأکثر عدم دخول حدی الابتداء، و الانتهاء فی المحدود، فإذا قلت: اشتریت من هذا الموضع إلی ذلک الموضع، فالموضعان لایدخلان ظاهراً فی الشراء، و یجوز دخولهما فیه مع القرینة ... و المذهب هو الأوّل». و فی ج4، ص274 و 275 فی بحث حتی: «و جوز ابن مالک الدخول و عدم الدخول، جزءً کان، أو ملاقی آخر جزء منه ... و مذهب ابن مالک قریب، لکن الدخول مطلقاً أکثر و أغلب» و فی ج4، ص277: «ومن الفرق بین "حتی " و "إلی " ... وأنّ الأظهر دخول ما بعد حتی فی حکم ما قبلها کما اخترنا، بخلاف إلی، فإنّ الأظهر فیها عدم الدخول إلّا مع القرینة، وإن کان أیضاً، جزءً ... وما اخترناه أظهر عند النحاة» و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج2، ص514 و 515.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص279.
3- . درر الفوائد، ص174. قال (قدس سره): «التحقیق فی هذا المقام أنّ الغایة التی جعلت محلّاً للکلام فی هذا النزاع لو کان المراد منها هو الغایة عقلاً ... و إن کان محل النزاع هو مدخول "حتی " و "إلی " و إن لم یکن غایة حقیقة فإنّه قد یکون شیئا له أجزاء متصلة کالکوفة و قولنا "سر من البصرة إلی الکوفة" و اللیل فی قولنا: "صم من الفجر إلی اللیل" فالحق التفصیل بین کون الغایة قیداً للفعل کالمثال الأوّل و بین کونها غایة للحکم کالمثال الثانی. ففی الأوّل داخلة فی المغیا فإنّ الظاهر من المثال المذکور دخول جزء من السیر المتخصص بالکوفة فی المطلوب کما أنّ الظاهر منه دخول السیر المتخصص بالبصرة أیضاً فی المطلوب و فی الثانی خارجة عنه فإنّ المفروض أنّها موجبة لرفع الحکم فلایمکن بعثه إلی الفعل المتخصص بها کما لایخفی».
القول السادس:

(1)

لاتکون القضیة ظاهرة فی کون الغایة داخلة فی المغیی و لا ظاهرةً فی عدمه،

ص: 196


1- . فی قوانین الأصول ص186: «اختلفوا فیه علی أقوال ... و رابعها التوقف لتعارض الاستعمالات و عدم الترجیح». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص516: و توقف آخرون بین الدخول والخروج، فلا یحمل اللفظ علی أحدهما إلّا بدلیل من خارج، ویتصوّر ذلک علی وجوه: أحدها: التردد بین القولین أو الأقوال و عدم الجزم بصحة أحدهما أو فساده، فیتوقف حینئذ فی تعیین المعنی الموضوع له أو المعنی المراد من اللفظ. الثانی: الجزم باشتراکه لفظاً بین المعنیین، فیکون التردد فی الثانی دون الأول، فیتوقف حمله علی أحدهما علی القرینة المعینة. الثالث: الجزم بعدم الدلالة علی شیء منهما وصلاحیته لکل منهما إلی أن یقوم دلیل علی أحدهما، فیکون موضوعا للقدر المشترک بین الأمرین، و هذا هو الظاهر من کلام جماعة منهم صاحب الکشاف، حیث قال: إنّ " إلی " للغایة، و أما دخولها وخروجها فیدور مع الدلیل، إلی أن قال: و قوله تعالی: (إِلَی الْمَرَافِقِ) (المائدة:6) لادلیل فیه علی أحد الأمرین، و به قال فی مشرق الشمسین و غایة المأمول و غیرهما». و فی وسیلة الوصول ص353 – 354: «الحق هو إلإجمال و عدم الظهور فی الدخول و عدم الدخول للجملة بنفسها، بل بواسطة الأمور الخارجیة قد تکون ظاهرة فی الدخول، و قد تکون ظاهرة فی عدم الدخول، و فیما کانت ظاهرة فی الدخول لابدّ أیضاً من القرینة الخارجیة علی أنّ الداخل هو تمام البدایة و النهایة أو یکفی جزء منهما. و الحاصل: أنّ الجملة المغیاة بغایة لیس لها فی حد نفسها ظهور نوعی یکون هو المرجع عند الشک بحیث لایمکن رفع الید عنه إلّا بدلیل. فعلی هذا لابدّ فی باب التکالیف المغیاة بغایة الرجوع إلی الأصول العملیة عند الشک، و هی تختلف باعتبار کون الغایة للحکم أو غایة للموضوع الذی ورد علیه الحکم، فإن کانت الغایة غایة للحکم المرجع هو الاستصحاب إن لم یناقش فیه من جهة الشک فی المقتضی، و إن کانت غایة للموضوع فالمرجع هی البراءة برجوع الشک إلی الشک فی التکلیف المردّد بین الأقل و الأکثر. و المرجع فیه البراءة اتفاقاً إن کانا غیر ارتباطیین، و إن کانا ارتباطیین فعلی الخلاف فیه، و أمّا فی الوضعیات کجعل شهر کذا أو سنة کذائیة مبدأ للإجارة أو غایة لها و نحوها فلابدّ من التعیین لئلّا یوجب الغرر، و لعلّ بناء العرف أیضاً علی التعیین». و فی دراسات فی علم الأصول، ج2، ص226: «الصحیح: أنّه لیس لذلک ضابط کلی، بل یختلف دخول الغایة فی المغیا باختلاف الموارد و القرائن الخاصة، و لو لم یکن فی البین قرینة یکون الکلام مجملاً من ذلک الحیث، فیرجع إلی الأصل العملی». و فی منتقی الأصول ج3، ص285: «و الذی یناقش به صاحب الکفایة أنّ موارد الاستعمالات مختلفة، فبعضها ظاهر فی دخول الغایة، کما لو قال: " انتظرتک إلی یوم الجمعة " فإنّ یوم الجمعة داخل فی الانتظار، و لذا یصحّ أن یجیبه المخاطب: " بأنی جئت یوم الجمعة و لم أجدک ". و یعضها ظاهر فی عدم دخولها کقوله تعالی: (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ) (البقرة:187). و علیه فلا یمکن الجزم بأحد الطرفین و اختیار أحد الاحتمالین، و الکلام بدون قرینة یکون مجملاً». و فی عنایة الأصول ج2، ص216: «الحق أنّ الغایة تختلف دخولاً و خروجاً باختلاف المقامات و لا ضابطة لها (فقد تکون) خارجة عن المغیا کما فی قوله تعالی (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). (و قد تکون) داخلة فیه کما فی قولک صم إلی آخر الشهر و هکذا الأمر فی حتی الخافضة التی هی للغایة و تکون بمعنی إلی (فقد تکون) الغایة فیها خارجة عن المغیا کما فی قوله تعالی (وَکُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ)(البقرة:187). أو کما نمت البارحة حتی الصباح (و قد تکون) داخلة فیه کما فی قولک سرت الیوم حتی الکوفة أو صمت الشهر حتی آخره فاللازم فی کل مورد مراعاة القرائن و الشواهد الحالیة أو المقالیة الموجودة فیه فإن کان هناک دلیل علی خروجها أو دخولها فهو و إلّا فنفس الغایة بطبعها الأصلی ممّا لا دلالة لها علی الدخول و لا الخروج فلابدّ عند الشک فی حکمها من حیث اللحوق بما قبلها و عدمه من الرجوع إلی الأصل العملی». و قال الجصاص بالتوقف فی خصوص "إلی " فی الفصول فی الأصول ج1، ص93 قال: «إلی للغایة بمعنی حتی وقد تدخل تارة فی الحکم ولا تدخل أخری قال الله تعالی (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). فاللیل غیر داخل فیه وقال تعالی (إِلَی الْمَرَافِقِ) (المائدة:6) والمرافق داخلة».

بل لابدّ من ملاحظة القرائن الموجودة فی الکلام و اختاره العلامة المظفر و المحقّق الجزائری المروج (قدس سرهما) ((1)).

و لانطیل الکلام بذکر سائر الأقوال.((2))

ص: 197


1- . منتهی الدرایة، ج3، ص422.
2- . هنا أقوال أخر: الأوّل: التفصیل بالتمیز بمفصل حسی و عدمه ففی المحصول، للرازی، ج1، ص378 – 379: «الحق أنّ الغایة إن کانت متمیزة عن ذی الغایة بمفصل حسی کما فی اللیل والنهار وجب خروجها وإن لم تکن متمیزة عنها بمفصل حسی کما فی الید والمرفق وجب دخولها لأنّه لیس بعض المقادیر أولی من بعض فلیس تقدیر القدر الذی یجوز إخراجه من المرفق عن وجوب الغسل بقدر معین أوّلی من تقدیره بما هو أزید أو أنقص» و فی هدایة المسترشدین ج2، ص515: «وفصل آخرون بین ما إذا کان أحدهما منفصلاً عن المغیا بمفصل محسوس فیخرج عن الحکم، وما إذا لم یکن کذلک فیدخل، قاله السیوری فی التنقیح فیهما معاً، وبه صرح الشهید الثانی فی الانتهاء، وعلیه یحمل کلام العلامة فی غیر موضع من کتبه، و الرازی کما یأتی إن شاء الله تعالی و أنت خبیر بأنّ اختلاف الجنس یلازم الانفصال، إذ لایطلب وراءه فاصل آخر، فیظهر الفرق بین التفصیلین فی المجانس، لإمکان الفاصل المحسوس فیه. و قد یعقل اختلاف الجنس فی غیر المحسوس فیظهر الفرق فیه أیضا، و یکون النسبة بینهما من قبیل العموم من وجه. و لایخفی بعده، فإنّ تقیید الفاصل بالمحسوس إنّما یراد به فیما یکون المغیا محسوساً ففی مثل الملکات النفسانیة و غیرها إنّما یتحقّق الفصل باختلاف الجنس» الثانی: التفصیل باختلاف الجنس أو التمیز بمفصل حسی و عدمهما ففی هدایة المسترشدین ج2، ص516: «و منهم من جمع بین التفصیلین، فاکتفی فی الدخول بأحد الوصفین، کما یظهر من الذکری حیث علل الحکم بدخول المرفق فی الغسل بکل من الوجهین». الثالث: تفصیل آخر فی هدایة المسترشدین، ج2، ص516: «و حکی فی التمهید قولاً بدخول الغایة، إلّا أن تقترن ب "من" نحو: "بعتک من هذه الشجرة إلی هذا"، فلاتدخل الغایة حینئذٍ». و فی منتهی الأصول ج1، ص439 ما یمکن أن یعدّ قولاً آخر قال (قدس سره): «و أمّا مسألة دخول الغایة فی المغیا فإن کان المراد منه موضوعاً بمعنی أنّه داخل فی موضوع حکم المغیا فهذا شیء یمکن أن یکون و یمکن أن لایکون، ولکن فی مقام الإثبات والاستظهار ربّما یختلف باختلاف التعبیرات، فإذا قال مثلاً مات الناس حتی الأنبیاء أو قدم الحاج حتی المشاة فلا شک فی ظهور ما ذکر فی الدخول، کما أنّه لو قال سرت من الکوفة إلی البصرة لا شک فی ظهوره فی عدم الدخول و إن کان المراد هو الحکم المغیا بمعنی أن تکون الغایة قیداً للحکم، فلا شک فی خروجه، لأنّ معنی کون الحکم مغیا بغایة - زماناً مثل (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187) بناء علی أن تکون الغایة قیداً للحکم أو زمانیاً مثل آبق فی هذا المکان إلی أن یجی زید - انتهاء ذلک الحکم عند الوصول إلی تلک الغایة، فکیف یمکن أن تکون تلک الغایة داخلة فی ذلک الحکم المغیا».

ص: 198

تکملة:

لاینبغی أن یعمّ النزاع بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) لأنّه غیر معقول لاستلزامه اجتماع الضدّین؛ مثلاً فی قوله (علیه السلام): «کُلّ شَی ءٍ طَاهِرٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِر»((2)) فإنّه یلزم من دخول الغایة فی حکم المغیی أن یکون معلوم النجاسة داخلاً فی حکم الطهارة و معنی ذلک اجتماع الطهارة و النجاسة فی معلوم النجاسة و هذا من اجتماع الضدّین.

و قد أفاد صاحب الکفایة (قدس سره) فی وجه ذلک أنّ المغیی حینئذ (أی حینما کانت الغایة قیداً للحکم) هو نفس الحکم، لا المحکوم به لیصحّ أن ینازع فی دخول الغایة فی حکم المغیی.

ص: 199


1- . کفایة الأصول ص208: و التحقیق أنّه إذا کانت الغایة بحسب القواعد العربیة قیداً للحکم کما فی قوله: "کل شی ء حلال حتی تعرف أنّه حرام" و "کل شی ء طاهر حتی تعلم أنّه قذر" کانت دالّة علی ارتفاعه عند حصولها لانسباق ذلک منها کما لایخفی و کونه قضیة تقییده بها و إلّا لما کان ما جعل غایة له بغایة و هو واضح إلی النهایة و أمّا إذا کانت بحسبها قیداً للموضوع مثل: "سر من البصرة إلی الکوفة" فحالها حال الوصف فی عدم الدلالة و إن کان تحدیده بها بملاحظة حکمه و تعلّق الطلب به و قضیته لیس إلّا عدم الحکم فیها إلّا بالمغیا من دون دلالة لها أصلاً علی انتفاء سنخه عن غیره لعدم ثبوت وضع لذلک و عدم قرینة ملازمة لها و لو غالباً دلّت علی اختصاص الحکم به و فائدة التحدید بها کسائر أنحاء التقیید غیر منحصرة بإفادته کما مر فی الوصف.
2- . المقنع، ص15«...إلّا ما علمت...»؛ المستدرک، ج2، ص582، باب30، ح4.
أما ذکر الأدلّة و مناقشتها
دلیل صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأول:

((1))

و قد أخذ هذا الاستدلال من نجم الأئمة الرضی (قدس سره) .

إنّ الأظهر خروج الغایة عن المغیی بحسب الحکم لأنّ الغایة من حدود المغیی فلاتکون محکومة بحکم المغیی لأنّ الحدّ خارج عن المحدود.

و أمّا دخول الغایة فی المغیی فی بعض الموارد إنّما یکون بمعونة القرائن الخاصّة المحفوفة بالکلام کما فی قولنا «سرت من البصرة إلی الکوفة» و «قرأت الکتاب من أوّله إلی آخره».

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی القول الأول:

((2))

مبدأ الشیء و منتهاه تارةً بمعنی أوّله و آخره و أُخری بمعنی ما یبتدئ من عنده و ما ینتهی عنده الشیء و دخول الأوّلین کخروج الآخرین من الشیء واضح و الکلام فی أنّ مدخول «حتّی» و «إلی» هو المنتهی بالمعنی الأوّل أو بالمعنی الثانی.

ثم اعترض المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی استدلال نجم الأئمة (قدس سره) و صاحب

ص: 200


1- . فی کفایة الأصول، ص209: «الأظهر خروجها، لکونها من حدوده، فلاتکون محکومة بحکمه، و دخوله فیه فی بعض الموارد إنما یکون بالقرینة، وعلیه تکون کما بعدها بالنسبة إلی الخلاف الأول، کما أنّه علی القول الآخر تکون محکومة بالحکم منطوقاً، ثمّ لایخفی أنّ هذا الخلاف لایکاد یعقل جریانه فیما إذا کان قیداً للحکم، فلاتغفل».
2- 2. نهایه الدرایة، ج2، ص439.

الکفایة (قدس سره) (بأنّ الحدّ خارج عن المحدود) بقوله: و کون الحدّ المصطلح خارجاً عن حقیقة الشیء لا یقتضی أن یکون مدخولهما حدّاً اصطلاحیاً.

ثم استظهر صحّة ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره)، (کما أنّه صرّح بذلک أیضاً فقال فی کفایة الأصول:((1)) و الأظهر خروج الغایة عن المغیی) فقال: نعم أکثر الموارد و لعلّه الأظهر کون مدخولهما ما ینتهی عنده الشیء فالغایة خارجة عن المغیی.

و بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً یرجع إلی ذلک حیث ادعی أنّ المتفاهم العرفی هو عدم دخول الغایة فی المغیی. و مما ذکرنا یظهر وجه ضعف سائر الأقوال.

إیراد علی القول الثالث:

إنّ الاستظهار العرفی هو خروج الغایة عن المغیی سواء اتّحدا فی الجنس أم اختلفا.

إیراد علی القول الرابع:

(2)

قد استشکل علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال: إنّه نشأ من الخلط بین مورد استعمال کلمة «حتّی» الجّارة و کلمة «حتّی» العاطفة، فإنّ «حتّی» فی محل البحث هو «حتّی» الجارة و هی التی تکون للغایة و أمّا «حتّی» العاطفة و إن

ص: 201


1- . کفایة الأصول، ص209.
2- . قال المحقّق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج1، ص436: (فصل فی مفهوم الغایة) و قد وقع الکلام فی هذا المقام من جهتین: الأولی من جهة المنطوق و الثانیة من جهة المفهوم أمّا الجهة الأولی فقد اختلفوا فیها من حیث دخول الغایة فی حکم المغیا و عدمه علی أقوال ثالثها التفصیل بین کون الغایة من جنس المغیا و عدمه و رابعها التفصیل بین کون الغایة مدخولة لکلمة إلی و مدخولة لکلمة حتی و هذا التفصیل و إن کان حسناً فی الجملة لأنّ کلمة حتی تستعمل غالباً فی إدخال الفرد الخفی فی موضوع الحکم فتکون الغایة حینئذٍ داخلة فی المغیا لامحالة لکن ذلک لیس بنحو الکلیة و العموم فلابدّ من ملاحظة کل مورد بخصوصه و الحکم فیه بدخول الغایة فی حکم المغیا أو عدمه و لکن قال المحقق الخوئی فی حاشیته: لایخفی أنّ کلمة حتی التی تستعمل لإدراج الفرد الخفی کما فی قولنا مات الناس حتی الأنبیاء لاتدل علی کون ما بعدها غایة بل هی من أداة العطف فاستدلال شیخنا الأستاذ (قدس سره) علی دخول الغایة فی المغیا فیما إذا کانت الغایة مدخولة لکلمة حتی باستعمال هذه الکلمة غالباً لإدراج الفرد الخفی إنّما نشأ من الخلط بین موارد استعمالها عاطفة و موارد استعمالها لإفادة کون مدخولها غایة لما قبلها فلاتغفل.

کانت للغایة فی بعض الأحیان و لکنّه لا خلاف فی دخول ما بعدها بمقتضی العطف فی حکم المعطوف علیه مثل قولنا «مات الناس حتّی الأنبیاء».((1))

إیراد علی القول الخامس:

لایصّح النزاع بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم و أمّا بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للفعل فدخول الغایة فی حکم المغیی ممنوع إلّا فیما قامت القرائن الخاصّة.

ص: 202


1- 1. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص282.

الفصل الرابع: مفهوم الحصر

اشارة

ص: 203

ص: 204

مفهوم الحصر

إنّ للحصر((1)) أدوات مثل کلمة «إلّا» و «إنّما» قد تکلّموا حول دلالتها علی المفهوم.

ص: 205


1- . ما المراد من مفهوم الحصر؟ قوانین الأصول ص188: قانون مفهوم الحصر حجة و المراد به علی ما ذکره جماعة من المحققین هو أن یقدم الوصف علی الموصوف الخاص خبرا له مثل الأمیر زید و الشجاع عمرو فیستفاد منه الحصر لأنّ الترتیب الطبیعی خلافه و العدول عنه إنّما هو لذلک و قد یقال إنّ الأولی تعمیم المبحث فی کل ما قدم و کان حقه التأخیر علی ما ذکره علماء المعانی و فیه إشکال لتعدد الفایدة مثل الاهتمام بالذکر أو التلذذ أو غیر ذلک فلابدّ إمّا من دعوی التبادر و هو غیر مسلّم فی الجمیع أو ذکر دلیل آخر و سیجیء الدلیل فی خصوص ما نحن فیه. هدایة المسترشدین ج2، ص568 – 569: و إنّما وقع الکلام هنا فی بعض الأمور المفیدة له، و هو أمر آخر مرجعه اللغة و العرف، و یعرف الحال فی ما اشتبه من ذلک بالرجوع إلی کتب العربیة. فدلالة الحصر علی معنی الانتفاء عند الانتفاء و إن کانت من الأمور البدیهیة إلّا أنّ الحال فی ذلک یختلف باختلاف أدلة الحصر وضوحا و خفاء، فقد یکون باعتباره أضعف من أکثر المفاهیم، و قد یکون أقوی. و الذی تداول علی ألسنة القوم منها فی المقام تقدیم الوصف العام المعرف بالإضافة، أو اللام علی الموصوف الخاص، کقولک: العالم زید، و صدیقی عمرو، فقد اشتهر فی کلامهم التعبیر عن مدلوله بمفهوم الحصر. الفصول الغرویة ص155: و أمّا مفهوم الحصر و المراد به القصر المستفاد من تأخیر الموصوف عن الوصف حملا له علی الوصف نحو صدیقی زید و العالم عمرو حیث لا عهد و قد یطلق مفهوم الحصر علی ما یعم الأقسام المذکورة و غیرها فقد اختلفوا فی إثباته و نفیه و ربما یظهر من تمثیلهم بما ذکر اختصاص البحث بالوصف المحلی باللام و المعرف بالإضافة و منهم من عمم البحث فی تقدیم کل ما حقه التأخیر و الحق أنّ حمل الوصف المحلی أو الحمل علیه ظاهر فی التخصیص مطلقاً و أمّا ما سواه فلا ظهور له فیه علی الإطلاق بل یختلف باختلاف الموارد و المقامات. و ممن قال بحجیته الشهید ففی مقدمة ذکری الشیعة ج1، ص19: غایة المراد فی شرح الإرشاد فی الفقه... و فی أصول الفقه، فقد احتوی الکتاب علی العدید من آرائه، نذکر منها:... مفهوم الحصر حجة. و فی مدارک الأحکام ج1 ص353: و عن الخبر بأنّ دلالته من باب مفهوم الخطاب، و هو ضعیف. و فی هذا نظر، إذ الظاهر أنّ دلالته من باب مفهوم الحصر، و هو حجة. و فی زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص153: و اختلف فی"إنّما" و نحو: "العالم زید" و الأظهر حجیتهما .

أما کلمة «إلاّ»

اشارة

ففیها ثلاثة مطالب:

المطلب الأوّل: دلالتها علی المفهوم

إنّ هذه الکلمة قد تستعمل بمعنی الاستثناء و حینئذ صرّح الأعلام بدلالتها علی المفهوم لأنّها تدلّ علی انتفاء الحکم المذکور للمستثنی منه عن المستثنی و نتیجة الاستثناء من الإثبات هو النفی کما أنّ نتیجة الاستثناء من النفی هو الإثبات و لم یخالف فی ذلک إلّا أبو حنفیة و هو لایعتنی به.

و قد تستعمل بمعنی «غیر» فهی حینئذ وصفیة و دلالتها علی المفهوم متوقّفة

ص: 206

علی مفهوم الوصف و لذا صرّح صاحب الکفایة و المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) ((2)) بعدم دلالتها علی المفهوم و لکن قد تقدّم دلالتها علیه فی مفهوم الوصف.

(قال المحقّق الخوئی (قدس سره): إنّ المعنی الظاهر عرفاً من کلمة «إلّا» هو معنی الاستثناء).

فالحقّ هو أنّ کلمة «إلّا» تدلّ علی المفهوم بکلا المعنیین.

المطلب الثانی:

قد اختلفوا فی أنّ دلالة الاستثناء علی ذلک دلالة مفهومیة أم منطوقیة و لکن تعیین ذلک لایکاد یفید کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) و الظاهر کونها دلالة مفهومیة.

ص: 207


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص283 و فی طبع آخر ج1، ص438: کلمة إلّا فهی قد تستعمل وصفیة و قد تستعمل استثنائیة أمّا إذا استعملت وصفیة فهی لاتفید إلّا تقیید المفهوم الأفرادی نظیر بقیة الأوصاف المذکورة فی الکلام و قد مرّ أنّ تقیید المفهوم الأفرادی لایدلّ علی المفهوم و أمّا إذا استعملت استثنائیة فهی لامحالة تدلّ علی المفهوم و علی نفی الحکم السابق الثابت للمستثنی منه عن المستثنی لأنّ الاستثناء لایکون إلّا عن الجملة فتفید ثبوت نقیض الحکم المذکور فی القضیة للمستثنی؛ و فی الفوائد، ج2، ص505.
2- 2. المحاضرات، ط.ج. ج4، ص286.
3- . کفایة الأصول، ص211: ثمّ إنّ الظاهر أنّ دلالة الاستثناء علی الحکم فی طرف المستثنی بالمفهوم و أنّه لازم خصوصیة الحکم فی جانب المستثنی منه التی دلّت علیها الجملة الاستثنائیة نعم لو کانت الدلالة فی طرفه بنفس الاستثناء لا بتلک الجملة کانت بالمنطوق کما هو لیس ببعید و إن کان تعیین ذلک لایکاد یفید.
المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟

قد استشکل فی کلمه «لا إله إلّا الله» من جهة الخبر حیث إنّه إن کان الخبر «ممکن» فیدلّ علی إمکان ذاته تعالی و إن کان الخبر «موجود» فلایفید نفی الإمکان عن شریک الباری حیث إنّ نفی الوجود أعم من نفی الإمکان.

و الجواب هو أنّ الخبر «ممکن» بالإمکان العامّ و الإمکان العامّ فی الواجب تعالی لاینافی ضرورة الوجود و أیضاً یمکن أن یجعل الخبر «موجود»((1)).

ص: 208


1- . هنا أجوبة مختلفة نذکر منها ثمانیة: الجواب الأوّل: عدم الاحتیاج إلی تقدیر خبر مطارح الأنظار، ص187 ثمّ إنّهم اختلفوا فی الکلمة الطیبة التوحیدیة بین من یقول باستغناء لا عن الخبر کما ذهب إلیه التمیمیون و بین من یقول بأنّ الخیر موجود أو ممکن و الأظهر الأوّل و تحقیقه أنّ الوجود کما قد یؤخذ محمولاً و قد یؤخذ رابطة فکذلک العدم قد یکون محمولاً کقولک زید معدوم و قد یکون رابطة کقولک لیس زید قائماً و الثانی یحتاج إلی الطرفین لامتناع تحقّق الرابط بدونهما و الأوّل لایحتاج إلیهما فالعدم المستفاد من کلمة لا علی طریقة التمیمیین عدم محمول و لایحتاج إلی تقدیر خبر و المعنی نفی عنوان الإلهیة مطلقاً إلّا فی الله کما فی قولک لا مال و لا أهل فإنّه یراد منه انتفی المال و الأهل و هذا المعنی لایحتاج إلی خبر لتمام الکلام بدونه. راجع فوائد الأصول ج1 - 2، ص509؛ غایةالمسئول، ص252؛ زبدة الأصول ج2، ص285. الجواب الثانی: المراد بإله واجب الوجود أو المعبود بالحق و الخبر المقدر موجود. راجع غایةالمسئول، ص253. الجواب الثالث: الخبر المقدر موجود و کفایة الإقرار بعدم وجود مبدأ سوی الله. راجع نهایة النهایة ج1، ص271؛ المحکم فی أصول الفقه ج1، ص606. الجواب الرابع: المراد بإله الخالق نهایة الدرایة ج1، ص628 وأمّا ما یقال من أنّ الإله بمعنی الخالق، وأنّه تعالی حیث إنّه الخالق لما عداه دون غیره فعلاً یلزم أن لایکون لغیره الخالقیة إمکاناً أیضاً لأنّ المخلوق لایمکن أن یکون خالقا، فغیر وجیه فإنّ الکلام هنا فی أنّ نفی الفعلیة یلازم نفی الإمکان أم لا ؟ وأمّا نفی الإمکان من جهة التضائف بین الخالقیة والمخلوقیة وأنّه تعالی إذا کان خالقاً فغیره مخلوق له والمخلوق لایمکن أن یکون خالقاً فهو أجنبی عمّا نحن فیه فإنّ العبارة مرکبة من عقد سلبی، و هو نفی الخالقیة عن غیره تعالی، و من عقد إیجابی، وهو إثبات الخالقیة له تعالی، وأمّا إثبات مخلوقیة غیره تعالی فهو خارج عن العبارة، وعلیه فنفی الخالقیة فعلاً لایکون دلیلاً علی نفیها إمکاناً إذ المفروض أنّها لم تکن فکانت فلتکن فی غیره تعالی کذلک. نعم الخالقیة بمعنی المبدئیة الذاتیة الراجعة إلی تخصص المعلول فی مرتبة ذات علته فنفی الفعلیة یستلزم نفی الإمکان لأنّ الذات الواحدة بما هی إذا لم تکن بالفعل کک فیمتنع أن ینقلب عمّا هی علیه هذا. راجع زبدة الأصول ج2، ص284 – 286. الجواب الخامس: المراد بإله واجب الوجود و الخبر المقدر موجود أو ممکن راجع فوائد الأصول ج1 - 2، ص509 – 510؛ أجود التقریرات، ج1، ص439؛ محاضرات فی أصول الفقه ج5، ص147 – 148؛ تحریرات فی الأصول ج5، ص174 – 178؛ زبدة الأصول ج2، ص284 – 286. الجواب السادس: المراد بإله المعبود بالحق نهایة الدرایة ج1، ص629 - 630: الظاهر أنّ المراد من الإله هو المعبود من "أله" بمعنی عبد فهو بمعنی المصدر المبنی للمفعول، وأنّ التوحید المراد لیس التوحید فی وجوب الوجود ولا فی الصانعیة والخالقیة بل فی المعبودیة فی قبال المشرکین فی العبادة فإنّ مشرکی العرب کانوا عبدة الأصنام لا أنّهم کانوا یعتقدون وجوب وجودها أو خالقیتها وعلیه. فنقول إذا أرید المعبودیة التی هی من الصفات الفعلیة المضائفة للعابدیة فنفی الفعلیة لایستلزم نفی الإمکان کما عرفت فی الخالقیة فکما لم تکن فیه تعالی فکانت فلیکن فی غیره تعالی کک وتقیید المعبود بکونه حقاً لایفید إذ مع عدم العبادة لیس هناک معبود بالحق حقیقة لتقومه من حیث التضائف بالعابدیة فکما أنّ نفی الفعلیة فیه تعالی لایکشف عن عدم الإمکان فکذلک فی غیره تعالی. نعم الإله بمعنی المستحق للعبادة وإن لم یعبد بالفعل راجع إلی الصفات الذاتیة الراجعة إلی نفس الذات فإنّ استحقاق العبادة من أجل المبدئیة و الفیاضیة فیستحق العلة انقیاد المعلول لها، وتخضعه لها فنفی فعلیة هذا المعنی فی غیره تعالی لعدم کونه بذاته مبدء مقتضیاً لذلک، ویستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه . راجع زبدة الأصول ج2، ص285 – 286؛ تحریرات فی الأصول ج5، ص176.

ص: 209

أما کلمة «إنّما»

فإنّها غالباً تستعمل فی قصر الصفة علی الموصوف مثل «إنّما القدرة لله تعالی» و حینئذ تدلّ علی انتفاء القدرة عن غیره تعالی و قد تستعمل للمبالغة و التجوّز مثل «إنّما زید عالم» مع أنّ له صفات أُخری غیر العلم و حینئذ لاتدلّ علی الحصر الحقیقی((1)).

ص: 210


1- . راجع شرح الرضی (686) علی الکافیة ج1، ص195 – 196. إنّ المشهور عند النحاة و الأصولیین أنّ معنی: إنّما ضرب زید عمراً: ما ضرب زید إلّا عمراً فإن قدمت المفعول علی هذا، انعکس الحصر، کما ذکرنا فی: ما ضرب زید إلّا عمراً. قد خالف بعض الأصولیین فی إفادته الحصر، استدلالاً بنحو قوله (صلی الله علیه و آله): «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّیات»، و " إنّما الولاء للمعتق". و أجیب بأنّ المراد فی الخبرین: التأکید، فکأنّه لیس عمل إلّا بالنیة، و لیس الولاء إلّا بالعتق، کقوله (صلی الله علیه و آله): «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِی الْمَسْجِد». راجع مختصر المعانی ص120 – 122؛ تاج العروس ج18، ص32. و قال مفاتیح الأصول، ص105: «اختلف القوم فی إفادة إنّما الحصر علی أقوال: الأوّل أنّها لاتفید الحصر بل تفید تأکید الإثبات و هو للمحکی عن الآمدی و أبی حیان و النحویین الثانی أنّها مشترکة لفظاً و هو لظاهر الفیومی فی المصباح المنیر الثالث أنّها تفید الحصر و هو للشیخ فی التهذیب و الفاضلین فی المعارج و التهذیب و النهایة و المبادی و الطّبرسی فی مجمع البیان و نجم الأئمة فی شرح الکافیة و الطریحی فی مجمع البحرین و السّید عمید الدّین فی المنیة و الرازی فی المعالم و البیضاوی فی المنهاج و السکاکی فی المفتاح و القزوینی فی الإیضاح و غیرهم و حکی عن الجوهری و الفیروزآبادی و بالجملة هذا هو المشهور و لهم وجوه» إلخ. و راجع هدایة المسترشدین ج2، ص578؛ مختلف الشیعة ج7، ص182؛ منتهی المطلب (ط.ج) ج2، ص25؛ النافع یوم الحشر، الفاضل المقداد (826) – ص108؛ زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص153؛ کتاب الأربعین، محمد طاهر القمی الشیرازی (1098)، ص106 - 107؛ کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31؛ نیل الأوطار، الشوکانی (1250)، ج1، ص162؛ العناوین الفقهیة، الحسینی المراغی (1250)، ج2، ص88؛ فوائد الأصول (1355) ج1 - 2، ص510؛ نهایة الأفکار (1361) ج2، ص502؛ وسیلة الوصول (1365) ص361؛ مجمع الفرائد، الشیخ علی الکاشانی (1374)، ص47؛ منتهی الأصول (1379) ج1، ص441؛ أصول الفقه (1388) ج1، ص179؛ أضواء البیان، الشنقیطی (1393)، ج2، ص169؛ دروس فی علم الأصول ج2، ص112؛ محاضرات ج5، ص140 – 141؛ کتاب الصلاة، السید الخوئی، ج8، ص118؛ کتاب الطهارة، السید الخوئی، ج7، ص270. هدایة المسترشدین ج2، ص568: وعبروا عن الحصر بإنّما بمفهوم إنّما، واختلفوا فی حجیته وعدمها، أی فی إثباته ونفیه علی أقوال: ... وعن الحنفیة والقاضی أبی بکر وجماعة من المتکلمین نفیه. وعن بعضهم التوقف فیه. و قال فی مغنی اللبیب (761) ج1، ص39 – 40 ص308 – 309: «وزعم جماعة من الأصولیین والبیانیین أن» ما «الکافة التی مع إن نافیة، وأنّ ذلک سبب إفادتها للحصر» ثمّ ردّ هذا الزعم. راجع تعلیقة مستند الشیعة ج2، ص235؛ مطارح الأنظار، ص188؛ درر الفوائد ج1، ص208؛ حواشی المشکینی، ج2، ص335؛ تحریرات فی الأصول، ج5، ص184 – 185؛ خلل الصلاة وأحکامها، الشیخ مرتضی الحائری، ص303؛ الوافیة، ص231– 232؛ غایةالمسئول، ص354.

و اختلف أیضاً فی أنّ دلالتها بالمفهوم أو بالمنطوق (کما صرّح به المحقّق النائینی (قدس سره) ((1))) و لایکاد یفید البحث عنه و مخالفة الفخر الرازی و إنکاره لدلالة «إنّما» علی الحصر ذیل آیة (إِنَّما وَلِیکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ)((2)) لیس إلّا من باب مکابرة الحقّ((3)).

ص: 211


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص183 و فی طبع آخر ج1، ص438: لایخفی أنّ ما کان من أدوات الحصر دالّاً علی ثبوت شی ء لشی ء و نفیه عن غیره بنفس اللفظ کما هو الحال فی کلمة إنّما فهو خارج عن محل الکلام و داخل فی الدلالات المنطوقیة و قال فی الفوائد: ثمّ إنّه لا إشکال فی إفادة کلمة «إنّما» الحصر، کإفادة الاستثناء له، إمّا: لأنّه بمعنی ما و إلّا، و إمّا: لأنّها مرکبة من کلمة «إنّ» التی للتحقیق و إثبات الشی ء و کلمة «ما» التی لنفی الشی ء، و النّفی یرد علی تالی إنّما، و الإثبات علی الجزء الآخر.
2- 2. سورة المائدة(5): 55.
3- . تفسیر الرازی ج12، ص30. أمّا الوجه الذی عولوا علیه وهو أنّ الولایة المذکورة فی الآیة غیر عامة، والولایة بمعنی النصرة عامة، فجوابه من وجهین: الأوّل: لانسلم أنّ الولایة المذکورة فی الآیة غیر عامة، ولا نسلم أنّ کلمة «إنّما» للحصر، والدلیل علیه قوله (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ)(یونس:24) ولا شک أنّ الحیاة الدنیا لها أمثال أخری سوی هذا المثل، وقال (إِنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)(محمد:36). ولا شک أنّ اللعب واللهو قد یحصل فی غیرها. و أجاب عنه فی المحاضرات ج5، ص141 – 144 فقال: «ثمّ إنّ العجب من الفخر الرازی حیث أنکر دلالة کلمة "إنّما" علی الحصر وقد صرح بذلک فی تفسیر قوله تعالی (إِنَّمَا وَلِیکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَیؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ)(المائدة:55). ... والجواب عنه أولا بالنقض بقوله تعالی: (وَمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)(الأنعام:32). و قوله: سبحانه (وَمَا هَذِهِ الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)(العنکبوت:64). حیث لا شبهة فی إفادة کلمة «إلّا» الحصر ولاینکرها أحد فیما نعلم إلّا أبی حنیفة، فإذن ما هو جواب الفخر الرازی عن هاتین الآیتین، ... وثانیاً بالحل. بیان ذلک: أنّ الحیاة مرّة تضاف إلی الدنیا. وأخری تکون الدنیا صفة لها أمّا علی الأوّل فالمراد منها حیاة هذه الدنیا فی مقابل حیاة الآخرة ... وأمّا علی الثانی وهو أن تکون الدنیا صفه للحیاة فالمراد منها الحیاة الدانیة فی مقابل الحیاة العالیة الراقیة، وهی بهذا المعنی تارة تطلق ویراد منها الحیاة فی مقابل الحیاة الأخرویة ... وتارة أخری تطلق ویراد منها الحیاة الدانیة فی هذه الدنیا، فی مقابل الحیاة الراقیة فیها ... وبعد ذلک نقول: إنّ المراد من الحیاة فی الآیة الثانیة هی الحیاة الدانیة فالدنیا صفة لها، وهی تنحصر باللعب واللهو ... ثمّ إنّه ذکر فی مقام تقریب عدم دلالة الآیة الثانیة علی الحصر بان اللعب واللهو قد یحصلان فی غیرها أی غیر الحیاة الدنیا ففیه مضافاً إلی منع ذلک أنّ الآیة فی مقام بیان حصر الحیاة الدنیا بهما، لا فی مقام حصرهما بها» إلخ. و صرّح نفس الرازی فی عشرة مواضع من تفسیره و فی المحصول بإفادة إنّما الحصر: 1. تفسیر الرازی ج5، ص11 – 12؛ 2. ج12، ص179؛ 3. ج13، ص219 – 222؛ 4. ج14، ص66 – 67؛ 5. ج16، ص10؛ 6. ج16، ص104 – 105؛ 7. ج16، ص122؛ 8. ج20، ص130 – 131؛ 9. ج21، ص176 – 177؛ 10. ج22، ص232. 2. المحصول، الرازی، ج1، ص381 – 383: المسألة السادسة لفظة إنّما للحصر خلافاً لبعضهم لنا ثلاثة أوجه أحدها أنّ الشیخ أبا علی الفارسی حکی ذلک فی کتاب الشیرازیات عن النحاة وصوبهم فیه وقولهم حجة وثانیها التمسک بقول الأعشی: ولست بالأکثر منهم حصی وإنّما العزة للکاثر وبقول الفرزدق: أنا الذائد الحامی الذمار وإنّما یدافع عن أحسابهم أنا أو مثلی، ولو لم تحمل إنّما ها هنا علی الحصر لما حصل مقصود الشاعر وثالثها أنّ کلمة إن تقتضی الإثبات وما تقتضی النفی فعند ترکیبها یجب أن یبقی کل واحد منهما علی الأصل لأنّ الأصل عدم التغییر فإمّا أن نقول کلمة إن تقتضی ثبوت عین المذکور وکلمة ما تقتضی نفی المذکور وهذا هو الحصر و هو المراد واحتج المخالف بقوله تعالی (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذَا ذُکِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(الأنفال:2). وأجمعنا علی أن من لیس کذلک فهو مؤمن أیضاً والجواب أنّه محمول علی المبالغة.

ص: 212

ص: 213

ص: 214

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد

ص: 215

ص: 216

مفهوم اللقب و العدد

قد صرّح الأعلام بأنّه لا دلالة للقب((1)) و العدد علی المفهوم. و هذا امر واضح لاسترة علیه فلا ینبغی الخلاف فی هذا الأمر.

ص: 217


1- . قال الشهید الأول (قدس سره) (786): دلیل الخطاب، وهو المسمی بالمفهوم، وأقسامه کثیرة ... أما اللقبی فلیس حجة. [ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة -، ج1، ص53 – 54]. و قال الشهید الثانی (قدس سره) (965): مفهوم اللقب أی تعلیق الحکم بالاسم، طلباً کان أم خبراً، لیس بحجة عند الجمهور، فإذا قال قائل: أکرم زیدا، أو قام زید، أو بعتک هذا العبد، فلایدلّ اللفظ الصادر منه بمفهومه علی نفی ذلک عن غیره، بل یکون مسکوتا عنه، و إن کان منفیاً بالأصل، لأنّه لو دلّ علی ذلک للزم أن یکون قول القائل: محمّد رسول الله، دالّاً علی نفی رسالة غیره من الرسل، و هو کفر. [تمهیدالقواعد، ص117قاعدة «29»]. و قال الشیخ البهائی (قدس سره): ومفهوم اللقب لیس حجة و المخالف نادر [زبدة الأصول، ص153]. و قال الوحید البهبهانی (قدس سره): إنّ المفاهیم کلّها حجة ... إلّا مفهوم الصفة و مفهوم اللقب ... و أمّا مفهوم اللقب فهو أضعف من مفهوم الوصف، إذ لیس فیهما دلالة، لأنّ إثبات الشیء لاینفی ما عدا، و لیس فی الأخیر إشعار أیضاً [الفوائد الحائریة، (1205)، ص184]. و قد أنکروا مفهوم اللقب جمع من الأعلام فی کتبهم، راجع: تجرید الأصول، محمّد مهدی النراقی (1209)، ص219؛ کشف الغطاء (ط.ق)، الشیخ جعفر کاشف الغطاء، ج1، ص31؛ ریاض المسائل، السید علی الطباطبائی، ج12، ص85، ص628؛ مناهج الأحکام، المیرزا القمی، ص761؛ مفاتیح الأصول، ص217؛ هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج2، ص590؛ جواهر الکلام، الشیخ الجواهری، ج12، ص145؛ مطارح الأنظار، ص190. تنبیه: قال السید محمد جواد العاملی: أنّ مفهوم اللقب معتبر إجماعاً فی عبارات الفقهاء و به یثبت الوفاق و الخلاف [مفتاح الکرامة، ج12، ص90]. و أورد علیه الشیخ الأنصاری (قدس سره) و قال: و ما یدعی أنّ مفهوم اللقب معتبر فی کلام الفقهاء، فهو علی إطلاقه خلاف المحسوس، بل التحقیق أنّه قد یفهم منه ذلک بقرینة المقام .[کتاب الصلاة، ج1، ص418]. قال المحقّق النائینی فی الأجود، ج1، ص435: بما أنّ الظاهر فی الأوصاف أن تکون قیوداً للمفاهیم الأفرادیة یکون الأصل فیها عدم الدلالة علی المفهوم کما هو الحال فی اللقب عینا غایة الأمر أنّ الموضوع أو المتعلّق فی اللقب أمر واحد یمکن التعبیر عنه بلفظ واحد بخلافهما فی المقام فإنّه لایمکن التعبیر عنهما غالباً إلّا بلفظین و هذا لایکون فارقا بین الموردین بعد اشتراکهما فی ملاک عدم الدلالة علی المفهوم.

نعم قال بعض الأعلام: إن کان العدد جاء لتحدید المعدود و حصره فی عدد معین فهو یدلّ علی المفهوم و إلّا فلا((1)).

ص: 218


1- .فی مفهوم العدد أقوال ثلاثة: القول بالثبوت، القول بالنفی و القول بالتفصیل. الأوّل: القول بالثبوت الحدائق الناضرة ج12، ص234: مع أنّ جمعا من محققی الأصولیین یذهبون إلی حجیة مفهوم العدد، بل قال شیخنا الشهید الثانی فی تمهیده أنّه مذهب أکثر الأصولیین. ریاض المسائل ج10، ص484: و الدلالة فی الأوّل صریحة، و فی الثانی ظاهرة، من حیث مفهوم العدد الذی هو حجة. مفاتیح الأصول، ص216: الثانی أنّه یدلّ علیه و هو للمحکی عن الشافعی و البلخی و اختاره جدی رحمه الله فی فوائده. مطارح الأنظار، ص191: و حکی القول بالإثبات مطلقاً و لم نعرف قائله و فصل جماعة منهم الآمدی فی ذلک. الثانی: القول بالنفی مسالک الأفهام (965)، ج8 ص375: و مع ذلک لا دلالة فیه علی نفی الزائد عن التسعة إلّا من باب مفهوم العدد، و لیس بحجة . وسائل الشیعة (1104)، ج27، ص238: علی أنّ مفهوم العدد لیس بحجة قوانین الأصول، ص191 – 192: و أمّا مفهوم العدد فمذهب المحقّقین عدم الحجیة هدایة المسترشدین، ج2، ص585: و الحق أنّ تعلیق الحکم علی العدد المعین کتعلیقه علی سائر الألقاب لایدلّ بمجرّده علی حکم غیره من الأعداد إلّا بقرینة تفید ذلک، لأنّ الأعداد المختلفة قد تتفق أحکامها، و قد تختلف، فتعلیق الحکم علی شیء منها لایدلّ علی ثبوته فیما عداه، و لا علی نفیه، فلو دلّ علی شیء من ذلک لکان باعتبار زائد علی مجرد التعلیق، لأن دلالته علی ذلک علی فرض ثبوتها لیست مستندة إلی وضع المفردات، و لا إلی وضع الهیئة الترکیبیة، کما مر بیانه فی مفهوم الوصف، و لذا لایلزم التجوز عند التصریح بخلافه، للقطع بعدم صحة السلب حینئذ، فتکون مستندة إلی أمر زائد، و هو ما ذکرناه مطارح الأنظار، ص191: هدایة الأقوی وفاقا لجمع کثیر من أصحابنا و مخالفینا أنّه لا مفهوم فی العدد بل و ادعی بعضهم وفاق أصحابنا فیه شرح مسلم، النووی (676)، ج11، ص120، ج13، ص88؛ الجوهر النقی، الماردینی (750)، ج3، ص180؛ عمدة القاری، العینی (855)، ج14، ص115، ج18، ص210 الثالث: القول بالتفصیل تجرید الأصول، ص216 – 218: فصل قیل مفهوم العدد حجة تقدم و قوله (صلی الله علیه و آله) لأزیدن علی السبعین و لزوم تحصیل الحاصل لولاه فی مثل خبر الولوغ و خمس رضعات یحرمن و قیل بالمنع لعدم ما یقتضی المخالفة و ظهور السبعین فی المبالغة فالزائد مثله و لعله (صلی الله علیه و آله) علم خروجه هنا من خارج و لو سلم ففهم جوازه من الأصل لا المفهوم و الحق أنّ العدد إن کان علة أفاد المخالفة فی الأقل لزوال المعلول بزوال علته و الموافقة فی الأکثر لاشتماله علی العلة و الزیادة غیر منافیة و إلّا لم یفد النفی عمّا عداه کالإثبات فیه لعدم المقتضی له و اختلافه فیهما باختلاف الموارد إفادة مطلق الاتصاف بالعلیة ممته فإنّ اتصافه ببعض الأحکام لایوجب علیه له و لذا لایتصف به الأقل و الأکثر و القول بأنّ الحکم إن کان حظراً أو کراهة أفاد الإثبات فی الزائد دون الناقص و إن کان غیرهما فبالعکس لیس کلیاً مع أنّه استنباط من القرائن لامن العدد ندائه ثمّ تصفح موارده فی الاحکام یقرّر ما اخترناه. مفاتیح الأصول، ص216: اعلم أنّه اختلف الأصولیون فی أنّ تعلیق الحکم علی عدد نحو اضربه عشرة أسواط و یطهر خمس غسلات هل یدل علی نفیه عن غیره ممّا تقصر عنه أو زاد علیه کما فی التعلیق بکلمة إن أو لا؟ علی قولین: الأوّل أنّه لایدلّ علی نفیه عن غیره ممّا تقصر عنه أو زاد علیه کما فی التعلیق بکلمة إن أو لا علیه و هو للعلامة و المحقق و السید عمید الدین و الشهید الثانی و الآمدی و المحکی عن المرتضی و أبی حنیفة و الرازی و البیضاوی بل حکاه السید عمید الدّین عن المحققین ... للأولین انتفاء الدلالات الثلاث و فیه نظر فإنّ الظاهر عرفاً من اضربه عشرة أسواط و رأیت عشرین رجلاً و یستحب لک خمس صلوات و یباح لک أربع زوجات دائمات نفی الحکم فیها عن غیر محل النطق کما فی التعلیق بإن و لذا یحکم بالتخصیص لو قال بعد قوله أکرم العلماء أکرم عشرین عالما و لذا أیضاً یکذب من قال رأیت أربعین رجلا و قد رأی خمسین نعم إذا قال لایجب علیک ضربه خمسة أسواط لایدلّ علی وجوب ضربه عشرة أسواط و کذا لو قال علی أربعة دراهم لایدلّ علی ثبوت الزائد علیه و بالجملة المقامات الّتی علق الحکم فیها علی العدد مختلفة بحسب العرف فلا یمکن دعوی الکلّیة فی منع الدلالة و ثبوتها بل اللازم الرجوع إلی العرف فی محلّ الشک. هدایة المسترشدین، ج2، ص583؛ هدایة المسترشدین، ج2، ص583 – 584؛ هدایة المسترشدین، ج2، ص584. نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص503: «ومن المفاهیم مفهوم العدد، و الحق فیه أیضاً عدم الدلالة علی المفهوم، إلّا إذا أحرز من الخارج أنّ المتکلم کان فی مقام التحدید، و حیث إنّه لم یکن فی البین قرینة نوعیة عامة علی ذلک فلا جرم یحتاج فی استفادة المفهوم إلی القرائن الخاصة، فلابدّ حینئذٍ من لحاظ الموارد الخاصة و المقامات المخصوصة المقتضیة لذلک، هذا تمام الکلام فی المفهوم و المنطوق». و راجع أیضاً مقالات الأصول، ج1، ص425. الأصول المهذبة ص41: «ومن قبیل ذلک مفهوم العدد فإنّه لا مفهوم لها إلّا ما ورد فی مقام التحدیدات». تتمة فی أقسام المفهوم: فی کشف الغطاء (ط.ق)، الشیخ جعفر کاشف الغطاء، ج1، ص31: «المفاهیم کثیرة کما یظهر من أحوال المخاطبات فی جمیع اللغات و العمل فیها غالباً علی الثمانیة المتقدمة» ثمّ عدّ منها عشرین مورداً. و فی هدایة المسترشدین، الشیخ محمّد تقی الرازی، ج2، ص560:«ولنختم الکلام فی باب المفاهیم بذکر ما أهمله المصنف (رحمه الله) فیها ممّا تداول ذکره فی کتب القوم مع الإشارة إلی غیره، و کان اقتصاره علی المفاهیم الثلاثة [مفهوم الشرط و الغایة و الصفة] و ترک التعرض للباقی، لظهور الحکم فی بعضها بالنفی أو الإثبات و رجوع بعضها إلی المنطوق» ثمّ ذکر جمیع ما فی کشف الغطاء إلّا مفهوم البدایة و زاد علیها خمسة موارد. و نحن نورد ما فی کشف الغطاء و نکمّله بما فی هدایة المسترشدین مع ذکر صفحة الهدایة: الأوّل: مفهوم الشرط؛ الثانی: مفهوم البدایة؛ الثالث: مفهوم الغایة؛ الرابع: مفهوم الحصر (ص 566)؛ الخامس: مفهوم الأولویة (ص599 و أمّا مفهوم الموافقة بقسمیه المذکورین سابقاً من فحوی الخطاب و لحن الخطاب فقد مرت الإشارة إلیه)؛ السادس: مفهوم العلة (ص 593 و منها مفهوم العلة، فکل ما دل علی العلیة من اسم أو حرف أو غیرهما کلفظ " العلة " و " السبب " أو " لام التعلیل " أو التعلیق علی الوصف فی بعض المقامات أو غیر ذلک یدلّ علی ثبوت الحکم فی غیر الموضوع المذکور عند ثبوت العلة فیه و انتفائه عنه عند انتفائه، لدوران الحکم مدار علته وجوداً و عدماً و عن الغزالی إنکار دلالته علی انتفاء الحکم بانتفائه)؛ السابع: مفهوم التلازم (ص 595 منها مفهوم التلازم کما فی قوله (علیه السلام): " إن قصرت أفطرت، و إن أفطرت قصرت ")؛ الثامن: مفهوم الاقتضاء کإیجاب المقدمة و النهی عن الضد العام (ص 596 و منها مفهوم الاقتضاء، کإیجاب المقدمة، و النهی عن الضد العام، و هو غیر ما تقدّم فی أقسام المنطوق من دلالة الاقتضاء)؛ التاسع: مفهوم الصفة؛ العاشر مفهوم العدد زیادة و نقصاً (ص 583)؛ و الحادی عشر و الثانی عشر: مفهوم الزیادة و النقصان فی أی محل کان (ص 596 – 597 و منها مفهوم الزیادة و النقصان، کما لو علق المنع فی النکاح علی الزائد علی الأربع، و فی الصلاة فی التنجس بالدم علی ما یزید علی الدرهم، و الانفعال علی الناقص عن حد الکر إلی غیر ذلک، فإنّ المفهوم منها انتفاء الحکم فی الناقص علی الأوّل، و فی الزائد علی الثانی، و مرجعه إلی الوصف)؛ الثالث عشر: مفهوم اللقب (ص 590 و منها مفهوم اللقب، و المعروف بینهم التعبیر به عن تعلیق الحکم بالاسم)؛ الرابع عشر: مفهوم ترتیب الذکر فی القران أو مطلقاً علی ترتیب الحکم (ص 597 و منها مفهوم ترتیب الذکر فی القرآن أو مطلقا حیث یدلّ علی ترتیب الحکم، فإن استند فی ذلک إلی النص الدال علی وجوب الابتداء بما بدأ الله تعالی به کان من المنطوق، و إلّا فلا دلالة علیه إلّا إذا دلّت القرینة علی استعمال الواو فیه للترتیب ولو علی سبیل المجاز، فیرجع إلی المنطوق أیضاً)؛ الخامس عشر: مفهوم ترک البیان فی موضع البیان کالجمع بین الفاطمیتین (ص 597 و منها مفهوم ترک البیان فی موضع البیان کالجمع بین الفاطمیتین و مثله الحکم فی کل حکم یعمّ البلوی به فتشتد الحاجة إلیه، فترک البیان فی مثله یدلّ علی انتفاء الحکم فیه، و هو الذی یعبر عنه بعدم الدلیل دلیل العدم، و لا ربط لذلک بالمفهوم)؛ السادس عشر: مفهوم التعریض کرب راغب فیک أو انی راغب فی امرأة جمیله تشابهک فی الجمال (ص 597 – 598 و منها مفهوم التعریض الحاصل بإیراد الکلام فی معرض بیان حال المخاطب مثلا: کرب راغب فیک، أو إنی راغب فی امرأة تشابهک فی الجمال، أو قال لخصمه مشیرا إلیه: لست زانیا، و لا أمی زانیة، أو قال لمن أصابه من ناحیته أذیة: " المسلم من سلم المسلمون من یده و لسانه " مشیرا به إلی خصوص المؤذی، إلی غیر ذلک من الألفاظ الدالة من جهة الإشارة و السیاق علی مقصود خاص بطریق الإمالة، من غیر أن یکون ذلک المعنی بخصوصه مأخوذا فی المعنی المراد من نفس اللفظ علی وجه الحقیقة أو المجاز أو الکنایة، فلا یکون اللفظ حینئذ مستقلا فی إفادة المعنی المذکور، و إنّما یفهم من الإشارة به إلی خصوصیة خارجة عن مدلول اللفظ مستندة إلی القرائن الحالیة و المقالیة، و هی غیر محصورة)؛ السابع عشر: مفهوم الاعراض کما إذا عد قوما فاعرض عن ذکر أعظمهم قدرا (ص 598 و منها مفهوم الاعراض کما إذا عد قوما فأعرض عن ذکر أعظمهم قدرا، و ذلک حیث لایکون هناک مانع من ذکره من خوف أو احترام أو نحوهما، و لایکون ترکه لوضوحه و ظهوره فی الذهن و الاستغناء به عن ذکره، فالدلالة فیه إذا ناشئة من جهة السکوت عنه و عدم التعرض له فی مقام البیان، لا من نفس اللفظ، کما فی محل المسألة)؛ و الثامن عشر: مفهوم الجمع کمفهوم الندب أو الکراهة مثلا عند تعارض الأدلة (ص 598 و منها مفهوم الجمع، کما قد یفهم الندب و الکراهة - مثلا - عند تعارض الأدلة. و فیه: أنّ فهم المعنی المذکور إمّا من جهة کون أحد الدلیلین قرینة علی ما هو المراد من الآخر، أو من باب ترجیح أحد المتعارضین لقوة الدلالة فیه أو غیرها، و لیس ذلک من المفهوم فی شیء)؛ و التاسع عشر: مفهوم تغیر الأسلوب فی الدلالة علی تبدل الحکم (ص 599)؛ و العشرون: مفهوم النکات البیانیة و البدیعیة و یتبعها التقیید و التلویح و الإشارة و التلمیح و تتبع الموارد و السکوت و المکان و الزمان و الجهة و الوضع و الحال و التمیز و نحوها وربما رجعت إلی الأدلة (ص599) والمعیار فی الجمیع علی حصول الفهم المعتبر عند أرباب النظر و علیک بإفادة الفکر فی هذا المقام فإنّه من مزال الأقدام و إلیک ما فی الهدایة من الزیادة: ص 560 منها مفهوم الاستثناء بکل ما دل علیه من الأسماء أو الحروف؛ ص 582 و منها مفهوم الاختصاص و التوقیت و التحدید و البیان حیث لایکون فی محل النطق، و هی قریبة من معنی الحصر، بل راجعة إلیه فی الحقیقة؛ ص 589 و منها مفهوم المقدار و المسافة، فإذا علق الحکم علی مقدار معین بحسب الکیل أو الوزن أو المساحة أو غیرها فهل یدل علی انتفائه فیما دونها أو ما فوقها ؟ الظاهر جریان الحکم السابق فی العدد فیه أیضا فإنه أیضا من الکم، و إنّما الفرق بینهما: أنّ ذلک کم منفصل، و هذا کم متصل فلا فرق بینهما؛ ص 589 و منها مفهوم الزمان و المکان، فإذا قید الحکم أو النسبة فی الإنشاءات و الإخبار بأحدهما فهل یدل علی انتفائه فی غیرهما ؟ یختلف الحال فی ذلک أیضا باختلاف المقامات؛ ص 598 – 599 و منها مفهوم تعارض الأدلة حیث یبنی علی التخییر أو الترجیح، و لیس شیء منهما من المفهوم فضلا عن حکم التساقط.

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

ص: 223

ص: 224

البحث الرابع: العامّ و الخاصّ

اشارة

فیه اثنا عشر فصلاً

الفصل الأول: تعریف العام و تقسیمه

الفصل الثانی: ألفاظ العموم

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص

الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم

الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ

ص: 225

ص: 226

الفصل الأول: تعریف العام و أقسامه

اشارة

ص: 227

ص: 228

تعریف العام و أقسامه

أما تعریف العامّ

اشارة

فإنّ الأقوال المهمّة فی تعریف العام ثمانیة:((1))

التعریف الأوّل:

إنّ أبا الحسین البصری((2)) قال: إنّه اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له((3)).

ص: 229


1- . قال النائینی (قدس سره) فی الفوائد: بعد ما عرفت من انّ معنی العموم هو الشمول اللّفظی، فلاحاجة إلی اتعاب النّفس و تعریف العموم بما لایسلم عن إشکال عدم الاطراد و الانعکاس، فإنّ مفهوم العموم أجلی و أوضح من أن یحتاج إلی التعریف.
2- . أبو الحسین البصری: شیخ المعتزلة، و صاحب التصانیف الکلامیة، أبو الحسین، محمد ابن علی بن الطیب، البصری ... توفی ببغداد فی ربیع الآخر سنة ست و ثلاثین و أربع مئة و قد شاخ ... و له کتاب " المعتمد فی أصول الفقه. [سیر أعلام النبلاء، الذهبی، ج17، ص587 – 588]
3- . رسائل المرتضی، الشریف المرتضی (436)، ج2، ص277: العام و العموم: کل کلام وضع لاستغراق جمیع ما یصلح له. معارج الأصول، المحقق الحلی (676)، ص79 – 81: العام هو المستغرق لجمیع ما یصلح له إذا أفاد فی الکل فائدة واحدة. مبادئ الوصول، العلامة الحلی (726)، ص120: العام: هو اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له بحسب وضع واحد. إیضاح الفوائد، ابن العلامة (770)، ج2 - شرح ص404: العام هو اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له بحسب وضع واحد. ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة، الشهید الأول (786)، ج1، ص46: عام، و هو: اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له بوضع واحد. جامع المقاصد، المحقق الکرکی (940)، ج9 - شرح ص109: إنّ تعریف العموم منزل علی مذاهب القوم فی جواز استعمال المشترک فی معنییه بطریق الحقیقة، فمن جوزه اکتفی فی تعریف العام بأنّه اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له، و من منع زاد فیه بوضع واحد لیخرج المشترک، و حینئذ فلا فرق بین المفرد و الجمع. و کذا فی مسالک الأفهام، الشهید الثانی (965)، ج5، ص390؛ و قد أورد المحقق التقی (قدس سره) علیه بوجوه. راجع هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص144 – 146.
التعریف الثانی:

إنّ الغزالی قال: إنّه اللفظ الواحد الدالّ علی شیئین فصاعداً من جهة واحدة((1)).

ص: 230


1- . المستصفی، الغزالی، ص224 تجرید الأصول، محمد مهدی النراقی، ص161: و قیل اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة علی شیئین فصاعدا و ینتقضان طردا بالجمع المنکر و المثنی و الأخیر عکسا بالممتنع و الموصول. هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص146 – 148: ثانیها: ما حکی عن الغزالی من " أنّه اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة علی شیئین فصاعدا " ... و یرد علیه أیضا أمور [خمسة]: منها: أنّه یخرج عنه الجمع المضاف و الموصول بل الجمع المحلی باللام أیضا، إذ لیس شیء منها لفظا واحدا، و أیضا فقوله من جهة واحدة مغن عن ذلک فإنّ الدلالة هناک من جهة وضعین أو أوضاع متعددة فلا حاجة إلی التقیید به. و قد یذب عن الأول ... و قد یجاب أیضا ... و فیه: ... و عن الثانی بأنّ إغناء القید الآخر عن الأول غیر مستنکر فی التعریفات و إنّما المرغوب عنه عکسه. و منها: أنّه ینتقض بالمثنی و المجموع لدلالة الأول علی شیئین و الثانی علی أزید منها مع عدم اندراجها فی العام. و قد یذب عن الانتقاض بالمثنی ... و أنت خبیر: بأنّه مع حمل العبارة علی ذلک لا وجه للتعبیر المذکور ... و عن الانتقاض بالجمع: أنّه یقول بعموم الجمع المنکر و فیه إلخ و منها: أنّه یندرج فیه أسماء العدد کعشرة و نحوها إلّا أن یلتزم أیضاً بعمومها . و منها: أنّه یندرج فیه العمومات المخصصة مع عدم اندراجها فی العام. و منها: أنّه ینتقض بنحو قولک " کل مستحیل و کل معدوم " فإنّ کلا منهما عام شامل لأفراده، مع أنّ مدلوله لیس شیئا إذ الشیئیة تساوق الوجود. و یدفعه: أن إلخ.
التعریف الثالث:

قال المحقّق (قدس سره) فی المعارج: إنّ العامّ اللفظ الدالّ علی اثنین فصاعداً من غیر حصر.((1))

التعریف الرابع:

قال العلّامة (قدس سره) فی النهایة:((2)) إنّ العامّ اللفظ الواحد المتبادل بالفعل لما هو صالح له بالقوة مع تعدد موارده.((3))

ص: 231


1- . المعتبر، المحقق الحلی، ج1، ص28: و الظاهر أنواع ... الرابع: (العام) الدال علی اثنین فصاعداً من غیر حصر، فإنّه فی دلالته علی استیعاب الأشخاص ظاهر لا قاطع. وصول الأخیار إلی أصول الأخبار، والد البهائی العاملی، ص89: و منه (العام) و هو اللفظ الدال علی اثنین فصاعدا من غیر حصر، فإنّ دلالته علی استیعاب الأفراد ظاهر لا قاطع . هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص150: رابعها: ما اختاره المحقّق فی المعارج من " أنّه اللفظ الدال علی اثنین فصاعدا من غیر حصر " و ینتقض بالمثنی و الجمع المنکر، إلّا أن یراد به الدلالة علی ما یزید علی الاثنین فحینئذ یخرج عنه المثنی... و ینتقض أیضا بلفظ الکثیر و نظائره لدلالتها علی الکثرة من غیر حصر، و بالعام المخصوص کأکرم العلماء إلّا زیدا .
2- . نهایة الوصول إلی علم الأصول، ج 2، ص114.
3- . تجرید الأصول، محمد مهدی النراقی، ص161: قیل اللفظ الواحد المتناول بالفعل لما هو صالح له بالقوة و زید مع تعدد موارده لیخرج ما له فرد واحد و نقض عکسه بالجمع المضاف و أسماء الشرط و الموصول و دفعه بأدنی غایة ممکن زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص125: العلامة: هو اللفظ الواحد المتناول بالفعل لما هو صالح [ له] بالقوة مع تعدد موارده، و یرد سبق الصلوح العموم مع انتقاض عکسه بالأطفال و علماء البلد و الموصولات کالذی یأتی، و بأسماء الشرط ک "مهما تأکل" لتناولها قوة ما لایتناوله فعلا، و یمکن توجیهه بتکلف . هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص150 – 151: خامسها: ما ذکره العلامة فی النهایة من " أنّه اللفظ الواحد المتناول بالفعل لما هو صالح له بالقوة مع تعدد موارده " و احترز بالواحد عن الجملة، و بالمتناول بالفعل عن النکرة، لصلاحیتها بالقوة لجمیع الآحاد لکنها غیر متناول لها فعلا، و باعتبار التعدد فی موارده عما له معنی واحد - کالأعلام الشخصیة ... و قد یورد علی الحد المذکور أمور [أربعة]: أحدها: أنّ الفعلیة تقابل القوة فلا یجتمعان فکیف یقید حصول أحدهما بحصول الآخر. و یدفعه ... نعم یرد علیه: أنّه إنّما یشمل الألفاظ التی یطرؤها العموم بسبب أدواته، و أمّا ما یفید العموم وضعا - کأسماء الاستفهام و المجازات - فلا یندرج فیه إلخ. ثانیها: أنّه ینتقض بالأطفال، إذ لیس متناولاً بالفعل لما هو صالح له بالقوة من المشایخ و کذا الحال فی العلماء و السلاطین و فی غیرهما. و یدفعه إلخ. ثالثها: أنّه ینتقض بالعشرة و نحوها من أسماء العدد إن أرید مفاهیمها. و یدفعه إلخ. رابعها: أنّه إن أرید بموارده الجزئیات المندرجة تحته انتقض بالجمع المحلی، فإنّه إنّما یتناول أجزاءه دون جزئیاته من مراتب الجموع. و إن أرید ما یعم ذلک و الأجزاء اندرج فیه أسماء الأعداد، فإنّها و إن لم یتناول جزئیاتها إلّا أنّها متناولة فعلا لما یصلح له من أجزائها. و یمکن دفعه بما سیجیء الإشارة إلیه .
التعریف الخامس:

إنّ الشیخ البهائی (قدس سره) قال: إنّه اللفظ الموضوع لاستغراق أجزائه و جزئیاته((1)).

ص: 232


1- . زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص125: و لا یبعد أن یقال: هو اللفظ الموضوع للدلالة علی استغراق أجزائه أو جزئیاته. قوانین الأصول، المیرزا القمی، ص192 – 193: فالعام هو اللفظ الموضوع للدلالة علی استغراق أجزائه أو جزئیاته کما عرفه شیخنا البهائی رحمه الله . هدایة المسترشدین، الشیخ محمّد تقی الرازی، ج3، ص151: سادسها: ما اختاره شیخنا البهائی من " أنّه اللفظ الموضوع لاستغراق أجزائه أو جزئیاته " . ویرد علیه تارة: أنّ عدة من ألفاظ العموم لیست موضوعة لاستغراق أجزائها أو جزئیاتها و إنّما یفید العموم ظهورا أو من جهة الالتزام کما هو الحال فی الجمع المحلی باللام و النکرة فی سیاق النفی - حسب ما یأتی الکلام فیها إن شاء الله- و تارة: أنّهم عدوا لفظة کل من ألفاظ العموم و لیس کل من الجزئیات جزءً من الکل الاستغراقی و لا جزئیاً له، ولو جعل لفظة کل أداة للعموم وعد مدخوله عاما فهو خارج عن الحد أیضا لعدم وضعه للاستغراق. و أخری: أنّه یندرج فیه العام المخصوص و المستعمل فی غیر العموم من جهة المبالغة و غیرها لصدق الحد علیه مع عدم اندراجه إذن فی العام هذا.
التعریف السادس:

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) قال: إنّه ما استغرق جمیع جزئیات مفهومه لفظاً.((1))

التعریف السابع:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عرّفه بشمول المفهوم لجمیع ما یصلح أن ینطبق علیه.((2))

ص: 233


1- . الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، الشیخ محمد حسین الحائری، ص159. و المختار فی حده أن یقال هو ما استغرق جمیع جزئیات مفهومه وضعا و المراد بالموصولة ما یتناول المفرد و المرکب فدخل نحو کل رجل إذ یصدق علیه أنّه یستغرق جمیع جزئیات مفهوم الرجل المشتمل علیه مفهوم کل رجل و دخل فیه أیضا نحو الرجال لاستغراقه جمیع جزئیات مفهوم الرجل المشتمل علیه مفهوم الجمع المعرف و کذلک النکرة المنفیة و یمکن تخصیص الموصولة بالمفرد نظرا إلی أنّ العموم هناک لیس صفة للکل بل للجز المقید أعنی الرجل المضاف إلیه الکل و النکرة المنفیة و هذا أقرب إلی الاعتبار و المراد بالمفهوم ما یعم المفهوم المعتبر مطلقا و المعتبر مقیدا فدخل الجمع المعرف لتناوله جزئیات مفهوم المطلق أعنی المجرد عن اعتبار التقیید بوصف الجمعیة و إن اعتبر مقیدا بغیره کالوصف و دخل نحو علماء البلد من المجموع المضافة و شبهها لشمولها جزئیات مفهومها المقید و هی داخلة فی الحد السابق أیضا إلخ.
2- . کفایة الأصول، ص215: فالظاهر أنّ الغرض من تعریفه إنّما هو بیان ما یکون بمفهومه جامعا بین ما لا شبهة فی أنّها أفراد العام لیشار به إلیه فی مقام إثبات ما له من الأحکام لا بیان ما هو حقیقته و ماهیته لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الکلام بحسب الأحکام من أفراده و مصادیقه حیث لایکون بمفهومه العام محلا لحکم من الأحکام.
التعریف الثامن:

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) عرّفه بمعنی الشمول لغةً و عرفاً و اصطلاحاً.

و لکن الأمر سهل سیما مع ملاحظة ما أفاده صاحب الکفایة من أنّ المعنی المرکوز من العامّ فی الأذهان أوضح ممّا عُرّف به مفهوماً و مصداقاً.

فائدة: قال المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّ تعریفات القوم کلّها تعاریف لفظیة تقع فی جواب السؤال عنه ب- «ما» الشارحة (شرح الاسم).

و قد استشکل علیه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) بأنّ شرح الاسم المرادف لمطلب «ما» الشارحة لایساوق التعریف اللفظی.

ص: 234


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص299.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص50 و 444.

أما أقسام العامّ: ففیه ثلاثة مطالب

المطلب الأوّل:
اشارة

إنّ «العامّ» ینقسم إلی الاستغراقی و المجموعی و البدلی کما صّرح به صاحب الکفایة (قدس سره) .

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره):

قال: «الظاهر أنّ ما ذکر له من الأقسام من الاستغراقی و المجموعی و البدلی إنّما هو باختلاف کیفیة تعلّق الأحکام به و إلّا فالعموم فی الجمیع بمعنی واحد.»((1))

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ منشأ التقسیم إنّما هو اختلاف کیفیة تعلّق الحکم بالعامّ مع أنّ الأمر لیس کذلک، فإنّ المولی فی مقام جعل الأحکام لایلاحظ الطبیعة بما هی هی مع قطع النظر عن أفرادها، بل یلاحظها بأحد الأنحاء الثلاثة:

النحو الأوّل: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی أفرادها علی نحو الوحدة فی الکثرة و هو العموم الاستغراقی و معنی ذلک أنّه یلاحظ الأفراد الکثیرة واقعاً وحقیقةً فی ضمن مفهوم واحد و یجعل الحکم علی الأفراد، فالحکم و إن کان واحداً، فی مقام الإنشاء إلّا أنّه متعدّد فی مقام الثبوت و الواقع.

ص: 235


1- . کفایة الأصول، ص216.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص299 -300.

النحو الثانی: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی الأفراد علی نحو الوحدة فی الجمع و هو العموم المجموعی و معنی ذلک هو أنّه یلاحظ الأفراد المتکثرة علی نحو الجمع حقیقة تحت مفهوم واحد و یجعل المجموع من حیث المجموع موضوعاً واحداً بحیث یکون کل فرد جزء الموضوع لا تمامه.

النحو الثالث: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی صرف وجودها فی الخارج و هو العموم البدلی و معنی ذلک هو أنّه یلاحظ صرف وجود الطبیعة الساریة إلی جمیع أفرادها و یجعل الحکم علیه و لما کان صرف الوجود واحداً غیر قابل للتعدد فالحکم فی مقام الإثبات و الثبوت واحد.

فعلی هذا منشأ التقسیم لیس کیفیة تعلّق الحکم بالعامّ بل کیفیة ملاحظة الطبیعة فی ناحیة العامّ.

المطلب الثانی: الفرق بین العامّ و المطلق الشمولی

إنّ العامّ هل یفترق عن المطلق الشمولی مثل: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((1)) أو هما لایفترقان؟

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): ((2))

إنّ المطلق الشمولی و إن کان یدلّ علی شمول الحکم لجمیع أفراد مدخوله إلّا أنّ دلالته بالإطلاق و مقدّمات الحکمة و أمّا دلالة العامّ علی شمول الحکم لجمیع أفراده هو بالوضع و سیجیء إن شاء الله مزید بیان.

ص: 236


1- 1. سورة البقرة(2): 275.
2- 2. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص299.
المطلب الثالث: الفرق بین العامّ و لفظ «عشرة» و نظائرها

إنّ دلالة العامّ علی سرایة الأحکام علی کل فرد من أفراده استقلالیة من جهة انطباقه علیه و أمّا دلالة لفظ «عشرة» علی کل فرد من أفرادها ضمنیة لا استقلالیة حیث إنّه من جهة شمول المرکب والکل لأجزائه.

ص: 237

ص: 238

الفصل الثانی: ألفاظ العموم

اشارة

ص: 239

ص: 240

ألفاظ العموم

فیه أمران:

قد وقع البحث فی وجود الألفاظ الموضوعة للعموم کبرویاً ثمّ فی تعیینها صغرویاً. ((1))

ص: 241


1- . قال فی الهدایة المسترشدین(ط ج): ج 3، ص141: الفصل الأوّل فی الکلام علی ألفاظ العموم. أصل الحقّ: أنّ للعموم فی لغة العرب صیغة تخصّه. و هو اختیار الشیخ، و المحقّق، و العلّامة، و جمهور المحقّقین. و قال السید رحمه اللّه و جماعة: إنّه لیس له لفظ موضوع إذا استعمل فی غیره کان مجازا، بل کلّ ما یدّعی من ذلک مشترک بین الخصوص و العموم. و نصّ السید علی أنّ تلک الصیغ نقلت فی عرف الشرع إلی العموم، کقوله بنقل صیغة الأمر فی العرف الشرعی إلی الوجوب. و ذهب قوم إلی أنّ جمیع الصیغ الّتی یدّعی وضعها للعموم حقیقة فی الخصوص، و إنّما یستعمل فی العموم مجازا. لنا: أنّ السید إذا قال لعبده: «لا تضرب أحدا» فهم من اللفظ العموم عرفا، حتّی لو ضرب واحدا عدّ مخالفا. و التبادر دلیل الحقیقة؛ فیکون کذلک لغة؛ لأصالة عدم النقل، کما مرّ مرارا. فالنکرة فی سیاق النفی للعموم لا غیر، حقیقة، و هو المطلوب. و أیضا، لو کان نحو: «کلّ» و «جمیع» من الألفاظ المدّعی عمومها، مشترکة بین العموم و الخصوص، لکان قول القائل: «رأیت الناس کلّهم أجمعین» مؤکّدا للأشتباه، و ذلک باطل بیان الملازمة: أنّ «کلا» و «أجمعین» مشترکة عند القائل باشتراک الصیغ، و اللفظ الدالّ علی شی ء یتأکّد بتکریره؛ فیلزم أن یکون الالتباس متأکّدا عند التکریر. و أمّا بطلان اللازم؛ فلأنّا نعلم ضرورة أنّ مقاصد أهل اللغة فی ذلک تکثیر الإیضاح و إزالة الاشتباه.

الأمر الأوّل: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟

اشارة

((1))

فیه قولان: القول الأوّل: ثبوت الوضع، و القول الثانی: إنکار الوضع.

و استدل علی إنکار الوضع بوجهین:
الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ إرادة الخصوص متیقّنة و لو فی ضمن العموم بخلاف إرادة العموم و جعل اللفظ حقیقة فی المتیقّن أولی.

ص: 242


1- . قیل فی المفاتیح، ص150: اعلم أنّه اختلف القوم فی ثبوت لفظ موضوع للعموم لا غیر فعن المرحبة و غیرهم المنع و قالوا لیس للعموم صیغة تخصه بالوضع أصلا بل کل ما یدّعی للعموم فهو للخصوص و إنّما یفید أقلّ ما یمکن أن یکون مراداً فإذا استعمل فی العموم کان مجازا و عن المرتضی أن کلّ ما یدعی للعموم فهو مشترک بینه و بین الخصوص و حکی عن الأشعری أیضا کما حکی عنه الوقف کما عن أهل الوقف و قال العضدی قال القاضی بالوقف إمّا علی أنّا لاندری أ وضع لها أم لا أو ندری أنّه وضع لها و لاندری أ حقیقة منفردا أو مشترکا أم مجازا انتهی و فی النهایة و من الواقفیة من فصّل بین الأخبار و الوعد و الوعید و الأمر و النّهی فقال بالوقف فی الأخبار و الوعد و الوعید دون الأمر و النّهی انتهی و الحق عندی ثبوت ذلک وفاقا للأکثر منهم العلاّمة فی النهایة و التهذیب و المبادی و الشیخ فی العدة و الشهید الثانی فی التمهید و ولده فی المعالم و الشیخ البهائی فی الزبدة و البیضاوی فی المنهاج و الحاجبی فی المختصر و حکاه فی المنیة عن جماعة من المعتزلة و الشافعی و کثیر من الفقهاء و فی غایة البادی عن جمهور المعتزلة و جماعة من الفقهاء و فی المعالم عن المحقق و جمهور من المحققین و فی العدّة عن أکثر المتکلّمین و الفقهاء بأسرهم و فی التمهید عن الجمهور و فی المختصر و غیره عن جمیع المحققین لنا ما سنبینه فی تحقیق ما ندّعیه من وضع ألفاظ للعموم خاصّة. و فی هدایة المسترشدین، ج3،ص141: أصل الحقّ: أنّ للعموم فی لغة العرب صیغة تخصّه. و هو اختیار الشیخ، و المحقّق، و العلّامة، و جمهور المحقّقین. و قال السید و جماعة: إنّه لیس له لفظ موضوع إذا استعمل فی غیره کان مجازا، بل کلّ ما یدّعی من ذلک مشترک بین الخصوص و العموم.
إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1)):

أوّلاً: إنّ وضع بعض الألفاظ للعموم ممّا لا شبهة فیه.

ثانیاً: إنّ تیقّن إرادة الخصوص لایوجب اختصاص الوضع به، فإنّ ما استدلّ به القائل من أنّ جعل اللفظ حقیقة فی المتیقّن أولی وجه استحسانی و لیست قاعدة لغویة و لا عرفیة و لا عقلیة.

الوجه الثانی:
اشارة

إنّ التخصیص قد اشتهر و شاع حتّی قیل «ما من عامّ إلّا و قد خصّ» و الظاهر یقتضی وضع اللفظ لما هو الغالب و هو الخصوص لا العموم و إلّا یلزم أن یکون المجاز أکثر من الحقیقة.

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره)

((2)):

أوّلاً: إنّ العموم أیضاً کثیراً یراد.

ثانیاً: إنّ التخصیص لایلازم المجازیة بل التخصیص من باب تعدّد الدالّ و المدلول فإنّ اللفظ العامّ فیما إذا خصّص بمخصّص استعمل فی معناه العامّ و الدالّ علی التخصیص لفظ آخر.

ثالثاً: تقدّم فی الجواب عن الوجه الأوّل أنّ وضع بعض الألفاظ للعموم ممّا لا شبهة فیه.

ص: 243


1- . کفایة الأصول، 216.
2- . نفس المصدر.

الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم

اشارة

و البحث فی ثلاث موارد:

من ألفاظ العموم لفظ «کل» و ما بمعناه مثل لفظ «الجمیع» و لفظ «تمام» فی لغة العرب و ما بمعناه فی سائر اللغات.

و منها النکرة فی سیاق النفی أو النهی.

و منها الجمع المحلّی ب- «ال» و هکذا المفرد المعرّف ب- «ال».

و لابدّ من البحث عن کل منها:

المورد الأول: لفظ «کلّ»
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

قد یستفاد من کلام صاحب الکفایة (قدس سره) أنّ دلالته علی العموم متوقّفة علی جریان مقدّمات الحکمة لأنّها موضوعة للدلالة علی عموم الطبیعة المدخولة للفظ «کلّ»، فلابدّ من إجراء مقدّمات الحکمة بالنسبة إلی مدخول کلمة «کلّ» فإن کان مطلقاً فهو و إلّا یدلّ علی إرادة المتیقّن من مدخوله.((1))

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ لفظة «کلّ» أو ما شاکلها التی هی موضوعة لإفادة العموم تدلّ بنفسها

ص: 244


1- . کفایة الأصول، ص: 217.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص307.

علی إطلاق مدخولها و عدم أخذ خصوصیة فیه و لایتوقف ذلک علی جریان مقدّمات الحکمة، بل هی تدلّ علی سرایة الحکم إلی جمیع ما یمکن أن ینطبق علیه مدخولها بما له من المعنی وضعاً، لا إنّ دلالتها علی العموم و الشمول مستندة إلی عدم قیام قرینة علی تقییده بقیدٍما و إلّا لکفی جریان مقدّمات الحکمة فی إثبات العموم من دون حاجة إلی أداته و علیه فبطبیعة الحال یکون الإتیان بلفظة «کلّ» لغواً، و هذا خلاف الارتکاز العرفی، ضرورة أنّ العرف یفرّق بین قولنا «أکرم کل عالم» و قولنا «أکرم العالم»، و یری أنّ دلالة «أکرم کل عالم» لاتحتاج إلی أیة مؤونة زائدة ما عدا دلالة اللفظ علیه بخلاف «أکرم العالم» فإنّ دلالته علی العموم تحتاج إلی مؤونة زائدة و هی إجراء مقدّمات الحکمة.

فتحصّل أنّ دلالة لفظة «کلّ» علی عموم مدخولها لاتحتاج إلی مقدّمات الحکمة.((1))

ص: 245


1- . ثمّ اعلم أنّ الألفاظ الدالّة علی العموم قد تکون هی بنفسها عامّة فتکون دالّة علی معانیها علی سبیل العموم و الشمول، و قد یکون اللفظ دالّا علی العموم لکن ذلک العموم لم یکن وضعا لمعناه بل لمعنی آخر فیکون العامّ هو اللفظ الدالّ علی ذلک المعنی و تکون إرادة العموم من اللفظ الأوّل باعثا علی عموم ذلک اللفظ- کما فی لفظ کلّ و نظائره- فإنّ العامّ إنّما هو مدخوله و هو أداة العمومیة و حینئذ فالموضوع للعموم إنّما هو الأداة المذکور دون اللفظ الآخر، فمحلّ الخلاف فی المقام هو ما یعمّ الوجهین و لذا عدّوا لفظة «کلّ» و نظائره من ألفاظ العموم. هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص156.
المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی
اشارة

المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی((1))

فیه مسألتان:

المسألة الأولی: هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟
اشارة

((2))

فیه قولان:

القول الأوّل: توقفها علی جریان مقدمات الحکمة

قال المحقّق الخراسانی (قدس سره): إنّ دلالتها علی العموم متوقفة علی أخذ النکرة طبیعة مرسلة لا بشرط و أمّا إذا أخذناها طبیعة مبهمة مهملة فتکون بحکم

ص: 246


1- . هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص232 و مفاتیح الأصول، ص153.
2- . هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص234: ثمّ ذکر أنّ هذا تحقیق مذهب النحاة، و حکی من أرباب الاصول إطلاق القول بالعموم، قال: و التحقیق ما قال النحاة. و ظاهر کلامه إطباق النحاة علیه، حیث أسنده إلیهم من غیر نقل خلاف عنهم. و ظاهر ما یستفاد من کلامه أنّ استفادة العموم من النکرة فی الأوّلین إنّما هی من جهة نفی الجنس القاضی بنفی جمیع الآحاد لا من جهة الوضع بالخصوص، و عدم الدلالة فی الأخیر من جهة کون المنفی خصوص الواحد، فلا یدلّ علی نفی ما عداه. ثمّ إنّ ظاهر ما حکی عن الاصولیین إنّها تفید العموم بالوضع، و قد اختاره جماعة من المتأخّرین، و حینئذ فالموضوع للعموم إمّا الهیئة الترکیبیة أو خصوص النکرة المقیدة بالوقوع فی سیاق النفی. و عن السبکی و الحنفیة أنّ دلالة النکرة المنفیة علیه التزامیة، و هذا هو الظاهر عندی. و قد احتجّوا علی کونها للعموم بوجوه. و فی مفاتیح الأصول، ص153: صرح الشیخ فی العدّة و المحقق فی المعارج و العلامة فی النهایة و التهذیب و الشهید الثانی و الفاضل البهائی فی الزبدة و صاحب المعالم و نجم الأئمة و جمال الدین الخونساری و الفاضل التونی و التّفتازانی و الرّازی و الحاجبی و العضدی بأن النکرة فی سیاق النّفی تفید العموم و موضوعة له و عزاه المحقق فی المعارج إلی المحققین و لهم وجوه.

الجزئیة و حینئذ إذا وقعت الطبیعة المهملة المبهمة فی سیاق النفی أو النهی فلاتفید إلّا نفی هذه الطبیعة فی الجملة و لو فی ضمن صنف منها.

و حینئذ دلالتها علی العموم تتوقف علی جریان مقدّمات الحکمة لإحراز إرسال الطبیعة و کونها مطلقة بنحو اللابشرط.((1))

المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً اختار ذلک فقال((2)): إنّ مقدّمات الحکمة إذا جرت فی مدخول کلمة «لا» سواء أکانت نافیة أم ناهیة، فنتیجتها هی العموم الشمولی کقولنا مثلاً «لا أملک شیئاً» فانّ کلمة شیء و إن استعملت فی معناها الموضوع له و هو الطبیعة المهملة الجامعة بین جمیع الأشیاء، إلّا أنّ مقتضی الإطلاق و عدم تقییده بحصّة خاصّة هو نفی ملکیة کلّ ما یمکن أن ینطبق علیه عنوان «الشیء» لا نفی فردٍمّا منه و وجود البقیة عنده، فإنّ هذا المعنی باطل فی نفسه فلایمکن إرادته منه، و أمّا إذا افترضنا أنّه لا إطلاق له یعنی أنّ مقدّمات الحکمة لم تجر فیه فهی لاتدلّ علی العموم و الشمول و إنّما تدلّ علی النفی بنحو القضیة المهملة التی تکون فی حکم القضیة الجزئیة.

القول الثانی: عدم توقفها علی جریان مقدمات الحکمة
اشارة

بعض الأصولیین مثل المحقّق القمی (قدس سره) قالوا بأنّ دلالة النکرة فی سیاق النفی أو النهی علی العموم وضعیة و لا حاجة إلی جریان مقدّمات الحکمة.((3))

یلاحظ علیه:

و لکن أنّا نری عدم وضع النکرة و عدم وضع أدات النفی و النهی علی ذلک.

ص: 247


1- . کفایة الأصول (ط. آل البیت)، ص217.
2- 2. المحاضرات، ط.ج. ج4، ص307.
3- . القوانین المحکمة فی الأصول (ط ج): ج 1، ص504.

فالحقّ هو ما أفاده صاحب الکفایة و المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) من أنّ دلالتها علی العموم لایتمّ إلّا بجریان مقدّمات الحکمة.

المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟
القول الأوّل:
اشارة

إنّ دلالتها علی العموم عقلیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام و لیست وضعیة.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

أمّا عدم کونها وضعیة فلأنّ أدوات النفی أو النهی لم توضع للعموم کما أنّ مدخولها أیضاً هی الطبیعة و هی أیضاً لم توضع للعموم و لا وضع للترکیب بینهما.

أمّا کونها عقلیة فلأنّ العقل یحکم بأنّ انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها کما أنّها توجد بوجود فرد منها.

ص: 248


1- . أجود التقریرات، ج 1، ص440؛ و قال فی ص446: فالظاهر أنّ الأداة و هیئة الجمع تردان معا علی المادة فی عرض واحد و یستفاد العموم من ورودهما معا علیها فالعموم یکون وارد أعلی نفس الطبیعة فیستفاد منه العموم الاستغراقی و تحتاج حینئذ إفادة العموم المجموعی إلی مئونة زائدة و أما النکرة فی سیاق النفی أو النهی فاستفادة السالبة الکلیة منها و إن کانت ممّا لاتنکر إلّا أنّ السلب فیهما متعلق بنفس الطبیعة فیدل علی سلب جمیع أفرادها و أمّا تعلق السلب بمجموع الأفراد فهو لازم تعلقه بالجمیع لا أنّه بنفسه مدلول للکلام لما عرفت من احتیاج اعتبار الأمور الکثیرة أمراً واحداً إلی عنایة زائدة فمع عدم القرینة علیها لا موجب لحمل الکلام علی العموم المجموعی.
2- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص446.
القول الثانی: دلالتها لا عقلیة و لا وضعیة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فقال:

إنّ الثبوت و النفی هنا غیر متقابلین، بل لوحظت الطبیعة فی طرف الثبوت مهملة و فی طرف النفی مرسلة، و نقیض کل وجود عدمه البدیل له، و لایکون بدیلاً له إلّا إذا لوحظا بالإضافة إلی شیء واحد. ((1))

(و قد تقدّم بیان ذلک فی أوائل مبحث النواهی).

فالدلالة علی العموم هنا و إن کانت بمعونة جریان مقدّمات الحکمة إلّا أنّها لیست عقلیة کما أنّها لیست وضعیة.

ص: 249


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص448.
المورد الثالث: الجمع المحلّی ب- «أل» و المفرد المحلّی ب- «أل»
اشارة

((1))

هل یتوقف دلالتها علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟

القول الأوّل:
اشارة

المحقّق الخراسانی و المحقّق الإصفهانی0((2)) و جمع من الأعلام قالوا بعدم دلالتهما علی العموم إلّا بمقدّمات الحکمة المقتضیة للإطلاق.

ص: 250


1- . هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص159: قوله الجمع المعرف بالأداة لا خلاف بینهم علی ما نص علیه غیر واحد منهم فی إفادة الجمع المحلی باللام للعموم علی العموم و هو المحکی عن أبی الهاشم و جماعة من المحققین و عزی إلی أکثر البیانیین و الأصولیین و عن الشیخ فی العدة و شیخنا البهائی عدم دلالته علی العموم و حکی ذلک عن المبرد و الشافعی و أبی علی الجبائی و الحاجبی و البیضاوی و عزاه فی التمهید إلی جماعة من الأصولیین و جعله المعروف من مذهب البیانیین و حکاه الآمدی عن الأکثرین و نقله الرازی عن الفقهاء و الحق أنّه عند التجرد عن القرائن لایفید العموم و إن لم یکن إرادة الاستغراق منه خروجا عن مقتضی وضعه و استعمالا له فی غیر ما وضع له...و اختلفوا فی إفادة المفرد المحلّی باللام لذلک: فعن المحقّق و الشهید الثانی عدم دلالته علی العموم و هو المحکی عن أبی هاشم و جماعة من المحقّقین و عزی إلی أکثر البیانیین و الاصولیین و عن الشیخ فی العدّة و شیخنا البهائی عدم دلالته علی العموم و حکی ذلک عن المبرّد و الشافعی و أبی علی الجبائی و الحاجبی و البیضاوی و عزاه فی التمهید إلی جماعة من الاصولیین و جعله المعروف من مذهب البیانیین. و حکاه الآمدی عن الأکثرین و نقله الرازی عن الفقهاء. و الحقّ أنّه عند التجرّد عن القرائن لایفید العموم و إن لم تکن إرادة الاستغراق منه خروجا عن مقتضی وضعه و استعمالا له فی غیر ما وضع له.
2- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص448: الجمع المحلّی باللام، و الفرد المحلّی باللام: فحیث لم یثبت دلالة اللام علی الاستغراق، فلا دلالة لهما علی العموم إلّا بمقدّمات الحکمة المقتضیة للإطلاق.
استدلال صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

دلالة المحلّی ب«اللام» (جمعاً کان أم مفرداً) علی العموم وضعاً محل منع، بل إنّما یفیده فیما إذا اقتضته الحکمة أو قرینة أُخری و ذلک لعدم اقتضائه وضع «اللام» و لا مدخوله و لا وضع آخر للمرکّب منهما.

و الاستدلال المذکور تمام فالحقّ مع صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) .

القول الثانی:
اشارة

قال المحقّق القمی (قدس سره) ((2)) بوضعهما للعموم.

استدلّ علی ذلک أوّلاً بالتبادر و ثانیاً بجواز الاستثناء منه و ثالثاً بأنّ اللام وضعت للاستغراق (فیما لم یکن للعهد).

یلاحظ علیه:

إنّ الدلیل الأول (التبادر) و الثالث مصادرة للمطلوب، و الدلیل الثانی و هو جواز الاستثناء أعمّ من کونه وضعیاً أو إطلاقیاً.

ص: 251


1- 1. کفایة الأصول، ص217.
2- 2. القوانین، ص216.

ص: 252

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص

اشارة

ص: 253

ص: 254

عدم مجازیة العام المخصص

إنّ الأعلام اختلفوا فی العامّ المخصّص بالتخصیص المتّصل أو المنفصل حیث إنّ العامّ حینئذ استعمل فی المعنی الخاصّ و أُرید منه ذاک المعنی الخاصّ فهل یکون العامّ حینئذ مجازاً لأنّه وضع للمعنی العامّ و لکن لم یستعمل فیه.

و حینئذ یقع نزاع آخر فیما إذا قلنا بأنّه مجاز فی الباقی و هو أنّ العامّ المخصّص إذا کان مجازاً فهل یکون حجّة فی الأفراد الباقیة من العامّ أو لا؟((1)) و وجه ذلک

ص: 255


1- . قال فی مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص: 131: هدایة [الکلام فی حجیة العام المخصّص فی الباقی] إذا خصّص العامّ بأمر معلوم مفهوما و مصداقا، فلاینبغی الإشکال فی حجیة العامّ فی الباقی، و لیس ممّا یتطرّق علیه الاشتباه کما علیه المشهور، بل و لم یظهر من أصحابنا فیه خلاف، و إنّما نسب الخلاف إلی بعض العامّة کأبی ثور. و ذهب جماعة- منهم البلخی علی ما حکی- إلی التفصیل بین المخصّص المتّصل- کالوصف و الغایة و بدل البعض و الاستثناء، علی تأمّل فیه- فقال بالحجّیة، و بین المنفصل فقال بعدمها. لنا: ظهور العامّ فی الباقی بعد التخصیص علی وجه لایشوبه شائبة الإنکار فی العرف. و یشهد له انقطاع عذر العبد المأمور بإکرام العلماء إلّا زیدا عند عدم الامتثال به کما هو ظاهر، و لانعنی بالحجیة فی المقام إلّا ذلک، و یظهر بالرجوع إلی الوجدان الخالی عن الاعتساف. و یزید ظهورا بملاحظة الاحتجاجات الواردة فی کلمات الأئمّة و أرباب العصمة- صلوات اللّه علیهم- و أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و آله من أهل اللسان و العلماء فی موارد جمّة، علی وجه لایمکن إنکاره، بل و لولاه لانسدّ باب الاجتهاد.

هو أنّ العامّ بعد التخصیص لم یستعمل فی معناه الحقیقی فلابدّ أن یحمل علی المعنی المجازی و لکن المعانی المجازیة کثیرة یمکن أن یکون مستعملاً فی کل من هذه المعانی المجازیة، فإن کانت قرینة معینة فهی المتّبع و إلّا یکون المعنی مجملاً من حیث عدم تعیین ما هو المراد من المعانی المجازیة، فلایمکن التمسّک بالعامّ المخصّص بالنسبة إلی الأفراد الباقیة تحت العامّ.

فهنا أمران:

الأول: إنّ تخصیص العامّ هل یوجب مجازیته؟

الثانی: إنّه علی فرض المجازیة هل یکون حجّة فی الباقی؟

ص: 256

الأمر الأوّل: هل العام المخصَّص مجاز أو لا؟

اشارة

و التحقیق هو أنّ العامّ یستعمل دائماً فی معناه الحقیقی و هو العموم و لا مجازیة فی البین سواء کانت القرینة المخصّصة متصلة به أم منفصلة و هذا هو القول الأوّل و اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) و هو القول الحقّ من بین الأقوال.

و بعض آخر قالوا: إنّه مجاز مطلقاً و هناک قول ثالث و هو أنّ العامّ المخصّص بالقرینة المتّصلة مجاز دون ما خصّص بالقرینة المنفصلة و لبعضهم قول رابع عکس القول الثالث.((1))

دلیل القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((2)

)

إنّه لایلزم من التخصیص کون العامّ مجازاً سواء کان المخصّص متّصلاً أم منفصلاً.

أمّا التخصیص بالمخصّص المتّصل فإطلاق التخصیص علیه مسامحة لأنّ

ص: 257


1- . أجود التقریرات، ج1، ص446: فیه أقوال ثالثها التفصیل بین المخصص المتصل و المنفصل و رابعها التفصیل بین الاستثناء و غیره و الحق کونه حقیقة مطلقا وفاقا للمحققین من المتأخرین و قد استدل علی المختار بوجوه [ثلاثة]
2- . کفایة الأصول، ص218. و فی فصول الغرویة، ص187: فإنّ التخصیص بالإخراج لایوجب التجوز فی لفظ العام کما سنحقّقه. و فی زبدة الأصول، المتن، ص348: التجوّز: إشارة إلی أنّ العامّ المخصّص مجاز فی الباقی؛ کما هو مذهب أکثر المحقّقین من علمائنا؛ ک: «الشیخ»، و «المحقّق» و «العلّامة» - فی غیر «التهذیب»- و هو مذهب «الحاجبی». و ذهب [العلّامة]- قدّس اللّه سرّه- فی «التهذیب» إلی أنّه: إن خصّ بما لایستقلّ من شرط، أو صفة، أو استثناء، أو غایة، فهو فی الباقی حقیقة؛ و إن خصّ بمستقلّ من عقل، أو سمع، فمجاز؛ و هذا موافق ل: «أبی الحسین البصری». و ذهب الحنابلة إلی أنّه حقیقة مطلقا.

العامّ غیر مخصّص فی الحقیقة فعلی هذا أدوات العموم لاتستعمل إلّا فی العموم غیر أنّ دائرة مدخوله قد تکون موسعة و أُخری مضیقة، فمعنی «أکرم کل عالم إلّا الفسّاق منهم» هو أنّ مدخول أداة العموم هو العلماء العدول و أداة العموم مثل «کلّ» فی المثال المذکور یدلّ علی وجوب إکرام جمیع العلماء العدول فأداة العموم دلّت علی عموم مدخولها و شمول الحکم لجمیع أفراد المدخول.

(و الشاهد علی ذلک هو أنّه لایصحّ أن یجعل مکان «کلّ» کلمة «بعض»، فلو قال مثلاً «أکرم بعض العلماءإلّا الفسّاق منهم» یکون المعنی غیر صحیح.)

فالمخصّص یوجب تضییق مدخول الأداة من باب تعدّد الدالّ و المدلول و أداة العموم توجب شمول الحکم بالنسبة إلی مدخوله.

و أمّا التخصیص بالمخصّص المنفصل فالأمر فیه أسهل، لأنّ العامّ استعمل فی معناه و انعقد ظهور أداة العموم فی عمومیة المدخول من غیر أن یخصّص بحسب الإرادة الاستعمالیة و لکن المخصّص یوجب عدم حجیة ظهوره و یدلّ علی عدم تعلّق الإرادة الجدّیة بالمعنی العامّ فأداة العموم استعملت فی معناه و استعمل مدخوله أیضاً فی معناه من غیر تضییق و لکن هذا المعنی الظاهر من القضیة العامّة لم یکن بعمومه مراداً جدیاً.

فالمتحصّل هو أنّ أداة العموم استعملت فی معناها الحقیقی و إن خصّصت بالمخصّص المتّصل أو المنفصل.

ص: 258

الأمر الثانی: هل العام المخصَّص حجة فی الباقی أو لا؟

حجیة العامّ المخصّص فی الأفراد الباقیة تحت العامّ نتیجتها جواز التمسّک بالعامّ فلا شک فیه و لا وجه للنزاع فیه بعد اثبات استعمال أدوات العامّ فی معناها الحقیقی بل هذا النزاع یجری فیما إذا قلنا بالمجازیة مطلقاً أو بالمجازیة فی العامّ المخصّص بالقرینة المتّصلة أو بالمجازیة فی العامّ المخصّص بالقرینة المنفصلة.((1))

ص: 259


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص297 و فی المفاتیح، ص103: بناء علی ما هو التحقیق من أنّ العام المخصّص حجة فی الباقی و فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (ط ق): ج 1، ص635 و فی کفایة الأصول فی أسلوبها الثانی، ج 3، ص303 و فی دررالفوائد (ط ج): ص212.

ص: 260

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام

اشارة

ص: 261

ص: 262

سرایة إجمال المخصص إلی العام

((1))

فیه مقامان:

إنّ الشک فی المخصّص قد یسری إلی العامّ فیوجب إجماله و حینئذ لایمکن التمسک بالعامّ بالنسبة إلی مورد الشک.

فإنّ إجمال المخصّص قد یکون بالشبهة المفهومیة و أُخری بالشبهة المصداقیة و المراد من الشبهة المفهومیة هو الشک فی مفهوم المخصّص و المراد من الشبهة المصداقیة هو الشک فی دخول فرد العامّ فی المخصّص، من دون إجمال فی مفهوم المخصّص.

ص: 263


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص151: إجمال المخصّص یسری إلی العامّ فیوجب إجماله عند أکثر المحقّقین، بل نفی الخلاف فیه جماعة (مثل المحقّق القمّی فی القوانین، ج1، ص265، و صاحب الفصول فی الفصول، ص199، و الکلباسی فی الإشارات، الورقة، ص54، و القزوینی فی ضوابط الأصول، ص211) و ادّعی بعضهم الإجماع صریحاً (ادّعاه الکلباسی فی الإشارات). و ینبغی أن یکون مرادهم من سرایة الإجمال أنّه لایؤخذ بعمومه کما یؤخذ به فیما إذا لم یکن مجملا، و لیس مرادهم سقوطه عن الاعتبار بالمرّة فلا یستفاد منه شی ء بوجه من الوجوه، و لعلّه یشعر بذلک تصریح جماعة بسقوطه من جهة إجماله (صرّح به المحقّق القمّی فی القوانین، و مثله صاحب الفصول و الضوابط.)، فلو کان مبینا من جهة أخری یلزم الأخذ، لوجود المقتضی و انتفاء المانع.

ثمّ إنّ الإجمال قد یکون حقیقیاً و أُخری حکمیاً، فإنّ إجمال المخصّص إذا کان موجباً لسقوط ظهور اللفظ العامّ فی الإرادة الاستعمالیة و عدم انعقاده فهو إجمال حقیقی، و إذا کان موجباً لسقوط ظهوره فی الإرادة الجدّیة فهو إجمال حکمی.

و هذا الإجمال إمّا یکون بالتردید بنحو الأقلّ و الأکثر و امّا یکون بالتردید بین المتباینین و المخصّص إمّا یکون متصلاً بالعامّ و إمّا یکون منفصلاً عنه.

و حینئذ یقع البحث فی مقامین: الشبهة المفهومیة و الشبهة المصداقیة.((1))

ص: 264


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص260: إنّ المخصص المتّصل المجمل مطلقاً یوجب الإجمال الحقیقی فی العام... و فی تهذیب الأصول، ج 2، ص175 و فی فوائد الأصول، ج 4، ص60 و فی المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص331 و فی منتقی الأصول، ج 3، ص315.

المقام الأوّل: الشبهة المفهومیة

اشارة

إنّ البحث عن سرایة إجمال المخصّص (فی الشبهة المفهومیة) إلی العامّ یقع فی ضمن صور أربع:

الصورة الأُولی: المخصّص المتّصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر

و الحق هو أنّ إجمال المخصّص یسری إلی العامّ و یوجب إجماله و عدم جواز التمسّک بالعامّ لدخول الأمر المشکوک فی حکم العامّ (مثاله «کل ماء طاهر إلّا ما تغیر طعمه أو لونه أو ریحه» فإنّه یشمل التغیر الحسّی قطعاً و نشک فی شموله للتغیر التقدیری).

والوجه فی ذلک هو أنّ المخصّص المتّصل قرینة متّصلة بالکلام و هو یمنع عن انعقاد ظهور العامّ فی الإرادة الاستعمالیة بالنسبة إلی المشکوک، و یصیر العامّ مجملاً حقیقیاً.

الصورة الثانیة: المخصّص المتّصل المردّد بین المتباینین

و الحقّ هنا أیضاً سرایة إجمال المخصّص بالعامّ و إجماله حقیقةً بنفس البیان المذکور فی الصورة الأُولی. (مثاله «أکرم العلماء إلّا زیداً» فیما إذا تردّدنا أنّه زید بن عمرو أو زید بن بکر مثلاً)

الصورة الثالثة: المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر
اشارة

فیها أقوال ثلاثة:

ص: 265

القول الأول:

قال المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) ((1)) بسرایة الإجمال (حیث إنّ المتکلّم بنی علی بیان مخصّصات کلامه فی مجلس آخر فحینئذ المخصّصات المنفصلة فی کلامه یکون بحکم المخصّصات المتّصلة).

القول الثانی:

إنّ المشهور منهم صاحب الکفایة((2)) و المحقّق النائینی((3)) و المحقّق

ص: 266


1- 1. درر الفوائد، ص215.
2- . کفایة الأصول، ص220: إذا کان الخاص بحسب المفهوم مجملا بأن کان دائرا بین الأقل و الأکثر و کان منفصلا فلایسری إجماله إلی العام لا حقیقة و لا حکما بل کان العام متبعا فیما لایتبع فیه الخاص لوضوح أنّه حجة فیه بلا مزاحم أصلا ضرورة أنّ الخاص إنّما یزاحمه فیما هو حجة علی خلافه تحکیما للنص أو الأظهر علی الظاهر لا فیما لایکون کذلک کما لایخفی و إن لم یکن کذلک بأن کان دائراً بین المتباینین مطلقاً أو بین الأقل و الأکثر فیما کان متصلا فیسری إجماله إلیه حکما فی المنفصل المردد بین المتباینین و حقیقة فی غیره.
3- . [3] طبع آخر لأجود التقریرات، ج1، ص455: فنقول المخصص إما أن یکون متصلا أو یکون منفصلا و علی کل تقدیر فإمّا أن یکون إجماله لدورانه بین الأقل و الأکثر أو لدورانه بین المتباینین (أمّا المخصص المتصل) فالحق أنّ إجماله یسری إلی العام مطلقا فإنّ القرینة المتصلة و إن لم تصادم الدلالة التصوریة اللازمة لسماع اللفظ عند العالم بالوضع إلّا أنّها کما عرفت تصادم الدلالة التصدیقیة أعنی بها دلالة الکلام علی ما یریده المتکلم به فیدلّ التخصیص المتصل علی أنّ ما أراده المتکلم إنّما هو خصوص المقید من أوّل الأمر و علیه فإذا کانت القرینة مجملة فیما أرید بها لدورانه بین المتباینین أو لدورانه بین الأقل و الأکثر کان ما أراده المتکلم من مجموع کلامه بعد ضمّ بعضه إلی بعضه الآخر مردّداً عند السامع فلاینعقد لکلامه ظهور فیما أراده فیکون مجملاً لا محالة (و أمّا المخصّص المنفصل) فقد عرفت أنّه لایوجب ارتفاع الدلالة التصدیقیة من العام غایة الأمر أنّه یکون کاشفا عن قصر المراد الواقعی علی غیر موارد التخصیص فلایبقی مجال للزوم اتباع العام علی إطلاقه.

الخوئی (قدس سرهم) ((1)) قالوا بعدم سرایة إجمال المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر إلی العامّ.

القول الثالث:
اشارة

قال بعض الأساطین (دام ظله) بالتوقّف و الاحتیاط لا التمسّک بالعامّ فی القدر الزائد علی المتیقّن فی المخصّص المجمل مفهوماً و لذا یرجع ما أفاده مآلاً إلی سرایة الإجمال إلی العامّ.((2))

استدلّ علی القول الثانی بوجوه:
الوجه الأوّل لنظریة المشهور:

إنّ العامّ انعقد ظهوره فی العموم، و الخاصّ یقدّم علیه بقدر ما أُرید منه قطعاً، أمّا القدر الزائد فالخاصّ فیه مجمل و لا حجّة علیه و لم یثبت قرینیة الخاصّ بالنسبة إلیه، فلا وجه لکونه رافعاً للظهور المنعقد للعامّ فی هذا المقدار.

مثال ذلک قول المولی: «أکرم کل عالم» و قوله بعد ذلک منفصلاً عنه: «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، ثم شککنا فی أنّ الفاسق هل یشتمل من یرتکب الصغیرة أو لا، و ذلک بعد أن علمنا بأنّ من یرتکب الکبیرة فاسق قطعاً.

الوجه الثانی للتمسک بالعامّ:

قال المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)): إنّ أصالة الظهور لاتکون فی الحجیة بأضعف من

ص: 267


1- . المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص332.
2- . تحقیق الأصول، ج 4، ص260.
3- . أجود التقریرات، ج2، ص315 و فی طبع آخر ج1، ص456.

الأصول العملیة، فکما أنّ دلیل حرمة إکرام العالم الفاسق إذا تردّد الأمر فیه بین أن یکون المراد بلفظ الفاسق فیه خصوص مرتکب الکبیرة أو الأعم منه و من مرتکب الصغیرة لایکون مانعاً من إجراء أصالة البراءة عن إکرام مرتکب الصغیرة، کذلک لایکون ذلک الدلیل مانعاً من التمسّک بعموم دلیل وجوب إکرام العلماء، المفروض شموله لمرتکبی الصغائر من العلماء أیضاً.

الوجه الثالث: ما قرّره بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

إنّ دلالة العامّ إمّا وضعیة و إمّا بمعونة مقدّمات الحکمة التی منها عدم القرینة علی الخلاف و المراد من عدم القرینة إمّا عدم القرینة إلی الأبد و إمّا عدم القرینة فی مجلس التخاطب.

فإن کانت دلالة العامّ علی العموم بالوضع، فالمخصّص المنفصل لایزاحمه فی القدر الزائد المشکوک.

و إن کانت دلالته بمقدّمات الحکمة و لکن کان جریانها متوقّفة علی عدم القرینة إلی الأبد فالأمر مشکل، لأنّ هنا ما یحتمل قرینیته بالنسبة إلی القدر الزائد علی المتیقّن و بعبارة أُخری هنا قرینة علی خلاف العامّ و لها قدر متیقّن و هو فی المثال المرتکب للکبیرة و أیضاً لها قدر زائد مشکوک تکون القرینة بالنسبة إلیها مجملاً و هو المرتکب للصغیرة و حیث لم ینعقد للعامّ دلالة علی العموم إلّا بعد إحراز عدم القرینة علی خلافه و وجود القرینة بالنسبة إلی المرتکب للصغیرة مشکوک فلایمکن إحراز عدمها فلاینعقد للعامّ ظهور بالنسبة إلی هذا القدر الزائد المشکوک و إن کانت دلالته بمقدّمات الحکمة و کان جریانها متوقّفة علی إحراز عدم القرینة فی مجلس التخاطب کما هو الحق، فالعامّ ینعقد له الظهور من

ص: 268

دون أن یمنع عنه مانع بالنسبة إلی القدر الزائد المشکوک (أی المرتکب للصغیرة)((1)).

إشکال علی هذا الوجه:

(نقله المحقّق النائینی (قدس سره) بعنوان «إن قلت» ثم أجاب عنه).

إنّ دلیل حرمة إکرام العالم الفاسق و إن لم یکن رافعاً لظهور العامّ أی الإرادة الاستعمالیة إلّا أنّه یوجب تقیید المراد الواقعی (الإرادة الجدیة) بغیر الفاسق و بما أنّ المفروض إجمال مفهوم الفاسق لتردّده بین الأقل و الأکثر فالمراد الواقعی و الجدّی من العامّ أیضاً یکون مردّداً بین الأقلّ و الأکثر و حینئذ العامّ له ظهور بالإرادة الاستعمالیة بالنسبة إلی القدر الزائد (و هو المرتکب للصغیرة) و لکن بالنسبة إلیه بالإرادة الجدّیة مجمل، فالإجمال یسری إلی العامّ.

جواب المحقّق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((2))

إنّ الأحکام إنّما تتعلّق بالمفاهیم باعتبار کونها مرآة للحقائق التی تطابقها فی الخارج، لا بما هی مفاهیم و علیه فإذا کان دلیل وجوب إکرام العالم عامّاً بالنسبة إلی کل انقسام یمکن أن یفرض فی مفهوم العالم ککونه مرتکب الکبیرة و غیره و کونه مرتکب الصغیرة و غیره، فبإزاء کل انقسام یفرض فی العامّ تکون فیه جهة إطلاق لاترفع الید عنها إلّا بدلیل.

و المرتکب للصغیرة هنا لایعلم دخوله فی مفهوم الفاسق المقید للعامّ بما أنّه حاک عن مطابقه فی الخارج، فلایکون هناک موجب لرفع الید عن ظهور العامّ.

و أمّا حجیة ظهور العامّ، فالمانع منها منحصر بما یدلّ علی عدم وجوب إکرامه،

ص: 269


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص264.
2- 2. أجود التقریرات، ج2، ص316 و فی طبع آخر ج 1، ص: 456.

الکاشف عن تقید المراد الواقعی بعدمه و المفروض أنّه لادلیل علیه، لإجمال المخصّص فیبقی ظهور العامّ فیه بلا معارض فیکون رفع الید عنه بلا موجب.

(فإنّ العقلاء بنوا علی أنّ الإرادة الاستعمالیة أُریدت جدّاً إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف).

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علی جواب المحقّق النائینی (قدس سره) نقضاً:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی مسألة من کان مدیوناً لرجل و شک فی أنّه تسعة دنانیر أو عشرة: لایجب علیه إلّا إعطاء تسعة دنانیر و تجری البرائة بالنسبة إلی الدرهم الزائد و لکن إذا کان هناک عنوانٌ مثل عنوان «ما هو مکتوب فی الذمة» فیجب علیه إعطاء عشرة دنانیر.((1))

فإنّه رتّب الحکم و الأثر علی العنوان باعتبار التردید بین صدقه علی العشرة أ و التسعة فحکم باشتغال الذمّة إلّا إذا أعطی عشرة دنانیر و هذا خلاف المبنی الذی ذکره فی الجواب هنا حیث إنّ عنوان «ما فی الذمّة» باعتبار کونه مرآة للحقائق التی تطابقها فی الخارج ینطبق علی تسعة دنانیر و الدینار الزائد المشکوک لم یعلم دخوله فی مفهوم ما هو مکتوب فی الذمّة بما أنّه حاک عن مطابقه فی الخارج.

ص: 270


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص: 266 و قد أورد الأستاذ- فی الدورتین- علی المیرزا بالنقض بما ذهب إلیه فقهاً و أصولًا من ترتیب الأثر علی العنوان، کما فی مسألة الفحص عن المخصّص، فلو علم إجمالًا بورود المخصّصات علی العام، فعثر علی تسعةٍ منها، قال بانحلال العلم و إن احتمل وجود العاشر، لکنّه لایقول بهذا فی الأخبار المخرجة فی الکتب الأربعة، إذا کان موضوع العلم الإجمالی متعنوناً بعنوان «ما فی الکتب الأربعة» بل علیه الفحص ... و کما فی مسألة ما لو کان مدیناً لزیدٍ و شک فی أنّه تسعة دنانیر أو عشرة، فلایجب علیه العشرة إلّا إذا کان الموضوع «ما هو مکتوبٌ فی الدفتر»، فإنّه لو تردّد بین الأقل و الأکثر وجب أن یدفع الأکثر المسجّل فی الدفتر.
جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن الإشکال:

إنّ المخصّص المنفصل إنّما یکون مانعاً عن حجیة العامّ فیما إذا کان بنفسه حجّة و إلّا فلا اقتضاء له للمانعیة عن انعقاد ظهور العامّ فی حجیته، و العام حجّة بالنسبة إلی القدر المتیقّن، أمّا بالنسبة إلی القدر الزائد المشکوک فلیس بحجّة.((1))

استدلال بعض الأساطین (دام ظله) علی القول الثالث:
اشارة

((2))

إنّ أصالة العموم من الأُصول اللفظیة و الدلیل علی حجیتها هو بناء العقلاء فإنّهم یتمسّکون بأصالة العموم للکشف عن المراد الجدّی للمتکلّم و لکنّا نری أنّهم یتوقفون فی أمثال ما نحن فیه و الشاهد علیه أنّه إذا قال المولی: «اشتر لی قطعة من السجّاد» و قال بدلیل منفصل عنه «لاتشتر السجّاد من صنائع مدینة کذا» فشککنا فی أنّه یمنع من السجّاد المصنوع فی داخل البلد أو الأعّم منه و من حومته فإنّ العقلاء حینئذ یتوقّفون حتّی یتّضح المراد عندهم.

یلاحظ علیه:

ینبغی أن نمثّل بالعامّ الذی خصّص بالمخصّص المنفصل (لا بالمطلق المقید)

فنقول: إذا قال المولی «أکرم کل عالم» أو قال «أکرم العلماء» ثم بعد ذلک قال بدلیل منفصل عنه «لاتکرم الفسّاق من العلماء» فنری أنّ العقلاء یعاملون «لاتکرم الفسّاق» معاملة «لاتکرم المرتکب للکبیرة» حیث إنّه لا یتحقّق لهذه الجملة ظهور فی حرمة إکرام المرتکب للصغیرة فضلاً عن حجیة هذا الظهور و

ص: 271


1- 1. تحقیق الأصول، ج4، ص267.
2- . و هو التوقّف و عدم جواز التمسّک بأصالة العموم.

حینئذ إذا قاموا بالجمع بین الأدلّة یرون أنّ العامّ هو إکرام کل عالم و الخاصّ هو حرمة إکرام المرتکب للکبیرة و الجمع بین الأدلّة یقتضی التمسّک بعموم «أکرم کل عالم» إلّا المرتکب للکبیرة، فالحق جواز التمسّک بالعامّ فی هذه الصورة.

فإنّ توقف العقلاء فی المثال الذی ذکره قد یکون من باب التفحّص عن المخصّص حیث یمکن الاتصال بالمولی و الاستفسار عنه و أمّا فی الروایات الواردة عن المعصومین (علیهم السلام) فلانجد روایة حتّی یعین لنا حکم حومة البلد.

الصورة الرابعة: المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین

إنّ الحقّ هو أنّ إجمال المخصّص یسری فی هذه الصورة إلی العامّ و إن کان ظهور العامّ ینعقد فی العموم و لکنّ العلم الإجمالی بخروج أحد المتباینین عنه یمنع عن حجیة هذا الظهور بالنسبة إلیهما، فالمقتضی لشمول العامّ للمتباینین موجود و لکن العلم الإجمالی بخروج أحدهما عن العامّ یمنع عنه و قد یستفاد من کلام بعضهم أنّ أصالة العموم قاصرة اقتضاء عن شمول المتباینین و علی أی حال لایمکن التمسّک بأصالة العموم، و یکون العامّ مجملاً حکماً. (و مثاله قول المولی «أکرم کل عالم» و قوله منفصلاً عنه «لاتکرم زیداً العالم» مع أنّ زیداً العالم مردد بین رجلین.)

ص: 272

المقام الثانی: الشبهة المصداقیة

اشارة

إنّ الأعلام اختلفوا فی جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة فقال بعضهم بجواز التمسّک بالعامّ و بعضهم بعدم الجواز.

و قد اختلفوا أیضاً فی تعیین القائلین بالجواز.((1))

ص: 273


1- . أشار بعض الفضلاء فی حاشیة الکفایة ج2، ص154: لایخفی علیک: أنّ هذه المسألة من المسائل الّتی یبتنی علیه کثیر من الفروع الفقهیة. و فیها أقوال: القول الأوّل: عدم جواز التمسّک بالعامّ مطلقا. ذهب إلیه کثیر من المتأخّرین، منهم المحقّقان: العراقی و الحائری، و المحقق الخوئی و بعض الأعاظم. فراجع درر الفوائد ج1، ص184؛ نهایة الأفکار، ج2، ص518؛ المحاضرات، ج5، ص183؛ مناهج الوصول، ج2، ص245- 254. القول الثانی: جواز التمسّک به مطلقا. و هذا منسوب إلی المشهور من قدماء الأصحاب کما فی نهایة الأفکار، ج2، ص518. و نسب إلی المحقّق النهاوندی علی ما فی تهذیب الاصول، ج2، ص19. و قد ینسب إلی الفقیه الیزدی حسبما أفتی فی کثیر من الفروع علی الأخذ بالعامّ فی الشبهة المصداقیة. و لکن السید المحقّق الخوئی دفع نسبته إلیه، فراجع المحاضرات، ج5، ص185- 188. القول الثالث: التفصیل بین المخصّص اللبّی و المخصّص اللفظی، فیجوز التمسّک به فی الأوّل و لایجوز فی الثانی. و هذا القول نسبه المحقّق النائینی إلی الشیخ الأعظم الأنصاری و قال: «أوّل من أفاد ذلک هو الشیخ علی ما فی التقریر». فوائد الأصول، ج2، ص536. و لکنّ السید البروجردی دفع نسبته إلی الشیخ، و نسب إلیه- بعد ما ذکر نصّ ما فی مطارح الأنظار، ص194- أنّه فرّق بین ما إذا کان للمخصّص عنوان، و ما إذا ما لم یکن للمخصّص عنوان، فلایجوز التمسّک بالعامّ علی الأوّل، و یجوز علی الثانی. نهایة الأصول، ص297- 298. القول الرابع: التفصیل بین المخصّص اللفظی و المخصّص اللبّی المتّصل الّذی یصحّ أن یتّکل علیه المتکلّم فی بیان مراده و بین المخصّص اللبّی المنفصل الّذی لایصحّ أن یتّکل علیه المتکلّم فی بیان مراده، فلا یجوز التمسّک بالعامّ فی الأوّل، و یجوز فی الثانی. و هذا ما اختاره المصنّف فی المقام، کما یأتی. القول الخامس: التفصیل بین المخصّص اللفظی و المخصّص اللبّی الّذی لایوجب تقیید موضوع الحکم و تضییقه و بین المخصّص اللبّی الّذی یوجب تقیید موضوع الحکم. فلا یجوز التمسّک به فی الأوّل، و یجوز فی الثانی. و هذا ما اختاره المحقّق النائینی فی فوائد الأصول، ج2، ص536- 539.

قال المحقّق النائینی (قدس سره):((1)) إنّ القول بالجواز منسوب إلی المشهور بل الأشهر و ربما نسب أیضاً إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2)).

و نسب هذا القول إلی الشهید الثانی (قدس سره) من القدماء و إلی صاحب العروة (قدس سره) من المتأخرین و لکن کل ذلک مستنبط من الفروع الفقهیة التی أوردوها فی کتبهم و لذا اختلف فی صحّة الانتساب و تردّد بعض الأعلام منهم المحقّق النائینی((3)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی صحّة انتساب القول بالجواز إلی هؤلاء الأعلام.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: إنّ النزاع وقع فی المخصّص المنفصل أمّا المخصّص المتّصل فلا نزاع بین الأعلام فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فیه((4)).

ص: 274


1- . أجود التقریرات، ج 1، ص458: ربما ینسب إلی المشهور أو الأشهر جوازه لأجل فتواهم بالضمان فیما إذا دار أمر الید بین أن تکون ید ضمان و عدمه بل ربّما ینسب إلی العلامة الأنصاری التمسک بعمومات أدلة انفعال الماء فی الحکم بنجاسة الماء المردد أمره بین کونه قلیلا قابلا للانفعال و کونه کثیراً معتصماً بنفسه و سیأتی الکلام فی صحة نسبة ذلک إلی المشهور و عدمها إن شاء الله تعالی (و کیف کان) فالحق هو عدم جواز التمسک بعموم العام عند الشک من جهة الشبهة الخارجیة سواء فی ذلک القضیة الحقیقیة و القضیة الخارجیة.
2- . مطارح الأنظار، ص192- 193.
3- . أجود التقریرات، ج 1، ص461: و أما نسبة التمسک بالعموم فی موارد الشبهة المصداقیة إلی المشهور من جهة ذهابهم إلی الضمان فیما إذا دار الأمر بین کون الید عادیة و کونه غیر عادیة (فتحقیق الحال) فیها هو ان مسألة جواز التمسک بالعموم فی الشبهات المصداقیة و عدمه لم تکن محررة فی کلام المشهور و لم یعلم أنّ وجه ذهابهم إلی الضمان هو ما ذا فقد ذهب بعضهم إلی أنّه من جهة تجویزهم التمسک بالعموم فی الشبهات المصداقیة و ذهب آخر إلی أنّه من جهة التمسک بقاعدة المقتضی و المانع و فی فوائد الأصول، ج 2، ص523.
4- . المحاضرات، ج4، ص334.

ثم إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((1)) قد فصّل بین ما إذا کان المخصّص لفظیاً فلایجوز التمسّک بالعام فیه و ما إذا کان المخصّص لبیاً فیجوز التمسّک بالعامّ فیه و صاحب الکفایة (قدس سره) قال بعدم جواز التمسّک بالعامّ فی المخصّص اللفظی و فصّل فی المخصّص اللبی.((2))

فلابدّ أن نبحث هنا عن جهتین:

الجهة الأُولی المخصّص اللفظی و الجهة الثانیة المخصّص اللبّی.

ص: 275


1- . مطارح الأنظار، ط.ق، ص194.
2- . کفایة الأصول، ص222؛ و أمّا إذا کان لبیاً فإن کان ممّا یصح أن یتکل علیه المتکلم إذا کان بصدد البیان فی مقام التخاطب فهو کا لمتصل حیث لایکاد ینعقد معه ظهور للعام إلّا فی الخصوص و إن لم یکن کذلک فالظاهر بقاء العام فی المصداق المشتبه علی حجیته کظهوره فیه.
الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً
اشارة

و هو إمّا متصل أو منفصل.

المخصّص اللفظی المتّصل:

لا خلاف فی عدم جواز التمسّک بأصالة العموم فیه و الوجه فی ذلک هو أنّ المخصّص المتّصل یمنع عن انعقاد الظهور فی العموم فلا اقتضاء للعامّ بالنسبة إلی شموله للفرد المشکوک بالشبهة المصداقیة.

المخصّص اللفظی المنفصل:
القول الأوّل: لایجوز التمسّک بالعامّ فیه أیضاً.

الوجه فی ذلک: إنّ العامّ بعد مجیء الخاصّ یتعنون بما هو غیر الخاصّ أو ضدّ الخاصّ فیصیر «أکرم کل عالم» بعد التعنون بغیر الخاصّ أو ضدّه: «أکرم کل عالم غیر فاسق» و المخصّص المنفصل هو قوله «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، و الفرد المشکوک هو دائر بین دخوله فی هذا أو ذاک و هذا من دوران الفرد بین الحجتین و لایمکن التمسّک بإحدی الحجتین فیه.

هذا مضافاً إلی أنّ العامّ حکم علی موضوع معین و مرتبة الحکم متأخر عن مرتبة الموضوع فلایمکن إحراز الموضوع بالتمسّک بعموم الدلیل فیما إذا شککنا فی کون الفرد موضوعاً للدلیل أم لا و إلّا یلزم أن یکون المتأخّر متکفّلاً للمتقدّم و هو محال.

ص: 276

القول الثانی: جواز التمسّک بعموم العامّ فی الشبهة المصداقیة
اشارة

استدل علیه بوجهین:

الوجه الأوّل: قاعدة المقتضی و المانع
اشارة

((1))

إنّ عنوان العامّ من قبیل المقتضی لثبوت الحکم لکل واحد من الأفراد المتحقّقة فی الخارج و عنوان الخاصّ من قبیل المانع له و إذا أحرزنا وجود المقتضی و شککنا فی وجود المانع فتجری قاعدة المقتضی و المانع.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی هذا الاستدلال:

((2))

أمّا صغرویاً: فإنّ عنوان المخصّص لا ینحصر فی کونه من قبیل المانع دائماً، بل ربّما یکون من قبیل الشرط أو الجزء کما فی قوله (علیه السلام): «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ»((3)) أو «بِفَاتِحَةِ الْکِتَاب».((4))

ص: 277


1- . الأصل فیها هو المحقّق الشیخ هادی الطهرانی و ملخّص ذلک: إنّه کلّما علم بالمقتضی و شک فی المانع فالأصل عدمه، و العام وزانه وزان المقتضی و وزان الخاص وزان المانع، فمن علم بکونه من العلماء و شک فی عدالته و فسقه فهو من أفراد العام و حکمه وجوب الإکرام، و لایصلح المخصص للمانعیة للشک فی کونه فاسقاً.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص322 و ط آخر ج 1، ص460.
3- . محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن حماد بن عیسی عن حریز عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ. الوسائل، ج1، کتاب الطهارة، الباب1من أبواب الوضوء، ح1، ص365. أیضاً: محمد بن علی بن الحسین قال: قال أبو جعفر (علیه السلام): لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ. الوسائل، ج1، ص366، کتاب الطهارة، الباب1 من أبواب الوضوء، ح6.
4- . عوالی اللآلی، قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله): لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْکِتَاب. المستدرک، ج4، ص158، ح5، باب1. أیضاً: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الَّذِی لَا یقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْکِتَابِ فِی صَلَاتِهِ قَالَ لَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا أَنْ یقْرَأَ بِهَا فِی جَهْرٍ أَوْ إِخْفَات...» الوسائل، ج6، ص37، الباب1 من أبواب القراءة فی الصلاة، ح1.

و أمّا کبرویاً: فإنّ قاعدة المقتضی و المانع ممّا لم یدلّ علیها دلیل شرعی أو عقلی فکیف یمکن التمسّک بها فی إثبات قاعدة صولیة أو فرعیة.

الوجه الثانی:
اشارة

إنّ عموم العامّ حجّة فیما لایکون هناک حجّة أقوی علی خلافه و بما أنّ دلیل المخصّص لایکون حجّة فی الأفراد التی لم یحرز دخولها تحت عنوان موضوعه، تبقی حجیة العامّ فیها بلا معارض.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ دلیل المخصّص (بعد تقییده للعامّ بغیر أفراد الخاصّ الواقعیة و ثبوت هذا التقیید عند المخاطب) یوجب ارتفاع حجیة دلیل العامّ إلّا فی المقید بغیر عنوان الخاصّ و صدق العامّ المقید بغیر عنوان الخاصّ علی الأفراد المشتبهة مشکوک فلایمکن التمسّک بعموم العامّ.

فالحق هو عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة فی المخصّص اللفظی المتّصل و المنفصل (وفاقاً للشیخ و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سرهم) و سائر الأعلام).

ص: 278


1- . أجود التقریرات، ج2، ص323.
الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً
اشارة

فی هذا القسم نذکر أربع نظریات:

النظریة الأُولی:

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و بعض الأعلام قالوا بجواز التمسّک بالعامّ مطلقاً فیما إذا کان المخصّص لبیاً.((1))

النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المخصّص اللبّی علی قسمین:

الأوّل: أن یکون ممّا یصحّ عرفاً أن یتکل و یعتمد علیه المتکلّم فیما إذا کان فی مقام البیان بأن کان حکماً عقلیاً ضروریاً أو کان ارتکازاً قطعیاً عقلائیاً بحیث یعد عرفاً قرینة متّصلة بالکلام مانعة عن انعقاد الظهور فی العموم، و حینئذ لایجوز التمسّک بالعامّ.

الثانی: ألّا یکون بهذه المثابة، بل یکون حکماً عقلیاً نظریاً أو بناءً عقلائیاً أو إجماعاً بحیث لم یعدّ عند العرف قرینة متّصلة بالکلام، فحینئذ یجوز التمسّک بالعامّ.

ص: 279


1- . و أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) قال بالتفصیل و فی قبال ذلک قال المحقّق النائینی (قدس سره) بعدم جواز التمسّک بالعامّ و استثنی عنه مورداً خاصّاً.
2- 2. کفایة الأصول، ص222.
و استدل علیه بوجوه أربعة:
الوجه الأول:

هو أنّ العامّ الملقی من المولی الکاشف عن الإرادة الجدیة حجّة ما لم تقم قرینة قطعیة علی خلافه فإذا قال المولی «أکرم جیرانی» و علمنا بأنّه لایرید إکرام من کان عدواً له من الجیران فحینئذ العامّ حجّة فی جمیع أفراد الجیران إلّا من علم بخروجه للعلم بعداوته، أمّا الفرد المشکوک العداوة فلا حجّة علی خروجه، فالعامّ حجّة بالنسبة إلی الفرد المشکوک من دون قیام حجّة أُخری علیه.

الوجه الثانی:

إنّه یصحّ مواخذة المولی علی العبد لو لم یکرم واحداً من جیرانه، لاحتمال عداوته له فحینئذ تصحّ عقوبة العبد علی مخالفته للمولی و لایصحّ الاعتذار من العبد عن هذه المخالفة بمجرد احتمال العداوة.

الوجه الثالث:

إنّ السیرة المستمرة المألوفة بین العقلاء التی هی ملاک حجیة أصالة الظهور استقرت علی حجیة الظهورات مع احتمال إرادة ما هو خلاف الظاهر، فإنّ العقلاء لایرفعون الید عن تلک الظهورات (التی منها الظهور فی العموم) بمجرد احتمال إرادة خلافه.

الوجه الرابع:

هو أنّه یمکن أن یقال: إنّ مقتضی جریان أصالة العموم بالنسبة إلی الفرد

ص: 280

المشکوک هو أنّه لیس من أفراد المخصّص فیقال فی مثال «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» إنّ فلاناً (مثل عمر بن عبد العزیز) داخل تحت عموم جواز لعن بنی أُمیة و إن شککنا فی إیمانه، و کل من جاز لعنه لایکون مؤمناً فینتج أنّه لیس بمؤمن.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علی هذه الوجوه:

((1))

أما الوجه الأول فیرد علیه: إنّ هنا قامت حجّة أُخری فإنّ الإجماع حجّة و السیرة العقلائیة حجّة و حکم العقل حجّة و الفرد المشکوک مردّد بین الحجتین.

أما الوجه الثانی فیرد علیه: إنّ المؤاخذة هی فیما قامت الحجّة من دون حجّة أُخری علی خلافه و هنا الفرد المشکوک مردّد بین الحجتین.

أما الوجه الثالث فیرد علیه: إنّ السیرة العقلائیة فی أمثال المقام هو التوقف.

أما الوجه الرابع فیرد علیه: إنّ حجیة العامّ و حجیة المخصّص بالنسبة إلی الفرد المشکوک بمثابة واحدة فهو مردّد بینهما فلایجریان بالنسبة إلیه.

النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المخصّص اللبّی إذا کان حکماً عقلیاً ضروریاً بأن کان صارفاً لظهور الکلام و موجباً لعدم انعقاد الظهور إلّا فی الخاصّ من أوّل الأمر فحکمه حکم القرینة المتّصلة اللفظیة فکما لایمکن التمسّک بالعموم فی الشبهة المصداقیة مع القرینة المتّصلة کذلک لایجوز التمسّک بالعموم معه.

أمّا إذا کان حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً بحیث لم یکن صالحاً لصرف ظهور

ص: 281


1- 1. تحقیق الأصول، ج4، ص274.
2- 2. أجود التقریرات، ج2، ص342.

العامّ من أوّل الأمر فحکمه حکم المخصّص المنفصل اللفظی، إذ کما أنّ المخصّص اللفظی بعد تقدّمه علی عموم العامّ یکشف عن تقید المراد الواقعی و عدم کون موضوع الحکم الواقعی مطلقاً، فلایمکن التمسّک به عند عدم إحراز تمام موضوعه، لأجل الشک فی وجود القید، کذلک المخصّص اللبّی یکشف عن التقید المزبور، فلایمکن التمسّک بالعموم عند عدم إحراز تمام موضوعه، فإنّ الاعتبار فی عدم جواز التمسّک بالعموم إنّما هو بالمنکشف أعنی به تقید موضوع الحکم لبّاً لا بخصوصیة الکاشف من کونه لفظیاً أو عقلیاً.

فالتحقیق أن یقال: إنّ ما یسمّی بالمخصّص العقلی إن کان بمعنی ما یوجب تقیید موضوع الحکم و تضییقه نظیر تقیید الرجل فی قوله (علیه السلام): «ینْظُرَانِ إِلَی مَنْ کَانَ مِنْکُم قَدْ رَوَی حَدِیثَنَا وَ نَظَرَ فِی حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا»((1)) إلی آخره، بکونه عادلاً لقیام الإجماع علی ذلک فحاله حال المخصّص اللفظی فی عدم جواز التمسّک بالعموم معه فی الأفراد المشکوک فیها، لما عرفت من أنّ المخصّص اللبّی إذا کان عقلیاً ضروریاً فحکمه حکم القرینة المتّصلة و إذا کان عقلیاً نظریاً أو إجماعاً فحکمه حکم القرینة المنفصلة.

و علی کلّ تقدیر لایمکن التمسّک بالعموم بعد تقیید موضوع الحکم واقعاً.

و أمّا إذا کان المراد من المخصّص اللبّی إدراک العقل ما هو ملاک حکم الشارع واقعاً إمّا بنفسه أو لأجل قیام الإجماع علی ذلک من دون أن یتقید موضوع الحکم به لعدم صلوح تقید موضوع الحکم بما هو ملاکه فلا إشکال فی جواز التمسّک بالعموم حینئذ و کشفه بطریق الإنّ عن وجود الملاک فی تمام الأفراد، فإذا شک فی وجود الملاک فی فرد، کان عموم الحکم کاشفاً عن وجود

ص: 282


1- . الوسائل، ج27، ص136، الباب11 من أبواب صفات القاضی و مایجوز أن یقضی به، ح1.

الملاک فیه هذا نظیر قوله (علیه السلام): «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» مع حکم العقل بأنّ ملاک لعنهم إنّما هو بغضهم لأهل البیت (علیهم السلام)، فالمؤمن منهم علی تقدیر وجوده لایشمله اللعن المزبور فإذا شک فی إیمان فرد منهم، جاز التمسّک بالعموم و یحکم علیه حینئذ بأنّه غیر مؤمن و إلّا لما جاز لعنه.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیها:

((1))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ المخصّص اللبّی قد یدور أمره بین أن یکون کاشفاً عن ملاک الحکم و أن یکون قیداً للموضوع لایمکن المساعدة علیه بوجه حیث إنّ کل ما یمکن انقسام الموضوع بالنسبة إلیه إلی قسمین أو أزید یستحیل أن یکون من قبیل ملاکات الأحکام، بل لابدّ من أن یکون الموضوع بالإضافة إلیه مطلقاً أو مقیداً بوجوده أو بعدمه.

النظریة الرابعة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) قد وافق المحقّق النائینی (قدس سره) فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فیما کان المخصّص اللبّی حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً أو نحو ذلک إذا کانت القضیة المتکفّلة لإثبات حکم العامّ من القضایا الحقیقیة التی یکون تطبیق الموضوع علی أفراده فی الخارج بنظر نفس المکلّف.

و لکنّه قد خالف المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)) فی ما إذا کانت القضیة من قبیل

ص: 283


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص359.
2- . المحاضرات، ج4، ص354 إلی 359.
3- . قال بعض الأساطین: إنّ المیرزا رحمه الله قال بعدم جواز التمسّک بالعام عند الشک من جهة الشبهة الخارجیة، سواء فی ذلک القضیة الحقیقیة و الخارجیة، فقال: أمّا الحقیقیة، فلما عرفت من أنّ شأن أداة العموم فیها إنّما هو تسریة الحکم إلی کلّ قسمٍ من الأقسام التی یمکن انقسام مدخول الأداة بالإضافة إلیها ... و أمّا القضیة الخارجیة، فلأنّ غایة ما یمکن أن یتمسّک به لجواز التمسک بالعموم فی الشبهة المصداقیة فیها، هو أنّ المتکلّم فی موارد القضایا الخارجیة هو الذی تکفّل بإحراز انطباق عنوان العام علی المصادیق الخارجیة، فیکون ظهور کلامه متّبعاً فی غیر ما علم خروجه من حکم العام بالعلم بدخوله فی عنوان الخاص. لکنه یندفع: بأنّا لانشک فی أنّ نحو استعمال العام فی القضایا الخارجیة لایباین نحوه فی القضایا الحقیقیة فی أنّ عنوان العام إنّما یؤخذ فی موضوع الحکم فی مقام الإثبات مرآةً إلی أفراده الخارجیة أو المقدّرة ... لکنّ السید الخوئی فی المحاضرات ذهب إلی التفصیل. ثمّ قال بعض الأساطین: أنّ مجرّد الفرق بین القضیتین- بأنّه فی الحقیقیة جُعل إحراز الموضوع إلی نظر المکلّف، بخلاف الخارجیة حیث إنّ المولی قد أحرز وجوده- غیر کافٍ، بل الظاهر ضرورة وجود قرینة حالیة أو مقالیة- علاوةً علی کون القضیة خارجیة- للدلالة علی عدم إیکال إحراز الموضوع إلی نظر المکلّف، مثلًا: إذا قال المولی: «أکرم من فی المدرسة» کان الموضوع هو «من فی المدرسة» لکنّه لایتکفَّل وجود زیدٍ فیها، بل الفحص عن هذا بعهدة المکلّف ... تحقیق الأصول، ج4، ص278.

القضایا الخارجیة، فقال: إن علم من الخارج أنّ المولی وکّل إحراز موضوع العامّ إلی نفس المکلّف فحاله حال المخصّص اللفظی، کما إذا ورد فی دلیل: «أعط لکل طالب علم فی النجف الأشرف کذا و کذا دیناراً»، و علم من الخارج أنّ مراد المولی هو المعیل دون المجرّد، و لازم ذلک بطبیعة الحال هو العلم بتقید موضوع العامّ بعدم کونه مجرّداً، فعندئذ إذا شکّ فی طالب علم أنّه معیل أو مجرّد لم یمکن التمسّک بعمومه، لعدم إحراز أنّه من مصادیق العامّ.

و إن لم یعلم من الخارج ذلک، صحّ التمسّک بالعموم فی موارد الشبهة المصداقیة و السبب فیه أنّ ظهور کلام المولی فی العموم کاشف عن أنّه بنفسه أحرز انطباق موضوع حکمه علی جمیع الأفراد، و لم یکل ذلک إلی المکلّف، و من المعلوم أنّ هذا الظهور حجّة علی المکلّف فی الموارد المشکوک فیها، فإذا أمر

ص: 284

المولی خادمه بإکرام جمیع جیرانه، فإنّ ظهور کلامه فی العموم کاشف عن أنّه لاحظ جمیع أفراد موضوع حکمه و أحرز وجود الملاک فی الجمیع و هذا الظهور حجّة و لایجوز التعدّی عن مقتضاه إلّا إذا علم بأنّ زیداً مثلاً عدوّه و لا ملاک لوجوب الإکرام فیه جزماً و سکوت المولی عن بیانه لعلّه لأجل مصلحة فیه أو مفسدة فی البیان فی المولی الحقیقی و العرفی أو لغفلة أو جهل بوجود الملاک فی المولی العرفی فقط.

فتحصّل من ذلک أنّ هنا صوراً أربع:

إنّ المخصّص اللبّی إن کان حکماً عقلیاً ضروریاً أو ارتکازاً قطعیاً عقلائیاً((1)) بحیث یعدّ قرینة متصلة فیوجب عدم انعقاد الظهور فی العموم فلایمکن أن یتمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة وفاقاً لصاحب الکفایة (قدس سره) و من تبعه و خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) .

و أمّا إن کان حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً أو سیرة عقلائیة أو متشرعیة بحیث لایعدّ عند العرف قرینة متصلة فحینذ إذا کان العامّ بنحو القضیة الحقیقیة((2)) فلایمکن التمسّک بالعامّ وفاقاً للمحقق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) حیث إنّ المخصّص اللبّی (و إن لم یکن لفظیاً فلایوجب تقیید لفظ العموم بحسب القضیة اللفظیة) إلّا أنّه یعطی للعامّ لوناً بحسب المراد الواقعی و مرحلة الحجیة فیوجب تقیید العامّ، فلایمکن التمسّک به فی الشبهة المصداقیة، کما تقدّم فی المخصّص المنفصل.

ص: 285


1- . و هی الصورة الأولی.
2- . و هی الصورة الثانیة.

و أمّا إذا کان العامّ بنحو القضیة الخارجیة فإن علمنا أنّ المولی ((1)) وکل إحراز موضوع العامّ إلی المکلّف فلایمکن التمسّک بالعامّ.

و إن لم یعلم ذلک((2)) فظهور الکلام هو أنّ المولی تکفّل لإحراز ذلک فیتمسّک بالعامّ بالنسبة إلی الأفراد المشکوک فیها فی الشبهة المصداقیة (و مثال «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» من هذا القبیل، فإنّه قضیة خارجیة تکفّل الشارع لإحراز انطباق موضوع حکم اللعن علی جمیع الأفراد).

خلاصة البحث:

إنّ إجمال المخصّص فی الشبهة المفهومیة یسری إلی العامّ فلایمکن التمسّک بالعامّ إلّا فی المخصّص المنفصل المردد بین الأقلّ و الأکثر و فی الشبهة المصداقیة یسری إلی العامّ مطلقاً فیما إذا کان المخصّص لفظیاً فلایمکن التمسّک بالعامّ أیضاً.

و أمّا الشبهة المصداقیة فیما إذا کان المخصّص لبیاً یسری إجماله إلی العامّ فلایمکن التمسّک بالعامّ أیضاً إلّا فی صورة واحدة و هی أن یکون المخصّص اللبّی حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً و کانت القضیة خارجیة فیما إذا لم یعلم أنّ المولی وکل إحراز موضوع العامّ إلی المکلّف أو فقل: فیما إذا تکفل المولی لإحراز موضوع العامّ.

ص: 286


1- . و هی الصورة الثالثة.
2- . و هی الصورة الرابعة.

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی

اشارة

ص: 287

ص: 288

إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی

فیه أمران و تنبیهان:

الأمر الأوّل: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟

اشارة

اختلف الأعلام هنا علی مسلکین:((1))

أمّا المسلک الأوّل:

فهو أنّ قضیة التخصیص هی کالتقیید فی المطلقات حیث إنّه یقتضی إحداث عنوان إیجابی أو عنوان سلبی فی الأفراد الباقیة بعد التخصیص فیتقید موضوع الحکم فی «أکرم کل عالم» بالعالم العادل أو بالعالم غیر الفاسق.

و أمّا المسلک الثانی:

فهو أنّ قضیة التخصیص مجرّد إخراج بعض الأفراد أو الأصناف عن تحت حکم العامّ الموجب لقصر حکم العامّ علی بقیة الأفراد أو الأصناف، من دون

ص: 289


1- . کما أفاده المحقّق العراقی (قدس سره) عند بیان نظریته من جریان الاستصحاب الحکمی. نهایة الأفکار، ج1- 2، ص527.

اقتضائه لإحداث عنوان إیجابی أو سلبی فی موضوع حکم العامّ فی الأفراد أو الأصناف الباقیة، و إن فرض ملازمة تلک الأفراد الباقیة بعد خروج الفسّاق مثلاً من باب الاتّفاق للعدالة أو عدم الفسق.

فالمحقّق العراقی((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) ((2)) قالا بعدم تعنون العامّ بعنوان عدم المخصّص خلافاً للمحقق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .

آراء الأعلام فی هذه المسألة:
الأوّل: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

قال: «إنّ الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالاستثناء من المتصل کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاص».((3))

تفسیران لکلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

أمّا قوله: «کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان خاص» فقد اختلف فی تفسیره:

التفسیر الأوّل:

قال المحقق الإیروانی (قدس سره): إنّ تعبیره «بل بکل عنوان» مسامحة و مراده هو أنّ الباقی تحت العامّ بعد التخصیص غیر معنون بعنوان خاص وجودی مقابل

ص: 290


1- . نهایة الأفکار، ج1- 2، ص527.
2- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص452.
3- . کفایة الأصول، ص223.

لعنوان المخصّص و لکنه معنون بالعنوان العدمی (و هو عدم عنوان المخصّص).((1))

قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((2))یکون مراده منه أنّ العامّ لایعنون بشیء من العناوین إلّا بنقیض عنوان الخاصّ و إن کانت العبارة قاصرة عن إفادته.

و هکذا فسّره فی منتهی الدرایة((3)) فقال: أمّا تعنونه بعنوان خاص عدمی و هو عدم عنوان المخصّص فممّا لابدّ منه، فإذا خصّص العلماء فی قوله «أکرم العلماء» بمثل «لاتکرم النحویین»، فیعنون الباقی تحت العامّ بالعلماء غیر النحویین.

فالباقی تحت العامّ بعد التخصیص لایتعنون بعنوان خاصّ بل هو باقٍ علی ما کان علیه العامّ قبل التخصیص من اللاعنوانیة، فکلّ عنوان کالهاشمیة و الغنی و الفقر و العربیة و العجمیة و غیرها مما کان ثابتاً للعامّ (کالعلماء) قبل التخصیص، فهو باق علی حاله و لم ینثلم شیء من تلک العناوین بطروّ التخصیص علیه إلّا عنوان الخاصّ، فإنّه خرج عن العناوین التی کانت تحت العامّ فکان العامّ معنوناً بعدم عنوان المخصّص.

التفسیر الثانی:

قد استظهر المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) من کلام صاحب الکفایة (قدس سره) أنّه نفی تعنون العامّ بعد التخصیص بعنوان وجودی أو عدمی حتّی عنوان عدم المخصّص.

هذا اختلاف الأعلام فی تفسیر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) .

ص: 291


1- . نهایة النهایة، ج1، ص284.
2- . علی ما فی هدایة فی الأصول، ج2، ص335.
3- . منتهی الدرایة، ج3، ص540.
الصواب فی تفسیر کلامه (قدس سره):

و الحقّ مع المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) فإنّ إطلاق قول صاحب الکفایة (قدس سره) «لما کان غیر معنون بعنوان خاص» هو عدم تعنون الباقی تحت العامّ بعنوان خاصّ وجودیاً کان أو عدمیاً.

أمّا قوله بعد ذلک «بل بکلّ عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ» فقد فسّرها بعضهم بأنّ العامّ یتعنون بکلّ عنوان مثل الهاشمیة و الفقر و الغنی و أمثالها، إلّا أنّه خرج عنه عنوان المخصّص فعلی هذا لایدل عبارته علی تعنون العام بعدم عنوان المخصّص.

و یحتمل أن یکون کلام صاحب الکفایة (قدس سره) هکذا «بل غیر معنون بکل عنوان لم یکن بعنوان الخاصّ»((3)) بمعنی أنّ إطلاق العامّ و إن یشمل جمیع الحالات من الفقر و الغنی و الهاشمیة و غیرها إلّا أنّ العامّ لایتعنون بهذه العناوین کما أنّه لایتعنون بعنوان الخاصّ (المخصّص) لا وجودیاً و لا عدمیاً، فإنّ العامّ و إن کان شاملاً لجمیع تلک الأحوال إلّا أنّه لایتعنون بعنوانها فی نفس الدلیل و علی هذا الاحتمال أیضاً لایتعنون العامّ بعنوان عدم المخصّص.

الثانی: استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی التعنون

((4))

إذا فرضنا خروج قسم من الأقسام عن حکم العامّ: فإمّا یکون الباقی تحته بعد

ص: 292


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص458.
2- . تحقیق الأصول، ج 4، ص289.
3- . کفایة الأصول، ص223.
4- . أجود التقریرات، ج2، ص330.

التخصیص مقیداً بنقیض ما هو الخارج (أی معنوناً بعدم المخصّص) فیکون دلیل المخصّص مقیداً لإطلاق العامّ و هو المطلوب.

و إمّا یبقی علی إطلاقه بعد التخصیص و لا ثالث لهما لأنّ الإهمال من الشارع محال و بما أنّ الثانی باطل جزماً لاستلزامه التناقض بین مدلولی دلیل العامّ و الخاصّ یتعین الأوّل.

الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) ذیل قول صاحب الکفایة (قدس سره) «لما کان غیر معنون بعنوان خاص»: کما أشرنا إلیه سابقاً: إنّ الواقع لاینقلب عما هو علیه، فما هو الموضوع لحکم العامّ بحسب الظهور المنعقد له، یستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه بسبب ورود کاشف أقوی، بل یسقط عن الحجیة فی المقدار المزاحم.

لایقال: یکشف المخصّص عن أنّ الموضوع الحقیقی للحکم ما عدا الخاصّ، لا إنّه یوجب انقلاب الظهور لیقال: إنّه محال.

لأنّا نقول: لیس للموضوعیة للبعث الحقیقی (الموجود بوجود منشأ انتزاعه) مقام إلّا مقام تعلّق البعث الإنشائی بشیء و جعل الداعی إلی غیر ما تعلق به البعث الإنشائی محال، لأنّه مصداق جعل الداعی و المفروض تعلّقه بهذا العنوان فصیرورته داعیاً إلی غیر ما تعلّق به خلف محال.

فلیس شأن المخصّص إلّا إخراج بعض أفراد العامّ، و قصر الحکم علی باقی الأفراد من دون أن یجعل الباقی معنوناً بعنوان وجودی أو عدمی.

و یشهد له (مضافاً إلی البرهان) أنّ المخصّص إذا کان مثل «لاتکرم زیداً

ص: 293


1- . نهایه الدرایة، ج2، ص458.

العالم» لایوجب إلّا قصر الحکم علی ما عداه، لا علی المعنون بعنوان «ما عدا زیداً» أو شبهه هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یصحّ بالنسبة إلی القضیة اللفظیة و لکن العبرة فی تعیین موضوع العامّ هو مقام الجعل لأنّ الحکم أمر اعتباری یتعلّق بالموضوع فی مقام الجعل و الأدلّة اللفظیة کاشفة عن الحکم و موضوعه و الکشف عن الموضوع قد یتم فی نفس الدلیل العامّ و أُخری یتمّ فی دلیل آخر لفظیاً کان أو لبیاً.

الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره)
اشارة

قال صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((1)) فی بیان وجه کلا القولین:

و الذی نراه أنّ الاختلاف بینهما مبنائی، فکلّ منهم علی حق فی دعواه بناء علی ما التزم به فی مدلول أدوات العموم.

توضیح ذلک: إنّه إذا التزم برجوع العامّ إلی المطلق و أنّ شأن أدوات العموم لیس إلّا إفادة الاستغراقیة أو المجموعیة أو البدلیة و عموم المدخول مستفاد من جریان مقدّمات الحکمة (کما التزم به المحقّق النائینی (قدس سره) و قرّبناه)((2)) کان التخصیص مستلزماً للتقیید بلا تردد، و ذلک لأنّ الملحوظ فی العامّ ثبوتاً و فی مقام تعلّق الحکم هو الطبیعة الشاملة، فإذا خرج بعض الأفراد عن الحکم امتنع

ص: 294


1- . منتقی الأصول، ج3، ص347.
2- . منتقی الأصول، ج3، ص302.

لحاظ الطبیعة حینئذ بنحو الشمول و هذا هو معنی امتناع الإطلاق، فیتعین أن تلحظ مقیدة بعدم عنوان الخاصّ.

و إن التزم بأنّ العامّ یختلف عن المطلق، و أنّ العموم مدلول الأداة نفسها و المدخول هو الطبیعة المهملة، فیکون مفاد العموم إرادة جمیع أفراد الطبیعة المهملة، لم یکن التخصیص مستلزماً للتقیید، لأنّه لم یلحظ فی مقام تعلّق الحکم الطبیعة القابلة للإطلاق و التقیید کی یتأتی فیه التردید المزبور، بل لوحظ جمیع أفراد الطبیعة المهلمة، و لا معنی للإطلاق و التقیید فیه کی یتأتی التردید المتقدّم بعد التخصیص، لأنّ الإطلاق و التقیید شأن الطبیعة و واقع «جمیع الأفراد» لیس کذلک.

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده فی منتقی الأصول و إن کان متیناً إلّا أنّه لیس تمام الملاک للقول بتعنون العامّ بعدم المخصّص و عدم تعنونه، کما أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) التزم بالمبنی الثانی و مع ذلک یقول بتعنون العامّ.

الخامس: استدلال بعض الأساطین علی التعنون

((1))

إنّ القول بعدم التعنون مخدوش و الوجه فی ذلک هو أنّ العامّ یقتضی جریان حکمه علی جمیع أفراده و هذا الاقتضاء مما لا شبهة فیه، فالمخصّص لابدّ أن یدلّ علی فقدان شرط(مثل العدالة) أو وجود مانع (مثل الفسق) بالنسبة إلی المقتضی حتّی یوجب قصر الحکم.

ص: 295


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص288.

فالباقی تحت العامّ هو ما یکون الشرط فیه موجوداً و المانع مفقوداً و الخارج عنه هو ما یکون الشرط فیه مفقوداً أو المانع موجوداً و حینئذ لابدّ من القول بتعنون العامّ بعنوان الخاصّ.

و الحاصل من الأمر الأول تعنون العام بعدم المخصِّص.

ص: 296

الأمر الثانی:ما الأصل العملی إذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟

اشارة

قبل بیان النظریات نذکر مقدمة فیها مطلبان:

المطلب الأوّل: الأصل العملی إمّا موضوعی و إمّا حکمی

إذا قلنا بعدم جواز التمسّک بالعامّ بالنسبة إلی الفرد المشتبه، فلابدّ أن نرجع إلی الأصل العملی و حینئذ إن قلنا بجریان الأصل الموضوعی فهو مقدّم رتبة علی جریان الأصل الحکمی فلاتصل النوبة إلیه، و إن قلنا بعدم جریان الأصل الموضوعی فالمرجع هو الأصل الحکمی.

و صاحب الکفایة و جمع من الأعلام (قدس سرهم) قالوا بجریان الأصل العملی الموضوعی و خالفهم المحقّق العراقی (قدس سره) فقال بجریان الأصل الحکمی.

المطلب الثانی: قد یکون الأصلُ الموضوعی استصحاب العدم الأزلی
اشارة

إنّ المخصّص قد یکون من الأعراض الطارئة علی الذات بحیث یکون الفرد المشتبه غیر متّصفة بها سابقاً (مثل الفسق و العدالة و العلم و الجهل) فحینئذ یستصحب عدم فسق الفرد المشتبه فی المثال المعروف «أکرم العلماء و لاتکرم الفسّاق منهم» فیحکم علیه بمفاد العامّ.

و قد یکون من الأوصاف اللازمة للذات غیر المنفکّة إیاها فحینئذ لیست للذات حالة سابقة تکون فیها فاقدة لهذه الأوصاف (مثال ذلک قرشیة المرأة) و لذلک یکون جریان الاستصحاب بالنسبة إلیها مشکلاً.

و الأعلام حاولوا لحلّ هذه المشکلة من طریق جریان استصحاب العدم الأزلی.

ص: 297

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

نذکرها ضمن مطالب ثلاثة:

الأوّل: محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره) هو ما إذا کان المخصّص عنواناً وجودیاً موجباً لتعنون العامّ بعدمه و ذلک یکون فی الموردین الأولین من الموارد الثلاثة التی نذکرها:

المورد الأوّل: ما إذا کان العامّ مثل «أکرم العلماء» ثم جاء المخصّص المنفصل و هو «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، فحینئذ یتعنون العامّ بعدم عنوان المخصّص.

المورد الثانی: ما إذا کان المخصّص المتّصل بالعامّ نظیر الاستثناء مثل «أکرم العلماء إلّا الفسّاق منهم» و نظیر الشرط مثل «أکرم العلماء إذا لم یکونوا من الفسّاق» و نظیر الغایة مثل «أکرم العلماء إلی أن یکونوا من الفسّاق».

المورد الثالث: ما إذا کان المخصّص المتّصل بالعامّ بحیث یوجب دخالة عنوان وجودی فی الحکم مثل «أکرم کل عالم عادل» أو مثل «أکرم کل عالم إذا کان عادلاً».

و المورد الثالث خارج عن محل الکلام فالبحث یقع فی الموردین الأولین و ذلک لوضوح أنّه لا أصل لإحراز عدالة الفرد المشکوک فی المورد الثالث، إلّا إذا علمنا بسبق عدالته و شککنا فی بقائها و أمّا فیما لم نعلم عدالته سابقاً فلا أصل عملی یحرز عدالته.

ص: 298

الثانی: بیان نظریته (قدس سره)

إنّ الباقی تحت العامّ بعد تخصیصه بالمخصّص المنفصل أو بالمخصّص المتّصل الذی هو کالاستثناء أو الشرط أو الغایة (أی المورد الأوّل و الثانی من الموارد الثلاثة المذکورة) لما کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ کان إحراز المشتبة منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد إلّا ما شذّ (و هو مورد توارد حالتی الفسق و العدالة علی شخص بحیث لم یعلم ما هو المتقدّم منهما و ما هو المتأخر، فالأصل حینئذ لایجری فی شیء منهما) ممکناً فبذلک الأصل الموضوعی یحکم علی الفرد المشتبه بحکم العامّ و إن لم یجز التمسّک بالعامّ بلا کلام.((1))

الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی جریان استصحاب العدم الأزلی
مقدمة: فی بیان آراء الأعلام فی استصحاب العدم الأزلی

اختلفت أنظارهم فیه: فقال بعضهم بجریان استصحاب العدم الأزلی مثل صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) .((3))

و قال بعضهم بعدم جریان استصحاب العدم الأزلی مثل المحقّق النائینی((4)) و المحقق البروجردی (قدس سرهما) ((5)).

ص: 299


1- . کفایة الأصول، ص223.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص461.
3- . تحقیق الأصول، ج 4، ص291-298.
4- . أجود التقریرات، ط ق، ج 1، ص464.
5- . نهایة الأصول، ص302.

و فصّل بعضهم فقالوا بجریانه بالنسبة إلی عوارض الوجود و بعدم جریانه بالنسبة إلی عوارض الماهیة مثل المحقّق الحکیم (قدس سره) .((1))

کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ الدلیل قام علی تحیض المرأة إلی خمسین سنة و هذا الدلیل عامّ و قد خصّص بالمرأة القرشیة.

فإنّه قد ورد عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِینَ سَنَةً لَمْ تَرَ حُمْرَةً إِلَّا أَنْ تَکُونَ امْرَأَةً مِنْ قُرَیشٍ».((3))

فإنّ موضوع العامّ هی المرأة و موضوع المخصّص هی امرأة من قریش فإذا شک أنّ امرأة تکون قرشیة أم لا، فلا أصل عملی یحرز أنّها قرشیة أو أنّها غیر قرشیة لأنّ المرأة إذا وجدت إمّا قرشیة و إمّا غیر قرشیة.

فلابدّ هنا من جریان استصحاب عدم تحقّق الانتساب بین هذه المرأة و بین قریش و هذا یکفی فی اثبات حکم العامّ بالنسبة إلی المرأة التی شک فی کونها قرشیة.

ص: 300


1- . حقائق الأصول، ج1، ص506 و المستمسک فی شرح العروة الوثقی ج1، ص153.
2- . کفایة الأصول، ص223: إیقاظ [إحراز المشتبه بالأصل الموضوعی]. لایخفی أنّ الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالاستثناء من المتصل لما کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاص کان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد إلّا ما شذ ممکناً فبذلک یحکم علیه بحکم العام و إن لم یجز التمسک به بلا کلام ضرورة أنّه قلما لایوجد عنوان یجری فیه أصل ینقح به أنّه ممّا بقی تحته مثلاً إذا شک أنّ امرأة تکون قرشیة أو غیرها فهی و إن کانت وجدت إمّا قرشیة أو غیرها فلا أصل یحرز أنّها قرشیة أو غیرها إلّا أنّ أصالة عدم تحقّق الانتساب بینها و بین قریش تجدی فی تنقیح أنّها ممن لاتحیض إلّا إلی خمسین لأنّ المرأة التی لایکون بینها و بین قریش انتساب أیضا باقیة تحت ما دلّ علی أنّ المرأة إنّما تری الحمرة إلی خمسین و الخارج عن تحته هی القرشیة فتأمّل تعرف.
3- . الوسائل، ج2، ص580، الباب 31 من أبواب الحیض. الحدیث 2.

و الوجه فی ذلک هو أنّ العامّ قد خرج عنه المرأة التی کانت من قریش، و أمّا المرأة غیر القرشیة و أیضاً المرأة التی لم یتحقّق الانتساب بینها و بین قریش کلاهما داخلان و باقیان تحت العامّ و کونُها المرأةَ غیر القرشیة و إن کان غیر ممکن إحرازها، و لکن یمکن إحراز أنّها هی المرأة التی لم یتحقّق الانتساب بینها و بین قریش و ذلک بجریان استصحاب عدم تحقّق الانتساب بینها و بین قریش بنحو استصحاب العدم الأزلی.

إیراد المحقّق البروجردی (قدس سره) علی استصحاب العدم الأزلی:

((1))

إنّ استصحاب العدم الأزلی لیس بحجّة و أدلّة الاستصحاب منصرفة عنه، لأنّه لا عرفیة له، فإنّ المرأة قبل وجودها فی الأزل لا «هذیة» لها، فکیف یستصحب عدم الانتساب بینها و بین قریش فی الأزل.

أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((2))

إنّ الانصراف قد یکون لندرة وجود بعض الأفراد و أُخری لکثرة استعمال اللفظ فی بعض الحصص دون الأُخری و ثالثة للتشکیک فی صدق المفهوم عرفاً علی بعض الأفراد، و لا وجه هنا لدعوی انصراف الأدلّة، لأنّ العرف مرجع فی تعیین المفاهیم و تشخیصها و أمّا تطبیق المفاهیم علی مصادیقها فالمرجع فیه هو العقل و لابدّ فیه من إعمال الدقّة العقلیة و ما ادّعی هنا من التشکیک فی الصدق، فلایمکن الالتزام به لصدق «لاتنقض» فی المقام، خصوصاً مع أنّ المشهور قالوا بجریان استصحاب عدم الجعل و هو من موارد استصحاب العدم الأزلی و

ص: 301


1- . نهایة الأصول، ص302.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص301.

لذلک قال السید المحقّق الخوئی (قدس سره) بعدم جریان الاستصحاب بالنسبة إلی الأحکام الکلّیة حیث إنّ استصحاب بقاء الحکم المجعول معارض باستصحاب عدم الجعل.

و أمّا ما ادعی من أنّ المرأة قبل وجودها لا«هذیة» لها و لاتقبل الإشارة إلیها فیرد علیه أنّا نشیر إلی هذه المرأة الموجودة و نقول: إنّ هذه المرأة مسبوقة بالعدم ذاتاً و أوصافاً أمّا عدم ذاتها فقد انتقض بوجودها و أمّا عدم صفاتها و منها القرشیة فلم یعلم انتقاضها بالوجود فنستصحب عدم قرشیتها.

فتحصّل من جمیع ذلک صحّة جریان استصحاب العدم الأزلی خلافاً للمحقّق النائینی و المحقّق البروجردی0 و وفاقاً لصاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی5 و بعض الأساطین (دام ظله) .

إیرادان علی النظریة الأُولی:
الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ عنوان المخصّص لاینتفی بالأصل المذکور و الحاجة إلی استصحاب العدم الأزلی إنّما هو للفراغ عن حکم الخاصّ، لا للإدخال تحت العموم، لصدق عنوان العامّ بلا حاجة إلی الاستصحاب المذکور، فلابدّ من جریان الاستصحاب حتی نثبت خروج الفرد المشتبه عن تحت عنوان المخصّص و استصحاب العدم الأزلی لایجدی فی ذلک، لأنّ انتساب المرأة إلی قریش لایکون موضوعاً للمخصّص بنحو الوجود المحمولی، بل یکون موضوعاً للمخصّص بنحو الوجود النعتی (الوجود الرابط)، فعلی هذا نفی کونه المحمولی لیس نفیاً لعنوان المخصّص حتّی ینفی به حکمه، بل نفی الکون

ص: 302

المحمولی ملازم لعدم إمکان الکون الرابط عقلاً، فالأصل بالنسبة إلی عنوان المخصّص أصل مثبت.

جواب المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عن الإیراد الأوّل:

((1))

إنّ الغرض من الأصل العملی فی هذا المقام و أمثاله، لیس هو نفی عنوان المخصّص بل الغرض إحراز عنوان مضادّ لعنوان المخصّص من العناوین الداخلة تحت العموم، فینفی حکم المخصّص بمضادّة هذا العنوان المحرز الذی هو تحت العامّ و محکوم بحکم العامّ.

فما هو المترتب علی الأصل بلا واسطة شیء، هو حکم العامّ الثابت له بأی عنوان غیر العنوان الخارج (و العنوان الخارج هو عنوان المخصّص) و ثبوت هذا الحکم لهذا الموضوع المضادّ للعنوان الخارج یوجب نفی ضدّه و هو حکم الخاصّ.

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

إنّ استصحاب العدم الأزلی لایجری هنا، لأنّ مجری الاستصحاب لابدّ أن یکون حکماً شرعیاً أو موضوعاً له، و موضوع العامّ عند صاحب الکفایة (قدس سره) هو عنوان «العلماء» و أمّا أقسامه و أوصافه الطارئة علیه فلم یوخذ شیء منها فی موضوع العامّ، فالموضوع هو «العلماء» فی المثال السابق أو «المرأة» فی هذا المثال الأخیر و هما محرزان بالوجدان أمّا «العلماء الذین لم یتصفوا بالفسق» أو «المرأة التی لاتنتسب إلی قریش» فلیسا هما موضوعاً للعامّ فی المثالین المعروفین.

ص: 303


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص460.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص287.
یمکن أن یجاب عنه:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ عنوان العامّ یشتمل علی تلک العناوین کما صرّح ببقاء تلک العناوین تحت عنوان العامّ، بل یصرّح بتعنون العامّ بتلک العناوین (علی أحد التفسیرین لقوله «بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ» و قد تقدّم بیانه مفصلاً) فعلی هذا مفاد الاستصحاب موضوع للحکم الشرعی و لکن هذا الجواب لایستقیم علی التفسیر الآخر علی ما صرّح به المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)).

قال: «إنّ ما أفاده (قدس سره) من کفایة إحراز العنوان الباقی تحت العامّ فی إثبات حکمه لایخلو عن محذور لأنّ العناوین الباقیة لیست دخیلة فی موضوع الحکم العمومی بوجه من الوجوه، فلا معنی للتعبّد بأحدها، لیکون تعبّداً بالحکم العمومی، حتی ینفی حکم الخاصّ بالمضادّة».

(فعلی هذا لابدّ أن یفسّر قوله «بل بکل عنوان» بأنّ مراده أنّ العامّ غیر معنون بکل عنوان لم یکن ذلک بعنوان الخاصّ حتی یصحّ الکلام).

النظریة الثانیة: ما اختاره المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

یمکن نفی حکم الخاصّ من وجه آخر و هو أنّ العامّ یدل بالمطابقة علی وجوب إکرام العلماء، و بالالتزام علی عدم منافاة عنوان من عناوینه لحکمه، فهو بالالتزام ینفی کل حکم مباین لحکم العامّ عن کل عنوان یفرض فیه، و من العناوین المباینة للعنوان الخارج موضوعاً و المباینة للعنوان الخارج (أی العنوان

ص: 304


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص461.
2- . و هو تقریره لجریان استصحاب العدم الأزلی؛ نهایة الدرایة، ج2، ص461.

المخصّص) فی الحکم، عنوانٌ أُحرز بالأصل، المحکوم بنقیض حکم الخاصّ التزاماً، فینفی به حکم الخاصّ من باب المناقضة، لا من باب المضادة، و بنحو الالتزام، لا بنحو المطابقة.

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین بمقدماتها الخمس
اشارة

((1))

إنّ هذه النظریة تختلف عن نظریة صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) فی المبنی المتقدّم من تعنون العامّ أو عدم تعنونه بعدم المخصّص، فإنّ صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) یقولان بعدم التعنون و هذه النظریة علی أساس القول بالتعنون و قد اخترنا ذلک.

و بیان نظریته یتوقف علی ذکر مقدّمات أفادها فی المقام: (نذکرها ملخّصاً).

المقدّمة الأُولی:

إنّ عنوان الموضوع علی أنحاء ثلاثة:

النحو الأوّل: أن یکون عنواناً ذاتیاً و هو العنوان المنتزع من الصورة الجوهریة مثل عنوان «زید» المنتزع عن الشخص.

النحو الثانی: أن یکون عنواناً غیر ذاتی غیر ملازم للذات و هذا هو العنوان العرضی کالفسق و العدالة.

النحو الثالث: أن یکون عنواناً غیر ذاتی ملازم للذات مثل قرشیة المرأة و هذا ینقسم علی قسمین: لوازم الوجود و لوازم الماهیة، و قد فصّل بینهما کما هو

ص: 305


1- . و هو تقریره لجریان استصحاب العدم الأزلی؛ تحقیق الأصول، ج4، ص291.

مختار المحقّق الحکیم و المحقّق العراقی (قدس سرهما) و البحث عن المخصّص یقع فی جمیع هذه الأقسام.

المقدّمة الثانیة:

إنّ الوجود الرابط یکون بین الوصف و الموصوف و هو مفاد کان الناقصة و الهلیة المرکّبة فی قبال کان التامة و الهلیة البسیطة فلایتصور الوجود الرابط فی مفاد کان التامة لاستحالة الرابط بین الشیء و نفسه.

و أیضاً لایتصور الوجود الرابط فی مفاد السلب التام للشیء و هو لیس التامة (أی ما هو مقابل ل- «کان» التامة) لأنّ العدم لا ثبوت له و لکن الوجود الرابط هو ثبوت شیء لشیء.

و أیضاً لایتصور الوجود الرابط فی مفاد «لیس» الناقصة مثل لیس زید بفاسق لأنّه سلب الشیء عن الشیء بل مفاد «لیس» الناقصة هو سلب الربط، لا ربط السلب.

المقدّمة الثالثة:

إنّ رفع العرض قد یکون بسلب الوجود عنه بنحو الوجود المحمولی و قد یکون بسلب الوجود عنه بنحو الوجود النعتی و هذا مختار القائلین باستصحاب العدم الأزلی، أمّا المنکرون لذلک ذهبوا إلی أنّ رفع العرض لا یتحقّق إلّا برفع الوجود النعتی.

مثال ذلک قرشیة المرأة، فإنّ القرشیة وصف للمرأة و هو متأخر وجوداً عن وجود المرأة لتأخر الوصف عن وجود موصوفه و لکن عدم القرشیة لیس کذلک فإنّه قد یکون مع وجود المرأة و قد لایکون.

ص: 306

المقدّمة الرابعة:

إنّ القضایا علی أنحاء:

القضیة الموجبة المعدولة المحمول مثل المرأة غیر القرشیة.

القضیة الموجبة السالبة المحمول مثل المرأة التی لیست قرشیة.

القضیة السالبة المحصّلة مثل لم تکن المرأة بقرشیة.

أمّا فی القسمین الأولین و هما القضیة الموجبة المعدولة المحمول و القضیة الموجبة السالبة المحمول یکون عدم القرشیة وصفاً للموضوع، فلایمکن استصحاب هذا العدم قبل وجود الموضوع لأنّا فرضنا کونه متاخراً عن الموضوع، و عدم الوصف قبل الموضوع یغایر عدم الوصف بعد الموضوع.

و أمّا فی القسم الأخیر و هی القضیة السالبة المحصّلة، فلایکون العدم وصفاً للموضوع، و علی هذا یجری الاستصحاب بالنسبة إلیه فإنّه لم تکن المرأة بقرشیة أزلاً و نستصحب ذلک و نقول: و لاتکون المرأة بقرشیة الآن.

و البحث فی تعنون العامّ بعدم المخصّص من قبیل القسم الأخیر حیث إنّ عدم المخصّص قضیة سالبة محصلة.

المقدّمة الخامسة:
اشارة

إنّ تعنون العامّ بعدم المخصّص یتصور علی نحوین:

الأوّل: أن یکون عنوان عدم المخصّص وصفاً لعنوان العامّ و حینئذ لایجری الاستصحاب إلّا علی القول بالأصل المثبت، لأنّ الوصف متأخر عن الموضوع و مرتبط به.

ص: 307

الثانی: أن یکون عنوان «عدم المخصّص» جزءً للموضوع المرکّب، فالعامّ بعد التخصیص یترکّب موضوعه من الجزءین و الجزء الأوّل هو عنوان «العموم» و هو محرز بالوجدان و الجزء الثانی هو عنوان «عدم المخصّص» و هو محرز بالاستصحاب.

و الحق هو أنّ تعنون العامّ بعدم المخصّص من قبیل الترکیب لا التوصیف لأنّ دلیل تعنون موضوع العامّ بعد التخصیص یقتضی اعتبار عنوان عدم المخصّص فی ناحیة موضوع العامّ لا أزید من ذلک، فالارتباط التوصیفی بین موضوع العامّ و بین عنوان «عدم المخصّص» مما لا دلیل علیه.

إذا عرفت تلک المقدّمات، فیتّضح لک تمامیة استصحاب العدم الأزلی.

توضیح ذلک:

إنّ عنوان المخصّص هو المرأة القرشیة و قد أُخذ عدمها فی عنوان العامّ و مفاد عدم المرأة القرشیة هو مفاد سلب الربط، کما تقدّم ذلک فی المقدّمة الثانیة و القضیة المتکفّلة لذلک قضیة سالبة محصّلة (لم تکن المرأة بقرشیة) و یجری فیها الاستصحاب کما تقدّم فی المقدّمة الرابعة، و موضوع العامّ مرکّب من عنوان المرأة و عنوان «لیست هی بقرشیة» و علی هذا الجزء الأوّل من هذا الموضوع محرز بالوجدان و الجزء الثانی منه محرز باستصحاب العدم الأزلی.

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1)) بمقدماتها الثلاث

التمسّک بأصالة العدم لإثبات حکم العامّ للفرد المشکوک فیه غیر صحیح و

ص: 308


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص329- 337 و فی طبع آخر: ج 1، ص465 و فی فوائد الأصول، ج 2، ص535.

ذلک لأنّ العدم النعتی الذی هو موضوع الحکم لا حالة سابقة له علی الفرض لیجری فیه الأصل، أمّا العدم المحمولی الأزلی فهو و إن کان مجری للأصل فی نفسه، إلّا انّه لایثبت به العدم النعتی الذی هو المأخوذ فی الموضوع إلّا علی القول بالأصل المثبت.

و توضیح ذلک إنّما هو برسم مقدّمات:

المقدّمة الأُولی:

إنّ التخصیص سواء کان بالمنفصل أو بالمتّصل (استثناءً کان المتّصل أم غیره) إنّما یوجب تقیید عنوان العامّ بغیر عنوان المخصّص فإذا کان المخصّص أمراً وجودیاً، کان الباقی تحت العامّ معنوناً بعنوان عدمی و إن کان المخصّص أمراً عدمیاً، کان الباقی معنوناً بعنوان وجودی.

و السرّ فی ذلک هو أنّه لایعقل أن یکون الحاکم فی مقام جعل حکمه جاهلاً بموضوع حکمه و غیر ملاحظ له علی نحو الإطلاق و التقیید و علیه فإذا فرضنا خروج قسم من الأقسام من حکم العامّ، فإمّا یکون الباقی تحته بعد التخصیص مقیداً بنقیض المخصّص فیکون دلیل المخصّص رافعاً لإطلاقه فهو المطلوب، و إمّا یبقی علی اطلاقه بعد التخصیص أیضاً، فلیزم التهافت و التعارض بین مدلولی دلیل العامّ و دلیل التخصیص.

نعم هناک فرق بین المخصّص المتّصل و المخصّص المنفصل، فإنّ التقیید فی المخصّص المتّصل إنّما هو بحسب الدلالة التصدیقیة، إذ المفروض فی موارد التخصیص بالمتّصل أنّه لاینعقد الظهور للکلام إلّا فی الخاصّ من أوّل الأمر و هذا بخلاف التقیید فی موارد التخصیص بالمنفصل، فإنّ التقیید فیه إنّما یکون

ص: 309

بالإضافة إلی المراد الواقعی، لا بالنسبة إلی ما یستفاد من الکلام لفرض تمامیة الظهور فی العموم.

لکن هذا المقدار من الفرق لایکون بفارق فی المقام، بعد اشتراکهما فی تقیید المراد الواقعی.

المقدّمة الثانیة:

إنّ العنوان الخاصّ إذا کان من قبیل الأوصاف القائمة بالعنوان العامّ، سواء کان ذلک العنوان الخاصّ من العناوین المتأصلة أم من العناوین الانتزاعیة، فلامحالة یکون موضوع الحکم بعد التخصیص مرکّباً من المعروض و عرضه القائم به أعنی به مفاد «لیس» الناقصة، المعبّر عنه فی کلام العلّامة الأنصاری (قدس سره) بالعدم النعتی.

و السرّ فی ذلک هو: أنّ انقسام العامّ باعتبار أوصافه و نعوته القائمة به إنّما هو فی مرتبة سابقة علی انقسامه باعتبار مقارناته، فإذا کان التخصیص کاشفاً عن تقییدٍما و رافعاً لإطلاقه بمقتضی المقدّمة الأُولی، فلابدّ من أن یکون هذا التقیید بلحاظ الانقسام الأولی أعنی به الانقسام باعتبار نعوته و أوصافه، فیرجع التقیید إلی التقیید بمفاد «لیس» الناقصة.

و الدلیل علیه: أنّ التقیید لو کان راجعاً إلی التقیید بعدم مقارنته لوصفه القائم به علی نحو مفاد لیس التامّة، لیکون الموضوع فی الحقیقة مرکّباً من عنوان العامّ و عدم عروضه المحمولی فإمّا یکون ذلک مع بقاء الإطلاق بالإضافة إلی جهة کون العدم نعتاً لیرجع استثناء الفسّاق من العلماء فی قضیة «أکرم العلماء إلّا فسّاقهم» إلی تقیید العلماء، بأن لایکون معهم فسق سواء کانوا فاسقین أم لا، أو یکون ذلک مع التقیید من جهة کون العدم نعتاً أیضاً لیرجع مفاد القضیة المزبورة إلی

ص: 310

وجوب إکرام العلماء المعتبر فیهم أن لایکونوا فاسقین و أن لایکون معهم فسق و کلا الوجهین باطل:

أمّا الأوّل فلأنّه غیر معقول، لوضوح التدافع بین الإطلاق من جهة کون العدم نعتاً و التقیید بالعدم المحمولی.

و أمّا الثانی فلأنّه مستلزم للغویة التقیید بالعدم المحمولی، لکفایة التقیید بالعدم النعتی عنه و هذا هو المیزان الکلی فیما إذا کان الموضوع مرکّباً من العرض و محلّه، فإنّ اللازم فیه أن یکون التقیید بلحاظ مفاد «کان» الناقصة أو «لیس» الناقصة.

المقدّمة الثالثة:

إنّ تقابل الوجود النعتی (مفاد کان الناقصة) و العدم النعتی (مفاد لیس الناقصة) إنّما هو من قبیل تقابل العدم و الملکة، الذی یشترط فیه وجود الموضوع و یمکن فیه ارتفاع المتقابلین بارتفاع الموضوع القابل للاتصاف بهما، إذ الموضوع بعد وجوده هو الذی یوجد فیه الوصف فیکون الوجود نعتاً أو لایوجد فیه ذلک فیکون العدم نعتاً، و أمّا الموضوع قبل وجوده فهو غیر قابل لأن یعرضه الوجود النعتی أو العدم النعتی.

هذا بخلاف التقابل بین نفس وجود العرض المعبّر عنه بالوجود المحمولی (مفاد کان التامة) و عدم ذلک العرض المعبّر عنه بالعدم المحمولی (مفاد لیس التامّة) فإنّه من تقابل الإیجاب و السلب الذی لایمکن فیه ارتفاع المتقابلین و علیه فکما لایعقل تحقّق الوجود النعتی قبل وجود موضوعه، کذلک لایعقل تحقّق العدم النعتی المقابل له.

إذا عرفت هذه المقدّمات تعرف أنّ خروج المخصّص عن تحت العامّ یستلزم

ص: 311

تقیید الباقی بنقیض هذا العنوان بمقتضی المقدّمة الأُولی، و أنّه لابدّ من أن یکون هذا التقیید علی نحو مفاد لیس الناقصة بمقتضی المقدّمة الثانیة و أنّه یستحیل تحقّق هذا العنوان المأخوذ فی الموضوع قبل وجود موضوعه بمقتضی المقدّمة الثالثة.

فلایمکن إحراز قید موضوع حکم العامّ بأصالة العدم الأزلی فإنّ المستصحب إمّا یکون العدمَ النعتی المأخوذ فی الموضوع، فهو مشکوک فیه من أوّل الأمر و لا حالة سابقة له کما اعترف هو (قدس سره) بذلک.

و إمّا یکون العدمَ المحمولی الملازم للعدم النعتی بقاءً، فلایمکن إحراز تمام الموضوع باستحصاب العدم المحمولی إلّا علی القول بالأصل المثبت.

الإیراد علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ المقدّمة الأُولی و الثالثة فی غایة المتانة و لکن الکلام فی المقدّمة الثانیة و محل النزاع فیها هو أنّ المأخوذ فی موضوع حکم العامّ بعد التخصیص هل هو العدم النعتی أو العدم المحمولی، و الحق هو أنّ التقیید بلحاظ عدم الاتصاف بالعرض الوجودی لا بلحاظ الاتصاف بعدمه.

النظریة الخامسة: ما اختاره المحقّق العراقی (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ المرجع بعد سقوط العامّ عن الحجیة فیما شک فی کونه من مصادیق الخاصّ لفظیاً أو لبیاً إنّما هو الأُصول العملیة و حیئنذ لو کان هناک أصل حکمی من استصحاب وجوب أو حرمة و نحوه فلا إشکال.

ص: 312


1- . أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص337 و 331؛ المحاضرات (ط.ج): ج4، ص370.
2- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص275.

و أمّا الأصل الموضوعی فیبتنی جریانه علی المسلکین((1)) فی التخصیصات: تعنون العام بعنوان عدم المخصِّص و عدمه

فعلی المسلک الأوّل لا بأس بجریان الأصل الموضوعی فی المشتبه حیث یحرز به کونه من أفراد العامّ، فیحکم علیه بحکم العامّ بعد إحراز جزئه الآخر (و هو العالمیة) بالوجدان، نظیر سائر الموضوعات المرکبة التی یحرز بعضها بالأصل و بعضها بالوجدان ففی المقام أیضاً إذا جری استصحاب العدالة أو عدم الفسق فی الفرد المشکوک فبانضمام الإحراز الوجدانی للجزء الآخر و هو العالمیة یحرز ما هو موضوع حکم العامّ و هو العالم العادل، أو العالم الذی لم یکن فاسقاً فیحکم علیه بحکمه.

أمّا علی المسلک الثانی الذی هو المختار((2)) فلا مجال لجریان الأصل الموضوعی المزبور من جهة عدم ترتب أثر شرعی علیه حینئذ، فإنّه علی هذا المسلک لایکون لمثل هذه العناوین دخل فی موضوع الحکم و الأثر و لو علی نحو القیدیة حتی یجری فیها استصحابها، بل و إنّما موضوع الأثر حینئذ عبارة عن ذوات تلک الأفراد الباقیة بخصوصیاتها الذاتیة من دون طروّ لون علیها من قبل دلیل المخصّص.

و قد نقل المحقّق الخوئی (قدس سره) عنه فی المحاضرات أنّه یری أنّ التخصیص کالموت فکما أنّه لایتلون العامّ بموت بعض العلماء لایتلون بالتخصیص بهم.

ثم أورد علیه((3)) بأنّ القیاس باطل حیث إنّ الموت یوجب انتفاء الحکم بانتفاء

ص: 313


1- . تقدّم ذکرهما فی ابتداء الأمر الأوّل.
2- . و أیضاً اختاره المحقّق الإصفهانی؛ نهایة الدرایة، ج2، ص458.
3- . المحاضرات، ج4، ص364.

موضوعه فی مرحلة التطبیق و لکن التخصیص یوجب تقیید الحکم فی مرحلة الجعل فی مقام الثبوت بمعنی أنّ دلیل المخصّص یکشف عن أنّ الحکم من الأوّل خاصّ و فی مقام الإثبات یدلّ علی انتفاء الحکم مع بقاء الموضوع.

غایة الأمر هو اقتضاء خروج أفراد الفسّاق مثلاً لملازمة الأفراد الباقیة بعد التخصیص عقلاً للعدالة أو عدم الفسق و من المعلوم فی مثله حینئذ عدم إجزاء قضیة استصحاب العدالة أو عدم الفسق للمشکوک لإثبات کونه من الأفراد الباقیة الملازمة لعدم الفسق إلّا علی القول بالمثبت.

نعم لو کان مفاد الدلیل الخاصّ نقیضاً لحکم العامّ، کما لو کان مفاد العامّ وجوب إکرام العلماء و کان مفاد الخاصّ عدم وجوب إکرام الفسّاق من العلماء ففی مثله أمکن إثبات وجوب الإکرام الذی هو حکم العامّ بمقتضی استصحاب عدم الفسق، من جهة أنّه باستصحابه یترتب علیه نقیض اللاوجوب الذی هو عبارة عن وجوب الإکرام.

و هذا بخلافه فی فرض کون مفاد الخاصّ عبارة عن حرمة الإکرام التی هی ضد الحکم العامّ حیث إنّه فی مثله لایمکن إثبات وجوب الإکرام باستصحاب العدالة أو عدم الفسق لأنّ غایة ما یقتضیه الأصل المزبور هو عدم حرمة إکرام الفرد المشکوک لا وجوب إکرامه إلّا علی القول بالأصل المثبت.

مناقشات بعض الأساطین علی المحقّق العراقی (قدس سره):
المناقشة الأُولی:

إنّ القول بعدم التعنون مخدوش.((1))

ص: 314


1- . مرّ وجهه فی الأمر الأوّل، الرأی الخامس: استدلال بعض الأساطین علی التعنون.
المناقشة الثانیة:

إنّ الخاصّ یوجب تقیید الإرادة الجدّیة فی ناحیة العامّ بالنسبة إلی موضوعه حیث إنّه بعد ورود المخصّص لایعقل إطلاق الإرادة الجدّیة بالنسبة إلی موضوع العامّ و لایعقل أیضاً إهماله. (یلزم من ذلک تعنون العامّ حیث إنّ تقیید الإرادة الجدّیة لاینفک من لون للعامّ و تعنونه).

المناقشة الثالثة:

إنّ جریان الأصل العملی الحکمی إذا أُرید به الاستصحاب کما صرّح المحقّق العراقی (قدس سره) ممنوع، لأنّ المعتبر فی جریان الاستصحاب صدق عنوان «لاتنقض» بالنسبة إلی الیقین السابق، فلابدّ من وحدة الموضوع فی القضیة المتیقّنة و المشکوکة بأن یکون الفرد المشتبه داخلاً فی موضوع المتیقّنة ثم نشک فی خروجه عنه، و لکن الشبهة المصداقیة هنا لیس من هذا القبیل لأنّ شمول العامّ له مشکوک من أوّل الأمر، فعلی هذا أرکان الاستصحاب لایتم بالنسبة إلی الفرد المشتبه فی الشبهة المصداقیة.

المناقشة الرابعة:

إنّ ما أفاده (قدس سره) - من أنّه إذا کان الفرق بین حکم العامّ و حکم المخصّص بنحو التضادّ فالاستصحاب یکون أصلاً مثبتاً و إذا کان بنحو التناقض فالاستصحاب جار و نتیجته جریان حکم العامّ - ممنوع، لأنّ رفع عدم الوجوب لیس هو عین الوجوب بل الوجوب مصداق له فإنّ مفهوم نفی النفی لیس هو عین مفهوم الإثبات بل نفی النفی یصدق علی الإثبات، إلّا إذا قلنا بجریان الاستصحاب مع خفاء الواسطة کما هو مختار الشیخ (قدس سره) و لکن نحن لانلتزم بذلک.

ص: 315

فالاستصحاب هنا أصل مثبت، کما أنّ استصحاب عدم الفسق بالنسبة إلی إثبات العدالة أیضاً أصل مثبت.

ص: 316

التنبیه الأوّل: دوران الأمر بین التخصیص و التخصّص

دوران الأمر بین التخصیص و التخصّص فی الفرد الذی حکمه خلاف حکم العامّ.

إذا ورد عامّ مثل أکرم العلماء و جاء دلیل آخر یدلّ علی حرمة إکرام زید مثلاً و لا ندری هل یکون زید من أفراد العامّ و قد خرج عنه بالتخصیص أو لیس من أفراد العامّ بل هو خارج عنه تخصّصاً، فهل تجری هنا أصالة العموم و عدم التخصیص حتی یثبت کونه خارجاً عن العامّ بالتخصّص؟ و مثّل لذلک فی المحاضرات((1)) بملاقی ماء الاستنجاء فهل یکون داخلاً تحت عموم ما دلّ علی انفعال ملاقی النجس و قد خرج عنه بالتخصیص لورود ما یدلّ علی طهارته، أو کان خارجاً عن تحت هذا العموم بالتخصّص.

فاختلف الأعلام فی تقدّم التخصیص علی التخصّص أو العکس، و المشهور بینهم هو أنّ التخصّص مقدّم علی التخصیص و استدلّوا علی ذلک بأصالة عدم التخصیص و أصالة العموم.((2))

و الحق هو عدم جریان أصالة العموم و أصالة عدم التخصیص فی المقام، لأنّ الأصول اللفظیة تجری فی ما إذا کان المراد مشکوکاً، و أمّا إذا کان المراد

ص: 317


1- . المحاضرات (ط ج)، ج 4، ص391.
2- . مطارح الأنظار، (ط ق): ص194 و (ط ج): ج 2، ص149؛ أجود التقریرات، ط ق، ج 2، ص157؛ تنقیح الأصول، ج 2، ص: 366؛ تحقیق الأصول، ج 4، ص313؛ مقالات الأصول، ج1، ص450- 451؛ تهذیب الأصول، ج 2، ص206؛ کفایة الأصول، ص264؛ عمدة الأصول، ج 4، ص118؛ المحاضرات (ط ق)، ج 5، ص236.

معلوماً فلم یثبت جریان السیرة العقلائیة علی التمسّک بالأصول اللفظیة، کما صرّح بذلک المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .

ص: 318

التنبیه الثانی: صورة أُخری من دوران الأمر بین التخصیص و التخصص

اشارة

فیه قولان:

إذا ورد دلیل عامّ مثل «أکرم العلماء» و ورد بعد ذلک دلیل آخر مثل «یحرم إکرام زید» و لکن تردّد أمر زید من جهة الشبهة المفهومیة و شککنا فی أنّ المراد منه هو زید العالم أو زید الجاهل، فإن کان المراد منه زیداً العالم فیکون الدلیل الثانی مخصّصاً للعامّ و إن کان المراد منه زیداً الجاهل فیکون خارجاً عن العامّ تخصّصاً.

القول الأوّل:

قال المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) بالتمسّک بالعامّ بالنسبة إلی زید العالم حتی یجری فیه حکم العامّ و بذلک ینحل العلم الإجمالی بحرمة إکرام زید العالم أو زید الجاهل، لأنّه بعد جریان حکم العامّ علی زید العالم ینطبق حرمة الإکرام علی زید الجاهل.

فعلی هذا إجمال الخاصّ لایسری إلی العامّ بل العامّ یوجب رفع الإجمال عن الخاصّ.

القول الثانی:
اشارة

اختار بعض الأساطین (دام ظله) عدم جواز التمسّک بالعامّ فی هذا المقام لأنّ السیرة

ص: 319


1- . أجود التقریرات، ج2، ص318.
2- . المحاضرات، ج4، ص391.

العقلائیة قائمة علی التمسّک بالعامّ فی موارد الشک البدوی و ما یرجع إلیه (مثل الشبهة المفهومیة بین الأقلّ و الأکثر)، أمّا فی موارد العلم الإجمالی بخروج أحد الفردین عن تحت العامّ فلم یثبت السیرة العقلائیة علی التمسّک بالعامّ. ((1))

یمکن الملاحظة علیه:

إنّ العامّ یشمل زیداً العالم و لم یثبت وجود المخصّص للعامّ حتّی نقول بتعنون العامّ بعدم المخصّص (کما قد تقدّم فی الشبهة المفهومیة فی المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین) و حیث إنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجّة فتدلّ العامّ علی وجوب إکرام زید العالم و إثبات حرمة إکرام زید الجاهل و ینحلّ العلم الإجمالی و السیرة العقلائیة قائمة علی التمسّک بالعموم فیما إذا شک فی خروج فرده و إنّما الکلام فی مانعیة العلم الإجمالی و قد عرفت أنّه لیس بمانع عنه.

ص: 320


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص315.

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص

اشارة

ص: 321

ص: 322

عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص

فیه مقدمة و أمران:

إنّ الأعلام اتفقوا علی لزوم الفحص عن المخصّص و لکن اختلفوا فی وجه ذلک أوّلاً و فی المقدار الواجب من الفحص ثانیاً، و لذا لابدّ من البحث فی مقامین.((1))

ص: 323


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص157: هدایة [- هل یجوز الأخذ بالعام قبل الفحص عن المخصّص] الحقّ کما علیه المحقّقون عدم جواز الأخذ بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص. و ربّما نفی الخلاف فیه کما عن الغزالی و الآمدی، بل ادّعی علیه الإجماع کما عن النهایة. و حکی عن ظاهر التهذیب اختیار الجواز و تبعه العمیدی و المدقّق الشیروانی و جماعة من الأخباریة، منهم صاحب الوافیة و شارحها و مال إلیه بعض الأفاضل فی المناهج. و حکی من بعضهم: أنّ مراد القائل بالجواز وجوب الاعتقاد بالعموم واقعا حتی یظهر المخصّص فیحکم بکونه ناسخا. اللّهم إلّا أن یکون مرادا لبعض من لم نقف علی کلامه. و نقل التفصیل بین ضیق الوقت فالجواز و بین عدمه فالمنع عن بعض. و قیل: إنّه مبنی علی جواز تأخیر البیان عن وقت الخطاب، و هو علی تقدیر صحّته ممّا ینادی کلام المجوّز بخلافه. و کیف کان، فمن اللازم تقدیم مقدّمة یعلم فیها أمران... . و فی المفاتیح، ص187: اختلفوا فی جواز العمل بالعمومات الشرعیة و التّمسک بها قبل البحث و الفحص عن مخصّصها أولاً علی قولین الأوّل أنّه لایجوز فلایجوز الحکم بصحة عقد و لا بحلیة طیب بمجرّد ملاحظة قوله تعالی أوفوا بالعقود أحلّ لکم الطّیبات من غیر فحص عن مخصّصها فلو حکم به کان کمن حکم بمجرّد التشهی و هو للنّهایة و المنیة و المعالم و الزبدة و شرحها لجدی الصّالح رحمه الله و المختصر و الإحکام و المحکی عن ابن شریح و إمام الحرمین و الغزالی و فی شرح الزبدة لجدی الصّالح هذا ممّا ذهب إلیه جمّ غفیر من محقّقین و فی حاشیة الفاضل الشیروانی أنّه مذهب أکثر الأصولیین الثانی أنّه یجوز و هو للمحکی فی النهایة و المنیة عن الصیرفی و المحکی فی شرح الزبدة لجدی الصالح عن العلامة و صاحب المنهاج و استفاده فی المعالم من التهذیب و یظهر من الفاضل الشیروانی فی حاشیة المعالم المصیر إلیه للأوّلین وجوه و فی ص191: هل یلزم علی المختار من لزوم الفحص عن المخصص فی التمسّک بالعمومات الفحص عنه حتی یحصل العلم بعدمه فلو لم یحصل العلم لم یجز العمل بها مطلقاً و لو حصل الظن المتأخم إلی العلم بعدمه أولا بل یکفی الظن بالعدم اختلفوا فی ذلک علی قولین الأوّل أنّه لایشترط العلم بعدم المخصّص و هو للنهایة و التهذیب و المنیة و المعارج و الزبدة و شرحها لجدی رحمه الله و الإحکام و المختصر و شرحه للعضدی و شرح الشرح و المحکی فی الإحکام عن الغزالی و إمام الحرمین و ابن شریح و فی المعالم و شرح الزبدة لجدی الصّالح و الإحکام و المختصر و شرحه للعضدی أنّه مذهب الأکثر الثانی أنّه یشترط ذلک و هو للمحکی فی جملة من الکتب عن القاضی و فی الإحکام هو مذهب القاضی أبی بکر و جماعة من الأصولیین للأولین ما تمسّک به فی الزبدة و المعالم و المنیة و شرح الزبدة لجدی الصّالح و الإحکام و المختصر و شرحه للعضدی.

ولکن قبل الورود فی البحث یجب تقدیم مقدّمة نافعة (کما قدّمها المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) قبل الورود فی البحث).

ص: 324

مقدّمة:

اشارة

هل یفترق الفحص فی موارد الأُصول اللفظیة عن الفحص فی موارد الأُصول العملیة؟

قال صاحب الکفایة((1)) و المحقّق النائینی (قدس سرهما) بالفرق بینهما و خالفهما المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال بعدم الفرق.

نظریة المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما)

((2)):

إنّ الفحص فی هذا المقام و نظائره فحص عن المزاحم لحجیة الدلیل بعد تمامیة المقتضی (و هو ظهوره فی العموم فی هذا البحث) أمّا الفحص فی الشبهات البدویة فحص عن أصل الحجیة و تمامیة المتقضی.

أمّا فی البراءة العقلیة فلأنّ العقل لایستقل بقبح العقاب بلا بیان ما لم یتحقّق الفحص و لذا لایحرز موضوع البراءة العقلیة و هو عدم البیان قبل الفحص.

و أمّا فی البراءة الشرعیة فلأنّ أدلّة حجیة البراءة الشرعیة و إن کانت مطلقة بالنسبة إلی الفحص إلّا أنّ الدلیل العقلی قام علی لزوم الفحص و الدلیل النقلی و الإجماع أیضاً قاما علی لزوم الفحص و لهذا یکون موضوع البراءة النقلیة و هو «ما لایعلمون» مقیداً بما بعد الفحص.

ص: 325


1- . کفایة الأصول، ص226.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص351.
إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذه النظریة

((1))

إنّ الفحص فی کلا المقامین تارة عن ثبوت المقتضی و الموضوع و أُخری عن وجود المزاحم و المانع.

فإنّ العمومات الواردة فی الکتاب و السنّة أو من الموالی العرفیة علی نحوین:

النحو الأوّل: ما کان فی معرض التخصیص بحیث قد قامت قرینة علی أنّ المتکلّم قد اعتمد فی بیان مراداته علی القرائن المنفصلة المتقدّمة أو المتأخرة زماناً و لایبین ذلک فی مجلس واحد لأجل مصلحة تقتضی ذلک أو مفسدة فی البیان کخلاف تقیة أو نحوها، و هذه العمومات لایکون حجّة قبل الفحص لعدم إحراز بناء العقلاء علی العمل بها قبل الفحص (فإنّ دلیل حجیتها هو بناء العقلاء) و مثال ذلک العمومات الواردة فی الکتاب حیث إنّ الله تعالی أوکل بیانه إلی النبی (صلی الله علیه و آله) و الأوصیاء (علیهم السلام) و مثل العمومات الواردة عنهم (علیهم السلام) و هذه العمومات لامقتضی للعمل بها قبل الفحص و حالها حال البراءة الشرعیة و العقلیة فی الشبهات الحکمیة.

النحو الثانی: ما لم یکن فی معرض التخصیص، فهذه العمومات کاشفة عن أنّ المراد الاستعمالی مطابق للمراد الجدّی و ظاهرة فی ذلک و هذا الظهور حجّة ما لم تقم قرینة علی الخلاف و حینئذ لا مانع من العمل بتلک العمومات قبل الفحص لجریان السیرة العقلائیة علی العمل بها قبل الفحص.

و مثال ذلک أکثر العمومات الواردة من الموالی العرفیة بالإضافة إلی عبیدهم و خدمهم أو من الموکلین بالإضافة إلی وکلائهم أو من الأُمراء بالإضافة إلی المأمورین.

ص: 326


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص405.

نعم إذا علم إجمالاً بورود مخصّص علیها فعندئذ یجب الفحص لأجل هذا العلم الإجمالی، و الفحص حینئذ لوجود المانع و المزاحم مع ثبوت المقتضی له و ذلک مثل الأُصول العملیة فی الشبهات الموضوعیة فإنّ المقتضی للعمل بها تامّ و لایتوقف علی الفحص إلّا فی موارد العلم الإجمالی مثل العلم الإجمالی بنجاسة أحد الإناءین. فتحصل أنّه لا فرق بین الفحص فی موارد الأمارات و الأُصول العملیة.

ص: 327

الأمر الأوّل:

اشارة

فی الأدلّة التی أقاموها علی عدم جواز التمسّک بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص، و هی ستة:((1))

ص: 328


1- . راجع فرائد الأصول، ج 2، ص412 و قال فی المطارح ص162-179: [وجوه القول بعدم جواز الأخذ بالعامّ قبل الفحص:] الأوّل: ما قاله بعض الأعلام فی الإشارات (الإشارات: 158) بعد ما نقله عن الوافیة، و محصّله: أنّ إطاعة اللّه و إطاعة خلفائه واجبة و هی لاتتحقّق إلّا بعد العلم بالمراد أو الظنّ، و هو لایحصل إلّا بالفحص. الثانی: أنّه لا إشکال فی أنّ الخاصّ أقوی من العامّ و العمل بأقوی الدلیلین واجب إجماعاً و نصّاً فیجب تحصیله؛ لکونه من الواجبات المطلقة، و هو المراد بالفحص. الثالث: أنّه لا سبیل إلی تشخیص تخصیص المراد من العامّ إلّا بأصالة عدم التخصیص، و هی موهونة فی المقام. الرابع من الأدلّة: دعوی الإجماع علی الفحص و الالتزام به. الخامس: الأخبار الدالّة علی أنّ فی الکتاب و السنّة عامّاً و خاصّاً و مطلقاً و مقیداً، کما ورد فی نهج البلاغة 325، الخطبة 210. و غیره فی الوسائل، ج18، ص129 و 152، الباب 13 و 14 من أبواب صفات القاضی. احتج المجوّز بأمور: الأوّل: ما حکاه الآمدی فی الإحکام، ج3، ص56 عن الصیرفی من التعویل علی الظنّ الحاصل من أصالة عدم التخصیص. الثانی: أنّه لو وجب الفحص عن المخصّص لوجب الفحص عن قرینة المجاز أیضاً و التالی باطل، و الملازمة ظاهرة، حیث إنّه لا فارق. الثالث: إطلاق ما دلّ من الآیات و غیرها علی اعتبار أخبار الآحاد کآیة النبأ و النفر و السؤال فإنّ قضیة إطلاقها وجوب الأخذ بالخبر من دون انتظار أمر آخر من الفحص و غیره. الرابع: ما أشار إلیه المستدلّ المتقدّم و اعتمد علیه فی الوافیة و قرّره بوجه أتمّ و أتقن بعض الأفاضل، فقال: الضرورة الدینیة واقعة علی اشتراکنا مع الموجودین المشافهین فی التکلیف، و لازمه لزوم تحصیل تکلیفاتهم، و لایمکن ذلک إلّا بالرجوع إلی ما خوطبوا به، و تحصیل تکلیفهم منها لایمکن إلّا بتحصیل طرق فهمهم، و هو الغرض من تأسیس الأصول اللفظیة، و لازم ذلک استخراج الأحکام من الأخبار بطریق استخراجهم، و إذا علمنا أنّهم لایتربّصون للفحص عن المخصّص کما هو معلوم لمن استعلم حال السلف، فإنّ الصحابة و التابعین کانوا یعملون بالعمومات و یحتجّون بها علی المتنازعین و لم یطلب أحد من المتنازعین فی المسألة التوقف من صاحبه حتی یبحث عن المعارض، فکیف نتربّص فی العمل بهذه العمومات، فهل هذا إلّا التناقض؟ و من هنا یظهر وجه آخر، و هو تقریر الإمام علیه السّلام العامل بها من دون فحص، فیکون حجّة أخری علی الخصم. الخامس: ما استدلّ به بعض الأفاضل (و هو المحقّق النراقی فی المناهج، ص111): من أخبار التسامح المستفیضة الواردة فی من بلغه ثواب، فإنّ إطلاق تلک الأخبار یدلّ علی کون العامل بالعموم مثاباً فی جمیع أفراده. و عن بعض الأساطین علی ما فی تحقیق الأصول، ج4، ص317: فالمشهور بل کاد یکون متَّفقاً علیه ذلک، إلّا أنّ الاختلاف فی کیفیة إقامة الدلیل. فقد ذهب جماعة إلی أنّه لمّا کان مناط الأخذ بالأصول اللفظیة هو الظن الشخصی بالمراد، فإنّه ما لم یفحص عن المخصّص أو المقید أو القرینة، لایحصل الظنّ الشخصی حتی یأخذ بأصالة العموم أو الإطلاق أو الحقیقة. و هذا الوجه یبتنی- کما عرفت- علی القول بدوران حجیة الاصول مدار الظن الشخصی، لکن التحقیق دورانه مدار الظن النوعی و ذهب المیرزا القمی فی قوانین الأصول ج1، ص233 إلی وجهٍ آخر و هو: إنّه لمّا کانت الخطابات الشرعیة مختصّةً بالمشافهین، و سائر الناس مکلّفون بها من باب الظن المطلق، فالقدر المتیقّن من دلیل اعتبار الظن المطلق هو حالة بعد الفحص عن المخصّص. و هذا الوجه- کما تری- مبنی علی اختصاص الخطابات الشرعیة بالمشافهین و قانون الانسداد، و مع القول بعدم انسداد باب العلمی، و أیضاً عدم اختصاص الخطابات ... یسقط. فالعمدة هو الأدلة المقامة من الشیخ و صاحب (الکفایة) و المیرزا، و هی ثلاثة.
الدلیل الأوّل:
اشارة

إنّ حجیة أصالة العموم تدور مدار حصول الظنّ بمراد المولی و بما أنّ العامّ لایفید الظنّ بمضمونه قبل الفحص عن المخصّصات، فیجب الفحص حتّی یحصل الظنّ به فلزوم الفحص إنّما هو لتحصیل الظنّ به.

ص: 329

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

أوّلاً: إنّه أخصّ من المدّعی، لأنّ المدّعی هو وجوب الفحص مطلقاً و إن فرض حصول الظن قبل الفحص، مع أنّ لازم هذا الوجه هو عدم وجوب الفحص فی فرض حصول الظنّ قبل الفحص.

ثانیاً: إنّ حجیة أصالة العموم إنّما هی من باب إفادة الظنّ النوعی دون الشخصی فلایضرّ بحجیة أصالة العموم قیام الظنّ الشخصی علی الخلاف.

الدلیل الثانی:
اشارة

((2))

قال الشیخ (قدس سره): إنّ العلم الإجمالی بورود معارضات کثیرة بین الأمارات الشرعیة التی بأیدینا الیوم حاصل لمن لاحظ الکتب الفقهیة و استشعر اختلاف

ص: 330


1- 1. المحاضرات، ط.ج. ج4، ص408.
2- 2. و هو دلیل عقلی عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی المطارح، (ط.ق): ص202: إنّ العلم الإجمالی بورود معارضات کثیرة بین الأمارات الشرعیة التی بأیدینا الیوم حاصل لمن لاحظ الکتب الفقهیة و استشعر اختلاف الأخبار، و المنکر إنّما ینکره باللسان و قلبه مطمئن بالإیمان بذلک، و لایمکن إجراء الأصول فی أطراف العلم الإجمالی- کما قرّرناه فی محلّه- فتسقط العمومات عن الحجیة للعلم بتخصیصها إجمالاً عند عدم الفحص. و أمّا بعد الفحص فیستکشف الواقع و یعلم أطراف الشبهة تفصیلا بواسطة الفحص ...» إلی أن قال: فإن قلت: إنّ هذا العلم الإجمالی إنّما هو من شعب العلم الإجمالی بمطلق التکالیف الشرعیة التی تمنع عن الرجوع إلی الأصول فی مواردها، و احتمال ثبوت التکلیف فی موارد العام و أفراده إنّما هو بواسطة ذلک العلم الإجمالی باق و حکم ذلک العلم الإجمالی باق بعد الفحص ما لم یقطع بعدم المخصّص، و قیام الظن مقامه یوجب التعویل علی الظن المطلق کما عرفت فیما تقدم. قلت: إنّ العلم الإجمالی بثبوت مطلق التکالیف الذی أوجب الفحص عن مطلق الدلیل یکفی فی رفع حکمه الأخذ بظاهر العموم المعمول فیه الاصول، و ما هو المدعی فی المقام یغایر ذلک العلم الإجمالی و لا مدخل لأحدهما بالآخر وجودا و عدماً. نقل هذا الدلیل فی منتهی الأفکار، ص279 و أورد علیه.

الأخبار، و المنکر إنّما ینکر باللسان و قلبه مطمئن بالإیمان بذلک، و لایمکن إجراء الأُصول فی أطراف العلم الإجمالی کما قرّرنا فی محلّه، فیسقط العمومات عن الحجیة للعلم بتخصیصها إجمالاً عند عدم الفحص، و أمّا بعد الفحص فیستکشف الواقع و یعلم أطراف الشبهة تفصیلاً بواسطة الفحص.

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

لو کان هذا العلم الإجمالی هو المقتضی لوجوب الفحص، فبطبعیة الحال إنّما یقتضی وجوبه مادام لم ینحلّ فإذا انحلّ العلم الإجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال، لم یکن مقتضٍ لوجوب الفحص بعده لامحالة.

و علیه فلا مانع من التمسّک بالعموم قبل الفحص، مع أنّ المدّعی وجوب الفحص مطلقاً و لو بعد الانحلال، و من هنا یعلم أنّ العلم الإجمالی بما هو لا یصلح أن یکون مدرکاً لوجوبه علی الإطلاق.

الدلیل الثالث:
اشارة

((2))

لیس المیزان فی انحلال العلم الإجمالی مجرّد وجود القدر المتیقن فی البین، لیترتّب علیه انحلال العلم الإجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال من التکالیف أو المخصّصات، المستلزم لعدم وجوب الفحص بعد ذلک عند احتمال تکلیف أو تخصیص، بل المیزان فی الانحلال أمر آخر لابدّ فی توضیحه من بیان أُمور:

الأوّل: إنّه لابدّ فی موارد العلم الإجمالی من تشکیل قضیة شرطیة علی سبیل

ص: 331


1- 1. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص411.
2- . و هو أیضاً دلیل عقلی عن المحقّق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج2، ص355.

منع الخلوّ، ضرورة أنّه لازم العلم بأصل وجود الشیء، مع الشک فی خصوصیته و انطباقه علی کل واحد من أطرافه.

الثانی: إنّ موارد العلم الإجمالی مختلفة

المورد الأوّل: أن تکون القضیة الشرطیة (التی لابدّ منها فی موارد العلم الإجمالی) مؤتلفة من قضیة متیقّنة و قضیة أُخری مشکوک فیها، کأن یشک المدین بین الألف و الألفین و هذا فی موارد دوران الأمر بین الأقلّ و الأکثر.

و انحلال العلم الإجمالی فی هذا المورد مما لا ریب فیه بل فی الحقیقة لا علم إجمالی.

المورد الثانی: أن تکون القضیة الشرطیة مؤتلفة من قضیتین، تکون کلّ منهما مشکوکاً فیها، و ذلک مثل ما إذا علمنا إمّا بنجاسة هذا الإناء و إمّا بنجاسة الإناء الآخر و هذا فی موارد دوران الأمر بین المتباینین.

و هنا لا ریب فی عدم انحلال العلم الإجمالی.

المورد الثالث: أن تکون تلک القضیة، جامعة لکلتا الخصوصیتین، فهی من جهة تکون مؤتلفة من قضیة متیقّنة و أُخری مشکوک فیها، و من جهة أُخری مؤتلفة من قضیتین مشکوک فیهما، و لازم ذلک انحلال العلم الإجمالی إلی علمین إجمالیین أحدهما من قبیل القسم الأوّل و الثانی من قبیل القسم الثانی.

مثال ذلک: هنا إناءان أحدهما لزید و لانعرفه بعینه ثمّ علمنا بوجوب الاجتناب إمّا عن الإناء الأوّل و إمّا عن کلا الإناءین وهذا مورد العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ والأکثر و بعد ذلک قال المولی بوجوب الاجتناب عن إناء زید و هذا یوجب العلم الإجمالی بوجوب الاجتناب عن الإناءین من باب التردید بین

ص: 332

المتباینین ثم إنّ فی انحلال العلم الإجمالی فیه و عدم انحلاله خلافاً، و توهّم الانحلال فیه هو الموجب لتوهّم الانحلال فی المقام.

و لکن التحقیق عدم الانحلال لأنّ العلم الإجمالی المردد بین الأقلّ و الأکثر و إن کان منحلاً بالاجتناب عن المقدار الأقلّ (و هو الإناء الأوّل) إلّا أنّ وجوب الاجتناب عن إناء زید منجّز و لاینحلّ بالاجتناب عن الإناء الأوّل.

تطبیق هذا علی هذا البحث: إنّ هنا علمین إجمالیین، أحدهما العلم الإجمالی بوجود المخصّصات فیما بأیدینا من الکتب المعتبرة و هذا من قبیل العلم الإجمالی المردّد بین المتباینین، بأنّ هذه المخصّصات إما لهذا العامّ أو للعامّ الآخر و ثانیهما العلم الإجمالی بوجود المخصّصات و هو مردّد بین الأقلّ و الأکثر.

و العلم الإجمالی الأوّل لاینحلّ و إن انحلّ العلم الإجمالی الثانی بالظن بالمقدار المتیقّن من المخصّصات (و القدر المتیقّن هو المقدار الأقلّ).

فلایجوز العمل بالعامّ قبل الفحص لعدم انحلال العلم الإجمالی فلابدّ من الفحص حتّی یجوز العمل بالعامّ.

قد ناقش فیه بعض الأساطین (دام ظله):
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی:

إنّ ما أفاده لاینطبق علی ما نحن فیه، لأنّ العلم الإجمالی بوجود المخصّصات فیما بأیدینا من الکتب المعتبرة أیضاً من موارد العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ و الأکثر و ینحل ذلک بالظفر بالمقدار الأقلّ من المخصّصات.

ص: 333


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص320.
المناقشة الثانیة:

إنّ ما أفاده لایتمّ علی مختاره فی مبحث تنجیز العلم الإجمالی.

توضیح ذلک: إنّ فی مبحث العلم الإجمالی قولین:

القول الأوّل: الذی اختاره الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) و هو القول بالاقتضاء.

القول الثانی: الذی اختاره المحقّق العراقی (قدس سره) و هو القول بالعلّیة.

و مقتضی القول بمسلک الاقتضاء هو أنّه إذا لم یجر الأصل بالنسبة إلی أحد الطرفین للعلم الإجمالی للعلم بالنجاسة فهو جار بالنسبة إلی الطرف الآخر بلا معارض و ینحلّ بذلک العلم الإجمالی ولایبقی علی التنجیز، سواء کان العلم الإجمالی مردداً بین الأقلّ و الأکثر أم کان مردّداً بین المتباینین و فیما نحن فیه إنّ الظفر بالقدر المتیقّن من المخصّصات کما یوجب انحلال العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ و الأکثر یوجب انحلال العلم الإجمالی المردّد بین المتباینین حیث إنّ أحد الطرفین من هذا العلم الإجمالی قد ظفرنا به و تجری البراءة بالنسبة إلی الطرف الآخر.((1))

نعم علی مسلک المحقّق العراقی (قدس سره) - و هو القول بالعلیة- لایمکن إجراء البراءة بالنسبة إلی الطرف الآخر فی مقامنا هذا.

المناقشة الثالثة:

إنّ مانعیة العلم الإجمالی مبنی علی ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) ((2)) و اختاره

ص: 334


1- . نهایة الأفکار، ج(1- 2)، ص529.
2- . کفایة الأصول، ص226.

المحقّق النائینی (قدس سره) من أن الفحص عن المخصّص هو الفحص عما هو مزاحم لحجیة أصالة العموم.

ولکن الحق کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) هو أنّ عمومات الکتاب و السنّة لما کانت فی معرض التخصیص فالفحص فیها عن المخصّص هو بمعنی عدم تمامیة الحجیة و اقتضائها فی طرف العامّ.

الدلیل الرابع:

الدلیل الرابع: ((2))

إنّ العقل یستقلّ بلزوم الفحص عن المخصّصات بحیث إنّه قبل الفحص لا اقتضاء لحجیة عمومات الکتاب و السنّة.

توضیحه: إنّ ما دلّ علی وجوب الفحص عن الحجّة فی موارد الأُصول العملیة هو بنفسه دلیل علی وجوب الفحص فی الأُصول اللفظیة. فإنّ العقل یستقلّ بأنّ وظیفة المولی لیست إلّا تشریع الأحکام و إظهارها علی المکلّفین بالطرق العادیة، ولایجب علیه تصدّیه لجمیع ما له دخل فی الوصول إلیهم أی لایجب علی المولی إیصال التکلیف إلی العبد و لو بغیر الطرق العادیة المتعارفة إذا امتنع العبد من الاطلاع علی تکالیف مولاه بتلک الطرق.

کما أنّ العقل یستقلّ أیضاً بأنّ وظیفة العبد إنّما هی الفحص عن تکالیف المولی التی جعلها و أظهرها بالطرق العادیة لئلّایقع فی مخالفتها، ضرورة أنّه لو لم یتصدّ للفحص عنها و تمسّک بأصالة البراءة أو استصحاب العدم فی کل مورد احتمل التکلیف فیه لزم إبطال فائدة بعث الرسل.

ص: 335


1- . المحاضرات (ط ج): ج 4، ص421.
2- . و هو أیضاً دلیل عقلی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص426.

و هذا الوجه بعینه جار فی موارد الرجوع إلی الأُصول اللفظیة، فإنّ المکلّف لو تمسّک بها بدون الفحص عن القرائن علی خلافها، مع علمه بأنّ بیان الأحکام الشرعیة کان علی نحو التدریج و بالطرق العادیة المتعارفة، لوقع فی مخالفة تلک الأحکام کثیراً و لایکون معذوراً، حیث إنّ العقل یری أنّ وظیفته هی الفحص عن القرائن المحتملة فی الواقع و أنّه لو تفحّص عنها لوصل إلیها لو کانت موجودة و معه کیف یکون معذوراً.

الدلیل الخامس:

و هو دلیل عقلائی أفاده المحقّق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))

و قبل بیان الدلیل لابدّ من الإشارة إلی أنّ أصالة العموم من الأُصول اللفظیة التی مبنی حجیتها بناء العقلاء و سیرتهم و ملاک سیرة العقلاء هو أنّهم یرون التطابق بین الإرادة الاستعمالیة و الإرادة الجدّیة إلّا فیما إذا قامت قرینة علی خلاف ذلک.

أمّا استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی ذلک:((3)) فهو أنّه لایجوز التمسّک بالعامّ قبل الفحص، فیما إذا کان العامّ فی معرض التخصیص، کما هو الحال فی عمومات الکتاب و السنّة و ذلک لأجل أنّه لولا القطع باستقرار سیرة العقلاء علی عدم العمل بالعامّ قبل الفحص فلا أقلّ من الشک. کیف؟ و قد ادّعی

ص: 336


1- . نهایة الأفکار، ج1-2، ص529.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص320.
3- . کفایة الأصول، ص226 .

الإجماع علی عدم جواز التمسّک بأصالة العموم، فضلاً عن نفی الخلاف عنه، و هو کافٍ فی عدم الجواز.

و أمّا إذا لم یکن العامّ فی معرض التخصیص، کما هو الحال فی غالب العمومات الواقعة فی ألسنة أهل المحاورات، فلا شبهة فی أنّ السیرة علی العمل به بلا فحص عن المخصّص.

الدلیل السادس:
اشارة

و هو دلیل نقلی أفاده المحقق العراقی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) .((2))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) استدلّ علی ذلک بالآیات و الروایات الدالّتین علی وجوب التعلّم و الفحص.

أمّا الآیات: فمنها قوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون).((3))

و منها قوله تعالی: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ).((4))

أمّا الروایات: فمنها قوله (علیه السلام) «إنّ الله تعالی یقول لعبده فی یوم القیامة: هلّا عملت؟ فقال: ما علمت فیقول: هلّا تعلّمت».((5))

ص: 337


1- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص530.
2- . المحاضرات، ط.ج. ج4، ص427؛ أجود التقریرات، ج2، ص360.
3- . سورة النحل(16):43.
4- . سورة التوبة(9):122.
5- . قال أخبرنی أبو القاسم جعفر بن محمد قال حدثنی محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری عن أبیه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زیاد قال سمعت جعفر بن محمد (علیه السلام)، وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یقُولُ لِلْعَبْدِ یوْمَ الْقِیامَةِ عَبْدِی أَ کُنْتَ عَالِماً؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَ فَلَا عَمِلْتَ بِمَا [ممّا] عَلِمْتَ؟ وَ إِنْ قَالَ کُنْتُ جَاهِلًا قَالَ لَهُ أَ فَلَا تَعَلَّمْتَ حَتَّی تَعْمَلَ فَیخْصِمُهُ وَ ذَلِکَ (الْحُجَّةُ الْبَالِغَة). الأمالی للمفید، ص228، المجلس السادس و العشرون، ح6 و ص292، المجلس الخامس و الثلاثون، ح1؛ الأمالی للطوسی، ص9، المجلس الأول، ح10، و.. و فی فرائد الأصول، ج2، ص413: «یقال للعبد یوم القیامة هل علمت؟ فإن قال نعم، قیل: فهلا عملت؟ و إن قال: لا! قیل له هلا تعلمت حتی تعمل؟».

و هذا الوجه لایختص بموارد الرجوع إلی الأُصول العملیة، بل یعمّ غیرها من موارد الرجوع إلی الأُصول اللفظیة أیضاً ضرورة أنّه لایکون فی الآیات و الروایات ما یوجب اختصاصهما بها.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علی الدلیل السادس:

((1))

إنّ هذه الآیات و الروایات تختصّ بمن لا حجّة عنده، فالموضوع فیها عدم الحجّة و البحث هنا فی وجوب الفحص و عدم حجیة العامّ قبل الفحص.

یمکن أن یلاحظ علیه:

إنّ المخصّص حجّة و یجب علی المکلّف الفحص عنها بمقتضی الآیات و الروایات، فالمکلّف من حیث عدم اطّلاعه علی المخصّص یعدّ ممّن لا حجّة عنده، و هذا الدلیل یوجب الفحص عنه و تعلّمه.

و لما کان المخصّص یوجب تعنون العامّ فیکون تعیین موضوع حجیة العامّ و العلم به متوقفاً علی العلم بالمخصّص، فلایمکن التمسّک بالعامّ قبل الفحص عنه بل یجب تعلّم موضوع حجیة العامّ قبل العمل به بمقتضی الآیات و

ص: 338


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص322: أنّ تلک الأخبار إنّما یتمسّک بها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص، لا لعدم حجیة العام قبل الفحص، و الاستدلال بها لما نحن فیه مستلزم للدور. لأنّ الخطاب المذکور إنّما یتوجّه إلی من لا حجّة لدیه، فموضوعه عدم الحجّة، فکیف یکون حجّةً علی وجوب الفحص عن المخصص و عدم حجیة العام قبله؟

الروایات فتحصّل من ذلک تمامیة الاستدلال الرابع و الخامس و السادس علی عدم جواز التمسّک بالعامّ قبل الفحص.

ص: 339

الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم

هنا وجوه ثلاثة:((1))

الأوّل: الفحص بمقدار یحصل له العلم الوجدانی بعدم وجود المخصّص.

الثانی: الفحص بمقدار یحصل له الاطمینان بذلک.

الثالث: الفحص بمقدار یحصل له الظنّ بذلک.

أمّا الأوّل: فلا دلیل علیه بل العقلاء لایبنون فی أُمورهم علی حصول العلم الوجدانی مع أنّ حصوله یتوقّف علی الفحص فی جمیع الکتب و جمیع أبوابها و یلزم منه الحرج.

أمّا الثالث: فلا دلیل علیه أیضاً بل الدلیل علی خلافه للعمومات الناهیة عن العمل بالظنّ.

و أمّا الثانی: فهو الصحیح لأنّ الاطمینان حجّة عند العقلاء ولابد من القول بحجیته بالسیرة العقلائیة و العقلاء یکتفون به فی أُمورهم.

ص: 340


1- . مطارح الأنظار (ط ج): ج 2، ص179: اختلف القائلون بوجوب الفحص فی مقداره، فنسب إلی القاضی لزوم تحصیل القطع و الأکثرون علی کفایة الظنّ و احتجّ القاضی: بأنّ القطع ممّا یتیسّر حصوله للمجتهد بالفحص، فلابدّ من تحصیله... و التحقیق فی المقام: أنّه یجب الفحص إلی أن یرتفع ما یقتضی الفحص، و قد عرفت أنّ ما یقتضی الفحص عندهم أمور: فعلی القول باعتبار الظنّ الشخصی و منع حصوله قبل الفحص لابدّ من القول بکفایة الظنّ بعدم المخصّص عند حصول الظنّ بالمراد بعد الفحص، و إن کان ذلک غیر مرضی عندنا، کما نبّهنا علیه. و علی ما اخترنا: من أنّ المانع عن العمل بالعامّ هو العلم الإجمالی و ارتفاعه بالفحص، یظهر أنّ الفحص یفید القطع بعدم المخصّص الذی کان احتماله مانعا من الأخذ بالعموم.

فتحصّل من ذلک أنّه یجب الفحص عن المخصّصات حتی یحصل الاطمینان بعدمها و لایجوز التمسّک بالعامّ قبله.((1))

ص: 341


1- . کما قال النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج 1، ص488: أمّا مقدار الفحص فهل یجب فیه تحصیل القطع أو الاطمئنان أو یکفی فیه مطلق الظن بعدم وجود المخصص فیه وجوه أقواها أوسطها لعدم الدلیل علی جواز الاکتفاء بمطلق الظن و لا علی وجوب تحصیل الزائد علی مرتبة الاطمئنان مضافاً إلی ما فی الإلزام بتحصیل الیقین من العسر و الحرج المنفیین فی الشریعة المقدسة.

ص: 342

الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟

اشارة

ص: 343

ص: 344

هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟

قال المحقّق الخراسانی (قدس سره):((1)) إنّ النزاع هنا یتصوّر فی ثلاث جهات:

الأولی: فی تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب.

الثانیة: فی إمکان المخاطبة لهما.

الثالثة: فی عموم وضع أدوات الخطاب لهما.

و البحث عن الجهتین الأُولی و الثانیة عقلی و عن الجهة الثالثة لغوی.

ص: 345


1- . کفایة الأصول، ص228: فاعلم أنّه یمکن أن یکون النزاع فی أنّ التکلیف المتکفل له الخطاب هل یصح تعلقه بالمعدومین کما صحّ تعلقه بالموجودین أم لا أو فی صحة المخاطبة معهم بل مع الغائبین عن مجلس الخطاب بالألفاظ الموضوعة للخطاب أو بنفس توجیه الکلام إلیهم و عدم صحتها أو فی عموم الألفاظ الواقعة عقیب أداة الخطاب للغائبین بل المعدومین و عدم عمومها لهما بقرینة تلک الأداة. و فی مطارح الأنظار ج2ص183: هدایة [- إمکان شمول الخطاب للمعدومین علی وجه الحقیقة].الحقّ إمکان شمول الخطاب للمعدومین علی وجه الحقیقة.

الأمر الأوّل: إمکان تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

((1))

إنّ لجعل التکلیف معنیین:

المعنی الأوّل: أن یکون بمعنی البعث أو الزجر الفعلیین، و جعل التکلیف بهذا المعنی لایعقل ثبوته للمعدومین و الغائبین، ضرورة أنّّه بهذا المعنی یستلزم الطلب منه حقیقةً و لایکاد یکون الطلب کذلک إلّا من الموجود ضرورة، فإنّ التکلیف الفعلی یقتضی ثبوت موضوعه خارجاً و التفاته إلی التکلیف و إلّا یستحیل فعلیته.

المعنی الثانی: أن یکون بمعنی الطلب الإنشائی، بنحو القضیة الحقیقیة بلا بعث فعلی أو زجر فعلی، فإنّ الإنشاء خفیف المؤونة، فالحکیم تبارک و تعالی ینشئ علی وفق الحکمة و المصلحة طلب شیء قانوناً من الأفراد الموجودین و المعدومین حین الخطاب لیصیر فعلیاً بعد ما وجد الشرائط و فقد الموانع، بلا حاجة إلی إنشاء آخر.

و هذا نظیر مسألة الوقف علی البطون المتأخرة، حیث إنّ المعدوم منهم، یصیر مالکاً للعین الموقوفة بعد وجوده بإنشاء الوقف، فالبطون المعدومة اللاحقة یتلقّی الملکیة من الواقف لا من البطن السابق، و إنشاء الوقف فی حق

ص: 346


1- . کفایة الأصول، ص228: إذا عرفت هذا فلا ریب فی عدم صحة تکلیف المعدوم عقلاً بمعنی بعثه أو زجره فعلا ضرورة أنّه بهذا المعنی یستلزم الطلب منه حقیقة و لایکاد یکون الطلب کذلک إلّا من الموجود ضرورة نعم هو بمعنی مجرّد إنشاء الطلب بلا بعث و لا زجر لا استحالة فیه أصلا فإن الإنشاء خفیف المئونة.

الموجودین یؤثّر فی الملکیة الفعلیة ولایؤثّر فی الملکیة الفعلیة فی حق المعدومین، إلّا أنّه یؤثّر فی حق المعدومین استعداد الملکیة الفعلیة، لأن تصیر ملکاً لهم بعد وجودهم.

الإیراد الأوّل علی ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المعنی الأوّل:

((1))

التکلیف (سواء کان بمعنی الإرادة و الکراهة النفسیتین أم البعث و الزجر الحقیقیین) یمکن تعلّقه بالمعدوم، بناء علی مبناه (قدس سره) من صحّة تعلّق الإرادة و البعث حقیقة بأمر استقبالی، فإنّ إرادة شیء فعلاً ممّن یوجد استقبالاً کإرادة ما لم یمکن فعلاً بل یمکن تحقّقه استقبالاً (و هو الواجب المعلّق الذی بنی صاحب الکفایة (قدس سره) علی إمکانه) فإذا قلنا بجواز تعلّق البعث بالفعل المعدوم فلابدّ أن نقول بجواز تعلّقه بالمکلّف المعدوم. هذا علی ما سلکه صاحب الکفایة (قدس سره) .

أمّا علی ما سلکناه من أنّ حقیقة البعث و الزجر جعل ما یمکن أن یکون باعثاً أو زاجراً بحیث لو انقاد العبد لمولاه انبعث فعلاً ببعثه و انزجر بزجره، فلامحالة لایعقل تعلّقه بالمعدوم فعلاً و إن کان یوجد استقبالاً، إذ لا طرف للبعث فعلاًً حتی یمکن انبعاثه فعلاً فلا بعث حقیقی بل هنا إنشاء البعث.

الإیراد الثانی عن المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی تنظیر المعنی الثانی:

(2)

الأمر فی الوقف و إن کان کذلک، لکنه لیس لعدم قبول المعدوم للملک، بل لعدم قبول عین واحدة لملکیة الموجود و المعدوم بالاستقلال، و إلّا فالملکیة

ص: 347


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص469.
2- . کفایة الأصول، ص229: و نظیره من غیر الطلب إنشاء التملیک فی الوقف علی البطون فإنّ المعدوم منهم یصیر مالکاً للعین الموقوفة بعد وجوده بإنشائه و یتلقی لها من الواقف بعقده فیؤثر فی حق الموجود منهم الملکیة الفعلیة و لایؤثّر فی حق المعدوم فعلاً إلّا استعدادها لأن تصیر ملکاً له بعد وجوده هذا إذا أنشیء الطلب مطلقاً و أمّا إذا أنشیء مقیداً بوجود المکلّف و وجدانه الشرائط فإمکانه بمکان من الإمکان.

قابلة للتعلّق بالمعدوم مالکاً و مملوکاً، فإنّ الملکیة الحقیقیة و إن کانت من المقولات المحتاجة إلی موضوع موجود، إلّا أنّ الملکیة الشرعیة و العرفیة اعتبار ذلک المعنی لا نفسه، و لذا تتعلّق بالکلّی مع أنّ العرض الحقیقی لایعقل تعلّقه بغیر الموجود فی الخارج.

و علیه فلا مانع من اعتبار الملکیة للمعدوم فعلاً أو اعتبار ملک المعدوم فعلاً إذا دعت المصلحة إلی اعتبارها.((1))

ص: 348


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص471.

الأمر الثانی: إمکان مخاطبة الغائبین و المعدومین

قول المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

لا ریب فی عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقیقة و عدم إمکانه، ضرورة عدم تحقّق توجیه الکلام نحو الغیر حقیقة إلّا إذا کان موجوداً، و کان بحیث یتوجّه إلی الکلام و یلتفت إلیه.

تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المقام:

((2))

إن أرید من الخطاب، الخطاب الحقیقی الذی یکون الداعی إلیه قصد التفهیم، لایمکن توجیهه إلی الغائب بل إلی الحاضر، إذا کان غافلاً فضلاً عن المعدوم.

و إن أُرید الخطاب الإنشائی الذی یکون الداعی إلیه إظهار العجز أو الشوق أو الولاء أو ما شاکل ذلک (کما هو المشاهد فی الصبی کثیراً حینما یخاف أو

ص: 349


1- . کفایة الأصول، ص229. و فی المطارح: اعلم أنّ کلماتهم قد اختلفت فی تحریر العنوان فقال فی المعالم: ما وضع لخطاب المشافهة نحو «یا أیها الناس» و «یا أیها الذین آمنوا» لایعمّ بصیغته من تأخّر عن زمن الخطاب و إنّما یثبت حکمه لهم بدلیل آخر. و ظاهر المثالین- و لو بعد تصرّف فی الثانی بتجریده عن الماضویة، أو بالقول بأنّ المناط اتّصافهم بالإیمان حال وجودهم و تعبیر الماضویة بالنسبة إلیها، کما قیل - اعتبار أن یکون فی تلو أداة الخطاب لفظ شامل للمتأخّر عن زمن الخطاب لو لا المخاطبة فیرجع النزاع إلی أنّ لفظ «الناس» بعده توجیه لغیر المخاطب فی نفسه هل یصلح له بعد الخطاب أیضا لعدم ما یقضی بالتقیید و التخصیص، أو لایصلح لاقتضاء أداة الخطاب ذلک؟ و قال بعض الأجلّة فی فصوله: اختلفوا فی أنّ الألفاظ التی وضعت للخطاب ک «یا أیها الناس» و «یا أیها الذین آمنوا» هل یکون خطابا لغیر الموجودین و یعمّهم بصیغته أو لا؟
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص432.

یضربه شخص، نادی یا أباه، یا أُمّاه، مع أنّه یعلم بأنّ أباه أو أُمّه غیر حاضر عنده، فغرضه من هذا الخطاب إظهار العجز و التظلّم) فتوجیهه إلی المعدوم فضلاً عن الغائب ممکن.

و هناک شق ثالث للخطاب و هو أن یقصد المتکلّم تفهیم المخاطب حینما وصل إلیه الخطاب لا من حین صدوره، کما إذا افترضنا أنّ المخاطب نائم فیکتب المتکلّم و یخاطبه بقوله: «إذا قمت من النوم افعل الفعل الکذائی» أو سجّل خطابه فی شریط ثم یرسله إلی مکان أو بلد آخر، فیکون قصده تفهیمهم من حین وصول الخطاب إلیهم و سماعهم إیاه لا من حین صدوره، فلا مانع من أن یکون المقصود بالتفهیم من الخطابات الواردة فی الکتاب و السنّة جمیع البشر إلی یوم القیامة، یعنی کل من وصلت إلیه تلک الخطابات فهو مقصود بها کما هو کذلک، و کیف ما کان فلا إشکال فی إمکان ذلک أصلاً.

ص: 350

الأمر الثالث: عموم الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائبین و المعدومین

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إذا قلنا بأنّ الخطابات القرآنیة نزلت علی قلبه (صلی الله علیه و آله) قبل قرائته فلا موضوع عندئذ لهذا النزاع، حیث إنّه لم یکن حال نزولها - علی هذا الفرض - من یتوجّه إلیه الخطاب حقیقة لیقع النزاع فی اختصاصها بالحاضرین فی مجلس الخطاب أو عمومها للغائبین و المعدومین و ذلک هو مقتضی التحقیق فی المقام.

و أمّا إذا قلنا بأنّ تلک الخطابات صدر من الله تعالی بلسان رسوله (صلی الله علیه و آله) إلی أُمّته فیقع النزاع فی أنّ أدوات الخطاب هل هی موضوعة للدلالة علی الخطاب الحقیقی أو الإنشائی.

فإن کانت تلک الأدوات للخطاب الحقیقی فلایمکن شموله للغائبین فضلاً عن المعدومین بل لایمکن شموله للحاضر فی مجلس الخطاب إذا کان غافلاً عنه.

و إن کانت تلک الأدوات للخطاب الإنشائی، فلا مانع من شموله للمعدومین و الغائبین، حیث إنّ مفادها حینئذ إظهار توجیه الکلام نحو مدخولها بداعٍ من الدواعی، فلا مانع عندئذ من شمولها للغائب بل المعدوم بعد فرضه بمنزلة الموجود، کما هو لازم کون القضیة حقیقیة.

ص: 351


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص433 و 434. قال فی المطارح، ج2، ص190: و تحقیق ذلک: أنّ أداة الخطاب إنّما هی موضوعة لأن یخاطب بها، و المخاطبة إنّما تقتضی أن تکون إلی مخاطب یتوجّه إلیه الخطاب، و ذلک لایعقل فی حقّ المعدوم، إلّا بتنزیله منزلة الموجود و ادّعاء أنّه الموجود، و مجرّد ذلک یکفی فی استعمال اللفظ الموضوع للمخاطبة من دون استلزام لتصرّف آخر فی اللفظ باستعماله فی غیر معناه، و هل هذا إلّا مثل استعمال الأسد فی الرجل الشجاع بادّعاء أنّه الحیوان المفترس حقیقة؟

و الظاهر أنّها موضوعة للدلالة علی الخطاب الإنشائی لوجهین:

الوجه الأوّل: أنّ المتفاهم العرفی من أدوات الخطاب هو الخطاب الإنشائی.

الوجه الثانی: أنّ لازم القول بوضعها للخطاب الحقیقی فی موارد استعمالاتها فی الخطابات الشرعیة هو اختصاص تلک الخطابات بالحاضرین فی مجلس التخاطب و عدم شمولها للغائبین فضلاً عن المعدومین و هذا ممّا نقطع بعدمه

فلا مناص من الالتزام باستعمالها فی الخطاب الإنشائی و لو کان ذلک بالعنایة.

فتحصّل من ذلک: أنّ الحق فی الجهة الأُولی هو أنّ جعل التکلیف بمعنی البعث الفعلی أو الزجر الفعلی، لایتعلق بالمعدوم علی مبنی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

و أمّا المخاطبة للغائبین و المعدومین ففیه ثلاثة وجوه و قلنا بجواز المخاطبة لهما علی الوجه الثانی و الثالث و الخطابات الشرعیة من قبیل الوجه الثالث.

و أمّا وضع أدوات الخطاب للأعم منهما فلا إشکال فیه، لأنّها موضوعة للخطاب الإنشائی مع أنّا فی غنی من هذا البحث لنزول حقیقة القرآن علی قلب النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) قبل نزول ألفاظه.

ص: 352

التنبیه الأوّل: فی تفصیل أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)

اشارة

((1))

إنّ الخطاب فی القضایا الحقیقیة یشمل المعدومین فضلاً عن الغائبین حیث إنّ الموضوع فیها مفروض الوجود و أمّا فی القضایا الخارجیة فالخطاب یختصّ بالمشافهین فإنّ عمومه للغائبین فضلاً عن المعدومین یحتاج إلی عنایة زائدة.

استشکل علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ ذلک لایتمّ، فإنّ کون القضیة حقیقیة و إن کان یقتضی بنفسه فرض الموضوع فیها موجوداً إلّا أنّ مجرد ذلک لایکفی فی شمول الخطاب للمعدومین؛ ضرورة أنّ صرف وجود الموضوع خارجاً لایکفی فی توجیه الخطاب إلیه بل لابدّ من فرض وجوده فی مجلس التخاطب و التفاته إلی الخطاب.

و الجواب صحیح إلّا أنّ قوله «التفاته إلی الخطاب» لا وجه له، بل یکفی التفات المتکلم إلیه فی مجلس الخطاب.

ص: 353


1- . ذهب المحقّق النائینی (قدس سره) إلی التفصیل بین القضایا الخارجیة فتختصّ بالمشافهین، لأنّ عموم الخطاب فیها للغائبین- فضلاً عن المعدومین- یحتاج إلی عنایة زائدة، و بین القضایا الحقیقیة فتعمّ المعدومین فضلا عن الغائبین، لأنّ توجیه الخطاب إلیهم لایحتاج إلی أزید من تنزیلهم منزلة الموجودین الّذی هو المقوّم لکون القضیة حقیقیة. فوائد الأصول، ج2، ص550. و أورد علیه السید المحقّق الخوئی (قدس سره) - تبعا للمحقّق الاصفهانی (قدس سره) - بأنّه لایکفی فی شمول الخطاب للمعدوم و الغائب تنزیلهم منزلة الموجود، بل لابدّ من تنزیلهم منزلة الحاضر فی مجلس التخاطب، و هو أمر زائد علی مقتضی القضیة الحقیقیة، فینفیه الأصل مع عدم الدلیل علیه. راجع نهایة الدرایة، ج1، ص652- 653؛ أجود التقریرات، ج2، ص367.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص434.

التنبیه الثانی: ثمرة البحث

قیل: إنّ للبحث ثمرتین:((1))

الثمرة الأُولی: حجیة ظهور خطابات الکتاب للمعدومین کالمشافهین.((2))

الثمره الثانیة: صحّه التمسّک بإطلاقات الخطابات القرآنیة بناء علی التعمیم، لثبوت الأحکام لمن وجد و بلغ من المعدومین.((3))

و بعد اختیار تعمیم الخطاب إلیهم و وضع الأدوات للأعمّ منهم لاینفعنا البحث عن ترتّب الثمرة أو عدمه.

ص: 354


1- . قال فی المطارح، ج2، ص194: ذکر بعضهم: أنّ الغرض من هذه المسألة و ذکرها بیان الحقّ فیها، فلا یترتّب علیها أثر عملی، إذ الظاهر تحقّق الإجماع علی مساواة جمیع الامّة فی الحکم (الوافیة: 134). و اعترض علیه بعض المحقّقین (المناهج: 91) بأنّه غفلة، لوجود الثمرة فی مقامین.
2- . المحقّق القمی فی قوانین الأصول، ج1، ص233.
3- . نسبها السید القزوینی (فی حواشیه علی قوانین الأصول، ج1، ص233) إلی العلّامة البهبهانی.

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

اشارة

ص: 355

ص: 356

تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

إنّ العامّ إذا تعقّب بضمیر یرجع إلی بعض أفراده، فهل یوجب تخصیص العامّ به أو لا؟((1))

مثال ذلک الآیة الشریفة: (وَ الْمُطَلَّقاتُ یتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْیوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ

ص: 357


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص205: هدایة [- تعقّب العام بضمیر یرجع إلی بعض أفراده] إذا تعقّب العامّ ضمیر یرجع إلی بعض ما یتناوله فذلک لایوجب تخصیص العامّ، وفاقا لجماعة من المحقّقین، منهم الشیخ و العلّامة فی أحد قولیه و الحاجبی. و ذهب جماعة إلی تخصیصه و أخری إلی التوقّف مثاله قوله تعالی: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) حیث إنّ الضمیر فی «بعولتهنّ» راجع إلی بعض المطلّقات و هی الرجعیات. و محلّ الکلام فی المقام هو ما إذا کان الحکم الثابت للضمیر مغایرا للحکم الثابت لنفس المرجع، سواء کان الحکمان واحداً و فی کلام واحد کقولک: «أکرم العلماء واحدا منهم» إذا فرض عود الضمیر لعدولهم، أو متعدّداً و فی کلامین کما فی الآیة المبارکة، حیث إنّ حکم العامّ وجوب التربّص، و حکم الضمیر أحقّیة الزوج بالرجوع و الردّ. و راجع العدّة فی أصول الفقه ج1،ص384، الإحکام (للآمدی) ج2، ص336، الفصول الغرویة، ص211، مطارح الأنظار، ط ق207، فوائد الاصول ج2، ص552- 663، نهایة الأفکار، ج2، ص545- 546؛ مناهج الوصول، ج2، ص294.

أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)((1)) فإنّ (الْمُطَلَّقاتُ) أعمّ من المطلقّة الرجعیة و البائنة، و أمّا قوله تعالی: (بُعُولَتُهُنَّ) فإنّما یراد منه خصوص المطلّقة الرجعیة بقرینة مناسبة الحکم و الموضوع، لأنّ الحکم هنا هو أحقّیة بعولتهنّ بالرجوع و ذلک لایکون إلّا فی الرجعیة و محلّ الخلاف ما إذا وقعا فی کلامین أو فی کلام واحد مع استقلال العامّ بما حکم علیه فی الکلام و أمّا إذا لم یکن العامّ مستقلاً بالحکم مثل: «المطلقات أزواجهنّ أحقّ بردّهن» فلا شبهة فی تخصیصه به.

ص: 358


1- . سورة البقرة(2):228.

أقوال فی المسألة

اشارة

((1))

القول الأوّل:
اشارة

تجری أصالة العموم فی ناحیة العامّ و یلتزم باستخدام الضمیر و هذا هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) (علی ما استظهر بعض الأساطین (دام ظله) من عبارته عند استدراکه فی آخر کلامه) و أیضاً هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)).

استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأوّل:

(3)

إنّ أصالة الظهور فی ناحیة العامّ سالمة عن أصالة الظهور فی ناحیة الضمیر و بعبارة أوضح إنّ أصالة العموم لاتعارضها أصالة عدم الاستخدام. و ذلک لأنّ

ص: 359


1- . فی المسألة ثلاثة أقوال: رجوعه إلی الکل و نسبه السید المرتضی إلی مذهب الشافعی و أصحابه. الذریعة إلی أصول الشریعة، ج1، ص249، راجع المعتمد فی أصول الفقه، ج1، ص245، و شرح المختصر للعضدی، ج1 ص260. و رجوعه إلی خصوص الأخیرة و نسب هذا إلی أبی حنیفة. و الثالث أنّه لا ظهور له کما فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج1، ص249. و للعلامة فی هذا المجال قولان: اختار التخصیص فی «النهایة» و نقله فی «المعالم»، ص302، و فی «الزبدة»، ص142 و أنکره القاضی کما فی «المعارج»: ص100، و منعه الشیخ و الحاجبی کما عن «الزبدة»: ص141، و «العدة»: ج1، ص385، و الآمدی فی «الإحکام»: ج1، ص466 و البیضاوی فی «المنهاج» و حکی المحقق عن الشیخ إنکار ذلک و هو قول جماعة من العامة و اختار هو التوقف، و وافقه العلّامة فی «التهذیب» و هو مذهب المرتضی أیضاً عن «المعالم» و هو الأقرب عنده کما فی «المعالم»: ص302، و الشیخ البهائی فی «الزبدة»: ص142 قال: و المرتضی و المحقق بالوقف و هو أسلم.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص369.
3- . کفایة الأصول، ص233: و التحقیق أن یقال إنّه حیث دار الأمر بین التصرف فی العام بإرادة خصوص ما أرید من الضمیر الراجع إلیه أو التصرف فی ناحیة الضمیر إما بإرجاعه إلی بعض ما هو المراد من مرجعه أو إلی تمامه مع التوسع فی الإسناد بإسناد الحکم المسند إلی البعض حقیقة و إلی الکل توسعا و تجوزا کانت أصالة الظهور فی طرف العام سالمة عنها فی جانب الضمیر و ذلک لأنّ المتیقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور فی تعیین المراد لا فی تعیین کیفیة الاستعمال و أنّه علی نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإسناد مع القطع بما یراد کما هو الحال فی ناحیة الضمیر. و بالجملة أصالة الظهور إنّما یکون حجة فیما إذا شک فیما أرید لا فیما إذا شک فی أنّه کیف أرید فافهم لکنّه إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم بأن لایعد ما اشتمل علی الضمیر ممّا یکتنف به عرفا و إلّا فیحکم علیه بالإجمال و یرجع إلی ما یقتضیه الأصول إلّا أن یقال باعتبار أصالة الحقیقة تعبداً حتی فیما إذا احتف بالکلام ما لایکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقی کما عن بعض الفحول. و قال السید البروجردی فی نهایة الأصول، ص358: بالجملة المراد فی ناحیة الضمیر معلوم، و الشک إنّما هو فی کیفیة استعماله، و أنّه بنحو الحقیقة أو المجاز، و هذا الشک مسبب عن الشک فیما أرید من العام، و قد حقّق فی محله أنّ الأصل یجری فی السبب، و لایعارضه الأصل المسببی، و إنّما یرتفع الشک فی ناحیته قهرا بإجراء الأصل السببی ... و الذی یقتضیه التحقیق فی المسألة هو أن یقال: إنّ هنا احتمالا آخر غیر ما ذکره فی الکفایة من الوجوه الثلاثة، و هو أنّک قد عرفت أنّ العام یستعمل دائماً فی العموم، غایة الأمر أنّ الإرادة الجدیة قد تطابق الإرادة الاستعمالیة، فیکون المراد الجدی أیضاً هو العموم، و قد تخالفها فیکون الخصوص مراداً جدیاً، و بناء العقلاء علی الحکم بتطابق الإرادتین دائماً ما لم تثبت إرادة الخصوص، ففیما نحن فیه یکون کل واحد من العام و الضمیر الراجع إلیه مستعملا فی العموم، و یکون الاستعمال فی کلیهما بنحو الحقیقة، غایة الأمر: أنّه قد ثبت بالدلیل الخارجی أنّ المراد الجدی فی ناحیة الضمیر هو الخصوص فیحمل علیه، و لا دلیل علی تخالف الإرادتین فی ناحیة العام، فالأصل العقلائی الحاکم بتطابق الإرادتین هو المحکم فی ناحیته، و رفع الید عن أصالة التطابق فی ناحیة الضمیر لایوجب رفع الید عنها فی ناحیته، فتأمّل جیداً.

القدر المتیقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور فی تعیین المراد، لا فی تعیین کیفیة الاستعمال و أنّه علی نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإسناد مع القطع بما یراد، کما هو الحال فی ناحیة الضمیر.

و بالجملة أصالة الظهور إنّما تکون حجّة فیما إذا شکّ فیما أُرید، لا فیما إذا شک فی أنّه کیف أُرید.

ص: 360

هذا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء کلامه و هو ظاهر فی القول الأوّل.

إیراد ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) علی هذا الاستدلال:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عدل عن ذلک البیان و استشکل علی جریان أصالة العموم فقال: «لکنّه إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم بأن لایعدّ ما اشتمل علی الضمیر ممّا یکتنف به عرفاً و إلّا فیحکم علیه بالإجمال و یرجع إلی ما یقتضیه الأُصول العملیة» و حاصله أنّ الکلام محتفّ بما یصلح للقرینیة و معه لاتجری أصالة العموم.

ثم استدرک عنه علی مبنی بعض الفحول (و هو صاحب الفصول (قدس سره) أو صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره)) فقال: إلّا أن یقال باعتبار أصالة الحقیقة تعبّداً حتّی فیما إذا احتفّ بالکلام ما لایکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقی کما عن بعض الفحول.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) حیث یری أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یثبت عنده مبنی بعض الفحول فأسند إلیه القول الثالث و هو عدم جریان أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام و کون المرجع الأصل العملی.

و الحق مع المحقّق الخوئی (قدس سره) . کما سیأتی فی المباحث الآتیة عدم التزام صاحب الکفایة (قدس سره) بمبنی بعض الفحول.((1))

ص: 361


1- . یحتمل أن یکون هو صاحب الفصول فإنّه بعد ما رجح الاستخدام علی تخصیص العام (قال ما لفظه): فلا أقل من الشک فی تحقّق التکافؤ و هو لایکفی فی صرف ما ثبت عمومه عن العموم بل لابدّ من ثبوت الصارف (و حاصله): إنّ مع احتمال التکافؤ بین التصرفین و عدم إحراز ظهور العالم فی العموم نأخذ بعمومه إلی أن یثبت الصارف عنه و هو عین العمل باصالة الحقیقة تعبدا و إن لم یکن هناک ظهور عرفا و لکنه تنظر فیه أخیرا بقوله و فی هذا نظر و هو فی محله. راجع عنایة الأصول، ج2، ص314. و قیل فی البدایة فی توضیح الکفایة، ج2، ص463: قال بهذه المقالة صاحب الحاشیة علی المعالم قدّس سرّه و هو أخ لصاحب الفصول. و فی دروس فی الکفایة، ج 3، ص379 المراد من بعض الفحول هو صاحب الفصول أو الحاشیة. و أیضا فی منتهی الدرایة فی توضیح الکفایة، ج 3، ص620 الفصول، ص212.
جواب المحقّق النائینی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

إنّه أجاب عمّا أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة.((1))

قال (قدس سره): بقی الکلام فیما توهّم من عدم جریان أصالة العموم فی المقام لتوهم أنّه من قبیل اکتناف الکلام بما یصلح للقرینیة.

و التحقیق فساد هذا التوهّم، لأنّ الملاک فی باب اکتناف الکلام بما یصلح للقرینیة، إنّما هو اشتمال الکلام علی لفظ مجمل من حیث المفهوم الإفرادی أو الترکیبی بحیث لو اتّکل علیه المولی فی مقام بیان مراده لما کان مخلاً بمراده.

و أمّا فی المقام فلا ریب فی أنّ الجملة المشتملة علی الضمیر، إنّما هی متکفّلة ببیان حکم آخر غیر الحکم الذی تکفّلت ببیانه الجملة المشتملة علی العامّ.

فلو کان المولی أراد من العامّ خصوص بعض أفراده و اتّکل فی بیان ذلک علی العلم بإرادة ذلک الخاصّ فی الجملة الأُخری لکان مخلاً ببیانه.

و علیه لایصلح ذلک لکونه قرینة علی إرادة الخاصّ، فتبقی أصالة العموم حینئذ بلا مزاحم.

فتحصل من ذلک: أنّ احتفاف الکلام المشتمل علی العامّ بما یصلح للقرینیة

ص: 362


1- . أجود التقریرات، ج2، ص374.

یوجب إجمال العامّ فلاتجری أصالة العموم و هذا الکبری ممّا نقطع به خلافاً لبعض الفحول.

و لکن لاینطبق هذا الکبری فی المقام کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)، فما أفاده بعض الفحول إشکال کبروی و لکن لم یثبت الإشکال الکبروی علی ذلک و لذا لانسلّم مبنی بعض الفحول و أمّا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) إشکال صغروی و هو فی غایة المتانة.

دلیل آخر علی القول الأوّل:

((1))

لا مجال هنا لاستخدام الضمیر، لأنّ الضمیر استعمل فی العموم أیضاً، و هو «المطلّقات» لا «الرجعیات» و إنّما أُرید «الرجعیات» بدالّ آخر و هو عقد الحمل (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)((2)) حیث إنّ هذا الحکم یناسب «الرجعیات» فالضمیر قد استعمل فیما استعمل فیه مرجعه.

تذییل المحقّق الخوئی (قدس سره) علی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)

((3)):

ما أفاده من کون الضمیر مستعملاً فی العموم صحیح و لکن ما أفاده من أنّ ما دلّ علی اختصاص الحکم ب- «الرجعیات» هو عقد الحمل فی الآیة المبارکة أعنی به قوله تعالی (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)، فلایصحّ.

و ذلک لوضوح أنّ المستفاد من الآیة المبارکة هو ثبوت الحکم المذکور فیها

ص: 363


1- . أفاده المحقّق النائینی (قدس سره): أجود التقریرات، ج2، ص372.
2- . سورة البقرة(2):228.
3- . حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص373.

لجمیع المطلّقات و عدم اختصاصه بقسم خاص منها، فلیس فی الآیة المبارکة ما یدلّ علی عدم ثبوت هذا الحکم لبعض المطلّقات و إنّما ثبت ذلک بدلیل خارجی.

ملاحظة علی هذا الاستدلال:

ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی هذا الدلیل و إن کان صحیحاً، إلّا أنّه لیس دلیلاً علی القول الأوّل بل هو إشکال علی انطباق هذه المسألة علی الآیة الشریفة، فعدّ ذلک من أدّلة البحث ممنوع.

نعم ذلک لایوجب خروج الآیة عن محلّ النزاع بل النزاع یجری أیضاً بنحو آخر و هو أنّ الضمیر إذا أُرید منه بعض أفراد العامّ لقیام الدلیل الخارجی علی ذلک فهل یوجب تقیید المراد الواقعی الجدّی فی المرجع بما هو مفاد المراد الجدّی من الضمیر أو لا؟

ثمّ إنّه إذا ناقشنا فی التمثیل بالآیة لابدّ أن نأتی بمثال آخر یکون الدلیل علی استعمال الضمیر فی بعض الأفراد داخلاً فی نفس الدلیل مثل قولهم «أکرم العلماء و اکتب فقههم».

فالحق فی الاستدلال علی القول الأوّل هو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء البحث، و أمّا إشکال احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة فممنوع لما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) .

القول الثانی:
اشارة

تجری أصالة عدم الاستخدام فی ناحیة الضمیر، فیتصرّف فی العامّ فیلتزم بتخصیصه و إرادة خصوص ما أُرید من الضمیر، من العامّ أیضاً و هذا هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 364

دلیل القول الثانی:

((1))

الظاهر بحسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف فی أمثال المقام هو جریان أصالة عدم الاستخدام و تقدیمها علی أصالة العموم.

أمّا وجه جریان أصالة عدم الاستخدام: فهو أنّ المراد من الضمیر و إن کان معلوماً، إلّا أنّ من یدّعی جریان أصالة عدم الاستخدام لایدّعی ظهور نفس الضمیر فی إرادة شیء، بل إنّما یدّعی ظهور الکلام بسیاقه فی اتحاد المراد من الضمیر و ما یرجع إلیه، یعنی ظهور الضمیر فی رجوعه إلی عین ما ذکر أوّلاً، لا إلی غیر ما أُرید منه و حیث إنّ المراد بالضمیر فی مورد الکلام معلوم، فبطبیعة الحال یدور الأمر بین رفع الید عن الظهور السیاقی الذی مردّه إلی إرادة العموم من العامّ و رفع الید عن العموم الذی یقتضی الالتزام بالاستخدام أو رفع الید عن أصالة عدم الاستخدام و التمسّک بالعموم.

و أمّا وجه تقدیم أصالة عدم الاستخدام: فهو أنّ الظاهر بحسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف فی أمثال المقام هو تقدیم أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن

ص: 365


1- . و هو ما أفاده المحقّق الخوئی: المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص446 و أشکل علیه بعض الأساطین: صحیحٌ أنّ الموضوع لکلٍّ من أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام متحقّق یقتضی جریانه فی المقام، إلّا أنّ کلّاً من الأصلین المذکورین تعلیقی و لیس بتنجیزی، لأنّ أصالة العموم معلقة ذاتاً علی عدم القرینة، و أصالة عدم الاستخدام- و هو الظهور السیاقی للکلام- معلّقة علی عدم القرینة، فکما یمکن أن یکون الظهور السیاقی قرینة علی سقوط أصالة العموم، کذلک یمکن أن تکون أصالة العموم قرینة علی سقوط الظهور السیاقی. و أمّا دعوی قیام القرینة من جهة المرتکز العرفی لتقدم أصالة عدم الاستخدام، فعهدتها علی مدّعیها، بل إنّ طبع المطلب کون الظهور السیاقی أضعف من الظهور اللّفظی الوضعی، نعم، قد یتقدّم الظهور السیاقی کما فی مثاله المذکور، لکنْ لیس الأمر کذلک فی جمیع الموارد. تحقیق الأصول، ج4، ص340

أصالة العموم، بل الأمر کذلک بنظرهم حتّی فیما إذا دار الأمر بین رفع الید عن أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن ظهور اللفظ فی کون المعنی المراد به المعنی الحقیقی، یعنی یلزم فی مثل ذلک أیضاً رفع الید عن ظهور اللفظ فی إرادة المعنی الحقیقی و حمله علی إرادة المعنی المجازی، مثلاً فی مثل قولنا «رأیت أسداً و ضربته» یتعین حمله علی إرادة المعنی المجازی و هو الرجل الشجاع، إذا علم أنّه المراد بالضمیر الراجع إلیه.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: یوجد الفرق بین أصالة عدم الاستخدام و بین الظهور السیاقی للکلام فی اتحاد المراد بالضمیر و المراد بمرجعه فإنّ أصالة عدم الاستخدام تجری بالنسبة إلی الضمیر و هو من أجزاء الکلام، أمّا الظهور السیاقی فهو ظهور الکلام من جهة ارتباط بعض أجزائه بالبعض و جریان أصالة عدم الاستخدام إنّما هو للکشف عن المراد بالنسبة إلی الضمیر إذا شککنا فیه، ولا مجری لهذا الأصل فیما إذا کان المراد من الضمیر معلوماً.

و لو سلّم جریانه هنا مع معلومیة المراد من الضمیر فهو غیر الظهور السیاقی للکلام.

نعم بعد جریان أصالة عدم الاستخدام، فإذا علمنا بأنّ المراد من الضمیر هو الخاصّ فالظهور السیاقی یقتضی التطابق بین الضمیر و مرجعه فیکون المراد من مرجع الضمیر أیضاً هو المعنی الخاصّ، فأصالة عدم الاستخدام محقِّقة لموضوع الظهور السیاقی.

ثانیاً: إنّ أصالة العموم عند العقلاء توجب الظهور اللفظی بالوضع و هو أقوی من الظهور السیاقی الذی یتحقّق موضوعه بجریان أصالة عدم

ص: 366

الاستخدام، فعلی هذا لو قلنا بجریان أصالة عدم الاستخدام و معارضته لأصالة العموم فالمقدَّم هو أصالة العموم لأنّه الأقوی و العقلاء لایرفعون الید عن أصالة العموم إلّا بوجود المخصّص و الضمیر لایعدّ عند العقلاء مخصّصاً بل هو قرینة بغیر لسان التخصیص.

فتحصّل من ذلک:

أوّلاً: لاتجری أصالة عدم الاستخدام لأنّ الأصل اللفظی یجری فیما إذا شک فی المراد و أمّا إذا علمنا المراد الواقعی فلا مجری للأصل اللفظی.

ثانیاً: لو قلنا بجریان أصالة عدم الاستخدام و معارضته لأصالة العموم فالتقدیم مع أصالة العموم لأنّه الأقوی.

القول الثالث:
اشارة

تتعارض الأصلان، لأنّ أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام کلاهما تعلیقی لاتنجیزی فیتعارضان و یتساقطان فلابدّ من الرجوع إلی الأصل العملی و هذا القول قد نسب إلی المحقّق الخراسانی (قدس سره) (کما فی المحاضرات).

و بعض الأساطین (دام ظله) اختار هذا القول الثالث((1)).

دلیل القول الثالث:

إنّ أصالة العموم تعلیقی لاتنجیزی، کما أنّ أصالة عدم الاستخدام أیضاً تعلیقی فهما تجریان فیما إذا لم یقم قرینة علی الخلاف و کلاهما محفوف بما یحتمل

ص: 367


1- ­[1]. تحقیق الأصول، ج4، ص341.

قرینیته، و الأصلان کل منهما یعارض الآخر فیتساقطان فلابد من الرجوع إلی الأصل العملی.

یلاحظ علیه:

إنّه قد تقدّم ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) من أنّ الضمیر لایصلح أن یکون قرینة علی إرادة الخاصّ من العامّ، فأصالة العموم فی هذا المقام غیر محفوف بما یصلح أن یکون قرینة علی إرادة الخاصّ، فلایکون فی المقام ما یمنع و یزاحم جریان أصالة العموم.

أمّا أصالة عدم الاستخدام فلا مجری لجریانه، لأنّها تجری فیما إذا شک فی المعنی المراد و هنا لا نشک فی إرادة بعض أفراد العامّ من الضمیر.

فتحصّل من ذلک: أنّ الحق هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و قد تقدّم بیانه (فی ابتداء بیان نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)) و أمّا القول الثانی و هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فلایمکن الالتزام به، لأنّ أصالة عدم الاستخدام لا مجری لها هنا و القول الثالث و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) (علی ما هو التحقیق) و بعض الأساطین (دام ظله) فلانلتزم به أیضاً.

ص: 368


1- . أجود التقریرات، ج2، ص374.

الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم

اشارة

ص: 369

ص: 370

تعارض المفهوم و العموم

و قبل الورود فی البحث نتعرّض لمقدّمة أفادها المحقّق النائینی (قدس سره) .((1))

المقدّمة: بیان المحقق النائینی (قدس سره):

اشارة

إنّ المفهوم إمّا المفهوم الموافق و إمّا المفهوم المخالف.

و المفهوم الموافق هو ما إذا توافق المفهوم و المنطوق فی الإیجاب و السلب.

و المفهوم المخالف هو ما إذا تخالف المفهوم و المنطوق فی ذلک.

و المفهوم الموافق ینقسم إلی أربعه أقسام:

القسم الأوّل: المفهوم الموافق بالأولویة العقلیة.

القسم الثانی: المفهوم الموافق بالأولویة العرفیة.

القسم الثالث: المفهوم الموافق بالمواساة مع حصول المناط القطعی للحکم.

القسم الرابع: المفهوم الموافق بالمواساة مع عدم حصول المناط القطعی.

ص: 371


1- . أجود التقریرات، ج2، ص379.

أمّا المفهوم الموافق بالأولویة العقلیة فإنّما یتحقّق فیما إذا کانت الأولویة من المدرکات العقلیة.

و المفهوم الموافق بالأولویة العرفیة مثل قوله تعالی: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)((1)) الدالّ علی حرمة ضربهما مثلاً بالدلالة العرفیة، فالمدلول فیه خارج عن المفهوم و داخل فی المدالیل اللفظیة العرفیة.

و المفهوم الموافق بالمواساة مع حصول المناط القطعی للحکم فهو یتحقّق فیما إذا کانت علة الحکم منصوصة، بأن کانت العلّة المذکورة فیه واسطة فی العروض لثبوت الحکم للموضوع المذکور فی القضیة، بأن یکون الموضوع الحقیقی هو العنوان المذکور فی التعلیل کما فی قضیة «لاتشرب الخمر لأنّه مسکر» فیسری الحکم إلی کل مسکر.

و المفهوم الموافق بالمواساة مع عدم حصول المناط القطعی للحکم فهو یتحقّق فیما إذا کانت العلّة المذکورة واسطة فی الثبوت و من قبیل دواعی جعل الحکم علی موضوعه، من دون أن تکون هو الموضوع فی الحقیقة کما فی قضیة «لاتشرب الخمر لإسکاره» فإنّها ظاهرة فی أنّ موضوع الحرمة فیها إنّما هو نفس الخمر، غایة الأمر أنّ الداعی إلی جعل الحرمة علیها إنّما هو إسکارها، فلایسری الحکم إلی غیر الموضوع المذکور فی القضیة ممّا یشترک معه فی العلّة المذکورة فیها إذ یحتمل حینئذ أن تکون فی خصوص العلّة المذکورة فی القضیة خصوصیة داعیة إلی جعل الحکم علی الموضوع المذکور فیها، فإذا احتمل أنّ فی خصوص إسکار الخمر مثلاً خصوصیة داعیة إلی جعل الحرمة علیها، لم تکن تلک الخصوصیة فی إسکار شیء آخر فلایمکن الحکم بحرمة شیء آخر لإسکاره.

ص: 372


1- . سورة الإسراء(17): 23 .
إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علیه

((1)):

إنّ وسائط الثبوت فی المقام علی ثلاثة أنحاء:

النحوالأوّل: السبب الفاعلی للحکم -و هو الشارع- و هو أجنبی عما نحن فیه.

النحو الثانی: شرط تأثیر المصلحة و المفسدة.

و الشرط بمعنی مصحّح فاعلیة الفاعل، من تصوّره و تصدیقه و قدرته و إرادته، لایتفاوت فی لزومه مورد عن مورد و الشرط بمعنی متمّم قابلیة القابل لتعلّق الحکم به أمر معقول یختلف الموارد بالإضافة إلیه و من الواضح أنّ مجرد وجود الشرط بهذا المعنی فی مورد لایقتضی سرایة الحکم إلیه بل اللازم وجود ذات القابل التی هی بمنزلة المقتضی لتلک المصلحة المنوط فعلیتها بالشرط.

النحو الثالث: العلّة الغائیة، فمع فرض ترتّبها علی مورد آخر فلامحالة یترتبّ علیها معلولها، بداهة أنّ المعلول لاینفک من علّته التامّة، و المفروض أنّ الإسکار (بما هو) علّة غائیة، أو لازم مساوٍ لها.

فالغرض من إخراج الواسطة فی الثبوت هنا إن کان مثل الشرط فهو صحیح و إن کان مثل العلّة الغائیة فهو غیر صحیح.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما):

إنّه فرق بین قوله «لاتشرب الخمر لأنّه مسکر» و قوله «لاتشرب الخمر

ص: 373


1- . هامش نهایة الدرایة، ج2، ص478؛ و تبعه فی ذلک المحقّق الخوئی و أضاف قد تبعه السید الخوئی فی هامش الأجود، ج2، ص380 و أضاف: بأنّ عدم الفرق بین «لأنّه مسکر» و «لإسکاره» فی أنّ تمام الموضوع للحکم هو الإسکار و لا موضوعیة للخمر، هو المتفاهم عند أهل العرف، فمقتضی القاعدة هو التعمیم فی کلا الموردین.

لإسکاره»، فإنّ «المسکر» عنوان کلی ینطبق علی الخمر و یمکن أن ینطبق علی أمر آخر و أمّا إسکاره فلاینطبق علی غیر الخمر لأنّ العلة الغائیة فیه لیس هو الإسکار مطلقاً بل الإسکار المضاف إلی الخمر، فیمکن أن یکون للإسکار المضاف إلی الخمر خصوصیة فی المقام. ((1))

ولابدّ من ذکر مثال لتوضیح ذلک:

إذا قال المولی: «لاتجالس زیداً الجاهل لسوء خلقه» فلایدلّ ذلک علی عدم جواز الجلوس مع عمرو العالم السیء الخلق، و ذلک لاحتمال أن یکون العلّة الغائیة سوء الخلق المضاف إلی زید الجاهل، لخصوصیة فی ذلک و هو جهله أمّا العالم و إن کان خلقه سیئاً و لکن لا إشکال فی الجلوس معه لیستفید من علمه.

یلاحظه علیه:

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الواسطة فی الثبوت التی تذکر فی تعلیل الحکم فی الأدلّة الشرعیة علی قسمین:

أحدهما الشرط بمعنی متمّم قابلیة القابل و ثانیهما العلة الغائیة و قد غفل عن ذلک المحقّق النائینی (قدس سره) .

ثم قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی مقام التطبیق علی المثال أنّ قضیة «لاتشرب الخمر لإسکاره» لیس من قبیل الشرط بل هو من قبیل العلّة الغائیة و قد أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2)) بأنّ العرف لایشک فی أنّ المستفاد من قوله (علیه السلام):«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ

ص: 374


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص344.
2- . هامش أجود التقریرات، ج2، ص380 و أیضاً فی المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص452.

وَجَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا»((1)) هو أنّ الإسکار علّة غائیة(لأنّ عاقبة الخمر إسکاره).

فلنرجع إلی أصل البحث.

ص: 375


1- . محمد بن یعقوب عن محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علی بن یقطین عن أخیه الحسین عن أبیه علی بن یقطین عن أبی الحسن الماضی (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا فَمَا کَانَ عَاقِبَتُهُ عَاقِبَةَ الْخَمْرِ فَهُوَ خَمْر. (و رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله). الوسائل، ج25، ص342، الباب19 من أبواب الأشربة المحرمة، ح1. أیضاً: عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن الحسن بن علی بن یقطین عن یعقوب بن یقطین عن أخیه علی بن یقطین عن أبی إبراهیم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا فَمَا فَعَلَ فِعْلَ الْخَمْرِ فَهُوَ خَمْرٌ. الوسائل، ج25، ص343، الباب19 من أبواب الأشربة المحرمة، ح2.

هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف؟

اشارة

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) قال:((1)) إنّهم اتّفقوا علی جواز تخصیص العامّ بالمفهوم الموافق((2)) و ذلک مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((3)) حیث إنّه بعمومه یشمل کلّ عقد و قد ورد دلیل آخر یدلّ علی اعتبار الماضویة فی صیغة العقد و هذا الدلیل بالأولویة یدلّ علی اعتبار العربیة فی صیغة العقد علی الفرض، و هذا المفهوم الموافق بالأولویة یخصّص عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و یدلّ علی بطلان العقد بصیغة المضارع من لسان آخر، و هذا ممّا لا خلاف فیه.

لکنهم اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف:

و مثال ذلک «الماء کله طاهر» فإنّه عامّ و قد ورد فی دلیل آخر «الماء إذا بلغ قدر کرّ لم ینجّسه شیء» فهذا الدلیل بمفهومه یدلّ علی أنّ الماء إذا لم یبلغ قدر کرّ ینجّسه بعض الأشیاء و العامّ یخصّص بهذا المفهوم المخالف.

و أیضاً مثل قوله تعالی (إِنَّ الظَّنَّ لا یغْنی مِنَ الْحَقِّ شَیئاً)((4)) و قد ورد فی آیة

ص: 376


1- . کفایة الأصول، ص233: فصل قد اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق علی الجواز بالمفهوم الموافق علی قولین و قد استدل لکل منهما بما لایخلو عن قصور.و تحقیق المقام... .
2- .مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص213. هدایة [- تخصیص العام بمفهوم الموافقة و بلحن الخطاب] لا کلام فی تخصیص العامّ بمفهوم الموافقة الراجع إلی دلالة اللفظ بحکم العقل علی ثبوت الحکم فی الأشدّ بطریق أولی. و أمّا دلالة اللفظ علی مساواة المدلول لغیره- و هو المعبّر عنه بلحن الخطاب فی بعض الألسنة- فهو علی تقدیر القول به أیضا لاینبغی الکلام فی التخصیص.
3- . سورة المائدة(5):1.
4- . سورة یونس(10):36 و سورة النجم(53):28.

أُخری (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَینُوا)((1)) فتدلّ الآیة علی جواز الأخذ بخبر العادل فیخصّص بها عموم الآیة الأُولی الدالّة علی عدم جواز العمل بالظنّ.

فهناک أقوال أربعة:
اشارة

القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم، القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ، و هنا تفصیل لصاحب الکفایة (قدس سره)، و تفصیل آخر للمحقق الخوئی (قدس سره) .

القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم
اشارة

استدلّ علی ذلک بأنّ دلالة العامّ ذاتیة أصلیة و دلالة المفهوم تبعیة فتکون دلالة العامّ مطابقیة و دلالة المفهوم التزامیة، و الدلالة الأصلیة المطابقیة أقوی من الدلالة التبعیة الالتزامیة.

أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ دلالة القضیة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی خصوصیة مستتبعة للمفهوم و دلالتها علی تلک الخصوصیة إمّا بالوضع و إمّا بمقدّمات الحکمة.

و دلالة العامّ أیضاً إمّا وضعیة کما فی لفظة کلّ و جمیع و إمّا بمقدّمات الحکمة

ص: 377


1- . سورة الحجرات:6.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص450. و أجاب عنه بعض الأساطین: إنّه لا تفاوت بین الدلالتین فی مقام الدلالة و الموضوعیة، و کلاهما فی مرتبةٍ واحدة فی الکشف عن المراد الجدّی و المراد الاستعمالی. و بعبارة أخری: إنّ دلالة الکلام علی المفهوم مستندةٌ إمّا إلی الوضع و إمّا إلی مقدّمات الحکمة، و کذلک دلالة العام علی العموم، فهی إمّا من جهة اللّفظ و إمّا من جهة مقدّمات الحکمة، فکلاهما فی مرتبة واحدة، فالتقدیم بما ذکر بلا وجه. تحقیق الأصول، ج4، ص345

کما فی النکرة الواقعة فی سیاق النفی أو النهی و کما فی الجمع المحلّی ب- «ال» و المفرد المحلّی ب- «ال».

القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ
اشارة

((1))

استدلّ علیه بوجهین:

الوجه الأوّل:
اشارة

قد استدلّ علی ذلک بأنّ المفهوم أخصّ من العامّ فیکون قرینة علیه، و إن کان ظهور العامّ أقوی منه، إلاّ أن یکون العامّ نصّاً فیکون العامّ هو القرینة علی عدم المفهوم فالتقدیم بمناط الأخصّیة.

الجواب عن الاستدلال الأوّل:

إنّ ما أفاده المستدلّ لایتصوّر إلّا فی العموم و الخصوص المطلق و أمّا إذا

ص: 378


1- . بیان بعض الأساطین للقول الثانی و تحقیقه فی المسألة: «استدلّ للقول بتقدم المفهوم: بأنّ التعارض الموجود هو بین العموم و المفهوم، و هنا مورد إعمال قواعد التعارض. هذا من جهةٍ. و من جهةٍ أخری فإنّ المنطوق و المفهوم متلازمان بالتلازم العقلی أو العرفی، و هما فی هذه الملازمة متساویان، و مع التلازم بینهما لایعقل انفکاک أحدهما عن الآخر، بل سقوط أحدهما یوجب سقوط الآخر. و بعد ذلک: فإنّه مع تقدّم العموم و سقوط المفهوم، هل یبقی المنطوق علی حاله أو یسقط؟ أمّا بقاؤه بعد سقوط المفهوم، فیستلزم الانفکاک، و أمّا سقوطه أیضاً فیستلزم إجراء أحکام التعارض فی غیر مورد التعارض، لأنّ المنطوق لم یکن طرفاً للمعارضة، بل طرفها هو المفهوم، فهذا المحذور یوجب تقدیمه علی العموم. التحقیق هو أنّ القول بأنّ عدم تقدّم المفهوم یستلزم إجراء قواعد التعارض فیما لیس طرفاً للمعارضة غیر تام، لاستحالة وقوع المفهوم طرفاً لها و عدم وقوع المنطوق، بل المنطوق یکون کذلک و تجری قواعد التعارض.» تحقیق الأصول، ج4، ص346.

کانت النسبة بین العامّ و المفهوم المخالف العموم و الخصوص من وجه فلایجری ما أفاده و سیجیء إن شاء الله تحقیق ذلک.

الوجه الثانی:
اشارة

قد استدلّ أیضاً علی ذلک بأنّ دلالة القضیة علی المفهوم عقلیة و دلالة العامّ علی العموم لفظیة و توضیح ذلک هو أنّ المفهوم لازم عقلی للخصوصیة التی کانت فی المنطوق ولایمکن رفع الید عن المفهوم من دون رفع الید عن تلک الخصوصیة، لاستحالة انفکاک اللازم من الملزوم.

و رفع الید عن تلک الخصوصیة بلا موجب، لأنّ تلک الخصوصیة لیست طرفاً للمعارضة مع العامّ فحینئذ یتعین رفع الید عن العامّ.

الجواب عن الاستدلال الثانی:

((1))

إنّ ما یکون معارضاً للملزوم و یدلّ علی نفیه، فلامحالة یدلّ علی نفی لازمه و کذا العکس لأنّ نفی الملزوم مستلزم لنفی اللازم و نفی اللازم مستلزم لنفی الملزوم.

فعلی هذا: العامّ بعمومه کما یکون منافیاً لمفهوم القضیة یکون منافیاً لمنطوقه، و لامحالة یمنع عن دلالة القضیة علی الخصوصیة المستتبعة للمفهوم.

القول الثالث: التفصیل الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

بیانه (قدس سره): إذا ورد العامّ و ما له المفهوم فی کلام أو کلامین و لکن علی نحو

ص: 379


1- . المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص452.
2- . کفایة الأصول، ص233.

یصلح أن یکون کل منهما قرینة متّصلة للتصرف فی الآخر، و دار الأمر بین تخصیص العموم أو إلغاء المفهوم، فالدلالة علی کل منهما إن کانت بالإطلاق بمعونة مقدّمات الحکمة أو بالوضع، فلایکون هناک عموم و لا مفهوم لعدم تمامیة مقدّمات الحکمة فی واحد منهما لأجل المزاحمة، کما فی مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر وضعاً، فلابدّ من العمل بالأُصول العملیة فیما دار الأمر بین العموم و المفهوم إذا لم یکن أحدهما أظهر.

و إن کان أحدهما أظهر، فإن کانت الدلالة فی کلیهما بمقدّمات الحکمة فیکون الأظهر مانعاً عن انعقاد الظهور فی الآخر و إن کانت الدلالة فی کلیهما بالوضع فیکون الأظهر مانعاً عن استقرار الظهور فی الآخر.

و أمّا إذا کان أحدهما وضعیاً و الآخر بمقدّمات الحکمة فیتقدّم الظهور الوضعی.

و أمّا إذا لم یکن بین ما دلّ علی العموم و ما له المفهوم ذلک الارتباط الموجب لقرینیة أحدهما علی الآخر فإن کانت دلالة کل منهما بالوضع أو بالإطلاق بمقدّمات الحکمة فإن کان أحدهما أظهر فهو المقدّم و إن لم یکن أحدهما أظهر فنعامل کلاً منهما معاملة المجمل.

و أمّا إذا کانت دلالة أحدهما بالوضع و دلالة الآخر بمقدّمات الحکمة، یقدّم ما کانت دلالته بالوضع علی الآخر.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده لایستقیم فیما إذا کانت النسبة بین الدلیلین العموم و الخصوص المطلق، کما أنّ ما أفاده بالنسبة إلی ما إذا کانت النسبة بینهما العموم من وجه و سیتضح ذلک عند بیان نظریه المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 380

القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

بیانه (قدس سره): إنّ التعارض فی الحقیقة، إنّما هو بین منطوق القضیة و عموم العامّ، لا بینه و بین مفهوم القضیة لما تقدّم من أنّ المفهوم لازم عقلی للخصوصیة الموجودة فی طرف المنطوق.

و علیه فلابدّ من ملاحظة النسبة بینهما، و من الطبیعی أنّ النسبة قد تکون عموماً من وجه و قد تکون عموماً مطلقاً.

أمّا إن کان التعارض بالعموم من وجه فهناک ثلاث صور:

الصورة الأُولی: أن یکون أحدهما ناظراً إلی موضوع الآخر و رافعاً له، دون العکس فإنّ ما کان ناظراً إلی موضوع الآخر یتقدّم علی الآخر، لأنّه حاکم علیه.

و ذلک مثل مفهوم آیة النبأ و هو حجیة خبر العادل فهذا المفهوم حاکم علی عموم تعلیل آیة النبأ (و هی إصابة القوم بجهالة) حیث إنّه بعد حجیة خبر العادل فالعمل بخبره لیس من قبیل إصابة القوم بجهالة.

هذا خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) حیث قال: «عموم العلّة فی آیة النبأ آبٍ عن التخصیص و لذا یقدّم علی مفهوم آیة النبأ».((2))

و المحقّق النائینی (قدس سره) استشکل علی الشیخ الأنصاری (قدس سره) بأنّ مفاد مفهوم آیة النبأ یوجب خروج خبر العادل عن موضوع العلّة فی آیة النبأ، فلایکون العمل به موجباً لإصابة القوم بجهالة، فیکون المفهوم حاکماً علی عموم العلّة أیضاً و ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا مأخوذ من کلام أُستاذه المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)).

ص: 381


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص455-462.
2- . راجع مطارح الأنظار، ص210.
3- . أجود التقریرات، ج2، ص384.

الصورة الثانیة: أن لایکون أحدهما حاکماً علی الآخر، فعندئذ إن کان تقدیم أحدهما موجباً لإلغاء العنوان المذکور فی موضوع الدلیل الآخر و تقدیم الدلیل الآخر لایوجب إلغاء العنوان المذکور فی الدلیل الأوّل، فحینئذ لابدّ من تقدیم ما لایوجب إلغاء العنوان فی الدلیل الأوّل.

مثال ذلک:

إنّ صحیحة عبد الله بن سنان قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) اغْسِلْ ثَوْبَکَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا یؤْکَلُ لَحْمُه»((1)) دلّت علی نجاسة بول ما لایؤکل لحمه و موثقة أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام): «کُلُّ شَی ءٍ یطِیرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ»((2)) دلّت علی طهارة بول الطائر و خرئه و هما تتعارضان فی الطائر غیر المأکول اللحم، فلو قدّمنا صحیحة عبدالله بن سنان فیخصّص موثقة أبی بصیر و ینتج: «إنّ کلّ شیء یطیر و هو مأکول اللحم فلا بأس ببوله و خرئه» و لازم ذلک هو إلغاء عنوان الطائر، حیث إنّ کل ما کان مأکول اللحم فبوله و خرءُه طاهر سواء کان طائراً أما غیر طائر.

و أمّا إذا قدّمنا موثقة أبی بصیر علی صحیحة عبد الله بن سنان فیخصّص الصحیحة و یکون بعد التخصیص: إنّ بول ما لایؤکل لحمه نجس إلّا الطائر، فلایلزم حینئذ لغویة موثقة أبی بصیر فلابدّ من تقدیم موثقه أبی بصیر علی عموم صحیحة عبد الله بن سنان.

ص: 382


1- . محمد بن یعقوب عن أبیه عن عبد الله بن المغیرة عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) ... الوسائل، ج3، ص405، الباب 8 من أبواب النجاسات، ح 2.
2- . محمد بن یعقوب عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن عبد الله بن المغیرة عن جمیل بن دراج عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال... الوسائل، ج3، ص412، الباب 10 من أبواب النجاسات، ح1.

الصورة الثالثة: أن لایکون من الصورتین الأُولیین، فلابدّ من الرجوع إلی مرجّحات باب التعارض إن کانت، و إلّا فالحکم هو التساقط.

و أمّا إن کان التعارض بالعموم و الخصوص المطلق:

فلا شبهة فی تقدیم الخاصّ علی العامّ، حیث إنّه یکون بنظر العرف قرینة علی التصرّف فی العامّ و من المعلوم أنّ ظهور القرینة یتقدّم علی ظهور ذیها و إن افترض أنّ ظهورها بالإطلاق و مقدّمات الحکمة و ظهور ذی القرینة بالوضع، کما إذا افترضنا ورود دلیل یدلّ بالوضع علی أنّ کل ماء طاهر، لاینفعل بالملاقاة إلّا إذا تغیر لونه أو طعمه أو ریحه، فإنّه مع ذلک لایقاوم مفهوم روایات الکرّ، علی الرغم من أنّ دلالته علی انفعال الماء القلیل بالملاقاة و مقدّمات الحکمة.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) بالنسبة إلی تعارض الدلیلین بالعموم و الخصوص المطلق، فهو فی غایة الصحّة و المتانة، کما أنّ ما أفاده بالنسبة إلی تعارض الدلیلین بالعموم من وجه فی الصورة الأُولی و الصورة الثانیة فهو تامّ.

أمّا ما أفاده فی الصورة الثالثة فهو خاطئ جدّاً، بل الأمر فی هذه الصورة هو کما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) .

توضیح ذلک:

إنّ الدلیلین إن کان دلالتهما بالوضع أو بالإطلاق بمقدّمات الحکمة و لکن کان أحدهما أظهر من غیره، فتیقدّم ما هو الأظهر، و إن تساویا فی الظهور، فیتساقطان و المرجع هو الأصل العملی.

و إن کان لأحد الدلیلین الظهور الوضعی، و للدلیل الآخر الظهور

ص: 383

الإطلاقی بمقدّمات الحکمة، فیتقدّم ما له الظهور الوضعی علی ما له الظهور الإطلاقی. نعم بعض العمومات لا دلالة لها إلّا بمقدّمات الحکمة فهی فی قوة الظهور الإطلاقی بمقدّمات الحکمة.

ص: 384

الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل

اشارة

ص: 385

ص: 386

تعقّب الاستثناء للجمل

إنّ الاستثناء إذا تعقب لعمومات متعدّدة فهل یرجع إلی جمیع تلک العمومات أو إلی خصوص العموم الوارد فی الجملة الأخیرة.

مثال ذلک قوله تعالی:

(وَ الَّذینَ یرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانینَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذینَ تابُوا)((1))

و هکذا مثل قولهم: «أکرم العلماء و أضفهم و جالس العلماء إلّا الفسّاق منهم».

فی المسألة أقوال نذکر منها خمسة:

اشارة

فی المسألة أقوال((2)) نذکر منها خمسة:

ص: 387


1- . سورة النور(24):5 و 4.
2- . زبدة الأصول، ج 3، ص396 و فی نهایة الوصول، ج 2، ص260 و فی هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص304.
القول الأوّل:

و هو رجوع الاستثناء إلی جمیع العمومات و هذا منسوب إلی الشیخ الطوسی و صاحب المعالم (قدس سرهما).((1))

القول الثانی:

و هو رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة إلّا مع وجود القرینة علی رجوعه إلی الکل.((2))

القول الثالث:

و هو عدم ظهوره فی واحد منهما و إن کان رجوعه إلی الأخیرة متیقّناً، أمّا بالنسبة إلی غیر الأخیرة فلاینعقد لها ظهور فی العموم فلاتجری أصالة العموم و هذا مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .((3))

ص: 388


1- . أنّ الاستثناء یرجع إلی جمیع الجمل، و تخصیصه بالأخیرة یحتاج إلی الدلیل. و هذا مذهب الشافعیة من العامّة و الشیخ الطوسی من الإمامیة. راجع الإحکام (للآمدی)،ج2، ص300؛ و العدّة، ج1، ص321. ولکن صاحب المعالم یؤول إلی غیر هذا یعنی القول بأنّه لا ظهور له فی واحد منهما لکونه مشترکا معنویا. راجع معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص122.
2- . ظهور الکلام فی رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة منسوب إلی أبی حنیفة کما فی الإحکام (للآمدی)، ج2، ص300. و اختاره العلّامة فی مبادئ الوصول، ص136، و صاحب الفصول فی الفصول الغرویة، ص204. و فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج 1، ص270: قد بینّا أنّ تعقّب الاستثناء للجمل لایجب القطع علی عوده إلیها أجمع إلّا بدلالة و قیل فی المفاتیح، ص33: یکون الأصل فیما إذا تعقب الاستثناء جملا متعاطفة نحو أکرم العلماء و أهن الجهال و جالس الکرام إلا زیدا اختصاص الاستثناء بالأخیرة.
3- . عدم ظهور الکلام فی واحد منهما، و إن کان رجوعه إلی الأخیرة متعینا. فیبقی ما عدا الأخیرة مجملا. و هذا ما یتراءی من کلام السید المرتضی فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج1، ص249. و قال فی کفایة الأصول، ص234: و الظاهر أنّه لا خلاف و لا إشکال فی رجوعه إلی الأخیرة علی أی حال ضرورة أن رجوعه إلی غیرها بلا قرینة خارج عن طریقة أهل المحاورة و کذا فی صحة رجوعه إلی الکل.
القول الرابع:

و هو التفصیل بین أن یکون عقد الوضع (الموضوع) مکرّراً فی الجملة الأخیرة کما فی مثل الآیة الکریمة أو لایکون کذلک بل عقد الوضع مذکور فی صدر الکلام، فإن کان عقد الوضع مکرّراً فیرجع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة، لأنّ الجملة الأخیرة انقطعت بتکرار عقد الوضع عن الجمل السابقة، فیتمسّک فی الجمل السابقة بأصالة العموم و إن کان عقد الوضع مذکوراً فی صدر الکلام فالاستثناء یرجع إلی جمیع الجمل، لأنّ الاستثناء یرجع إلی عقد الوضع (الموضوع) و هذا مختار المحقّق النائینی (قدس سره) .((1))

القول الخامس: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) و هو المختار

(2)

إنّ تعدّد العمومات، إمّا بتعدّد خصوص موضوعاتها و إمّا بتعدّد خصوص محمولاتها و إمّا بتعدد الموضوع و المحمول معاً.

ص: 389


1- . فوائد الأصول، ج2، ص555: التّحقیق هو التّفصیل بین ما إذا کانت الجمل المتقدّمة مشتملة علی الموضوع و المحمول، و بین ما إذا حذف فیها الموضوع. ففی الأوّل یرجع إلی خصوص الأخیرة. و فی الثّانی یرجع إلی الجمیع.
2- . التفصیل بین ما إذا لم یتکرّر الموضوع و ما إذا کرّر. فعلی الأوّل یرجع الضمیر إلی المذکور فی الجملة الأولی، فیوجب تخصیصه بالإضافة إلی جمیع الأحکام الثابتة له. و علی الثانی یرجع إلی ما أعید فیه الموضوع و ما بعده. و هذا ما أفاده السید المحقّق الخوئی فی المحاضرات، (ط ق): ج5، ص308- 309 و قال فی الأجود، ج1، ص497: الصحیح فی تقریب التفصیل فی المقام أن یقال إنّ تعدّد الجمل المتعقبة بالاستثناء إمّا أن یکون بتعدّد خصوص موضوعاتها أو بتعدّد خصوص محمولاتها أو بتعدّد کلیهما و علی الأوّلین فإمّا أن یتکرّر ما بتعدّده تتعدّد القضیة فی الکلام أو لایتکرر فیه ذلک فالأقسام خمسة أمّا القسم الأوّل أعنی به ما تعدّدت فیه القضیة بتعدّد موضوعاتها و لم یتکرر فیه عقد الحمل کما إذا قیل أکرم العلماء و الأشراف و الشیوخ إلّا الفساق منهم فالظاهر فیه رجوع الاستثناء إلی الجمیع لأنّ القضیة فی مثل ذلک و إن کانت متعدّدة صورة إلّا أنّها فی حکم قضیة واحدة قد حکم فیها بوجوب إکرام کل فرد من الطوائف الثلاث إلّا الفساق منهم فکأنّه قیل أکرم کل واحد من هذه الطوائف إلّا من کان منهم فاسقاً و أمّا القسم الثانی أعنی به ما تعددت فیه القضیة بتعدد موضوعاتها مع تکرر عقد الحمل فیه کما إذا قیل أکرم العلماء و الأشراف و أکرم الشیوخ إلّا الفساق منهم فالظاهر فیه رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة المتکرر فیها عقد الحمل و ما بعدها من الجمل لو کانت لأنّ تکرار عقد الحمل فی الکلام قرینة علی قطع الکلام عمّا قبله و بذلک یأخذ الاستثناء محلّه من الکلام فیحتاج تخصیص الجمل السابقة علی الجملة المتکرر فیه عقد الحمل إلی دلیل آخر مفقود علی الفرض و أمّا القسم الثالث و الرابع أعنی بهما ما تعدّدت فیه القضیة بخصوص تعدّد محمولاتها مع تکرّر عقد الوضع فی أحدهما و عدم تکرّره فی الآخر فیظهر الحال فیهما ممّا أفید فی المتن و أمّا القسم الخامس أعنی به ما تعددت القضیة فیه بکل من الموضوع و المحمول کما إذا قیل أکرم العلماء و جالس الأشراف إلّا الفساق منهم فالظاهر فیه رجوع الاستثناء إلی خصوص الأخیرة و یظهر الوجه فی ذلک مما تقدم.

أمّا الصورة الأولی و هی تعدّد خصوص الموضوعات فهی علی قسمین:

إن لم یتکرّر عقد الحمل مثل «أکرم الفقهاء و الأُصولیین و المتکلمین إلّا الفسّاق منهم» فیرجع الاستثناء إلی الجمیع حیث إنّ ثبوت الحکم الواحد لهم جمیعاً قرینة عرفاً علی أنّ الجمیع موضوع واحد فی مقام الجعل.

و أمّا إذا کرّر فیها عقد الحمل مثل «أکرم العلماء و أکرم الشیوخ إلّا الفسّاق منهم» فیرجع إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الحمل و ما بعده من الجمل لو کانت، لأنّ تکرار عقد الحمل قرینة عرفاً علی أنّه کلام آخر منفصل عما قبله من الجمل فلا مانع من التمسّک بأصالة العموم فی الجمل السابقة.

ص: 390

أمّا الصورة الثانیة و هی تعدّد خصوص المحمولات فهی أیضاً علی قسمین:

إن کان الموضوع فیها غیر متکرّر مثل الآیة الشریفة و مثل قولهم «بع کتبی و أجرها إلّا ما کان مکتوباً علی ظهره إنّه مخصوص لی»، فالظاهر رجوع الاستثناء إلی الجمیع لأنّ الاستثناء یرجع إلی الموضوع.

و إذا تکرّر الموضوع فیها مثل «أکرم العلماء و أضفهم و جالس العلماء إلّا الفسّاق منهم» فالظاهر رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الوضع و ما بعدها من الجمل لأنّ تکرار عقد الوضع قرینة علی قطع الکلام عما قبله ولا مانع من جریان أصالة العموم بالنسبة إلی الجمل السابقة.

قد یدّعی أنّ الجمل السابقة محفوفة بما یصلح للقرینیة فلایتمسّک فیها بأصالة العموم و الجواب هو أنّ مورد احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة إنّما هی موارد إجماله و اشتباه المراد منه للسامع، بخلاف المقام حیث لا إجمال فی الاستثناء فی ظهوره إلی خصوص الجملة الأخیرة فی مفروض المسألة.

أمّا الصورة الثالثة و هی ما إذا تعدّدت القضیة بتعدّد الموضوع و المحمول معاً فإنّ الاستثناء فیها یرجع إلی الجملة الأخیرة دون ما سبقها من الجمل کما عرفت.

ص: 391

ص: 392

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد

اشارة

ص: 393

ص: 394

تخصیص الکتاب بخبر الواحد

فیه أمران:

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة

(1)

المشهور بین الإمامیة جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد و لکن العامّة اختلفوا فی ذلک:

فبعضهم أنکر تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد مطلقاً.

ص: 395


1- . مفاتیح الأصول، ص160: لا إشکال و لا شبهة فی عدم جواز تخصیص عام الکتاب بخبر الواحد إن قلنا بأنّه لیس بحجّة مطلقا کما أشار إلیه فی الذّریعة و العدة و أمّا إذا قلنا إنّه حجة کما هو التحقیق و علیه المعظم فهل یجوز تخصیص ذلک به أو لااختلف الأصولیون من الخاصة و العامّة فیه علی أقوال الأوّل أنّه یجوز تخصیصه به مطلقا و هو للعلامة فی النهایة و المبادی و السید عمید الدّین و صاحب غایة البادی فی شرح المبادی و سبط الشهید الثّانی فی المعالم و السّید الأستاذ رحمه الله و والدی العلامة و الرّازی فی المحصول و الحاجبی فی المختصر و العضدی فی شرحه و البیضاوی فی المنهاج و الأسنوی و العبری فی شرحه و حکاه صاحب غایة البادی و الرازی و العبری عن الشافعی و أبی حنیفة و مالک و فی النهایة و الإحکام و المختصر و شرحه أنّه مذهب الفقهاء الأربعة و فی العدّة هو مذهب أکثر الفقهاء و المتکلّمین و هو الظاهر من الشافعی و أصحابه عن أبی الحسین و غیره الثانی أنّه لایجوز تخصیصه به مطلقا و هو للعدّة و حکاه فی المعارج و المنیة عن السّید و فی المحصول و المنهاج و غیرهما عن قوم الثالث أنّه یجوز تخصیصه به إن کان قد خصّ قبل ذلک بدلیل مقطوع متصلا کان أو منفصلا و إلاّ فلا و هو للمحکی فی جملة من الکتب عن عیسی بن أبان الرابع أنّه یجوز تخصیصه به إن کان قد خصّ بدلیل منفصل قطعیا کان أو ظنیا و إن خص بدلیل متّصل أو لم یخصّ لم یجز و هو للمحکی فی جملة من الکتب عن أبی الحسین البصری و توقف فی المسألة القاضی أبو بکر علی ما حکاه جماعة.

و بعضهم فصّل بین ما إذا خصّص قبله بمخصّص قطعی فیجوز و ما إذا لم یخصّص قبله بمخصّص قطعی فلایجوز.

و بعضهم فصّل بین المخصّص المتّصل فیجوز التخصیص به و بین المخصّص المنفصل فلایجوز التخصیص به.

و بعضهم توقف فی ذلک.

و الحق هو جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد کما علیه جمیع علمائنا.((1))

ص: 396


1- . و ادعی مخالفة الشیخ الطوسی (قدس سره)، فی العدة، ج1، ص344، لکن المحقق الخوئی (قدس سره) ادّعی عدم الخلاف بین الطائفة فی جواز تخصیصه بخبر الواحد. المحاضرات، ج5، ص309. مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص219: یجوز تخصیص الکتاب بالکتاب و بالخبر المتواتر، کما یجوز تخصیصه بهما بلا خلاف معتدّ به. و أمّا تخصیص الکتاب بالخبر الواحد، فالأقرب جوازه أیضا، وفاقا لأکثر المحقّقین و حکی عن الذریعة و العدة و المعارج عدم الجواز مطلقا. و لعلّ منع السید مبنی علی أصله من إنکار حجّیة الخبر الواحد و فصّل بعضهم بین تخصیص العامّ الکتابی بمخصّص قطعی فیجوز، و عدمه فلا یجوز. و حکی عن المحقّق أیضا الوقف و لعلّه توقّف منه فی العمل، و إلّا فالمحکی عنه هو العدم، کما عرفت.

الأمر الثانی: فی ذکر الأدلّة

اشارة

استدلّ صاحب الکفایة (قدس سره) علی جواز التخصیص بوجهین:((1))

الوجه الأوّل:

إنّ سیرة الأصحاب إلی زمن الأئمة (علیهم السلام) علی العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الکتاب، و احتمال أن یکون ذلک بواسطة القرینة واضح البطلان.

الوجه الثانی:
اشارة

لو لم نقل بتخصیص الکتاب بخبر الواحد یلزم الغاء الخبر بالمرّة أو یلزم ما هو بحکم إلغاء الخبر، ضرورة ندرة خبرٍ لم یکن علی خلافه عموم الکتاب.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی المقام

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّه لایوجد فی المجامیع المعتبرة خبر لایکون علی خلافه عموم فی الکتاب و لو کان ذلک العموم من قبیل عمومات الحلّ و نحوها.((2))

استشکل علیه المحقّق الخوئی (قدس سره):

إنّ جلّ الروایات الدالّة علی تعیین أجزاء العبادات و شرائطها و موانعها لیس

ص: 397


1- . کفایة الأصول، ص235.
2- . استدلال النائینی (قدس سره) و إشکال المحقق الخوئی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج2، ص390 و طبع آخر، ج1، ص505.

فیها ما یخالف الکتاب و لو کانت مخالفتها له مخالفةً بدویة (من قبیل مخالفة المطلق و المقید و مخالفة العامّ و المخصّص) لأنّ الأوامر المتعلّقة بالعبادات فی القرآن کلها واردة فی مقام التشریع و لیست فی مقام البیان و لیس لشیء منها إطلاق یقتضی عدم اعتبار شیءٍ ما فی متعلّقاتها لتکون الروایة الدالّة علی اعتباره فیها مخالفة للکتاب بنحو من المخالفة و هکذا الأوامر الواردة فی الکتاب فی غیر المعاملات، فلیس فیها ما یدلّ بعمومه أو بإطلاقه علی حلیة کل فعل صادر من المکلّف، لیکون الخبر الدالّ علی الحرمة مخالفاً له.

أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((1))

إنّ بعض العمومات الکتابیة فی مقام البیان کما یظهر ذلک من استدلال الأئمة (علیهم السلام) ببعض العمومات الکتابیة کما یستدلّ بإطلاق (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا)((2)) و یستدلّ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((3)) فلابدّ من أن یقال: إنّ تلک العمومات و الإطلاقات الکتابیة واردة فی مقام البیان لا فی مقام أصل التشریع.

ص: 398


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص361.
2- . سورة البقرة(2):275.
3- . سورة المائدة(5):1.

أمّا التحقیق حول أقوال العامّة:

الدلیل علی القول الأوّل أوجه أربعة:
اشارة

((1))

الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ العامّ قطعی الصدور و خبر الواحد ظنّی السند، فلایجوز رفع الید عن القطعی بالظنی.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً بالنقض: حیث إنّه لو صحّ ذلک لما جاز تخصیص المتواتر بخبر الواحد مع أنّه جائز قطعاً.

و ثانیاً بالحلّ: حیث إنّ خبر الواحد لایعارض سند الکتاب و صدوره حتی یقال بعدم جوازه بل یعارض و ینافی عموم الکتاب و دلالة الکتاب علی العموم لیست بقطعیة.

و ثالثاً: إنّ الخبر بدلالته و سنده صالح للقرینیة علی التصرف فی عموم الکتاب، بخلاف أصالة العموم فی الکتاب حیث إنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتبار الخبر.

ص: 399


1- . ذکرها صاحب الکفایة (قدس سره) وأجاب عنها فی ص236: (و کون العام الکتابی قطعیا صدورا و خبر الواحد ظنیا سندا لایمنع عن التصرف فی دلالته الغیر القطعیة قطعا و إلّا لما جاز تخصیص المتواتر به أیضا مع أنّه جائز جزماً و السر أنّ الدوران فی الحقیقة بین أصالة العموم و دلیل سند الخبر مع أنّ الخبر بدلالته و سنده صالح للقرینیة علی التصرف فیها بخلافها فإنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتباره و لاینحصر الدلیل علی الخبر بالإجماع کی یقال بأنّه فیما لایوجد علی خلافه دلالة و مع وجود الدلالة القرآنیة یسقط وجوب العمل به.)
الوجه الثانی:
اشارة

إنّ دلیل حجیة الخبر لیس إلّا الإجماع و هو دلیل لبّی و یؤخذ بالقدر المتیقّن منه و هو الخبر الذی لیس مخالفاً لعموم الکتاب.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ دلیل حجیة الخبر لاینحصر فی الإجماع، و قد عرفت أنّ سیرتهم مستمرّة علی العمل به فی قبال العمومات الکتابیة.

الوجه الثالث:
اشارة

إنّ الأخبار الدالة علی أنّ الأخبار المخالفة للقرآن یجب طرحها أو ضربها علی الجدار أو أنّها زخرف أو أنّها مما لم یقل بها الإمام (علیه السلام) ((1)) یوجب عدم تخصیص الکتاب بخبر الواحد.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً: إنّ المراد من المخالفة فی هذه الأخبار غیر مخالفة العموم (حیث إنّ المخالفة فی هذه الأخبار مخالفة بالتباین و أمّا المخالفة بین خبر الواحد الخاصّ و العام الکتابی مخالفة بدویة).

ثانیاً: إنّ العرف لایری بین المخصّص و العامّ مخالفة بل المخصّص قرینة لتبیین معنی العامّ.

ثالثاً: یحتمل أن یکون المراد فی هذه الأخبار هو أنّ الأئمة (علیهم السلام) لایقولون بغیر

ص: 400


1- . الوسائل، ج18، ص79، الباب 9 من أبواب صفات القاضی.

ما هو قول الله تبارک و تعالی واقعاً، و إن کان هو علی خلاف قول الله تبارک و تعالی ظاهراً لکنّه موافق له واقعاً و شارح لمراده تعالی و بیان لمراده من کلامه.

رابعاً: الأخبار المخالفة للکتاب بهذه المخالفة عنهم (علیهم السلام) کثیرة جدّاً بحیث لایمکن إنکاره.

الوجه الرابع:
اشارة

إذا قلنا بجواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد، فلابدّ أن نقول أیضاً بجواز نسخ الکتاب بخبر الواحد و لکن نسخ الکتاب بخبر الواحد باطل إجماعاً فالمقدّم لابد أن یکون باطلاً أیضاً، فلایجوز تخصیص الکتاب بخبر الواحد، أمّا الدلیل علی الملازمة هو أنّ النسخ أیضاً من قبیل التخصیص و الفرق بینه و بین التخصیص المصطلح هو أنّ النسخ یکون راجعاً إلی الأزمان و التخصیص المصطلح راجع إلی الأفراد، فالنسخ تخصیص أزمانی کما أنّ التخصیص المصطلح تخصیص أفرادی.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ النسخ یفترق عن التخصیص من جهة أنّ الإجماع قائم علی جواز تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد و الإجماع قائم أیضاً علی عدم جواز نسخ الکتاب بخبر الواحد.

هذا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقام.

ص: 401


1- . کفایة الأصول، ص237: و الملازمة بین جواز التخصیص و جواز النسخ به ممنوعة و إن کان مقتضی القاعدة و جوازهما لاختصاص النسخ بالإجماع علی المنع مع وضوح الفرق بتوافر الدواعی إلی ضبطه و لذا قل الخلاف فی تعیین موارده بخلاف التخصیص.
الدلیل علی القول الثانی:
اشارة

لعلّ دلیلهم هو أنّ العام بعد التخصیص یکون مجازاً فالتخصیص الثانی لایوجب التجوّز ثانیاً.

الإیراد علیه:

إنّ العام بعد التخصیص لایکون مجازاً کما تقدّم.

الدلیل علی القول الثالث:
اشارة

هو توهم أنّ المخصص المتصل لایوجب التجوّز بخلاف المخصص المنفصل.

الإیراد علیه:

بطلان ذلک یظهر ممّا تقدّم بالنسبة إلی القول السابق حیث إنّ العامّ بعد التخصیص لایکون مجازاً سواء کان المخصّص متصلاً أم منفصلاً مضافاً إلی أنّ تصور القرینة المتّصلة فی الخبر الواحد بالنسبة إلی عموم الکتاب فی غایة الإشکال.

ص: 402

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ

اشارة

ص: 403

ص: 404

الدوران بین التخصیص و النسخ((1))

فیه مقدمة و تنبیهان أیضاً:

مقدمة: فی بیان صور المسألة

اشارة

و هی ثمانٍ:

إذا ورد عامّ و خاصّ فقد نشک بحسب الحالات المختلفة لهما فی أنّ الخاصّ

ص: 405


1- . اختلفوا الأعلام فی معنی النسخ: قیل: إنّ النسخ تخصیص و تقیید فی الأزمان، فإنّ الدلیل کما یمکن تخصیصه بحسب الأفراد، یمکن تخصیصه بحسب الأزمان أیضاً... و علیه: فالنسخ و التخصیص روحهما شی ء واحد، لکن أحدهما تصرف فی عامود الزمان، و الآخر تصرف فی الأفراد. و بناء علی هذا المسلک، یکون معنی أصالة عدم النسخ، عبارة عن أصالة الإطلاق و العموم فی المجعول بلحاظ الزمان. و قیل: أنّ النسخ تصرف فی مرحلة الثبوت و فی عالم الجعل و التشریع، و ذلک بأن یکون المولی قد جعل الحکم مطلقاً من دون أن یأخذ الزمان قیداً فی المجعول، علی نهج القضیة الحقیقیة، فالإطلاق فی الدلیل کان مطابقاً للواقع، لأنّ الجعل کان علی وجه الإطلاق، و الدلیل کان یعبر عن هذا الإطلاق فی الجعل، غایة الأمر، أنّ هذا الجعل الذی صدر من المولی علی وجه کلی و مطلق کان له نحو بقاء و استمرار عرفی و خارجی بحسب عالم المولویة ما لم یرفع المولی یده عنه، و حینئذ، المولی حینما یرید أن ینسخ الحکم، یرفع یده عن هذا الجعل، فالنسخ إذن، لیس عبارة عن انتهاء أمد المجعول، لأنّ المجعول لم یؤخذ فیه قید بزمان خاص لینتهی أمده بانتهاء ذلک الزمان، بل النسخ هو رفع الید عن نفس الجعل. بحوث فی علم الأصول، ج7، ص424-425.

مخصّص للعامّ أو ناسخ له أو منسوخ له، و لتحقیق ذلک لابدّ من أن نلاحظ جمیع الصور المتصوّرة بین العامّ و الخاصّ.((1))

توضیح ذلک:

إنّ الخاصّ إمّا یکون منفصلاً عن العام

فإذا کان الخاصّ منفصلاً عنه فله ثلاثة فروض:

الأول: إمّا یکونان معلومی التاریخ.

و العامّ و الخاصّ المنفصل عنه فیما إذا کانا معلومی التاریخ لهما خمس صور:

ص: 406


1- . قال فی مطارح الأنظار (ط ج): ج 2، ص227: هدایة [- الخاصّ المخالف لحکم العام قد یکون بیاناً له و قد یکون ناسخا] الأقرب أنّ الخاصّ المخالف لحکم العامّ إنّما هو بیان له تارة و ناسخ له أخری، وفاقا لجلّ المحقّقین بل کلّهم... لا وجه لتخصیص محلّ الکلام بالعامّ و الخاصّ المطلقین، إذ بعد ما صرّح جماعة بجریانه فی العامّین من وجه- کالتفتازانی و صاحب المعالم و الفاضل الشیروانی- أنّ ملاک البحث موجود فیه أیضا... و توهم جماعة منهم المحقق القمی فی القوانین ج1ص 314، و سلطان العلماء فی حاشیته علی المعالم ص149، و النراقی فی المناهج ص117، و غیرهم اختصاص النزاع بالمطلقین. و فی منتهی الأصول (ط ج)، ج 2، ص739 و منتقی الأصول، ج 3، ص397. و فی هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 1، ص316: فمن ظاهر المعظم ترجیح التخصیص مطلقا، و هو الأظهر؛ إذ هو المفهوم بحسب العرف سیما مع تأخّر الخاصّ، بل الظاهر الاتّفاق علیه حینئذ، و لغلبة التخصیص علی النسخ، و لما فی النسخ من رفع الحکم الثابت و مخالفة ظاهر ما یقتضیه المنسوخ من بقاء الحکم، بخلاف التخصیص؛ إذ لیس فیه إلّا مخالفة لظاهر العامّ، کما مرّت الإشارة إلیه، و أیضا قد عرفت تقدّم المجاز علی النسخ فیقدم علیه التخصیص الراجح علی المجاز. و عن جماعة منهم السید و الشیخ القول برجحان النسخ علی التخصیص فی الخاصّ المتقدّم علی العامّ، لدعوی فهم العرف، و أنّ التخصیص بیان فلا یتقدّم علی المبین. و هما مدفوعان بما لایخفی، و سیجی ء تفصیل القول فی ذلک إن شاء الله تعالی فی مباحث العموم و الخصوص عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

إمّا نعلم بتقدّم العامّ و جاء الخاصّ قبل وقت العمل و هی الصورة الأولی.

أو جاء بعد وقت العمل و هی الصورة الثانیة.

و إمّا نعلم بتقدّم الخاصّ و جاء العامّ قبل وقت العمل و هی الصورة الثالثة.

أو جاء بعد وقت العمل و هی الصورة الرابعة.

و إما نعلم بتقارنهما و هی الصورة الخامسة.

الثانی: و إما یکونان مجهولی التاریخ و هی الصورة السادسة.

الثالث: و إما یکون أحدهما مجهول التاریخ و الآخر معلوم التاریخ و هی الصورة السابعة.

و إما یکون الخاص متصلاً بالعام و هی الصورة الثامنة.

ص: 407

أما الصورة الأُولی:

اشارة

((1))

فیها قولان:

قد اختلف الأعلام فی أنّ الخاصّ هل یمکن أن یکون ناسخاً للعام أو لا؟

القول الأوّل:
اشارة

قد اختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و جمع من الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) ((3)) عدم إمکان کون الخاصّ ناسخاً للعامّ بل الخاصّ یتمحض فی هذه الصورة فی کونه مخصّصاً للعامّ.

الاستدلال علی عدم إمکان ناسخیة الخاصّ:

قد استدلّ علی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال:((4)) إنّه لایعقل جعل الحکم من المولی الملتفت إلی عدم تحقّقه و فعلیته فی الخارج بفعلیة موضوعه ضرورة أنّه مع علم المولی بانتفاء شرط فعلیته، کان جعله لغواً محضاً، حیث إنّ الغرض من جعله إنّما هو صیرورته داعیاً للمکلّف نحو الفعل، فإذا علم بعدم بلوغه إلی هذه المرتبة لانتفاء شرطه، فلامحالة یکون جعله بهذا الداعی لغواً، فیستحیل أن یصدر من المولی الحکیم.

ص: 408


1- . تقدّم العامّ مع ورود الخاصّ قبل وقت العمل بالعامّ.
2- . کفایةالأصول، ص237: لأنّ الخاص إن کان مقارنا مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به فلا محیص عن کونه مخصصا و بیانا له.
3- . تحقیق الأصول، ج 4، ص365.
4- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص476.

نعم یمکن ذلک فی الأوامر الامتحانیة، حیث إنّ الغرض من جعلها لیس بلوغها مرتبة الفعلیة و لذا لا مانع من جعلها مع علم المولی بعدم قدرة المکلّف علی الامتثال، نظراً إلی أنّ الغرض منها مجرد الامتحان و هو یحصل بمجرد إنشاء الأمر.

القول الثانی:
اشارة

قال المحقق النائینی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((1)) بإمکان ناسخیة الخاص للعام.

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة:

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة:

إنّ ما ذکروه فی المقام، إنّما نشأ من عدم تمییز أحکام القضایا الخارجیة من أحکام القضایا الحقیقیة، لأنّ الحکم المجعول إن کان من قبیل الأحکام المجعولة فی القضایا الخارجیة لصحّ ما ذکروه و أمّا إذا کان من قبیل الأحکام المجعولة فی القضایا الحقیقیة الثابتة للموضوعات المقدّر وجودها (کما هو الواقع فی أحکام الشریعة المقدّسة) فلا مانع من نسخها بعد جعلها و لو کان ذلک بعد زمان قلیل کیوم واحد أو أقلّ، لأنّه لایشترط فی صحّة جعله وجود الموضوع له خارجاً، لأنّ موضوعه أُخذ مفروض الوجود، نعم یستثنی من ذلک القضیة الحقیقیة الموقتة قبل حضور وقت العمل به، فإنّه یستحیل تعلّق النسخ به کما هو الأمر فی القضایا الخارجیة (القضیة الحقیقیة الموقتة مثل وجوب صوم شهر رمضان حیث إنّه واجب له وقت مخصوص لایصیر وجوبه فعلیاً قبل الوقت المذکور).

ص: 409


1- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص552.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص394 و طبع آخر، ج1، ص506.

فعلی هذا إنّ النسخ بالنسبة إلی القضایا الحقیقیة غیر الموقتة أو القضایا الحقیقیة الموقتة بعد حضور وقت العمل، بمکان من الإمکان.

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

إنّ جعل الحکم بداعی البعث حقیقة مع علم المولی بانتفاء موضوعه و شرطه فی الخارج لغو محض فلایمکن صدوره من الحکیم المتفت إلی ذلک، من دون فرق فی ذلک بین الأوامر و النواهی و القضایا الحقیقیة و الخارجیة.

نعم إذا کان جعل الحکم و تشریعه فی الشریعة المقدسة سبباً لانتفاء موضوعه و شرطه، فلا مانع منه کما هو الشأن فی جعل القصاص والدیات و الحدود، حیث إنّ تشریع هذه الأحکام سبب لمنع المکلّف و زجره من إیجاد موضوعها فی الخارج.

(إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ناظر إلی الإمکان العقلی للنسخ و ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ناظر إلی أنّه مستحیل بالعرض لأنّ اللغو لایصدر من الحکیم).

استدلال المحقّق العراقی (قدس سره) علی إمکان النسخ:

(2)

إنّه قال (قدس سره): بناء علی ما هو المشهور فی الأحکام المجعولة المشروطة من عدم فعلیة التکلیف فیها إلّا بعد حصول الشرط خارجاً، لایلزم فی إمکان النسخ أن یکون الحکم الثابت فعلیاً علی الإطلاق بل یکفی فی صحّته کونه رفعاً لحکم

ص: 410


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص478 و 479.
2- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص552 و قرّب المحقق العراقی وجه تقدیم التخصیص علی النسخ فی المقالات، ج1، ص486: أنّه إذا دار الأمر بین التصرّف الدلالی و التصرّف الجهتی یقدّم الأصل الجهتی علی الأصل الدلالی من جهة أنّه لولا إحراز أصل صدور الکلام عن المعصوم علیه السّلام لاتنتهی النوبة إلی مقام التعبّد بظهوره و دلالته. و بما أنّ باب النسخ کان من باب التوریة و التقیة فی کونه من قبیل التصرّف فی الجهة لا من قبیل التصرّف فی الدلالة، و کان الخاصّ من قبیل التصرّف فی الدلالة، فمع الدوران فی العامّ بین کونه منسوخا بالخاصّ و کونه مخصّصا به یقدّم الأصل الجاری فی جهته- و هو أصالة عدم النسخ- علی الأصل الجاری فی ظهوره و دلالته- و هو أصالة العموم، فیقدّم التخصیص علی النسخ.

ثابت فی الجملة و لو بمرتبة إنشائه الحاصل بجعل الملازمة بینه و بین شرطه و سببه کما فی الواجبات المشروطة، فکما یصح فی الأحکام العرفیة نسخ الحکم فی الموقّتات و المشروطات قبل حصول شرطها یصح ذلک فی الأحکام الشرعیة، فیکفی فی صحته أیضاً مجرد کونه رفعاً لما تحقّق بالإنشاء السابق و لو لم یکن حکماً فعلیاً علی الإطلاق، فإنّ باب النسخ أشبه شیء بباب التوریة و التقیة فی کونه من باب التصرف فی الجهة، من حیث إظهاره سبحانه حکماً بنحو الدوام و الاستمرار لمصلحة تقتضیه، مع علمه سبحانه بنسخه فیما بعد حسب ما یری فی علمه من المصالح المقتضیة لذلک، فالمرفوع هو تلک الملازمة الثابتة بین الشیء و شرطه و بناء علی ما اخترنا من أنّ الحکم هو نفس الإرادة المبرزة و الکراهة المبرزة، فالحکم (و هی الإرادة المبرزة) موجود بالفعل و إن لم یتحقّق الشرط، لأنّ التکلیف فیها بجعل المنوط به هو الشیء فی فرضه و لحاظه طریقاً إلی الخارج، فلایحتاج إلی جعل المرفوع هو الملازمة، حیث کان المرفوع حینئذ هو الحکم الفعلی.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ إظهار الحکم الشرعی بنحو الاستمرار مع علمه بنسخه فیما بعد، هو للمصالح المقتضیة لذلک، و إن کان ممکناً عقلاً، إلّا أنّا

ص: 411

لانری وقوع تلک المصلحة فیما بأیدینا من الأمثلة و الموارد و مع فرض وقوعها فهی نادر الوجود جداً، و لکن التخصیص أمر دارج کثیر، فالظهور العرفی یقتضی حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ، هذا علی المبنی المشهور و علی المبنی الذی اختاره.

ثانیاً: قد تقدّم فی مبحث الواجب المعلّق، أنّ المختار فی المقام (تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره))((1)) هو أنّ البعث الحقیقی یقتضی إمکان الانبعاث، فمع عدم إمکان الانبعاث لایتحقّق البعث الحقیقی فلم یتحقّق هنا حکم حقیقی حتّی یقال بنسخه فالنسخ محال عقلاً لا إنّه لغو فقط.

فتحصل من ذلک: أنّ الخاصّ فی الصورة الأُولی یحمل علی التخصیص دون النسخ.

ص: 412


1- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص72.

أما الصورة الثانیة:

اشارة

((1))

و فیها نظریتان:

النظریة الأُولی: التفصیل
اشارة

قال الشیخ((2)) و المحقّق الخراسانی((3)) و المحقق الحائری((4)) و المحقّق العراقی((5)) و المحقّق البروجردی (قدس سرهم) ((6)) بالتفصیل قالوا: إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الواقعی فالخاصّ ناسخ له، و لایکون الخاصّ حینئذ مخصّصاً لأنّه یلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة، و إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری فالخاصّ مخصّص له، بمعنی أنّ الناس مکلّفون بالعمل علی طبق العامّ ما لم یرد علیها المخصّص فإذا ورد الخاصّ فهو مخصّص بالنسبة إلی الإرادة الجدّیة و ناسخ بالنسبة إلی الحکم الظاهری.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان:

((7))

إنّ ما أفاده من أنّ الخاصّ ناسخ بالنسبة إلی الحکم الظاهری و مخصّص بالنسبة إلی الإرادة الجدّیة فیما إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری ممنوع،

ص: 413


1- . تقدّم العامّ مع ورود الخاصّ بعد وقت العمل بالعامّ.
2- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص229 و فرائد الأصول، ج4، ص93 و 94.
3- . کفایةالأصول، ص237.
4- . دررالفوائد (ط ج)، ص229.
5- . نهایة الأفکار، دفتر انتشارات اسلامی، ج2، 554 و ج 4 قسم 2، ص152.
6- . نقلاً عن بعض الأساطین فی تحقیق الأصول، ج 4، ص366.
7- . نهایة الدرایة، ج2، ص483.

فإنّ الخاصّ لایکون ناسخاً للحکم الظاهری و ذلک لأنّ انتهاء أمد المصلحة بوصول الخاصّ و إن کان یشبه النسخ، فیتوهّم کونه ناسخاً، إلّا أنّ الفرق بین ما نحن فیه و بین النسخ هو أنّ الناسخ کاشف عن انتهاء أمد المصلحة فی المنسوخ، و الخاصّ هنا بوصوله موجب لانتهاء أمدها لا کاشف عن انتهاء أمدها واقعاً، و ما نحن فیه هو مثل قیام الدلیل الاجتهادی علی خلاف الأصل العملی، فإنّ الدلیل الاجتهادی و الأمارة یوجب ارتفاع موضوع الأصل العملی و لایکون قیام الأمارة ناسخاً للحکم الظاهری، و هکذا فیما نحن فیه فإنّ وصول الخاصّ یوجب ارتفاع موضوع الحکم الظاهری المستفاد من العامّ و لایکون من باب النسخ.

النظریة الثانیة:
اشارة

و هی حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ أفادها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .((1))

استدلال المحقّق الإصفهانی علی مخصصیه الخاص لا ناسخیته:

إنّ الوجه عند دوران الأمر بین التخصیص و النسخ هو الأوّل، لأنّ ظاهر الخاصّ مثل قوله «لاتکرم العالم الفاسق» هو حرمة إکرام العالم الفاسق فی الشرع و أنّه حکم إلهی فی شریعة الإسلام، لا أنّه حکم شرعی من هذا الحین، و إن کان فعلیته من الحین و حیث إنّه أظهر من «أکرم العلماء» یقدّم علیه و یخصّصه.

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

((2))

إنّ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة إنّما هو لأحد الأمرین:

ص: 414


1- . هامش نهایة الدرایة، ج2، ص484.
2- . المحاضرات (ط ج)، ج 4، ص481.

الأوّل: إنّه یوجب وقوع المکلّف فی الکلفة و المشقّة من دون مقتضٍ لها فی الواقع کما إذا افترضنا أنّ العامّ مشتمل علی حکم إلزامی فی الظاهر و لکن کان بعض أفراده فی الواقع مشتملاً علی حکم ترخیصی، فإنّه لامحالة یوجب إلزام المکلّف و وقوعه بالإضافة إلی تلک الأفراد المباحة فی المشقّة و الکلفة من دون موجب و مقتضٍ لها و هذا من الحکیم قبیح.

الثانی: إنّه یوجب إلقاء المکلّف فی المفسدة أو یوجب تفویت المصلحة عنه، کما إذا افترضنا أنّ العامّ مشتمل علی حکم ترخیصی فی الظاهر، و لکن کان بعض أفراده فی الواقع واجباً أو محرّماً فإنّه علی الأوّل یوجب تفویت المصلحة الملزمة عن المکلّف و علی الثانی یوجب إلقاءَه فی المفسدة و کلاهما قبیح من المولی الحکیم.

و من المعلوم أنّ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة لا یکون کقبح الظلم لیستحیل انفکاک القبح عنه، بل هو کقبح الکذب (و عبّروا عنه بأنّه یقتضی القبح و لیس علّة تامّه له).

فحینئذٍ اذا طرأ عنوان آخر مثل المصلحة الملزمة التی تکون أقوی من مفسدة التأخیر أو کان فی تقدیم البیان مفسدة أقوی من مفسدة تأخیره، فلا یکون قبیحاً.

و بکلمة أُخری: إنّ حال تأخیر البیان عن وقت الحاجة فی محل الکلام، کحال تأخیره فی أصل الشریعة المقدسة، حیث إنّ بیان الأحکام فیها کان علی نحو التدریج واحداً بعد واحد لمصلحة التسهیل علی الناس، نظراً إلی أنّ بیانها دفعة واحدة عرفیة یوجب المشقّة علیهم و هی طبعاً توجب الإعراض عن الدین، و مصلحة التسهیل علی الناس و رغبتهم فی الدین أقوی من مصلحة الواقع التی تفوت المکلّف.

ص: 415

ثمّ انّ المحقّق الخوئی (قدس سره) بعد بیان هذه المقدّمة قال: و علی ضوء هذه النتیجة یتعین کون الخاصّ المتأخر الوارد بعد حضور وقت العمل بالعامّ مخصّصاً لا ناسخاً.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا البیان، غایة ما یقتضیه هی أنّ التخصیص أیضاً ممکن کما یمکن حمل الخاصّ علی کونه ناسخاً، و أمّا تعین التخصیص فلایستفاد من هذا البیان.

و تحصّل أنّ الخاصّ فی الصورة الثانیة یتعین کونه مخصّصاً للعامّ.

ص: 416

أما الصورة الثالثة:

و هی تقدّم الخاصّ مع ورود العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ و فی هذه الصورة یتعین حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ و لا یمکن جعل العامّ ناسخاً للخاصّ لاستلزامه محذورین:

المحذور الأوّل: ما تقدّم من المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) من أنّه یلزم أن یکون جعل الحکم لغواً محضاً.

المحذور الثانی: ما أشرنا إلیه سابقاً تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ البعث الحقیقی یقتضی إمکان الانبعاث فمع عدم إمکان الانبعاث فلا بعث حقیقی و مع عدم البعث الحقیقی فلا حکم حتّی یتحقّق النسخ.

ص: 417


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص484.

أما الصورة الرابعة:

اشارة

((1))

استدلّ علی کون الخاص مخصّصاً بوجهین:

الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) یری أنّ الأظهر هو أن یکون الخاصّ مخصّصاً للعامّ و إلیک نصّ عبارته:

کما یحتمل أن یکون الخاصّ مخصّصاً للعامّ، یحتمل أن یکون العامّ ناسخاً له، و إن کان الأظهر أن یکون الخاصّ مخصّصاً، لکثرة التخصیص، حتی اشتهر «ما من عامّ إلّا و قد خصّ» مع قلّة النسخ فی الأحکام جدّاً، و بذلک یصیر ظهور الخاصّ فی الدوام و لو کان بالإطلاق، أقوی من ظهور العامّ و لو کان بالوضع، کما لایخفی.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علیه:

((3))

إنّ دلیل الحکم یستحیل أن یکون متکفلاً لاستمرار ذلک الحکم و دوامه أیضاً، ضرورة أنّ استمرار الحکم فی مرتبة متأخرة عن نفس الحکم، فلابدّ من فرض وجود الحکم أوّلاً ثم الحکم علیه بالاستمرار کما هو الحال فی جمیع القضایا الحقیقیة التی أُخذ الموضوع فیها مفروض الوجود.

ص: 418


1- . تقدّم الخاصّ مع ورود العامّ بعد وقت العمل بالخاصّ.
2- . کفایةالأصول، ص237.
3- . أجود التقریرات، ج 1، ص511.

و من الطبیعی أنّ الدلیل الواحد لایعقل أن یکون متکفلاً لإثبات نفس الحکم و إثبات ما یتوقف علی کون ذلک الحکم مفروض الوجود فی الخارج و هو استمراره.

فإذن لابدّ له فی الحکم باستمراره إمّا من الرجوع إلی استصحاب عدم النسخ، أو إلی قوله (علیه السلام): «حَلَالَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ»((1)) إلخ.

و لکن کلا الأمرین غیر تام:

أمّا الأوّل: فلأنّه محکوم بدلیل اجتهادی و هو أصالة العموم فی المقام، حیث إنّ الأمر دائر فیه بین التمسّک بها و التمسّک بأصالة عدم النسخ، و المفروض أنّ الأُولی حاکمة علی الثانیة نظراً إلی أنّها من الأُصول اللفظیة و تلک من الأُصول العملیة.

ص: 419


1- . «حدثنا إبراهیم بن هاشم عن یحیی بن أبی عمران عن یونس عن حماد قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقُولُ مَا خَلَقَ اللَّهُ حَلَالًا وَ لَا حَرَاماً إِلَّا وَ لَهُ حَدٌّ کَحَدِّ الدُّورِ وَ إِنَّ حَلَالَ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ وَ حَرَامَهُ حَرَامٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ...» بصائر الدرجات، ج1، ص148، باب13، ح7. روایة محمّد بن علی بن عثمان الکراجکی- فی کتاب کنز الفوائد- عن محمّد بن علی بن طالب البلدی، عن محمّد بن إبراهیم بن جعفر النعمانی، عن أحمد بن محمّد بن سعید بن عقدة، عن شیوخه الأربعة، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النعمان الأحول، عن سلام بن المستنیر، عن أبی جعفر الباقر (علیه السلام) قال: قال جدّی رسول الله (صلی الله علیه و آله): أیها الناس حلالی حلال إلی یوم القیامة، و حرامی حرام إلی یوم القیامة؛ ألا و قد بینهما الله- عزّ و جلّ- فی الکتاب، و بینتُهما لکم فی سُنّتی و سیرتی، و بینهما شبهات من الشیطان و بدع بعدی، مَن ترکها صَلُح له أمر دینه، و صلحت له مروّته و عرضه، و من تلبّس بها، و وقع فیها و اتّبعها، کان کمن رعی غنمه قرب الحِمی، و من رعی ماشیته قرب الحِمی نازعته نفسه إلی أن یرعاها فی الحمی، ألا و إنّ لکلّ مَلکٍ حِمیً، ألا و إنّ حمی الله- عزّ و جلّ- محارمه، فتوقّوا حِمی الله و محارمه. (کنز الفوائد، ج1، ص352، الوسائل، ج18، ص124، کتاب القضاء، الباب12 من أبواب صفات القاضی، الحدیث 47 و فی الکافی: باب البدع و الرّأی و المقاییس، ح 19).

و أمّا الثانی: فلأنّ الظاهر منه هو استمرار الشریعة المقدّسة إلی یوم القیامة و أنّها لاتنسخ بشریعة أُخری،و لاینافیه نسخ بعض الأحکام و عدم استمراره، أو فقل: إنّ المراد منه لیس استمرار کل حکم فی هذه الشریعة حتی یتمسّک بعموم هذا الدلیل فی کل مورد یشکّ فیه فی استمرار الحکم.

أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ الاستمرار مرّة یلاحظ بالإضافة إلی نفس الحکم فحسب و مرّة أُخری یلاحظ بالإضافة إلی متعلّقه و موضوعه، و ما أفاده (قدس سره) من أنّ دلیلاً واحداً لایعقل أن یکون متکفّلاً لإثبات نفس الحکم و استمراره معاً، إنّما یتمّ فی الفرض الأوّل، دون الفرض الثانی، حیث لا مانع من استفادة استمرار الحکم من إطلاق متعلّقه و موضوعه، إذا کان الدلیل المتکفّل له فی مقام البیان کقولنا «لاتشرب الخمر» فإنّه کما یدلّ بإطلاقه علی العموم بالإضافة إلی أفراده العرضیة (الخمر المتخذ من العنب أو التمر أو غیرهما) کذلک یدلّ بالإضافة إلی أفراده الطولیة (بحسب الأزمان) لإطلاق المتعلّق و الموضوع و عدم تقیییده بزمان خاصّ مع کون المتکلّم فی مقام البیان.

فالخاصّ بظهوره الإطلاقی یدلّ علی الدوام و الاستمرار و هو فی المقام مقدّم علی أصالة العموم الذی هو أصل لفظی و قد یکون دلالته علی العموم بالظهور الوضعی (کما فی مثل لفظة کل و جمیع) کما أنّه قد یکون دلالته علی العموم بالإطلاق بمقدّمات الحکمة (کما فی النکرة فی سیاق النهی أو النفی) و الخاصّ قرینة عرفیة بالنسبة إلی العامّ لأخصیة دائرته و لذا یقدّم علی العامّ وإن کان ظهور الخاصّ إطلاقیاً و ظهور العامّ وضعیاً.

ص: 420


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص486.
الوجه الثانی: استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی کون الخاصّ مخصّصاً

((1))

إنّ الأحکام الشرعیة بأجمعها ثابتة فی الشریعة الاسلامیة المقدّسة،حیث إنّها هی ظرف ثبوتها، فلا تقدّم و لا تأخر بینها فی هذا الظرف، و إنّما التأخر و التقدّم بینها فی مرحلة البیان فقد یکون العامّ متأخراً عن الخاصّ فی مقام البیان و قد یکون بالعکس، مع أنّه لا تقدّم و لا تأخّر بینهما بحسب الواقع.

فالعامّ المتأخر الوارد بعد حضور وقت العمل بالخاصّ و إن کان بیانه متأخراً عن بیان الخاصّ زماناً، إلّا أنّه یدلّ علی ثبوت مضمونه فی الشریعة المقدّسة مقارناً لثبوت مضمون الخاصّ، فلا تقدّم و لا تأخّر بینهما فی مقام الثبوت و الواقع.

فالنتیجة أنّ الروایات الصادرة من الأئمة الأطهار (علیهم السلام) من العمومات و الخصوصات بأجمعها تکشف عن ثبوت مضامینها من الأوّل و لا إشکال فی هذه الدلالة و الکشف و من هنا یصّح نسبة حدیث صادر عن الإمام المتأخر إلی الإمام المتقدّم کما فی الروایات.

فالعامّ الصادر عن الصادق (علیه السلام) مقارن للخاصّ الصادر عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) بل عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)، و التأخیر إنّما هو فی بیانه، فلا موجب لتوهّم کونه ناسخاً للخاصّ، بل لامناص من جعل الخاصّ مخصّصاً له، فالخاصّ کاشف عن تخصیص الحکم من الأوّل لا من حین صدوره و بیانه.

ص: 421


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص488- 489.

أما الصورة الخامسة:

و هی الخاصّ المنفصل عن العامّ إذا کانا معلومی التاریخ و تقارنا ففی هذه الصورة لا مجال لاحتمال النسخ لا عرفاً و لا عقلاً، لأنّ العامّ و إن کان ظهوره منعقداً فی العموم إلّا أنّه بعد ملاحظة الخاصّ المنفصل لاتصل إلی مرحلة الحجیة حتی یثبت حکم العام و مع عدم ثبوت حکم العامّ فلایتصور فیه النسخ.

ص: 422

أما الصورة السادسة و السابعة:

و هما الخاصّ المنفصل عن العامّ فیما کانا مجهولی التاریخ أو کان أحدهما مجهول التاریخ و الآخر معلوم التاریخ، ففیهما وجوه من جهة تقدّم الخاصّ علی العامّ أو تقدّم العامّ علی الخاصّ و أیضاً من جهة مجیء الدلیل المتأخّر قبل وقت العمل بالدلیل المتقدّم أو بعده و یظهر حکم جمیع هذه الوجوه من الصور الآتیة، فإن قلنا بإمکان النسخ فی بعض هذه الصور یلزم هنا الرجوع إلی الأصل العملی بحسب تلک الصورة و إن لم نقل بإمکانه یکون الخاصّ مخصّصاً.

ص: 423

أما الصورة الثامنة:

و هی الخاصّ المتّصل بالعامّ ففی هذه الصورة یکون الخاصّ مخصّصاً متصلاً و لاینعقد ظهور العامّ فی عمومه و علی هذا لایبقی وجه لاحتمال النسخ، لأنّ النسخ هو رفع الحکم الثابت و حکم العامّ بعمومه غیر ثابت بل لایعقل جعل الحکم و رفعه فی آنٍ واحد کما صرّح به المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)).

فتحصّل: أنّ الخاصّ فی جمیع هذه الصور یکون مخصّصاً للعامّ و لایکون الخاصّ ناسخاًً للعامّ و لا بالعکس.

ص: 424


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص478.

التنبیه الأوّل:

نحن و إن استظهرنا مخصّصیة الدلیل الخاصّ بالنسبة إلی العامّ و لکن ذلک من جهة کونه أظهر من النسخ((1))، لا من جهة امتناع النسخ، فکان النسخ ممکناً و لو قبل حضور وقت العمل، و ذلک لأنّ النسخ هو انتفاء الحکم بانتهاء أمده، بمعنی أنّ المقتضی لجعل الحکم ینتهی فی ذلک الزمان ثبوتاً، فلسان دلیل الناسخ و إن کان رفع الحکم الثابت إثباتاً، إلّا أنّه فی الحقیقة دفع للحکم الثابت ثبوتاً بمعنی انتهاء مقتضیه، و الغرض من جعل الحکم المنسوخ هو وجود المقتضی و المصلحة الداعیة إلی جعله مع أنّه تعالی عالم بعدم استمرار وجود المقتضی للحکم المنسوخ فلایلزم الإشکالات الثلاثة التی توهّم فی المقام من أنّ النسخ مستلزم إمّا لصدور اللغو و إمّا لکونه جاهلاً بحقیقة الحال تعالی الله عن ذلک و إمّا للبداء المحال فی حقّه تبارک و تعالی و هو تغیر إرادته تعالی.

فهو تبارک و تعالی عالم بحقیقة الحال و لم یتغیر إرادته بل تعلّقت إرادته بالحکم المنسوخ إلی زمان النسخ من حین جعله.

ولکن لم یظهر ذلک لوجود مصلحة فی ذلک أو لدفع مفسدة عن عباده، و لابدّ من جعل المنسوخ لوجود مصلحة ملزمة فی جعله أو لوجود مفسدة فی عدم جعله.

و من ذلک یظهر أنّ البداء فی التکوینیات لیس بمعنی تغیر إرادته تعالی حتّی یکون مستحیلاً، بل البداء الذی نعتقد به هو بمعنی أنّه یظهر ثبوت شیء لوجود مصلحة فی إظهاره مع علمه بعدم تحقّق ذلک.

ص: 425


1- . کفایة الأصول، ص237- 238.

و الوجه فی ذلک هو أنّه یخبر عن وجود المقتضی لذلک الشیء و لکن یخفی علی العباد وجود المانع عن ذلک المتقضی، و ذلک لمصلحة و هی إمّا علم العباد بوجود المقتضی أو المانع (کما فی قضیة من أساء إلی النبی (صلی الله علیه و آله) فأخبر النبی (صلی الله علیه و آله) بأنّه یقتل بسمّ الحیة و لکن لم یتحقّق موته فأخبر النبی (صلی الله علیه و آله) بأنّ المانع من ذلک هو الصدقة التی أعطاها و لم یطّلع علیها إلّا الله تعالی فأخبر بذلک النبی (صلی الله علیه و آله) و أیضاً أراه الحیة حتّی یعتقد بعلم النبی (صلی الله علیه و آله) بالغیب)((1)) و إمّا تحریک العباد و بعثهم

ص: 426


1- . علی بن محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن علی عن عبد الرحمن بن محمد الأسدی عن سالم بن مکرم عن أبی عبد الله (علیه السلام) قَالَ: مَرَّ یهُودِی بِالنَّبِی (صلی الله علیه و آله) فَقَالَ السَّامُ عَلَیکَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) عَلَیکَ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ إِنَّمَا سَلَّمَ عَلَیکَ بِالْمَوْتِ قَالَ الْمَوْتُ عَلَیکَ قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله) وَ کَذَلِکَ رَدَدْتُ ثُمَّ قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله) إِنَّ هَذَا الْیهُودِی یعَضُّهُ أَسْوَدُ فِی قَفَاهُ فَیقْتُلُهُ قَالَ فَذَهَبَ الْیهُودِی فَاحْتَطَبَ حَطَباً کَثِیراً فَاحْتَمَلَهُ ثُمَّ لَمْ یلْبَثْ أَنِ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) ضَعْهُ فَوَضَعَ الْحَطَبَ فَإِذَا أَسْوَدُ فِی جَوْفِ الْحَطَبِ عَاضٌّ عَلَی عُودٍ فَقَالَ یا یهُودِی مَا عَمِلْتَ الْیوْمَ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلًا إِلَّا حَطَبِی هَذَا احْتَمَلْتُهُ فَجِئْتُ بِهِ وَ کَانَ مَعِی کَعْکَتَانِ فَأَکَلْتُ وَاحِدَةً وَ تَصَدَّقْتُ بِوَاحِدَةٍ عَلَی مِسْکِینٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) بِهَا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ وَ قَالَ إِنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ مِیتَةَ السَّوْءِ عَنِ الْإِنْسَانِ. الکافی، ج4، ص5، أبواب الصدقة، باب أنّ الصدقة تدفع البلاء، ح3. أیضاً:حدثنا علی بن عیسی رضوان الله علیه قال حدثنا محمد بن علی ماجیلویه عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی عن أبیه عن محمد بن سنان المجاور عن أحمد بن نصر الطحان عن أبی بصیر قال سمعت أبا عبد الله الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) أَنَّ عِیسَی رُوحَ اللَّهِ مَرَّ بِقَوْمٍ مُجَلِّبِینَ فَقَالَ مَا لِهَؤُلَاءِ قِیلَ یا رُوحَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ تُهْدَی إِلَی فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِی لَیلَتِهَا هَذِهِ قَالَ یجَلِّبُونَ الْیوْمَ وَ یبْکُونَ غَداً فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ وَ لِمَ یا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِأَنَّ صَاحِبَتَهُمْ مَیتَةٌ فِی لَیلَتِهَا هَذِهِ فَقَالَ الْقَائِلُونَ بِمَقَالَتِهِ صَدَقَ اللَّهُ وَ صَدَقَ رَسُولُهُ وَ قَالَ أَهْلُ النِّفَاقِ مَا أَقْرَبَ غَداً فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءُوا فَوَجَدُوهَا عَلَی حَالِهَا لَمْ یحْدُثْ بِهَا شَی ءٌ فَقَالُوا یا رُوحَ اللَّهِ إِنَّ الَّتِی أَخْبَرْتَنَا أَمْسِ أَنَّهَا مَیتَةٌ لَمْ تَمُتْ فَقَالَ عِیسَی (علیه السلام) یفْعَلُ اللَّهُ ما یشاءُ فَاذْهَبُوا بِنَا إِلَیهَا فَذَهَبُوا یتَسَابَقُونَ حَتَّی قَرَعُوا الْبَابَ فَخَرَجَ زَوْجُهَا فَقَالَ لَهُ عِیسَی (علیه السلام) اسْتَأْذِنْ لِی إِلَی صَاحِبَتِکَ قَالَ فَدَخَلَ عَلَیهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّ رُوحَ اللَّهِ وَ کَلِمَتَهُ بِالْبَابِ مَعَ عِدَّةٍ قَالَ فَتَخَدَّرَتْ فَدَخَلَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهَا مَا صَنَعْتِ لَیلَتَکِ هَذِهِ قَالَتْ لَمْ أَصْنَعْ شَیئاً إِلَّا وَ قَدْ کُنْتُ أَصْنَعُهُ فِیمَا مَضَی إِنَّهُ کَانَ یعْتَرِینَا سَائِلٌ فِی کُلِّ لَیلَةِ جُمُعَةٍ فَنُنِیلُهُ مَا یقُوتُهُ إِلَی مِثْلِهَا وَ إِنَّهُ جَاءَنِی فِی لَیلَتِی هَذِهِ وَ أَنَا مَشْغُولَةٌ بِأَمْرِی وَ أَهْلِی فِی مَشَاغِیلَ فَهَتَفَ فَلَمْ یجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ هَتَفَ فَلَمْ یجَبْ حَتَّی هَتَفَ مِرَاراً فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ قُمْتُ مُتَنَکِّرَةً حَتَّی أَنَلْتُهُ کَمَا کُنَّا نُنِیلُهُ فَقَالَ لَهَا تَنَحَّی عَنْ مَجْلِسِکِ فَإِذَا تَحْتَ ثِیابِهَا أَفْعًی مِثْلَ جِذْعَةٍ عَاضٍّ عَلَی ذَنَبِهِ فَقَالَ (علیه السلام) بِمَا صَنَعْتِ صَرَفَ اللَّهُ عَنْکِ هَذَا. الأمالی (للصدوق) ص500، المجلس الخامس و السبعون، ح13.

حسب وجود هذا الأمر الذی تحقّق فیه البداء مثل البداء فی ظهور الفرج.

ص: 427

التنبیه الثانی:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) احتمل فی ذلک ارتقاء نفس النبی (صلی الله علیه و آله) أو الولی (علیه السلام) إلی عالم المحو و الإثبات و هو عالم المثال و لذلک لم یطّلع علی ما فی اللوح المحفوظ و قال:((1))

أمّا من شملته العنایة الإلهیة و اتّصلت نفسه الزکیة بعالم اللوح المحفوظ الذی هو من أعظم العوالم الربوبیة و هو أُم الکتاب، تنکشف عنده الواقعیات علی ما هی علیها.

فإنّ ما أفاده هنا حقیق بالنسبة إلی الأنبیاء السابقین و أوصیائهم و الأولیاء غیر الکاملین، أمّا النبی (صلی الله علیه و آله) فهو العقل الأوّل کما ورد «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِی»((2)) و هکذا أیضاً ورد فی أوصیائه (علیهم السلام).

و العقل الأوّل هو من عالم الجبروت و هو محیط باللوح المحفوظ و الکتاب المبین، ثم إنّهم مع حفظ مرتبتهم فی عالم العقل الأوّل یحضرون فی جمیع المراتب

ص: 428


1- . کفایة الأصول، ص240.
2- . قَالَ رَسُولُ الله (صلی الله علیه و آله) «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِی» عوالی اللئالی، ج4 ص99؛ بحار الأنوار، ج1، ص97 عن العوالی. أیضاً: جابر بن عبد الله، قال: سألت رسول الله صلّی الله علیه و آله عن أوّل ما خلق الله تعالی، فقال (صلی الله علیه و آله): «یا جابر، أوّل ما خلق اللّه نور نبیک، اشتقّه من نوره...». غرر الأخبار، الدیلمی، ص195. و أیضاً فی البحار ج15، ص24: «عَنْ جَابِرٍ أَیضاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِی ابْتَدَعَهُ مِنْ نُورِهِ وَ اشْتَقَّهُ مِنْ جَلَالِ عَظَمَتِه» و فی ج25، ص21: «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) أَوَّلُ شَی ءٍ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی مَا هُوَ؟ فَقَالَ: نُورُ نَبِیکَ یا جَابِرُ خَلَقَهُ اللَّهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ کُلَّ خَیر» و فی ج54، ص70: «عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِی فَفَتَقَ مِنْهُ نُورَ عَلِی».

المخلوقة لأنّهم خلیفة الله تبارک و تعالی فی جمیع العوالم من الملک إلی الملکوت و الجبروت.

و هذا هو معنی «جمع الجمع» لجمیع الحقائق الربوبیة فلا معنی لارتقائهم (علیهم السلام) إلی عالم اللوح المحفوظ بل هم متحدون مع اللوح المحفوظ کما فسّر (الْکِتابِ الْمُبینِ)((1)) بوجود أمیر المؤمنین (علیه السلام) .((2))

ص: 429


1- . یوسف(12):1؛ الشعراء(26):2؛ القصص(28):2؛ الزخزف(43):2؛ الدخان(44):2.
2- . قال الإمام موسی الکاظم ذیل آیة: (حم وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ) «أَمَّا (حم) فَهُوَ مُحَمَّدٌ (صلی الله علیه و آله) وَ هُوَ فِی کِتَابِ هُودٍ الَّذِی أُنْزِلَ عَلَیهِ وَ هُوَ مَنْقُوصُ الْحُرُوفِ وَ أَمَّا (الْکِتابُ الْمُبِین) فَهُوَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِی (علیه السلام) ...» الکافی، ج1، ص478.

ص: 430

البحث الخامس: المطلق و المقید و المجمل و المبین

اشارة

فیه فصول سبعة:

الفصل الأوّل: المراد من المطلق

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»

الفصل الثالث: فی مقدّمات الحکمة

الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

الفصل السابع: المجمل والمبین

ص: 431

ص: 432

الفصل الأوّل: المراد من المطلق

اشارة

ص: 433

ص: 434

المراد من المطلق

و فیه أمران:

الأمر الأوّل: تعریف «المطلق»

اشارة

نذکر تعاریف ثلاثة:

التعریف الأوّل:
اشارة

إنّ أکثر الأصولیین علی ما صرّح به المحقّق القمی (قدس سره) ((1))عرّفوه بما دلّ علی شائع فی جنسه.((2))

ص: 435


1- . القوانین، (ط.ق): ص317 و (ط ج): ج1، ص321: قال فی تفسیره: «أی: علی حصّة مهملة محتملة الصدق علی حصص کثیرة مندرجة تحت جنس تلک الحصّة، و هو المفهوم الکلّی الّذی یصدق علی هذه الحصّة و علی غیرها من الحصص».
2- . قال فی مطارح الأنظار (ط ج): ج 2، ص241: عرّف المطلق بأنّه: ما دلّ علی شایع فی جنسه. و فسّره غیر واحد منهم بأنّه: حصّة محتملة لحصص کثیرة ممّا یندرج تحت أمر مشترک و الظاهر أنّه تفسیر للمدلول. (منهم صاحب المعالم فی المعالم، ص150، و صاحب الفصول فی الفصول: ص217، و العضدی فی شرحه علی المختصر: ص284، و نسبه فی ضوابط الأصول: ص221 إلی المشهور، و فی القوانین، (ط ج): ج1، ص321 إلی أکثر الأصولیین.) و فی مفاتیح الأصول، ص193: اختلف الأصولیون فی تعریف المطلق المتکرر علی ألسنتهم فعرفه صاحب المعالم و الفاضل البهائی و الحاجبی و العضدی و الطوسی و التفتازانی و الأبهری کما عن الآمدی أنّه ما دلّ علی شائع من جنسه قال العضدی ... و عرفه المحقق فی المعارج و العلامة فی التهذیب و المبادی و ابنه فی شرحه و الشهیدان فی الذکری و الروضة و البیضاوی فی المنهاج و الأسنوی و العبری و الأصفهانی کما عن الرازی أنّه اللّفظ الدالّ علی الماهیة لا بقید وحدة و لاتعدد و صرّح العلامة و السید عمید الدّین و الرازی بأنّ التعریف الأول خطاء ... و ظهر من العلامة فی النهایة أنّ المطلق یطلق علی کلا القسمین فإنّه قال قد عرفت فیما سبق أنّ المطلق هو اللّفظ الدال علی الماهیة من حیث هی هی و نرید هنا أعم من ذلک.
إیراد علی هذا التعریف:

قد استشکل علیه صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) و بعض الأعلام طرداً و عکساً.((2))

جواب عن الإیراد:

أجابهم صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) بأنّ التعریف المذکور شرح الاسم و هو ممّا یجوز أن لایکون بمطّرد و لابمنعکس.

و مراده من «شرح الاسم» هو شرح اللفظ کما تقدّم بیان ذلک عند إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علیه.

ص: 436


1- . الفصول الغرویة، ص218. إنّ صاحب الفصول ذکر للمطلق تعریفا آخر، و هو قوله: «المطلق ما دلّ علی معنی شائع فی جنسه شیوعا حکمیا» ولکن نوقش فیها فی مناهج الوصول، ج2، ص313.
2- . أمّا عدم الإطراد: فلشموله لألفاظ العموم البدلی، کمن و ما و أی الاستفهامیة، فإنّها تدلّ علی معنی شائع فی أفراد جنسها مع أنّها لیست من مصادیق المطلق. و أمّا عدم الانعکاس: فلعدم شموله للألفاظ الدالّة علی نفس الماهیة، کأسماء الأجناس، مع أنّهم عدّوها من المطلق.
3- . کفایة الأصول، ص243.
التعریف الثانی:

الشهید الثانی (قدس سره) عرّفه فی تمهید القواعد((1)) بالماهیة و قال فی بیان الفرق بینه و بین العام: «إنّ المطلق هو الماهیة لا بشرط شیء و العامّ هو الماهیة بشرط الکثرة المستغرقة».

التعریف الثالث:

المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی و المحقّق المظفّر (قدس سرهم) قالوا بأنّه لیس للأُصولیین اصطلاح جدید فی لفظ «المطلق» بل المراد من «المطلق» عندهم هو المعنی اللغوی و هو الإرسال و المطلق هو المرسل الذی لم یقید بشیء کما یقال «فلان مطلق العنان» بمعنی أنّه غیر مقید بشیء و هذا هو الصحیح فی المقام فلانحتاج إلی البحث عن التعاریف و ما أُورد علیها.((2))

ص: 437


1- . تمهید القواعد، ص222.
2- . راجع أجود التقریرات، ج2، ص413. و فی المحاضرات، ج4، ص510: المطلق فی اللغة بمعنی المرسل الذی لم یقید بشی ء فی مقابل المقید الذی هو مقید به، ومنه یقال: إنّ فلاناً مطلق العنان یعنی أ نّه غیر مقید بشی ء. وأمّا عند الأصولیین فالظاهر أنّه لیس لهم فی إطلاق هذین اللفظین اصطلاح جدید، بل یطلقونهما بمالهما من المعنی اللغوی والعرفی. و قال النائینی فی الفوائد، ج2، ص562: الإطلاق هو الإرسال، یقال: أطلق الدّابة- أی أرسلها و أرخی عنانها- فی مقابل تقییدها. و الظّان أن لایکون للأصولیین اصطلاح خاصّ فی الإطلاق و التقیید غیر ما لهما من المعنی اللغوی و العرفی. و قال المحقق المظفر فی أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص224: و الظاهر أنّه لیس للُاصولیین اصطلاح خاصّ فی لفظی «المطلق» و «المقید» بل هما مستعملان بما لهما من المعنی فی اللغة، فإنّ المطلق مأخوذ من الإطلاق و هو الإرسال و الشیوع، و یقابله التقیید تقابلَ الملکة و عدمها، و الملکة: التقیید، و الإطلاق: عدمها.

الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید

اشارة

فیه أقوال و اهمها قولان:((1))

القول الأوّل:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال: إنّ تقابل الإطلاق و التقیید هو تقابل الملکة و العدم.((2))

ص: 438


1- . إنّ فی تقابل الإطلاق و التقیید أقوالا أخر. فالأقوال اربعة: منها: أنّ التقابل بینهما تقابل العدم و الملکة، و هو المنسوب إلی سلطان العلماء و من تبعه من المتأخّرین، کما فی فوائد الأصول، ج2، ص565. و منها: أنّه تقابل التضادّ، و هو رأی المشهور إلی زمان سلطان العلماء، کما فی فوائد الأصول، ج1، ص565 و استدلّ له فی دراسات فی علم الأصول، ج1، ص340. و منها: تقابل التضادّ فی مرحلة الثبوت، و العدم و الملکة فی مرحلة الإثبات. و هذا ما اختاره المحقّق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی فی المحاضرات، ج2، ص173. و منها: أنّه تقابل التناقض. و هو مذهب الشهید الصدر فی الدروس، ج2، ص90- 91.
2- . أجود التقریرات، ج 1، ص156 و ص295: إنّ تقابل الإطلاق و التقیید أنّما هو تقابل العدم و الملکة و إنّ امتناع التقیید یساوق امتناع الإطلاق. و أیضا: أجود التقریرات، ج 1، ص520: إنّه لا إشکال فی أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید علی تقدیر کون الإطلاق مأخوذا فی الموضوع له کما نسب ذلک إلی المشهور یکون من قبیل تقابل التضاد لأنّ کلا منهما علی ذلک أمر وجودی یمتنع اجتماعه مع الآخر فی موضوع واحد (و أمّا) علی تقدیر خروج الإطلاق عن الموضوع له کما ذهب إلیه سلطان العلماء و من تبعه من المحققین المتأخرین قدس الله تعالی أسرارهم فلا محالة یکون الإطلاق أمرا عدمیا أعنی به عدم التقیید و علیه فهل التقابل بینه و بین التقیید من تقابل الإیجاب و السلب (أو) أنّه من تقابل العدم و الملکة (الحق) هو الثانی. و فی منتهی الأصول للبجنوردی، ج1، ص376: أنّ تقابل الإطلاق و التقیید کما سنبین تقابل العدم و الملکة؛ بمعنی أنّه فی کلّ مورد لایتطرّق فیه التقیید و یکون محالا فالإطلاق أیضا یکون محالا.

فحقیقة الإطلاق هی لحاظ القید و عدم أخذه و حقیقة التقیید هی لحاظ القید و أخذه، فعلی هذا إنّ الإطلاق و التقیید متلازمان فی الإمکان و الاستحالة فإذا أمکن التقیید أمکن الإطلاق، و إذا استحال التقیید یلزم منه استحالة الإطلاق.

القول الثانی:

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال بالتفصیل بین مقامی الثبوت و الإثبات فإنّ التقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضاد و فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم و الحق هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))، فإنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ لحاظ الخصوصیة أمر جامع بین الإطلاق و التقیید فی غایة المتانة و لذلک نقول بأنّ التقابل بینهما فی مقام الإثبات تقابل العدم و الملکة، و لکن ما اختاره من أنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم أخذ الخصوصیة فلایخلو من إشکال فإنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو لحاظ الخصوصیة و رفضه و رفض الخصوصیة أمر وجودی فالتقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضّاد((2)).

و یلزم من ذلک نتیجة مهمّة و هی أنّ استحالة التقیید بشیء فی مقام الثبوت مستلزم لضرورة الإطلاق فی هذا المقام.

ص: 439


1- . المحاضرات (ط ج)، ج 1، ص529: الصحیح هو التفصیل بین مقامی الإثبات والثبوت.
2- . تقدم بیانه مفصلاً فی المجلد الثانی ص209؛ نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (ط ق)، ج 1، ص667 و (ط ج) ج 2، ص493.

ص: 440

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»

اشارة

ص: 441

ص: 442

ألفاظ «المطلق»

فالأُمور خمسة:

هناک ألفاظ یطلق علیها «المطلق» و یبحث عما وضع له بعض هذه الألفاظ مثل اسم الجنس و علم الجنس و المفرد المعرف ب- «ال» و الجمع المعرف ب- «ال» و النکرة. ((1))

ص: 443


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص160: [المقام] الأوّل فی بیان الجنس و اسم الجنس أفرادیا و جمعیا و علم الجنس و المعرّف بلام الجنس و غیرها و النکرة و الجمع و اسم الجمع. و فی مفاتیح الأصول، ص156: اختلف الأصولیون فی إفادة اسم الجنس المعرف باللاّم نحو البیع و الرّجل العموم وضعا علی قولین الأوّل أنّه لایفیده و هو للمحقق و الشّهید الثانی و حکاه عن أبی هاشم و جماعة من المحققین و فی شرح الوافیة عن إلی آخره إلی أکثر البیانیین و الأصولیین و فی التّمهید المفرد المحلّی باللام و المضاف للعموم عند جماعة من الأصولیین و المعروف من مذهب البیانیین و نقله الآمدی عن الأکثرین و نقله الفخر الرّازی عن الفقهاء و المبرّد ثم اختاره هو و مختصر کلام عکسه و هو الأظهر الثانی أنّه یفیده وضعا و أنّه موضوع له و هو للشیخ فی العدّة و الفاضل البهائی فی الزبدة و المحکی عن البیضاوی و الحاجبی و أبی علی الجبائی و المبرّد و الشافعی و جماعة من الفقهاء للأوّلین.

الأمر الأوّل: اسم الجنس

اشارة

فیه موضعان:

المراد من اسم الجنس المعنی الأعم من اسم الجنس المنطقی فیعمّ النوع و الصنف مثل «إنسان» و «فرس» و «حیوان» و «رجل» من الجواهر و مثل «سواد» و «بیاض» من الأعراض و مثل «زوج» و «مالک» من العرضیات.

الموضع الأوّل: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدّمات الحکمة؟
اشارة

اختلف الأعلام فی أنّ الدلالة علی الإطلاق فی أسماء الأجناس بالوضع أو بمقدّمات الحکمة.

القول الأوّل:
اشارة

إنّ القدماء قالوا بأنّ الإطلاق فیها وضعی فیکون الإطلاق عندهم داخلاً فی المعنی الموضوع له بحیث لو استعمل فی المقید یکون مجازاً.

و هذا یتصوّر علی وجهین:

الأوّل: أن یکون الموضوع له هو المعنی المطلق (بأن یعتبر لا بشرط).

الثانی: أن یکون الموضوع له هو المعنی بشرط الإطلاق (بأن یعتبر بشرط شیء).

القول الثانی:
اشارة

قال سلطان العلماء (قدس سره) فی حاشیة معالم الأصول((1)) بأنّ الألفاظ موضوعة

ص: 444


1- . السید الأجل الحسین بن رفیع الدین محمّد الحسینی الآملی الأصبهانی المتوفی سنة 1064. و طبعت هذه الحاشیة ضمن المعالم المطبوع سنة 1378، المکتبة العلمیة الإسلامیة: 155.

للمعانی بما هی هی و الإطلاق یستفاد من مقدّمات الحکمة، و تبعه فی ذلک جمیع الأعلام المتأخرین.

و الحق هو ما أفاده سلطان العلماء (قدس سره) .

استدلّ علی ذلک بوجوه:
الوجه الأوّل:

و هو التبادر، لأنّ المتبادر من اسم الجنس لیس إلّا ذات الماهیة من دون انسباق الخصوصیات، فالإطلاق خارج عن المعنی الموضوع له.

الوجه الثانی:

و هی صحة التقسیم، فإنّ اللفظ الدالّ علی اسم الجنس ینقسم بما له من المعنی إلی ذات الماهیة مجرّدة عن جمیع الخصوصیات و ذات الماهیة مع جمیع تلک الخصوصیات و صحّة التقسیم علامة لوضع اللفظ للمعنی الأعمّ منهما، فالإطلاق خارج عن المعنی الموضوع له، لأنّ الإطلاق أیضاً خصوصیة من الخصوصیات.

و إلی غیر ذلک من الوجوه التی لایهمّنا التعرّض لها.

بل المهمّ هنا تعیین الموضوع له مع ملاحظة اعتبارات الماهیة، بأن نبحث عن کونها دخیلة فی الموضوع له أو لا؟

ص: 445

الموضع الثانی: فی ما وضع له «اسم الجنس»
اشارة

((1))

القول الأوّل: الکلی الطبیعی
اشارة

و فی تفسیره ثلاث نظریات:

قال الأعلام: إنّ «اسم الجنس» وضع للکلی الطبیعی و هی الماهیة إلّا أنّهم اختلفوا فی أنّ الکلی الطبیعی هی الماهیة المهملة أو هی الماهیة اللابشرط المقسمی أو هی الماهیة اللابشرط القسمی.

ص: 446


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص161: اسم الجنس عبارة عن اللفظ الموضوع لتلک الماهیة المطلقة من دون ملاحظة الأفراد و التعدّد علی ما هو ظاهر إطلاقاتهم فلیس المثنّی و المجموع من اسم الجنس و إن أشیر بهما إلی الجنس- کما فی لا أتزوّج الثیبات فیما أشرنا إلیه- و قد صرّح بوضع أسماء الأجناس للماهیة المطلقة غیر واحد من محقّقی أهل العربیة- کنجم الأئمّة و الأزهری- و هو ظاهر التفتازانی فی مطوّله. و ذهب بعضهم إلی وضعه للفرد المنتشر- کالنکرة- و الأوّل هو الأظهر، لتبادر نفس الجنس عند سماعه مجرّدا عن اللواحق الطارئة، و لأنّه المفهوم منه عند دخول اللام علیه أو «لا» الّتی لنفی الجنس، و لو کان موضوعا للفرد المنتشر لکان مجازا أو موضوعا هناک بالوضع الجدید. و کلاهما فی غایة البعد، إذ لا وجه لالتزام التجوّز فی مثله مع کثرته و عدم خروجه عن الظاهر- کما یظهر بالتأمّل فی الإطلاقات- و القول باختصاص وضعه بتلک الحال کأنّه خروج عن ظاهر الطریقة فی الأوضاع، و لایرد ذلک فی النکرة نظرا إلی کونها حقیقة فی الفرد المنتشر، إذ یمکن أن یقال بکون نفس اللفظ فیها دالّا علی الجنس و التنوین علی الخصوصیة. فوضعه للجنس المطلق لاینافی إطلاقه علی الفرد مع دلالة شی ء آخر علی إرادة الخصوصیة بخلاف ما لو قیل بوضعه للفرد، إذ لایمکن إرادة الجنس منه إذن علی الحقیقة. فظهر بما بینّا أنّ النکرة دالّة علی الفرد المنتشر لا بوضع واحد بل بوضعین، فإنّ نفس اللفظ تدلّ علی الجنس المطلق و التنوین اللاحق له علی کون ذلک الجنس فی ضمن فرد، فیدلّ مجموع الاسم و التنوین علی الفرد المنتشر، و هذا هو المراد بکون النکرة حقیقة فی الفرد المنتشر لا بمعنی أنّها موضوعة للفرد المنتشر بوضع مخصوص، فلا تغفل. و من هنا یظهر مؤیدا آخر لما ذکرناه من وضع أسماء الأجناس للماهیات المطلقة.
التفسیر الأوّل:

إنّ الشیخ و المحقّق الطوسی، قالا((1)): إنّ الکلی الطبیعی الماهیة اللابشرط القسمی (نقله العلامة الآملی (قدس سره) فی درر الفوائد عند تعلیقته علی کلام المحقّق السبزواری (قدس سره) فی المنظومة) و تبعهما المحقّق النائینی و السید الصدر".((2))

التفسیر الثانی:

المحقّق السبزواری (قدس سره) قال: إنّ الکلی الطبیعی الماهیة اللابشرط المقسمی.((3))

و قد یستظهر ذلک من کلام المحقّق الخراسانی (قدس سره) .((4))

ص: 447


1- . راجع الشفاء- قسم المنطق: 42- المقالة الأولی من الفنّ الأوّل، الفصل الثامن، عند قوله: (و ذلک لأنّ معنی دلالة اللفظ، هو أن یکون اللفظ اسما لذلک المعنی علی سبیل القصد الأوّل). و ذکر ذلک العلّامة الحلّی فی الجوهر النضید فی شرح التجرید: 7- سطر 5- 6، و منطق التجرید لأستاذه المحقّق الطوسی و ذکر هذه الحکایة عنهما فی الفصول الغرویة، ص17- 18.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص421؛ بحوث فی علم الأُصول، موسسة دائرة المعارف، ج3، ص406.
3- . المنظومة، (ط.ق). ص97. قال الحکیم السبزواری فی شرح المنظومة، ص90: مطلقة، مخلوطة، مجردة عند اعتبارات علیها موردة فالحکیم السبزواری یشیر إلی أنّ التقسیم لیس للماهیة بما هی هی بل للماهیة الملحوظة، و ذلک لأنّ الماهیة ما لم تقع فی أُفق اللحاظ و لم تر نوراً بالوجود الخارجی أو الذهنی یساوق العدم فهی کالمعدوم المطلق لایخبر عنها فلذلک قال الشیخ الرئیس: ما لا وجود له لا ماهیة له، فأی حکم علی الماهیة فرع تنوّرها بنور الوجود و لو وجوداً ذهنیاً غایة الأمر یکون الوجود الذهنی مغفولًا عنه، و الإنسان یحکم علیها بواسطة تنوّرها بالوجود.إرشاد العقول، ج2، ص677.
4- .[4] کفایة الأصول، ص243: و بالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنی و صرف المفهوم الغیر الملحوظ معه شی ء أصلا الذی هو المعنی بشرط شی ء و لو کان ذاک الشی ء هو الإرسال و العموم البدلی و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شی ء معه الذی هو الماهیة اللابشرط القسمی و ذلک لوضوح صدقها بما لها من المعنی بلا عنایة التجرید عما هو قضیة الاشتراط و التقیید فیها کما لایخفی مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم علی فرد من الأفراد و إن کان یعم کل واحد منها بدلا أو استیعابا و کذا المفهوم اللابشرط القسمی فإنّه کلی عقلی لا موطن له إلّا الذهن لایکاد یمکن صدقه و انطباقه علیها بداهة أنّ مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فکیف یمکن أن یتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا. هذا ولکن قال السید الصدر بعد الإیراد بمقالة المحقق السبزواری فی البحوث، ج7، ص470: فالصحیح: ما ذهب إلیه صاحب الکفایة، من أنّ الکلّی الطبیعی، هو عبارة عن الماهیة الملحوظة بنحو اللّابشرط القسمی، بمعنی أنّ ذات الملحوظ بهذا اللحاظ هو، الکلّی الطبیعی، لأنّه جامع صادق علی واجد القید و فاقده، کالإنسان مثلا، لا أنّه عین اللحاظ. و قد استشکل فی ذلک السید الخوئی، حیث ذکر، أنّ الکلّی الطبیعی هو ما یکون صالحاً للانطباق علی أفراده خارجا، بینما الماهیة اللّابشرط القسمی هو، ما کان منطبقاً بالفعل علی أفراده و فانیاً فیها، و علیه، فلایکون أحدهما عین الآخر. إلّا أنّ هذا الاستشکال غیر تام.
التفسیر الثالث:

المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: الکلی الطبیعی الماهیة المهملة و قال أیضاً: إنّ الماهیة المهملة غیر الماهیة اللابشرط المقسمی خلافاً لبعض الأعلام کما أنّ الماهیة المهملة التی هی الکلی الطبیعی غیر الماهیة المهملة التی ذکرها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) (فما توهّمه جمع من الأعاظم من أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) تابع فی رأیه هنا المحقّق الإصفهانی (قدس سره) خاطئ جدّاً).((1))

القول الثانی: ذات المعنی

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال: إنّ «اسم الجنس» وضع لذات المعنی و لکن الماهیة فی مرحلة الوضع ملحوظة بنحو اللابشرط القسمی و اللحاظ المذکور خارج عن المعنی الموضوع له و تبعه فی ذلک المحقّق المظفر (قدس سره) .((2))

ص: 448


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص514.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص493؛ أصول الفقه، ج2-1، ص182.
بیان القول الثانی:
اشارة

و قبل بیان ذلک لابدّ من تمهید مقدّمة فی بیان اعتبارات «الماهیة»:((1))

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

اعلم أنّ کل ماهیة من الماهیات، إذا لوحظت و کان النظر مقصوراً علیها بذاتها و ذاتیاتها (من دون نظر إلی الخارج عن ذاتها) فهی الماهیة المهملة التی لیست من حیث هی إلّا هی.

و إذا نظر إلی الخارج عن ذاتها، ففی هذه الملاحظة لایخلو حال الماهیة من أحد أُمور ثلاثة:

أحدها: أن تلاحظ بالإضافة إلی الخارج عن ذاتها مقترنة بنحو من الأنحاء و هی الماهیة بشرط شیء (الماهیة المخلوطة).

و ثانیها: أن تلاحظ بالإضافة إلیه مقترنة بعدمه و هی الماهیة بشرط لا (الماهیة المجرّدة).

و ثالثها: أن تلاحظ بالإضافة إلیه لا مقترنة به و لا مقترنة بعدمه و هی الماهیة لابشرط (الماهیة المطلقة).

و حیث یمکن اعتبار أحد هذه القیود فی الماهیة بلا تعین لأحدها فهی أیضاً لابشرط من حیث قید «بشرط شیء» و قید «بشرط لا» و قید «اللابشرط». فاللابشرط حتّی عن قید اللابشرطیة هو «اللابشرط المقسمی» و اللابشرط

ص: 449


1- . کشف المراد، ص86- 88؛ الحکمة المتعالیة (الأسفار)، ج2، ص16- 22؛ شرح المنظومة (قسم الحکمة)، ص95.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص490.

بالنسبة إلی القیود التی یمکن اعتبار اقترانها و عدم اقترانها، هو «اللابشرط القسمی».

نتیجة ذلک البیان:

إنّ المعنی الذی لوحظ لابشرط بالنسبة إلی القید الخارج عن ذاته، هو اللابشرط القسمی دون اللابشرط المقسمی فإنّ اعتبار اللابشرط المقسمی و إن کان بالنظر إلی خارج الماهیة إلّا أنّه لابشرط بالنسبة إلی الاعتبارات الثلاثة لا بالنسبة إلی القید الخارجی.

و أیضاً ظهر من ذلک أنّ الماهیة المهملة هی الماهیة من حیث هی هی و هی الماهیة التی کان النظر مقصوراً علیها بلا نظر إلی الخارج عن ذاته، و اللابشرط المقسمی أمر آخر و هی الماهیة التی اعتبرت لابشرط من حیث اعتبار لابشرط و اعتبار بشرط لا و اعتبار بشرط شیء، لا لابشرط من کل حیثیة، و الماهیة اللابشرط المقسمی بمجرد النظر إلی الخارج عن ذات الماهیة خرجت عن لحاظها من حیث هی هی.

الموضوع له ل«اسم الجنس» علی وجهة نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ مفاهیم الألفاظ هی نفس معانیها، من دون اعتبار أمر زائد علی ذوات معانیها و اللابشرط المقسمی و اللابشرط القسمی کلاهما أمران زائدان علی ذوات المعانی، لأنّ اللابشرط المقسمی هو الإطلاق من حیث الاعتبارات الثلاثة فقط (لا من حیث القیود الخارجیة الطارئة) و اللابشرط القسمی أیضاً اعتبار زائد علی ذات المعنی، و هو لتسریة الوضع إلی جمیع أطوار المعنی بل

ص: 450


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص492 -493.

اللابشرط القسمی موطنه الذهن، إذ الماهیة بحسب الخارج إمّا توجد مقترنة بالکتابة أو مقترنة بعدمها، فعدم اعتبار «الکتابة و عدمها» فی الماهیة اللابشرط القسمی یوجب کونها ذهنیة لأنّه لاوعاء لهذا الاعتبار إلّا الذهن.

و أمّا توصیف اللابشرط القسمی بالکلی العقلی مسامحة وقعت من صاحب الکفایة((1)) و من غیره، إذ الکلی العقلی فی قبال الکلی الطبیعی و المنطقی، لا مطلق الأمر الذهنی، لأنّ ذهنیتها ملاک جزئیتها.

فالموضوع له ذات المعنی و اعتبار اللابشرط المقسمی و القسمی خارجان عنه، هذا من جانب و من جانب آخر: إنّ الموضوع له لایمکن أن یلاحظ بنحو الماهیة المهملة لأنّها هی الماهیة التی لیست واجدة إلّا لذاتها و ذاتیاتها و الماهیة بهذا الاعتبار لیست إلّا هی فلایحکم بها و لایحکم علیها.

و الوضع حکم محمول علی الماهیة و خارج عن ذاتها و ذاتیاتها فالموضوع له لایلاحظ بنحو الماهیة المهملة بل لابدّ أن یلاحظ الموضوع له بالنسبة إلی أمر خارج عن ذات الماهیة و ذاتیاتها فیجب أن یلاحظ الماهیة مع أحد الاعتبارات الثلاثة و لیس هو إلّا اعتبار اللابشرط القسمی أمّا الماهیة اللابشرط المقسمی فلیست هی إلّا أحد الاعتبارات الثلاثة.

فتحصّل من ذلک أنّ الموضوع له ل«اسم الجنس» هو ذات المعنی الذی هو غیر واجد إلّا لذاته و ذاتیاته و هی الماهیة المهملة لا الماهیة اللابشرط المقسمی و لا اللابشرط القسمی، إلّا أنّه حین الوضع لوحظ باعتبار اللابشرط القسمی و لکن هذا الاعتبار (اللابشرط القسمی) مصحّح لموضوعیة الموضوع، من دون أخذه فی الموضوع له.

ص: 451


1- . کفایة الأصول، ص243.
بیان القول الأوّل بتفسیره الثالث:
اشارة

إنّ ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) یفترق عن نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی جانبین:

الأوّل: إنّه یری أنّ الکلی الطبیعی هو ما سمّیناه بالماهیة المهملة و لکن یفسّرها بأنّها هی الجامعة بین جمیع الأقسام بشتّی لحاظاتها و أنّها معرّاة من جمیع الخصوصیات و التعینات الذهنیة و الخارجیة، حتّی خصوصّیة قصر النظر علیها.

فالمهملة الحقیقیة فوق جمیع الاعتبارات و اللحاظات الطارئة علیها و أمّا الماهیة المقصور النظر فیها علی ذاتها و ذاتیاتها فلیست بمهملة بتمام المعنی و حقیقة، نظراً إلی أنّها متعینة من هذه الجهة (أی من جهة قصر النظر علی ذاتها) فتسمیة هذه بالماهیة المهملة لاتخلو من مسامحة.

الثانی: إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) و أیضاً المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الماهیة اللابشرط القسمی لا وجود لها إلّا فی الذهن خاطئ جدّاً.

و منشأ الخطأ تخیل أنّ لحاظ السریان قد أُخذ قیداً لها و من الطبیعی أنّ الماهیة المقیدة به، لا موطن لها إلا الذهن.

و لکنه تخیل فاسد، فإنّ معنی لحاظ سریانها هو لحاظها فانیة فی جمیع مصادیقها و أفرادها الخارجیة بالفعل من دون أخذ اللحاظ قیداً لها، فالمعتبر فیها هو واقع السریان الفعلی لا لحاظه الذهنی و وجوده فی أُفق النفس فمعنی

ص: 452


1- . المحاضرات، (ط ج): ج 4، ص512: إنّ اسم الجنس موضوع للماهیة المهملة دون غیرها من أقسام الماهیة وهی الجامعة بین جمیع تلک الأقسام بشتی لحاظاتها.

الإرسال و الإطلاق هو عدم دخل خصوصیة من الخصوصیات الخارجیة فی الحکم الثابت لها.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ ما أفاده من أنّ الماهیة المهملة هی الجامعة لجمیع الأقسام و هی معرّاة من جمیع الخصوصیات حتی خصوصیة قصر النظر علی ذاتها و ذاتیاتها.((1))

فیرد علیه: أنّ الماهیة واجدة لذاتها و ذاتیاتها فإن لم تُقَس إلی الخارج فیکون النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیاتها و یلاحظ من حیث هی لیست إلّا هی و تسمّی بالماهیة المهملة من حیث إهمال النظر بالنسبة إلی وجودها مقیسة إلی الخارج.

و إن قیست إلی الخارج فتتصف بالاعتبارات المذکورة.

ثانیاً: إنّ الماهیة اللابشرط القسمی قسیم للماهیة بشرط شیء و بشرط لا فکیف یتصوّر سریانها الفعلی فیهما بل اللابشرط القسمی هو لحاظ الماهیة بأن لایعتبر فیها الکتابة مثلاً و لاعدم الکتابة مع أنّها فی الواقع إمّا مقترنة بها أو مقترنة بعدمها فهذا اللحاظ أمر ذهنی.

ثالثاً: إنّ ما أفاده من أنّ الکلی الطبیعی الماهیة المهملة التی هی جامعة لجمیع الأقسام و معرّاة من جمیع الخصوصیات الذهنیة و الخارجیة حتّی خصوصیة قصر النظر علیها.

فیرد علیه: مضافاً إلی ما تقدّم من بطلان التفسیر الذی ذکره للماهیة المهملة، أنّ الکلی الطبیعی قد أُخذ فیه وصف الکلیة و ذلک الوصف هو باعتبار قیاس

ص: 453


1- . المحاضرات، ج 4، ص513.

الطبیعی إلی الخارج، و لذا یقال: الکلی الطبیعی موجود بوجود فرده:

کلی

الطبیعی هی الماهیة

وجوده

وجودها شخصیة((1))

فالماهیة إذا قیست إلی الخارج یکون هو الکلی الطبیعی و هو اللابشرط المقسمی لأنّ اللابشرط القسمی لا وعاء له إلّا الذهن، نعم ینطبق علی الخارج انطباق الأُمور الذهنیة علی الخارج.((2))

ص: 454


1- . قال المحقق السبزواری فی منظومته: کلی الطبیعی هی الماهیة وجوده وجودها شخصیة إذ لیس بالکلیة مرهونا بکل الأطوار بدا مقرونا (منظومة السبزواری، قسم المنطق، ص22- 21)
2- . قال المحقّق المظفر فی جمع الأقوال فی أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص235: أمّا المتأخّرون ابتداء من سلطان العلماء قدّس سرّه فإنّهم جمیعا اتّفقوا علی أنّ الموضوع له ذات المعنی، لا المعنی المطلق حتّی لایکون استعمال اللفظ فی المقید مجازا. و هذا القول بهذا المقدار من البیان واضح. ولکنّ العلماء من أساتذتنا اختلفوا فی تأدیة هذا المعنی بالعبارات الفنّیة ممّا أوجب الارتباک علی الباحث و إغلاق طریق البحث فی المسألة. لذلک التجأنا إلی تقدیم المقدّمتین السابقتین لتوضیح هذه الاصطلاحات و التعبیرات الفنّیة التی وقعت فی عباراتهم. و اختلفوا فیها علی أقوال: 1) منهم من قال: إنّ الموضوع له هو الماهیة المهملة المبهمة، أی الماهیة من حیث هی. 2) و منهم من قال: إنّ الموضوع له الماهیة المعبّرة باللاشرط المقسمی. 3) و منهم من جعل التعبیر الأوّل نفس التعبیر الثانی. 4) و منهم من قال: إنّ الموضوع له ذات المعنی، لا الماهیة المهملة، و لا الماهیة المعبّرة باللابشرط المقسمی، و لکنّه ملاحظ حین الوضع باعتبار «اللابشرط القسمی» علی أن یکون هذا الاعتبار مصحّحا للموضوع، لا قیدا للموضوع له. و علیه، یکون هذا القول نفس قول القدماء علی التصویر الثانی إلّا أنّه لایلزم منه أن یکون استعمال اللفظ فی المقید.

الأمر الثانی: علم الجنس

اشارة

فی الموضوع له لعلم الجنس، قولان:

القول الأوّل:

المشهور بین أهل الأدب، هو أنّ «أُسامة» علم لجنس الأسد و الموضوع له لعلم الجنس هی الطبیعة بما هی متعینة بالتعین الذهنی و لذا یعامَل معاملة المعرفة.((1))

القول الثانی:
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره):((2)) إنّ «علم الجنس» مثل «اسم الجنس» فی المعنی و

ص: 455


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص162: علم الجنس ما وضع للجنس بملاحظة حضوره و تعینه فی الذهن، فمدلوله کمدلول المعرّف بلام الجنس و لذا کانا من المعارف، و مجرّد اسم الجنس و إن دلّ علی الماهیة- کما مرّ- إلّا أنّ مدلوله لم یتقید بشرط الحضور. و یقول ابن مالک فی ألفیته: و وضعوا لبعض الأجناس علم کاعلم الأشخاص لفظاً و هو عمّ من ذاک أُم عریط للعقرب و هکذا ثعالة للثعلب و مثله بَرّة للمبرّة کذا فجارُ علم للفجْرة ولکن اختلفوا فی بیان سبب تعریف علم الجنس: فمنهم من یقول بتعریفه اللفظی کالرضی فی شرحه و منهم من یقول بأنّه موضوع للطبیعة المتعینة فی الذهن و المحقق الخراسانی نسب هذا إلی أهل العربیة و منهم من یقول بأنّ علم الجنس موضوع للطبیعة فی حال التعین و بهذا یشعر ما فی المحاضرات: ج5، ص355. و منهم من یقول بأنّ الماهیة فی رتبة متأخرة متعینة بذاتها کما فی تهذیب الأصول، ج1، ص530.
2- . کفایة الأصول، ص244.

الفرق بینهما لفظی، حیث یعامَل «علم الجنس» معاملة المعرفة فیقع مبتدأ و یوصف بالمعرفة و لایدخل علیه لام التعریف و ذلک کتأنیث «ید» و «رجل» و «شمس» فإنّه تأنیث لفظی.

و قد نقل عن نجم الأئمة الرضی (قدس سره) شارح الکافیة أنّه قال: إذا کان لنا تأنیث لفظی فلا بأس أن یکون لنا تعریف لفظی إمّا باللام و إمّا بالعلمیة کما فی «أُسامة».((1))

استدلّ علی ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه:
اشارة

((2))

الوجه الأوّل:

إن لم یکن «علم الجنس» موضوعاً لصرف المعنی لما صحّ حمله علی الأفراد، لأنّه علی قول المشهور متعین بالتعین الذهنی فیکون کلّیاً عقلیاً و الکلی العقلی لایصحّ حمله علی الأفراد، إلّا بالتصرف و التأویل بإلغاء التعین الذهنی.

الوجه الثانی:

إنّ «علم الجنس» یحمل علی الأفراد من دون تأویل و تصرّف و لایکاد یکون بناء العرف فی القضایا المتعارفة علی التصرّف و التأویل بإلغاء التعین الذهنی.

الوجه الثالث:

إنّ وضع «علم الجنس» لما هو متعین بالتعین الذهنی ثم تجریده عن هذا التعین فی مقام الاستعمال لغو لایکاد یصدر عن الجاهل، فضلاً عن الواضع الحکیم.

ص: 456


1- . شرح الکافیة، ج1، ص497 و ج3، ص245- 246.
2- . کفایة الأصول، ص244.
إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی الوجه الأوّل:

((1))

إنّ أخذ التعین الذهنی فی المعنی الموضوع له علی أنحاء ثلاثة:

النحو الأوّل: أن یؤخذ علی نحو الجزئیة؛ یعنی کل من التقید و القید داخلان فی الموضوع له.

النحو الثانی: أن یؤخذ علی نحو الشرطیة، بمعنی أنّ القید خارج عن الموضوع له و التقید داخل فیه.

النحو الثالث: أن یؤخذ علی نحو المرآتیة و المعرفیة.

و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من البرهان علی عدم أخذ التعین الذهنی فی الموضوع له حیث قال: «إن کان التعین الذهنی مأخوذاً فی الموضوع له لما صحّ انطباقه علی الأفراد الخارجیة»، یتمّ علی أحد النحوین الأولین، و أمّا علی النحو الثالث فلا مانع من انطباقه علی الأفراد الخارجیة، لأنّ التعین الذهنی حینئذ مرآة للخارج.

استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الثانی:

(2)

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) وافق صاحب الکفایة (قدس سره) فی عدم الفرق بین «اسم

ص: 457


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص521: و هذا الذی أفاده (قدس سره) متین جداً. نعم، یمکن المناقشة فی البرهان الذی ذکره علی عدم أخذ التعین الذهنی فی المعنی الموضوع له لأعلام الأجناس... فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من البرهان علی عدم أخذ التعین الذهنی فی المعنی الموضوع له، و هو أنّه لو کان مأخوذاً فیه لم یکن المعنی قابلًا للانطباق علی الخارجیات، إنّما یتم إذا کان أخذه فیه علی أحد النحوین الأوّلین.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص520: التحقیق أ نّه لا فرق بین أسماء الأجناس وأعلام الأجناس، فکما أنّ الأولی موضوعة لصرف الطبیعة من دون لحاظ شی ء من الخصوصیة- الذهنیة أو الخارجیة- معها، فکذلک الثانیة یعنی أعلام الأجناس. والدلیل علی عدم الفرق بینهما ما عرفت من أنّه لایمکن أن تکون الخصوصیة الذهنیة مأخوذةً فی معناها الموضوع له، والخصوصیة الخارجیة مفروضة العدم. فإذن بطبیعة الحال لا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلا.

الجنس» و «علم الجنس» فی المعنی لمطابقة ذلک أوّلاً للمرتکزات الوجدانیة و ثانیاً للاستعمالات المتعارفة من أهل اللسان.

فتحصل من ذلک: أنّ علم الجنس أیضا مثل اسم الجنس موضوع للماهیة المهملة الحقیقیة کما ذهب إلیه المحقق الاصفهانی (قدس سره) .

ص: 458

الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام

اشارة

(1)

و فی هذا الأمر موضعان:

الموضع الأوّل: فی أقسام المعرّف باللام
اشارة

إنّ المشهور بینهم هو أنّ المعرّف بالألف واللام علی أقسام:

المعرّف بالألف واللام الجنس مثل قولنا «الرجل خیر من المرأة».

ص: 459


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص205: المقام الرابع فی بیان الحال فی المفرد المعرّف و قد عرفت وقوع الخلاف فی إفادته العموم و ظاهر ما یتراءی من کلماتهم و صریح المصنّف فیما یأتی کون الخلاف فی وضعه لخصوص العموم علی أن یکون استعماله فی غیره مجازا فلا یکون موضوعا لما عدا العموم و لا مشترکا بین العموم و غیره. و أنت خبیر بوهن ذلک جدّا، کیف و استعماله فی العهد ممّا لا مجال لإنکار کونه علی وجه الحقیقة، بل هو أظهر من إرادة الجنس و العموم قطعا و لذا ینصرف إلیه عند وجود المعهود، و قد قیدوا إفادة الجمع المحلّی للعموم بما إذا لم یکن هناک عهد فیکون الحال کذلک فی المفرد بطریق أولی. و الذی یخطر بالبال فی المقام أنّ الخلاف هنا نظیر الخلاف فی الجمع المحلّی فی تقدیم تعریفه للأفراد علی تعریف الجنس بعد انسداد طریق العهد. و فی القوانین المحکمة، ج1، ص485: و أمّا المفرد المعرّف باللّام فقیل: بإفادته العموم، و قیل: بعدمه و القائل بالعموم هو کالشیخ فی «العدة»: ج1، ص276، و اختار المحقق فی «المعارج»: ص86، و العلّامة فی «التهذیب»: ص129 العدم، و کذا الرازی فی «المحصول»: ج2، ص497 الّذی قال: الواحد المعرّف بلام الجنس لایفید العموم خلافا للجبّائی و الفقهاء و المبرّد. و أمّا الشهید فی «التمهید» ص166: فقال: المفرد المحلّی باللام و المضاف، للعموم عند جماعة من الأصولیین، و المعروف من مذهب البیانیین و نقله الآمدی عن الأکثرین، و نقله الفخر الرازی عن الفقهاء و المبرّد، ثم اختار هو و مختصر کلامه عکسه و هو الأظهر و أمّا فی «المستصفی» فقد فصّل راجعه، ج2، ص31.. و طریقة تقسیمهم الجنس المعرّف باللّام إلی أقسامه تقتضی القول بکونه حقیقة فی الجمیع لکن لا علی سبیل الاشتراک، بل من باب استعمال الکلّی فی الأفراد کما أشرنا إلیه. و قد یستشمّ من بعضهم القول بالاشتراک اللّفظی. الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص170؛ حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص295 و فی المفاتیح، ص158: أنّ المفرد المعرف باللام و إن لم یکن موضوعا للعموم الاستغراقی و لکنه قد یفیده کما فی قوله تعالی أحلّ اللّه البیع و حرّم الرّبا و قد یفید العموم البدلی کما فی قوله آتنی بالرجل و فی ص194 مثله.

المعرّف بالألف واللام الاستغراق مثل قوله تعالی (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفی خُسْرٍ)((1))

بمعنی أنّ کل إنسان لفی خسر و مثل قوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((2)) بمعنی أحلّ الله کلّ بیع.

المعرّف بالألف واللام العهد الذهنی مثل قولنا «ادخل السوق» حیث نشیر إلی فرد حاضر فی الذهن بلا تعین له.

المعرّف بالألف و اللام العهد الذکری مثل قوله تعالی: (أَرْسَلْنا إِلی فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصی فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ).((3))

المعرّف بالألف و اللام للعهد الخارجی مثل ما إذا أشار إلی فرد معین حاضر عند المخاطب.

ما الدال علی هذه الخصوصیات؟
القول الأوّل:

ادّعی المشهور أنّ المعرّف باللام إمّا مشترک لفظی بین هذه الأقسام (بأن یقال بتعدّد الوضع للمفرد المعرّف باللام بحسب تلک الأقسام مثلاً: إنّ لفظ

ص: 460


1- . سورة العصر(103):2.
2- . سورة البقرة(2):275.
3- . سورة المزمل(73):16 و 15.

«الإنسان» تارة وضع لتعریف الجنس و أُخری للاستغراق و ثالثة للعهد الذهنی و رابعة للعهد الذکری و خامسة للعهد الخارجی) و إمّا مشترک معنوی بینها.

القول الثانی:

رأی صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) هنا أنّ مدخول اللام استعمل فی معنی واحد سواء دخل علیه اللام أم لا، و تلک الخصوصیات المذکورة لهذه الأقسام إمّا تستفاد من خصوص اللام أو من قرائن المقام، و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) هنا فی غایة المتانة.

ص: 461


1- . کفایة الأصول، ص245.
الموضع الثانی: فی مدلول اللام
القول الأوّل:

إنّ المعروف بینهم هو أنّ اللام موضوعة للتعریف و مفیدة للتعیین((1)) فی غیر العهد الذهنی، حیث إنّها فی العهد الذهنی لاتفید تعیناً زائداً علی ما یفیده مدخولها فوجود اللام و عدمه سیان. ((2))

القول الثانی:

و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) قال: اللام للتزیین مطلقاً کما فی «الحسن» و«الحسین»، و استفادة الخصوصیات (أی خصوصیة تعریف الجنس و الاستغراق و العهد الذهنی و الذکری و الخارجی) إنّما تکون بالقرائن.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأول:

((4))

أوّلاً: إنّ اللام لو کانت موضوعة للتعریف و التعیین یلزم عدم صحّة حمله علی الأفراد الخارجیة، لأنّ تعینه یکون ذهنیاً، و یکون کلّیاً عقلیاً فلایصحّ حمله علی الأفراد الخارجیة إلّا بالتصرف بإلغاء التعین الذهنی.

ص: 462


1- . بحوث فی علم الأصول، ج 3، ص435 و بیان الأصول، ج 1، ص529 و عمدة الأصول، ج 4، ص32 و ج 4، ص43 و ص270 و فرائد الأصول (مع حواشی أوثق الوسائل)، ج 5، ص109 و الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص167 و الفوائد الحائریة، ص190.
2- . و بعبارة أخری أنّ العهد الذهنی هو ما یشار به إلی فرد ما بقید حضوره فی الذهن و لاتعیین لفرد ما فاللام لاتفید التعیین فی العهد الذهنی.
3- . کفایة الأصول، ص245.
4- . هذه الإیرادات بعینها تقدّم فی علم الجنس.

ثانیاً: یلزم التصرف و التأویل فیما إذا حملناه علی الفرد الخارجی و هذا لایخلو من التعسف، لعدم بناء العرف فی القضایا المتعارفة المتداولة علی التأویل و التصرف.

ثالثاً: یلزم اللغویة، حیث إنّ الوضع لما لا حاجة له (و هو المعنی مع التعین الذهنی) ثم استعمال اللفظ بالتجرید عن هذا التعین الذهنی لغو، لایصدر عن الحکیم.

مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) یبتنی علی أن یکون التعین الذهنی جزءً للمعنی الموضوع له فی مدخول اللام لکن الأمر لیس کذلک، فإنّ وضع اللام للتعیین و التعریف لایسلتزم کون التعین جزء معنی مدخولها أو قیده، ضرورة أنّ «اسم الجنس» موضوع لمعنی واحد، سواء أکان مع اللام أم بدونه.

مختار المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّا بالارتکاز العرفی و الوجدان فی الاستعمالات المتعارفة و التبادر نری أنّ اللام تدلّ علی التعریف و الإشارة من غیر أن یستلزم کون التعین الذهنی جزء لمعنی مدخولها أو قیداً له.

و ذلک مثل اسم الإشارة حیث إنّه موضوع للدلالة علی تعریف مدخوله و تعیینه فی موطنه حیث قد یشار به إلی الموجود الخارجی (کقولنا: هذا زید) و قد

ص: 463


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص524.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص525.

یشار به إلی الکلی (کقولنا: هذا الکلی الذی هو إنسان أخصّ من الکلی الذی هو حیوان) و قد یشار به إلی المعدوم (کقولنا: هذا الشیء معدوم) فهکذا کلمة اللام قد یشار به إلی الجنس (کقولنا: أکرم الرجل) و قد یشار به إلی الاستغراق (کقولنا: أکرم العلماء بناء علی دلالة الجمع المعرف باللام علی العموم) و قد یشار به إلی العهد الذهنی أو العهد الذکری أو العهد الخارجی.

فتحصل إلی هنا أنّ اللام تدلّ علی التعریف من دون استلزامه لکون التعین الذهنی جزء لمعنی مدخول اللام أو قیداً له کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .((1))

ص: 464


1- . لقد أجاد العلامة الإصفهانی رحمه الله فی هدایة المسترشدین، (ط ج): ج3، ص167-189 فی تفصیل معانی اللام حیث قال: فنقول المعانی المذکورة لها ثلاثة: أحدها الجنسیة ... ثانیها: الاستغراق... و ثالثها: أن یکون للعهد أی الإشارة إلی المعهود.

الأمر الرابع: الجمع المحلّی باللام

اشارة

هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟ فیه قولان:

القول الأوّل: توقفه علی جریان مقدمات الحکمة

إنّ صاحب الکفایة((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) ((2)) قالا فیما تقدّم بأنّ دلالته بمقدّمات الحکمة أو قرینة أُخری، لعدم وضع اللام و لا مدخولها و لا المرکب منهما للعموم.

القول الثانی: عدم توقفه علی جریان مقدمات الحکمة
اشارة

ما المستند فی هذه الدلالة؟ فیه وجهان:

الوجه الأوّل: الوضع
اشارة

قال المحقّق القمی (قدس سره) بأنّ دلالته علی العموم وضعی.((3))

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره):

صاحب الکفایة (قدس سره) قال هنا بأنّ دلالة الجمع المعرف باللام علی العموم مستندة إلی وضع المرکب من اللام و مدخولها للاستغراق، لا إلی دلالة اللام علی

ص: 465


1- . کفایة الأصول، ص217، بحث العامّ و الخاصّ.
2- . نهایة الدرایة، ج 2، ص448.
3- . عن المحقق القمی فی القوانین، ص216 دعوی عدم الخلاف فی الدلالة علی العموم وضعاً، للتبادر و جواز الاستثناء، و أنّ اللّام للاستغراق- إن لم یکن عهد- فیدلّ علی العموم.

الإشارة إلی المعین، لیکون التعریف باللام، و إن أبیت إلّا عن استناد الدلالة علی الاستغراق إلی اللام، فلا محیص عن دلالتها علی الاستغراق بلا دلالتها علی التعیین، فلاتدلّ اللام علی التعیین بل تدلّ علی الاستغراق فقط.((1))

یلاحظ علیه:

لم یثبت وضع اللام ولا وضع المرکب من اللام و الجمع المعرّف به للإستغراق فالدلالة علیه لایکون إلّا بمقدّمات الحکمة.

الوجه الثانی:
اشارة

قد استدلّ بعضهم علی دلالة اللام علی العموم الاستغراقی فقال:

إنّ اللام موضوعة للتعیین و التعریف، فلابدّ أن یراد جمیع أفراد مدخولها، لأنّه لا تعیین لسائر مراتب أفراد مدخولها إلّا لتلک المرتبة، یعنی المرتبة الأخیرة المشتملة علی جمیع أفراد المدخول، فالتعیین یقتضی دلالة الجمع المعرّف باللام علی استغراق جمیع أفراده.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی هذا الاستدلال:

إنّ ذلک لا یتمّ، لأنّه کما أنّ لتلک المرتبة الجامعة لجمیع الأفراد تعیناً فی الواقع کذلک للمرتبة الأُولی و هی أقلّ مراتب الجمع و لا دلالة علی تعیین المرتبة الأخیرة أو أقل مراتب الجمع.

ص: 466


1- . کفایة الأصول، ص245. أجیب عن هذا الکلام فی تهذیب الأصول، ج1، ص467: بأنّ استفادة العموم لازم کون اللام لتعریف الجمع، و القابل للتعریف، هو أقصی المراتب، دون غیره، لأنّ له عرضاً عریضاً و مراتب متعددة، لایمکن الإشارة إلی واحد منها.
أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ هذه المرتبة أی أقلّ مرتبة الجمع لا تعین لها فی الخارج و إن کان لها تعین بحسب مقام الإرادة، فإنّ الثلاثة التی هی أقلّ مرتبة الجمع تصدق فی الخارج علی الأفراد الکثیرة و لها مصادیق متعدّدة فیه کهذه الثلاثة و تلک و هکذا و من ناحیة أُخری إنّ کلمة اللام تدلّ علی التعین الخارجی و التعین الخارجی منحصر فی المرتبة الأخیرة من الجمع و هی إرادة جمیع أفراد مدخولها حیث إنّ له مطابقاً واحداً فی الخارج فلاینطبق إلّا علیه.

ص: 467


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص526.

الأمر الخامس: النکرة

اشارة

((1))

الموضع الأوّل: المراد من النکرة
اشارة

فیه ثلاثة بیانات:

البیان الأوّل:

قیل: إنّ النکرة هی الفرد المردّد. ((2))

ص: 468


1- . القوانین المحکمة فی الأصول (ط ج)، ج 1، ص139؛ قوانین الأصول (ط ق)، ص67: المتبادر من النّکرة المنفیة المفیدة للعموم هو نفی أفراد ماهیة واحدة و أیضا الاسم المنکر إذا اعتبر خالیا عن اللام و التنوین و علامة التثنیة و الجمع حقیقة فی الماهیة لابشرط شی ء و إذا لحقه التنوین یراد به فرد من أفراد تلک الماهیة غیر معین و إذا لحقه الألف و النون أو الواو و النون مثلا یراد به فردان أو أفراد من تلک الماهیة و إذا لحقه الألف و اللام فإمّا أن یشار بها إلی الفرد أو لا؟ فالثّانی یراد به تعریف الجنس و تعیینه و الأوّل فإمّا أن یراد به الإشارة إلی فرد غیر معین فهو المعهود الذّهنی و هو فی معنی النکرة أو إلی فرد معین فهو المعهود الخارجی أو إلی جمیع الأفراد فهو الاستغراق. و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص178. و فی المحاضرات (مباحث أصول الفقه)، ج 1، ص442.
2- . فی هدایة المسترشدین، ط ج، ج3، ص233: إعلم أنّ من ألفاظ العموم النکرة فی سیاق النفی، و لاخلاف ظاهرا بین الاصولیین- ممّن قال بأنّ للعموم صیغة تخصّه کما هو المعروف- أنّها تفید العموم إذا کان إسماً لا وصفا... نعم قد یقال: إنّ النکرة فی قولک: «لیس عندی رجل» یحتمل أن یراد به الفرد المعین فی الواقع، المبهم عند المخاطب، کما فی النکرة الواقعة متعلّقا بالخبر المثبت فی کلام بعضهم، حسب ما مرّت الإشارة إلیه، و حینئذ فلا دلالة فیها علی العموم أصلا. و ربما کان المفرد فی قولک: «عندی رجل» ظاهرا فی العموم، من جهة احتمال أن یراد بالتنوین فی «رجل» الوحدة البدلیة المقابلة للتثنیة و الجمع، و لذا صحّ أن یقول: «بل رجلان أو رجال» کما مرّت الإشارة إلیه. و أمّا لو ارید به الوحدة المطلقة فلا فرق بینه و بین «لا رجل» إذ لافرق بین نفی الطبیعة و نفی فرد مّا فی إفادة العموم، حسب ما عرفت. و هذا الاحتمال قائم فی الجمع الأفراد، إذ لایصحّ أن یراد بالتنوین فیه الإشارة إلی جمع واحد، و لذا لایجوز أن یقابله بنفی الستّة أو التسعة- مثلا- و إن أمکن أن ینفی الجمیع، فإنّ ذلک من الأمور النادرة و لایلحظ بالتنوین المقابلة لهما.
البیان الثانی:

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)): النکرة علی قسمین:

القسم الأوّل: ما هو معین فی الواقع غیر معین للمخاطب و ذلک مثل «رجل» فی قوله تعالی (وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدینَةِ رَجُلٌ یسْعی)((2)).

القسم الثانی: ما هی حصّة کلّیة و طبیعة مقیدة بالوحدة قابلة للانطباق علی کثیرین، مثل «رجل» فی «جئنی برجل».

البیان الثالث: القول المختار

و هو ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) قال: النکرة هی الطبیعی المقید بالوحدة.

إیراد علی البیان الأوّل:

إنّ الفرد المردد لاینطبق علی الفرد الخارجی لأنّ المردّد لا تعین فیه و بعبارة أُخری لا وجود له و لا ماهیة له مع أنّ الأفراد الخارجیة متعینّه و متشخّصة و ذات وجود و ماهیة.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی البیان الثانی:

((3))

ما ذکره من أنّ «النکرة» قد تستعمل فی الواحد المعین عند المتکلّم و المجهول

ص: 469


1- . کفایة الأصول، ص246.
2- . سورة یس:20.
3- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص528.

عند المخاطب کما فی قوله تعالی (وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدینَةِ رَجُلٌ یسْعی)((1)) لایمکن الأخذ به ضرورة أنّ لفظ «رجلٌ» فی الآیة لم یستعمل فی المعین الخارجی المجهول عند المخاطب بل استعمل فی الطبیعی المقید بالوحدة من باب تعدد الدالّ و المدلول، غایة الأمر أنّ مصداقه فی الخارج معلوم عند المتکلّم و مجهول عند المخاطب.

ف «النکرة» تستعمل دائماً فی الطبیعی الجامع، و الوحدة مستفادة من دالّ آخر (أی التنوین) فإذن لا فرق بین النکرة و اسم الجنس أصلاً، فالنکرة هی اسم الجنس غایة الأمر یدخل علیها التنوین لیدلّ علی الوحدة.

ص: 470


1- . سورة یس:20.
الموضع الثانی: هل یکون النکرة من مصادیق «المطلق»؟
اشارة

((1))

فیه قولان:

القول الأوّل:

إنّ الظاهر صحّة إطلاق «المطلق» عندهم حقیقة علی «اسم الجنس» و «النکرة» بالمعنی الثانی((2)) کما یصحّ لغة و لا یبعد أن یکون المراد من «المطلق» عند الأصولیین هو هذا المعنی اللغوی (کما تقدّم ذلک فی أوّل بحث «المطلق» عن المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)).

القول الثانی:

قد نسب إلی المشهور أنّ لهم اصطلاحاً فی کلمة «المطلق» فی علم الأُصول و هو أنّ المطلق عندهم الماهیة المقیدة بالإرسال و الشمول البدلی و المطلق بهذا المعنی غیر قابل لطرو التقیید، لأنّ المعنی الاصطلاحی المذکور مقید بالإرسال و هذا ینافی التقیید، فإنّ الماهیة بشرط الإرسال و السعة لایقبل التضییق و التقیید.

و علی هذا لایصدق هذا المعنی الاصطلاحی علی «اسم الجنس» و «النکرة»

ص: 471


1- . فی مفاتیح الأصول، ص153: صرح الشیخ فی العدّة و المحقق فی المعارج و العلامة فی النهایة و التهذیب و الشهید الثانی و الفاضل البهائی فی الزبدة و صاحب المعالم و نجم الأئمة و جمال الدین الخونساری و الفاضل التونی و التّفتازانی و الرّازی و الحاجبی و العضدی بأنّ النکرة فی سیاق النّفی تفید العموم و موضوعة له و عزاه المحقق فی المعارج إلی المحققین و لهم وجوه.
2- . أی القسم الثانی المذکور فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره) .

حیث إنّهما قابلان للتقیید، لأنّ الماهیة فیهما أُخذت مهملة، و لم تؤخذ بشرط الإرسال.

ولکن صحّة ما نسب إلی المشهور محلّ تأمّل، لأنّهم عدّوا «اسم الجنس» و «النکرة» من أمثلة المطلق، فلو صحّ هذا المعنی الاصطلاحی و التزام المشهور به، لم یبق وجه لعدّ «اسم الجنس» و «النکرة» من أمثلة المطلق.

ص: 472

التنبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟

((1))

الإطلاق و التقیید علی مسلک المتأخرین مثل صاحب الکفایة((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((3))، خارجان عن حریم المعنی الموضوع له، فإذا قید لفظ المطلق لایلزم من ذلک استعمال لفظ المطلق فی غیر معناه الموضوع له، بل المطلق استعمل فی معناه و لکن التقیید یستفاد من دالّ آخر فاللفظ مستعمل فی معناه الموضوع له من دون استلزام المجازیة.

أمّا علی مسلک القدماء((4)) من دخول الإطلاق فی حریم المعنی الموضوع له، فقد اختلف فی أنّ التقیید یوجب المجازیة أو لا؟

أمّا فیما إذا کان التقیید مستفاداً من القرینة المتّصلة، فلابدّ من الالتزام بالمجازیة لأنّه استعمال اللفظ فی غیر المعنی الموضوع له.

و أمّا فیما إذا کان التقیید مستفاداً من القرینة المنفصلة، فاللفظ استعمل فی

ص: 473


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص249: هدایة [- هل التقیید یوجب مجازا فی المطلق أم لا؟] الحقّ- کما علیه جماعة من أرباب التحقیق- أنّ التقیید لایوجب مجازا فی المطلق من جهته، و أوّل من صرّح بذلک [من أئمّة الفنّ علی ما اطّلعت علیه هو] السید السلطان [و إن کان یظهر ذلک من جماعة من المحقّقین فی غیر الفنّ، کما لایخفی علی المتدرّب]. و ذهب بعضهم (المحقّق القمی فی القوانین، ج1، ص325) إلی أنّه مجاز بل نسب إلی المشهور و لاأظنّ صدق النسبة و فصّل ثالث بین التقیید بالمتّصل فاختار ما اخترناه، و بین التقیید المنفصل فذهب إلی أنّه مجاز (القزوینی فی ضوابط الأصول، ص225- 326)؛ فوائد الأصول، ج2، ص516.
2- . کفایة الأصول، ص255- 256؛ درر الفوائد، ص212.
3- . المحاضرات، ج 4، ص313 و ص541.
4- . عدّة الأصول، ص116- 117؛ معارج الأصول، ص97.

المعنی الإطلاقی فالمراد الاستعمالی هو المعنی المطلق، إلّا أنّ الإرادة الجدّیة تعلّقت بالمعنی التقییدی فلم تستلزم المجازیة.((1))

ص: 474


1- . إنّ بعض الأساطین أشار إلی مسلک السید البروجردی (قدس سره) و مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) (نهایة الدرایة، ج2، ص451) و قال فی جمع المباحث: حاصل الکلام: إنّه إن کان الکلام مبیناً لاإجمال فیه، فإنّ الظهور ینعقد للعام فی العموم و لایتوقّف العقلاء فی دلالته علی المراد، فإنّهم یفهمون ماذا قال، ثمّ مع مجی ء المخصص المنفصل یفهمون- بعد الجمع بینه و بین العام- أنّه ما ذا أراد. و علی الجملة، فإنّ المخصّص یکون محدّداً للمراد لا مبیناً لما دلّ علیه لفظ العام، و أمّا ما زاد عمّا جاء به المخصّص فباق علی حجیته، لوجود المقتضی و هو دلالة اللّفظ علی العموم، و عدم المانع، لأنّه إنّما قام بمقدار ما دلّ علیه المخصّص ... فلا مجاز حتی یحتمل إجمال العام فی غیر مورد التخصیص. تحقیق الأصول، ج 4، ص252. و قال فی ص412-413: «قد تقدَّم الخلاف بین المشهور و السلطان و المتأخرین. فعلی هذا المبنی حیث إنّ الإطلاق و التقیید خارجان عن المعنی الموضوع له اللّفظ، فإنّ کلّاً منهما مستفادٌ من القرینة، أمّا الإطلاق فقرینته مقدمات الحکمة، و أمّا التقیید فالقرینة الخاصة القائمة علیه من قولٍ أو حال ... لوضوح أن اللّفظ- علی هذا المسلک- موضوعٌ للماهیة من حیث هی أو للطبیعة المهملة ... و المجاز استعمال اللّفظ فی غیر ما وضع له.» فلا مجازیة علی مسلک المتأخرین. أمّا علی مسلک الجمهور من دخول الإطلاق فی المعنی، أمّا فی المقید المتّصل فالمجازیة حاصلة، لأنّ اللّفظ قد استعمل فی غیر الموضوع له و هو المطلق. و أمّا فی المنفصل: فالمیرزا علی المجازیة کذلک، و خالفه تلمیذه فی (المحاضرات)، و تبعه بعض الأساطین: بأنّ المنفصل إنّما یصادم الحجّیة دون الظهور، لوجود المقتضی له و عدم المانع، فلا بدّ- علی مسلکهم- من التفصیل بین المتصل و المنفصل.

الفصل الثالث: فی مقدّمات الحکمة

اشارة

ص: 475

ص: 476

فی مقدّمات الحکمة

فیه أمران:

الأمر الأوّل: فی تعیین مقدمات الحکمة

اشارة

فیها أقوال نتعرّض ببعضهم:

القول الأوّل:

إنّ بعضهم مثل المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) قالوا: إنّ مقدّمات الحکمة ثلاثة:

المقدّمة الأُولی: أن یکون المتکلّم متمکناً من البیان.

المقدّمة الثانیة: أن یکون فی مقام البیان و لایکون فی مقام الإهمال و الإجمال.

المقدّمة الثالثة: أن لایأتی المتکلّم بقرینة لا متّصلة و لا منفصلة.

ص: 477


1- . أجود التقریرات، ج 1، ص528 و (ط ج): ج2، ص429.
2- . المحاضرات، ج 4، ص530.
القول الثانی:

صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و تبعه المحقّق المظفر (قدس سره) ((2)) قد اختار هنا نظریة أُخری فحذف من تلک المقدّمات المقدّمة الأولی و أضاف فی آخرها مقدمة أُخری و هی انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب.

هنا أقوال أُخر لانطیل الکلام بذکرها.((3))

ص: 478


1- . کفایة الأصول، ص247.
2- . أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص238.
3- . الأوّل: أنّها اثنتان: 1) انتفاء ما یوجب التقیید. 2) کونه واردا فی مقام بیان تمام المراد. مطارح الأنظار، 218. و فوائد الاصول ج1، ص326 و ج2، ص573- 576. الثانی: أنّها ثلاث: 1- کون المتکلّم فی مقام البیان. 2- انتفاء ما یوجب تعیین مراده. 3- انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب و لو کان المتیقّن ثابتا بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب. کفایة الأصول، ص245 و منهاج الأصول، ج 2، ص: 346 و منتقی الأصول، ج 3، ص: 427 الثالث: أنّها ثلاث: 1) أن یکون متعلّق الحکم أو موضوعه قابلاً للانقسام، و إلّا فلا یتمکّن المتکلّم من تقییده بإتیان القید. 2) أن یکون المتکلّم فی مقام البیان. 3) أن لایأتی المتکلّم فی کلامه قرینة علی التقیید. أجود التقریرات، ج1، ص528- 529 و المحاضرات ج 4، ص530 و مصباح الأصول (مباحث الفاظ - مکتبة الداوری)، ج 2، ص592 و زبدة الأصول، ج 3، ص447. الرابع: أنّها ثلاث: و هی ما ذکر فی المتن من دون تقیید الثالثة بمقام التخاطب، أی عدم وجود القدر المتیقّن مطلقا و لو فی الخارج. نهایة الأفکارج2، ص567. الخامس: أنّها أربعة یعنی أن لایکون القدر المتیقن فی مقام التخاطب و هذا مضافا إلی القول الثالث. منتهی الأصول (ط ج): ج 1، ص681 و أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص238. السادس: أنّها واحدة. و هی إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان. و هذا مختار السید البروجردی، و بعض الأعاظم. نهایة الاصول، ص381 و مناهج الوصول، ج2، ص325- 327؛ تنقیح الأصول، ج 2، ص430.

الأمر الثانی: فی بیان مقدمات الحکمة

اشارة

لابدّ من البحث حول تلک المقدّمات ثم البحث عما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقام.

المقدمة الأولی: فی أن المتکلم لابد أن یتمکن من البیان
اشارة

لابدّ هنا من البحث تارة فی مقام الثبوت و أُخری فی مقام الإثبات.

مقام الثبوت

قد تقدّم أنّ تقابل الإطلاق و التقیید فی مقام الثبوت تقابل التضادّ کما اختار ذلک الشیخ و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) و نتیجة ذلک أنّه إذا استحال التقیید للزم من ذلک کون الإطلاق ضروریاً.

و لکن المحقّق النائینی (قدس سره) قال: إنّ تقابل الإطلاق و التقیید فی مقام الثبوت تقابل العدم و الملکة فإذا قلنا باستحالة التقیید یستلزم ذلک استحالة الإطلاق أیضاً.

و قد أشرنا سابقاً إلی بطلان ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فلانعید.

مقام الإثبات

إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید فی هذا المقام تقابل العدم و الملکة علی وفاق بین المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) مع المحقّق النائینی (قدس سره) و نتیجة ذلک هو أنّه إن تمکّن المتکلّم من البیان، و لم یأت بقرینة و قید فی المقام مع أنّه فی مقام

ص: 479

البیان فیکون الإطلاق فی مقام الإثبات کاشفاً عن الإطلاق فی مقام الثبوت، بمعنی أنّ المراد الجدّی للمتکلّم هو المعنی الإطلاقی.

ص: 480

المقدمة الثانیة: فی أن المتکلم فی مقام البیان
اشارة

و الکلام فی ناحیتین:

الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة

إذا لم یکن المتکلم فی مقام البیان لم ینعقد الظهور الإطلاقی فی کلامه((1))، و ذلک مثل قوله تعالی (أَقیمُوا الصَّلاةَ)((2))، فإنّه فی مقام بیان أصل التشریع، لا کیفیة إقامة الصلاة، فلایمکن التمسّک بإطلاقه فیما إذا شککنا فی شرطیة شیء للصلاة.

نعم قد یکون المتکلّم فی مقام البیان من جهة دون جهة أُخری فحینئذ یتمسّک بإطلاق کلامه بالنسبة إلی الجهة التی یکون فی مقام بیانها و ذلک مثل قوله (علیه السلام): «فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ»((3)) فإنّه فی مقام البیان من جهة مقدار الدم، لا من جهة کونه من دم مأکول اللحم أو غیر مأکول اللحم.

و أیضاً مثل قوله تعالی: (فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)((4)) فإذا شک فی اعتبار

ص: 481


1- . أورد علیه المحقق الحائری فی درر الفوائد: 234.
2- . سورة البقرة:4(2): 2 و 83 و 110و...
3- . محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علی بن محبوب عن الحسین بن الحسن عن جعفر بن بشیر عن إسماعیل الجعفی عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ وَ إِنْ کَانَ أَکْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَ کَانَ رَآهُ فَلَمْ یغْسِلْهُ حَتَّی صَلَّی فَلْیعِدْ صَلَاتَهُ وَ إِنْ لَمْ یکُنْ رَآهُ حَتَّی صَلَّی فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ. الوسائل، ج3، ص430، کتاب الطهارة، الباب20 من أبواب النجاسات، ح2.
4- . سورة المائدة(5):4.

الإمساک من الحلقوم فی تذکیته یتمسّک بإطلاق الآیة من هذه الناحیة حیث إنّه فی مقام البیان من هذه الجهة (جهة حلیة الأکل) و أمّا إذا شک فی طهارة المحل فلایمکن التمسّک بإطلاق الآیة حیث إنّ الآیة لیست فی مقام البیان من جهة الطهارة. (و هذان المثالان ممّا أفادهما المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))).

الناحیة الثانیة: إذا شک فی أنّ المتکلّم فی مقام البیان
اشارة

فلابدّ أن یتمسّک ب- «أصالة البیان» و استدلّ علیها بأوجه أربعة:

الوجه الأوّل:
اشارة

و هو أصل تطابق مقام الثبوت و الإثبات، فإذا لم یقید بقید فی مقام الإثبات نکشف من ذلک إطلاق مقام الثبوت، حیث إنّ فی القضایا الشرعیة لایتصوّر الإهمال فی مقام الثبوت، فالأصل یقتضی أن لایکون إهمال فی مقام الإثبات أیضاً إلّا إذا دلّت علیه قرینة. نعم فی القضایا العرفیة یمکن وجود الإهمال فی مقام الثبوت لطروّ النسیان و الغفلة علی الحاکم العرفی و المقنّن.

یلاحظ علیه:

إنّ الإهمال فی القضایا الشرعیة لایتصور فی مقام الثبوت بل یستحیل من الشارع الحکیم بخلاف الإهمال فیها فی مقام الإثبات، فإنّه قد یکون لازماً حیث إنّ المقام مقام أصل التشریع.((2))

ص: 482


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص533.
2- . أورد بعض الأساطین علی أصل التطابق بأنه مع احتمال کون المتکلّم مهملًا فی مقام الإثبات، لایحصل الکشف عن مقام الثبوت و التطابق بین المقامین، و المفروض هو الشک فی مقام الإثبات. تحقیق الأصول، ج 4، ص400
الوجه الثانی:
اشارة

إنّ المستند لأصالة البیان السیرة العقلائیة علی حمل کلام المتکلّم علی کونه فی مقام البیان إذا شک فی ذلک.((1))

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ السیرة العقلائیة تشمل ما إذا کان منشأ الشک هو أنّ المتکلّم کان فی مقام أصل التشریع أو کان فی مقام بیان تمام مراده، کما فی قوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((3)) فحینئذ تجری أصالة کونه فی مقام البیان.

و أمّا إذا کان منشأ الشک هو سعة الإرادة أو ضیقها، بأن علم أنّ فی کلامه إطلاقاً من جهة و لکن نشک فی إطلاقه من جهة أُخری فلایمکن التمسّک بأصالة البیان و ذلک کالمثالین المذکورین (فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)((4))، و «فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ»((5)) لعدم قیام السیرة علی حمل کلامه علی کونه فی مقام البیان.((6))

ص: 483


1- . کفایة الأصول: 248.
2- . فی المحاضرات، ط.ج. ج4، ص536.
3- . سورة البقرة(2):275.
4- . سورة المائدة(5):4.
5- . راجع ص481.
6- . إنّ بعض الأساطین بعد قبول بتمامیة السّیرة أشکل بأنّها إنّما تجری فی کلام من دأبه بیان الخصوصیات فی مجلسٍ واحدٍ، و لیس دأب الشارع هکذا، فإنّ الخصوصیات الدخیلة فی الأحکام الشرعیة قد ذکرت علی لسان أحد الأئمة (صلی الله علیه و آله) بعد أن جاءت المطلقات فی القرآن أو فی کلام النبی (صلی الله علیه و آله) ... تحقیق الأصول، ج 4، ص401.
الوجه الثالث:
اشارة

إنّ المستند لأصالة البیان سیرة أهل المحاورات علی ذلک کما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) .

ملاحظة علیه:

ما أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی السیرة العقلائیة یجری هنا أیضاً.

الوجه الرابع:

إنّ المستند لها سیرة المتشرعة من أصحاب الأئمة (علیهم السلام) حیث إنّهم یأخذون الحکم و لاینتظرون شیئاً بل یذهبون إلی بلادهم و یعملون علی طبق ما أخذوه من الأئمة (علیهم السلام) و هذه السیرة غیر مردوعة، فالدلیل علی أصالة البیان هو سیرة المتشرعة و هذا الوجه هو مختار بعض الأساطین (دام ظله) .((1))

ص: 484


1- . فالتحقیق هو التفصیل بین کلام غیر الشارع ممن دأبه إعطاء الخصوصیات فی المجلس الواحد، فالسیرة العقلائیة جاریة علی الأخذ بإطلاق کلامه، و بین کلام الشارع، ففی کلامه یکون المستند للإطلاق هو سیرة المتشرعة، فإنّ أصحاب الأئمّة علیهم السلام و غیرهم لمّا کانوا یرجعون إلیهم و یأخذون الحکم الشرعی منهم، ما کانوا ینتظرون شیئاً، بل کانوا یذهبون و یعملون بما أخذوه، بل کان بعضهم ربما لایری الإمام بعد تلک الجلسة ... فهذه السیرة غیر المردوعة من الأئمة هی المستند لأصالة البیان و الأخذ بإطلاق الکلام بلا توقف. تحقیق الأصول، ج4، ص401.
المقدمة الثالثة: فی عدم الاتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة

إذا لم یأت المتکلم بقرینة لامتصلة و لامنفصلة فیثبت لکلامه إطلاق فی مرحلة الإثبات، و تطابق مقام الثبوت و الإثبات و تبعیة الإطلاق الإثباتی للإطلاق الثبوتی یوجب الکشف عن الإطلاق الثبوتی.

مضافاً إلی أنّ السیرة العقلائیة أیضاً قامت علی کاشفیة الإطلاق فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت.

و مع تمامیة المقدّمات الثلاث المذکورة یتمسّک بالإطلاق.

ص: 485

المقدمة الرابعة: فی القدر المتیقن فی مقام التخاطب
اشارة

بقی الکلام فی المقدّمة التی أضافها صاحب الکفایة (قدس سره) و هی وجود القدر المتیقّن فی مقام التخاطب.((1))

توضیح نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ القدر المتیقّن إمّا هو القدر المتیقّن الخارجی، فإنّ هذا لایوجب المنع عن التمسّک بالإطلاق، لأنّ ذلک موجود غالباً فی کلّ مطلق، مثلاً إذا قال المولی: «أکرم فقیهاً» فالقدر المتیقّن منه الفقیه الجامع للشرائط.

و إمّا هو القدر المتیقّن فی مقام التخاطب بأن یکون مورد السؤال مثلاً خصوص شیء و حینئذ جواب الإمام (علیه السلام) و إن کان مطلقاً بالنسبة إلیه فیشمل غیره لکن القدر المتیقّن من الجواب هو مورد السؤال و حینئذ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ إرادة القدر المتیقّن فی جواب الإمام (علیه السلام) لا شبهة فیه و أمّا إرادة غیره فیکون محتملاً، و هذا القدر المتیقّن یصلح لأن یکون قرینة علی مراد الإمام (علیه السلام)، فلو أراد المولی الأعمّ منه فلابدّ أن یبین أنّ الموضوع هو المطلق فلو لم یبین ذلک لایمکن التمسّک بالإطلاق، لأنّ الکلام محفوف بما یصلح أن یکون قرینة لإرادة ما هو المتیقّن.

إیرادان علی هذا البیان:
إیراد الأوّل: عن بعض الأساطین (دام ظله) نقضاً:

إنّ بعض أدلّة الاستصحاب مثل «أنّ الشک لاینقض الیقین» وارد فی مورد

ص: 486


1- . کفایة الأصول: 248.

باب الوضوء و بقاء الطهارة عند تحقّق الخفقة أو الخفقتین، فالقدر المتیقّن فی مقام التخاطب هو بقاء الطهارة الوضوئیة و لکن صاحب الکفایة (قدس سره) أخذ بإطلاق الدلیل و قال بشموله للاستصحاب فی موارد الشک فی المقتضی.

مضافاً إلی أنّ القدر المتیقّن فی مقام التخاطب لاینحصر فی موارد السؤال عن شیء خاصّ بل ورود الدلیل فی واقعة خاصّة هو من مصادیق القدر المتیقّن فی مقام التخاطب، فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) یقتضی عدم التعدّی عن تلک الواقعة مع أنّه (قدس سره) أیضاً لایلتزم بذلک. ((1))

إیراد الثانی: مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره) حلاً

((2))

إنّ ظهور الکلام فی المعنی الإطلاقی منعقد قطعاً، فالإطلاق الإثباتی محقّق بلا کلام و المولی بحکم المقدّمات السابقة یکون فی مقام البیان، فلابدّ أن یکشف الظهور الإطلاقی فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت لما تقدّم من أنّ مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت.

ص: 487


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص406.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص539. و أیضاً تحقیق الأُصول، ج4، ص407 و أورد المحقق الروحانی فی زبدة الأصول،ج3، ص454: أوّلاً: بأنّ لازم ذلک عدم التمسک بالإطلاقات فی أکثر المطلقات المتضمنة لبیان الأحکام فإنّها واردة فی موارد خاصة، و من المعلوم ان المورد هو المتیقن، کون مرادا من اللفظ المطلق مع أنّه لم یلتزم به احد، و لذا اشتهر أنّ المورد، لایکون مخصصا، و لامقیدا و لایلتزم هو أیضاً به، إلّا فی بعض الموارد، مثل المطلقات الواردة فی مورد قاعدة التجاوز حیث إنّه التزم باختصاصها بالصلاة من جهة أنّ الأمثلة المذکورة فی صدر النصوص من أجزاء الصلاة. و ثانیا: إنّه إذا فرضنا أنّ المولی کان فی مقام بیان تمام مراده، و کان القید دخیلاً فی حکمه لاخل بغرضه، و إن کان قدر المتیقن فی مقام التخاطب موجودا، فإنّ المطلق الشامل لذلک المورد قطعا، لایدل علی دخل القید فی الحکم، و إنّما یدل علی ثبوت الحکم لذات المقید و هو أعم من دخل القید و عدمه.

و لذا لو سئل المولی عن مجالسة شخص معین فی الخارج و أجاب بعدم جواز مجالسة الفاسق لم یحتمل بحسب الفهم العرفی اختصاص الحکم بذاک الشخص المعین فی الخارج، فلامحالة یعمّ الحکم غیره.

ص: 488

الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟

اشارة

ص: 489

ص: 490

هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟

قیل بتحققه فی مواضع:((1))

الموضع الأوّل و الثانی:

المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: إنّ ذلک یتحقّق فی موردین:

المورد الأوّل: علوّ مرتبة بعض أفراد الماهیة علی نحو یوجب انصرافها عنه و حملها علی سائر الأفراد و ذلک مثل لفظ «الحیوان»، فإنّ معناه اللغوی یشمل الإنسان، إلّا أنّ معناه العرفی منصرف عن الإنسان.

و من ذلک هو أنّ قوله (علیه السلام) «لاتصل فیما لایؤکل لحمه»((2)) ینصرف عن

ص: 491


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص263 و (ط ق)، ص219؛ کفایة الأصول، ص249 و تحقیق الأصول، ج 4، ص408 و أجود التقریرات، ج 1، ص532: إنّ الانصراف و إن کان مانعاً من جواز التمسک بالإطلاق إلّا أنّه یختص ببعض أقسام الانصراف و لایعمّ جمیعها. و فی أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص242. دراسات فی الأصول، ج 2، ص604.
2- . الوسائل، ج4، ص346، الباب 2 من أبواب لباس المصلی، الحدیث 6. نص الحدیث: «محمد بن علی بن الحسین بإسناده عن حماد بن عمرو و أنس بن محمد عن أبیه عن جعفر بن محمد (علیه السلام) عن آبائه فی وصیة النبی (صلی الله علیه و آله) لعلی (علیه السلام) قال: یا عَلِی! لَا تُصَلِّ فِی جِلْدِ مَا لَا یشْرَبُ لَبَنُهُ وَ لَا یؤْکَلُ لَحْمُه.»

الإنسان عرفاً مع أنّ الإنسان أیضاً مما لایؤکل لحمه.((1))

المورد الثانی: دنوّ مرتبة بعض أفراد الماهیة علی نحو یکون صدقها علیه مورداً للشک. ((2))

توضیح ذلک: إنّ المطلق قد یصدق علی فرد و لکن نشک فی خروجه عن الإطلاق باحتمال وجود قرینة علی ذلک فهنا تجری أصالة الإطلاق، لأنّ صدق المطلق علی هذا الفرد محرز.

و قد یکون صدق المطلق عرفاً علی بعض الأفراد مشکوکاً و إن کانت ماهیة المطلق تشمله، و بعبارة أُخری صدق اللفظ علی بعض الأفراد خفی بینما صدقه علی سائر أفرادها جلی، فهنا یقولون بانصراف المطلق إلی الفرد الجلی، و وجه انصرافه عن الفرد الخفی فی هذا المورد هو دنوّ رتبته و قد مثل لذلک فی المحاضرات بصدق الماء علی ماء الکبریت.

الموضع الثالث:

اشارة

ندرة وجود بعض الأفراد توجب انصراف المطلق عنه.((3))

ص: 492


1- . شرح العروة الوثقی، ج12، ص179.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص540.
3- . تحقیق الأصول، ج 4، ص408: لقد قال المتقدّمون بالانصراف علی أثر ندرة الوجود لحصّةٍ من حصص الطبیعة، و أنّ الظهور ینعقد فی الحصّة الغالبة ... إلّا أنّ المتأخرین یقولون بأنّ ندرة الوجود لاتکون منشأً لانصراف اللّفظ عن النادر، و لاغلبة الوجود تکون منشأً لانصرافه نحو الغالب ... لأنّ اللفظ صادق علی النادر حقیقةً کصدقه علی الغالب فی الوجود، و یحصرون الانصراف بصورة التشکیک فی الصدق، بأنْ یکون صدق اللفظ علی حصّةٍ جلیاً و علی الأخری خفیاً، فیقولون بانصرافه إلی ما هو فیه جلی.
الإیراد علیه:

فیه أنّ المطلق یصدق علی الفرد النادر فندرة الوجود لایوجب الانصراف عنه.

الموضع الرابع:

اشارة

غلبة وجود بعض الأفراد توجب انصراف المطلق إلی الفرد الغالب و من ذلک قالوا: المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأکمل.

الإیراد علیه:

فیه أنّ غلبة وجود بعض الأفراد لایوجب عدم صدق المطلق علی سائر أفراده و لا انصراف عنه مع صدقه علیه.((1))

ص: 493


1- . قال فی بدائع الأفکار، ص219: إنّ انصراف اللّفظ الموضوع للماهیة المطلقة إلی مرتبة معینة منها یتسبّب بأسباب منها مؤانسة الذهن به باعتبار کثرة الوجود و کثرة الابتلاء و منها غلبة الاستعمال البالغة حدّ النّقل أحیانا و منها بعض القرائن العامة الموجودة فی العرف العام أو الخاصّ و أمّا مجرّد الکمال أو الأکملیة فقد حقّقنا فی مبحث الأوضاع عدم صلاحیته لصرف اللّفظ خلافا لبعض من أشرنا إلیه هنالک و لو سلّم فلیس مطلق الأکملیة فی مطلق الألفاظ کذلک و لو سلّم فهو إنّما یتمّ إذا لم یکن بین الإفراد ترتب بحسب المفهوم نظیر أفراد الماء إذا فرض انصراف لفظه إلی بعضها مطلقا أو فی بلد مخصوص و أمّا إذا کانت الأفراد مترتبة و مختلفة من حیث الشدّة و الضّعف فالظّاهر أنّ دعوی الانصراف إلی الفرد الأوّل الّذی یحصل فی ضمنه القدر المشترک أولی من دعوی الانصراف إلی الفرد الثانی الّذی فوقه و لذا لم یقل أحد بانصراف لفظ الوجود عند الإطلاق إلی وجود الواجب أو انصراف لفظ السّواد إلی السّواد الشّدید أو انصراف لفظ الحرکة إلی الحرکة الشّدیدة و علی تقدیر التّسلیم فهذا الانصراف غیر صالح لبناء الأحکام الشرعیة علیه. و فی دررالفوائد (ط ج)، ص309: لیس الأکملیة سببا للانصراف، لوضوح أنّ الانصراف إنّما ینشأ من أنس المعنی باللفظ فی الذهن، و لیس الأکملیة ملازمة لهذا، و إلّا لزم أن یکون لفظ الإنسان منصرفا إلی خاتم النبیین (صلی الله علیه و آله) لکونه أکمل أفراده.

ص: 494

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید

اشارة

ص: 495

ص: 496

حمل المطلق علی المقید

إنّ البحث هنا یقع فی مقامین:

(1)

الأول: المطلق الذی لوحظ بنحو صرف الوجود عند الحکم علیه.

و الثانی: المطلق الذی لوحظ بنحو مطلق الوجود عند الحکم علیه.

ص: 497


1- . فی مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص263: هدایة [شروط حمل المطلق علی الإطلاق] قد عرفت أنّ حمل المطلق علی الإطلاق موقوف علی أمرین: أحدهما عدمی، و الآخر وجودی، و یتولّد من کلّ واحد منهما شرط للحمل علی الإطلاق، کما أفاده بعض المحقّقین فی فوائده: (الفوائد الحائریة، ص361، الفائدة 5). الأوّل: أن لایکون منصرفاً إلی بعض الأفراد و الوجه فی ذلک: الاشتراط ظاهر بعد قیام الانصراف مقام التقیید اللفظی، إلّا أنّه لابدّ من توضیح موارده.... و فی مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص271: هدایة [صور حمل المطلق علی المقید و عدمه]. إذا ورد مطلق و مقید، فإمّا أن یکون المحکوم به متّحدا أو متعدّدا، و علی التقدیرین فهما إمّا منفیان أو مثبتان أو مختلفان، و علی التقادیر إمّا أن یکون الموجب فیهما مذکورا أو لا؛ و علی الأوّل إمّا أن یکون الموجب واحدا أو متعدّدا و تنقیح البحث فی طی مقامات. و فی مفاتیح الأصول، ص198: إذا ورد أمر بماهیة مطلقة و کان متعلقا بمکلّف نحو أعتق رقبة و ورد أیضاً نحو ذلک الأمر أمر آخر متعلق بنوع أو صنف من تلک الماهیة و بذلک المکلف نحو أعتق رقبة مؤمنة و علم باتحاد سببهما و بأنّه لم یجب علی ذلک المکلّف إلّا فعل واحد و بالجملة علم بوقوع التعارض بین ظاهریهما بحیث لایمکن العمل به فهل یجب هنا حمل المطلق علی المقید أو لاصرح بالأوّل فی العدة و المعارج و النهایة و التهذیب و المبادی و شرحه و المنیة و قواعد الشهید و غایة المأمول و المعالم و المختصر و شرحه للعضدی و المعارج و لهم وجوه. و فی تحقیق الأصول، ج 4، ص414 و فی ص426: إنّ الوجه فی تقدّم المقید علی المطلق فی المقید المتصل لیس الأظهریة و لا القرینیة و لا غیرهما، بل هو التنجیزیة فی طرف المقید، أی ظهور صیغة الأمر فی الوجوب بلا تعلیقٍ علی شی ءٍ، و قد ذکرنا أنّ ذلک ثابت إمّا بالوضع من جهة التبادر علی رأی و إمّا بحکم العقل علی الرأی الآخر. بل إنّه مستفادٌ من ظواهر النصوص (انتهی) وفی ص429 تبین وجه المقید المنفصل. و فی درر الفوائد (1- 2)، ص236- 237 و المحاضرات، ج4، ص541 و تهذیب الأصول، ج 2، ص74 و 277 و زبدة الأصول، ج 3، ص458 و ضوابط الأصول، ص250 والفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص219 و فوائد الاصول، ج 2، ص577 و القوانین المحکمة فی الأصول (ط ج): ج 2، ص180 و المحاضرات، ج 4، ص542 و حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص305 و منتهی الأصول (ط ج)، ج 1، ص685 و دراسات فی علم الأصول، ج 2، ص342.

المقام الأوّل:

اشارة

و هو المطلق الذی لوحظ بنحو صرف الوجود.

و المقید هنا یکون علی نحوین:

الأوّل: المقید الذی یکون مخالفاً للمطلق: مثلاً إذا قال: «أعتق رقبة» ثم جاء المقید المخالف فقال: «لاتعتق رقبة کافرة»، فهذا المقید یشتمل علی حکم مخالف لحکم المطلق.

الثانی: المقید الذی یکون موافقاً للمطلق مثل قوله فی المثال المذکور «أعتق رقبة مؤمنة» فإنّ حکم المقید موافق حینئذ لحکم المطلق.

ص: 498

و اختلف هنا فی أنّ المطلق (و هو قوله: أعتق رقبة) یحمل علی المقید، أو یؤخذ بظاهره و یحمل المقید علی أنّه أفضل الأفراد.((1))

و هذا النحو الثانی علی صورتین:

الصورة الأُولی:

إذا علمنا من الخارج بأنّ الحکم المذکور فی القضیة المطلقة و المقیدة واحد غیر متعدّد.

الحق هنا حمل المطلق علی المقید، لأنّ ظهور المطلق فی إطلاقه تعلیقی یتوقف علی عدم البیان و أمّا ظهور المقید فی الوجوب تنجیزی فیکون بیاناً فی قبال المطلق، فیحمل المطلق علی المقید.

الصورة الثانیة:

و إذا احتملنا من الخارج أنّ الحکم متعدد. و المحتمل فیها أوجه خمسة:

الوجه الأوّل: یحمل المطلق علی المقید و هو المختار لما تقدّم فی الصورة الثانیة.

الوجه الثانی: یحمل المقید علی أفضل الأفراد.

الإیراد علی الوجه الثانی: فیه أنّ ظهور المطلق تعلیقی و ظهور المقید تنجیزی و لازم هذا الوجه هو الأخذ بالظهور التعلیقی و التصرّف فی الظهور التنجیزی.

ص: 499


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص444: مقتضی القاعدة هو الحمل إن کان المطلق بنحو صرف الوجود، بمناط القرینیة و غیره من المبانی المذکورة. لکنَّ الفقهاء یحملون الأدلّة المقیدة فی المستحبّات علی الأفضلیة. و قد ذکروا فی توجیه ذلک وجوها.

الوجه الثالث: یکون کلاهما مأخوذاً بوجوبهما من قبیل واجب فی واجب آخر مثل وجوب الغسل و وجوب کونه بماء الکافور أو السدر.

الإیراد علی الوجه الثالث: فیه أنّ ما قیل من کونهما علی نحو الواجب فی واجب آخر خلاف ظاهر الدلیل لأنّ الأمر فی المقید یحمل حینئذ علی الإرشادیة أو الجزئیة لا علی المولویة و الظاهر من الدلیل المقید هنا هو الحکم المولوی.

الوجه الرابع: یکونان واجبین مستقلّین و یسقط الحکم بالمطلق عند إتیان المقید.

الإیراد علی الوجه الرابع: فیه أنّ ذلک یستلزم لغویة الحکم بالمطلق، لأنّ الإتیان بالمقید لازم علی أی حال و کافٍ عن المطلق فی کلّ حال، فلاوجه للحکم بالمطلق.

الوجه الخامس: یکونان واجبین مستقلّین و لایسقط الحکم بالمطلق عند إتیان المقید.

الإیراد علی الوجه الخامس: أنّه خلاف الظاهر حیث یلزم فی هذا الاحتمال تقیید الحکم بالمطلق بغیر الحصّة المقیدة و إلّا فلا وجه لعدم سقوط المطلق بالإتیان بالمقید لأنّ المطلق ینطبق علی المقید انطباق الطبیعی علی حصّته.

فجمیع هذه الوجوه خلاف الظاهر إلّا الوجه الأوّل فإنّه من باب الأخذ بالظهور التنجیزی و حمل المقید علی کونه بیاناً للمطلق فیحمل المطلق علی المقید.

ص: 500

المقام الثانی:

اشارة

و هو المطلق الذی لوحظ بنحو مطلق الوجود. و المقید فی هذا المقام علی نحوین أیضاً:

الأول: المقید الذی یکون مخالفاً لحکم المطلق، فهما یکونان من المتخالفین.

و له مثالان معروفان، أمّا المثال الأول: فالمطلق، مثل: «أَحَلَّ الله الْبَیعَ»((1)) و المقید، مثل: «نهی النبی (صلی الله علیه و آله) عن بیع الغرر»((2)) و أمّا المثال الثانی: فالمطلق، مثل: «أکرم العالم» و المقید، مثل: «و لاتکرم العالم الفاسق».

و فی هذا النحو من الإطلاق و التقیید، فلابدّ أن یحمل المطلق علی المقید، لمکان التنافی بینهما.

الثانی: المقید الذی یکون موافقاً لحکم المطلق، فهما یکونان من المثبتین. ((3))

ص: 501


1- . البقره(2):275.
2- . فِی الْأَحَادِیثِ الصَّحِیحَةِ أَنَّهُ (صلی الله علیه و آله) نَهَی عَنْ بَیعِ الْغَرَر. عوالی اللئالی، ج 2، ص 248. أیضاً: نَهَی رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) عَنْ بَیعِ الْمُضْطَرِّ وَ عَنْ بَیعِ الْغَرَر. عیون أخبار الرضا، ج 2، ص46؛ الوسائل: ج17، ص448، کتاب التجارة، الباب40 من أبواب آداب التجارة، ح3. أیضا: رُوِّینَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) نَهَی عَنْ بَیعِ الْغَرَرِ. دعائم الإسلام، ج2، ص21.
3- . أجود التقریرات، ج 1، ص534: إذا ورد مطلق و مقید متنافیان سواء توافقا فی الإیجاب و السلب أم تخالفا فی ذلک فهل القاعدة تقتضی حمل المطلق علی المقید فیه خلاف و الحق هو التفصیل و قال فی ص537: إنّ حمل المطلق علی المقید یتوقف علی ثبوت التنافی بین الدلیلین کما أشرنا إلیه و التنافی بین الدلیلین یتوقف علی وحدة التکلیف المتکفل بإثباته کل من الدلیل المطلق و الدلیل المقید و هی متوقفة علی ثلاثة أمور: الأوّل: أن یکون الحکم فی کل من المطلق و المقید مرسلا أو معلقاً علی شی ء واحد... الثانی: أن یکون کل من التکلیفین إلزامیا... الثالث: أن یکون متعلق کل من الخطابین صرف الوجود الّذی ینطبق قهرا علی أوّل وجود ناقض للعدم إذ بذلک تتحقق المنافاة بین الدلیلین.

أما مثاله المعروف: فالمطلق، مثل:«أکرم العالم» و المقید، مثل: «أکرم العالم العادل».

و هنا نظریتان مهمّتان:

نظریة المشهور: عدم الحمل

دلیله عدم التنافی بین «أکرم العالم» وأکرم العالم العادل، فإنّ المطلق قد تعلَّق بمطلق العالم، والمقید قد تعلّق بخصوص حصّة العالم العادل، و مع عدم التنافی فلا وجه لحمل المطلق علی المقید، بل المقید یحمل علی أفضل الأفراد.

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد نقل نظریة المشهور، ناقش فیه من جهة التزامه إجمالاً بمفهوم الوصف بمعنی خاصّ قد تقدّم بیانه و قلنا بأنّا أیضاً نلتزم بمفهوم الوصف تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض أکابر أساتیذنا من تلامذة المحقق الإصفهانی (قدس سره)، و لذلک نلتزم بمقالة المحقق الخوئی (قدس سره) فی الجملة.

قال المحقق الخوئی (قدس سره): هذا إنّما یتم فیما إذا لم نقل بدلالة الوصف علی المفهوم بالمعنی الذی تقدم فی محلّه، وأمّا إذا قلنا بها کما هو الظاهر فلا یتمّ.

بیان ذلک: أنّ القید تارةً یقع فی کلام السائل من جهة توهمه أنّ فیه خصوصیة تمنع عن شمول الحکم له، کما إذا افترض أنّه توهم أنّ الاطلاقات الدالة علی

ص: 502

طهوریة الماء لا تشمل ماء البحر من جهة أنّ فیه خصوصیة و هی ملاحته، یمتاز بها عن غیره من المیاه، فلأجل ذلک سأل الإمام (علیه السلام) عن طهوریته فأجاب (علیه السلام) بأنّه طاهر، ففی مثل ذلک لا شبهة فی عدم دلالته علی المفهوم. و کذا إذا أتی الإمام (علیه السلام) بقید فی کلامه لرفع توهم السائل أنّ فیه خصوصیة یمتاز بها عن غیره، بأن قال (علیه السلام): «ماء البحر طاهر»((1)).

و أمّا إذا لم تکن قرینة علی أنّ الاتیان بالقید لأجل رفع التوهم، ففی مثل ذلک لامانع من الالتزام بالمفهوم، و قد ذکرنا فی بحث مفهوم الوصف أنّه ظاهر فیه و إلاّ لکان الاتیان به لغواً محضاً، کما أنّا ذکرنا هناک أنّ المراد بالمفهوم هو دلالته علی أنّ الحکم فی القضیة غیر ثابت للطبیعی علی نحو الاطلاق و إلاّ لکان وجود القید و عدمه سیان، و لیس المراد منه دلالته علی نفی الحکم عن غیر مورده کما هو الحال فی مفهوم الشرط، و قد تقدم تمام هذه البحوث بشکل موسّع هناک فلاحظ.

و علی أساس ذلک فلامناص من حمل المطلق علی المقید هنا أیضاً .

فالنتیجة: أنّه لا فرق فی لزوم حمل المطلق علی المقید بین ما إذا کان التکلیف فی طرف المطلق متعلقاً بصِرف وجوده أو بمطلق وجوده، فلاوجه لما عن المشهور من التفصیل بینهما، و علی ذلک تترتب ثمرة فقهیة فی بعض الفروع. ((2))

ص: 503


1- . محمد بن یعقوب عن علی بن إبراهیم عن محمد بن عیسی عن یونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ أَ طَهُورٌ هُوَ قَالَ (علیه السلام): نَعَم. الوسائل، ج1، ص136، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 2:(باب أن ماء البحر طاهر مطهر و کذا ماء البئر و ماء الثلج)، ح1.
2- . المحاضرات، (ط. ج): ج4، ص549-550 و (ط ق): ج5، ص381.

ص: 504

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

اشارة

ص: 505

ص: 506

حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

هنا نظریات مهمة بین الأعلام

النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)

اشارة

إنّ المشهور قالوا بأنّ حمل المطلق علی المقید لایجری فی المستحبات، و قد ذکر لذلک وجوه، منها: إنّ المستحبات غالباً متعدّدة من حیث مراتب الفضل، و هذه الغلبة قرینة علی حمل المقید علی الفرد الأفضل.

الإیراد الأوّل:

إنّ المتعلّق إذا أخذ علی نحو صرف الوجود باصطلاحهم، و قامت قرینة علی أنّه بنحو وحدة المطلوب، فلایمکن الحمل علی الأفضلیة، فما أفاده المشهور لایجری علی جمیع التقادیر.

الإیراد الثانی: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

أنّ مجرد الغلبة لایوجب ذلک بعد ما افترض أنّ دلیل المقید قرینة عرفیة علی تعیین المراد من المطلق، ضرورة أنّ الغلبة لیست علی نحو تمنع عن ظهور دلیل المقید فی ذلک.

ص: 507

النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره)

اشارة

إنّ الدلیل الدالّ علی التقیید یتصور علی وجوه أربعة لا خامس لها:

الأوّل: أن یکون ذا مفهوم

بمعنی أن یکون لسانه لسان القضیة الشرطیة، کما إذا افترض أنّه ورد فی دلیل أنّ صلاة اللیل مستحبة و هی إحدی عشرة رکعة، و ورد فی دلیل آخر أنّ استحبابها فیما إذا کان المکلف آتیاً بها بعد نصف اللیل، ففی مثل ذلک لامناص من حمل المطلق علی المقید عرفاً، نظراً إلی أنّ دلیل المقید ینفی الاستحباب فی غیر هذا الوقت من جهة دلالته علی المفهوم.

الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم

فإذا دلّ دلیل علی استحباب الإقامة مثلاً فی الصلاة ثمّ ورد فی دلیل آخر النهی عنها فی مواضع کالإقامة فی حال الحدث أو حال الجلوس أو ما شاکل ذلک، ففی مثل ذلک لامناص من حمل المطلق علی المقید، و الوجه فیه: ما ذکرناه غیر مرّة من أنّ النواهی الواردة فی باب العبادات و المعاملات ظاهرة فی الارشاد إلی المانعیة، و أنّ الحدث أو الجلوس مانع عن الإقامة المأمور بها، و مرجع ذلک إلی أنّ عدمه مأخوذ فیها فلا تکون الإقامة فی حال الحدث أو الجلوس مأموراً بها.

الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید

کما إذا افترض أنّه ورد فی دلیل أنّ الإقامة فی الصلاة مستحبة، و ورد فی دلیل آخر فلتکن فی حال القیام أو فی حال الطهارة، فالکلام فیه هو الکلام فی القسم

ص: 508

الثانی حیث إنّ الأمر فی قوله: فلتکن، ظاهر فی الارشاد إلی شرطیة الطهارة أو القیام لها، و لا فرق من هذه الناحیة بین کون الإقامة مستحبة أو واجبة، فما هو المشهور من أنّه لا یحمل المطلق علی المقید فی باب المستحبات لا أصل له فی الأقسام المتقدمة.

الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو
اشارة

کما هو الغالب فی باب المستحبات، مثلاً ورد فی استحباب زیارة الحسین (علیه السلام) مطلقات و ورد فی دلیل آخر استحباب زیارته (علیه السلام) فی أوقات خاصة کلیالی الجمعة و أوّل و نصف رجب، و نصف شعبان، و لیالی القدر و هکذا، ففی مثل ذلک هل یحمل المطلق علی المقید؟

الظاهر أنّه لایحمل علیه، و السبب فیه: أنّ الموجب لحمل المطلق علی المقید فی الواجبات هو التنافی بین دلیل المطلق و المقید، حیث إنّ مقتضی إطلاق المطلق ترخیص المکلف فی تطبیقه علی أی فرد من أفراده شاء فی مقام الامتثال، و هو لایجتمع مع کونه ملزماً بالاتیان بالمقید، و هذا بخلاف ما إذا کان دلیل التقیید استحبابیاً فانّه لاینافی إطلاق المطلق أصلاً، لفرض عدم إلزام المکلف بالاتیان به، بل هو مرخّص فی ترکه، فإذا لم یکن تناف بینهما فلا موجب لحمل المطلق علی المقید، بل لابدّ من حمله علی تأکد الاستحباب و کونه الأفضل، و هذا هو الفارق بین الواجبات و المستحبات .

و من هنا یظهر أنّ دلیل المطلق إذا کان متکفلاً لحکم إلزامی دون دلیل المقید فلابدّ من حمله علی أفضل الأفراد أیضاً بعین الملاک المزبور. فالنتیجة: أنّ دلیل المقید إذا کان متکفلاً لحکم غیر إلزامی فلا بدّ من حمله علی الأفضل، سواء أکان

ص: 509

دلیل المطلق أیضاً کذلک أو کان متکفلاً لحکم إلزامی، و السر فیه ما عرفت من عدم التنافی بینهما أبداً.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) أشار إلی صورة تعلّق الحکم بالطبیعة فی ما إذا أخذ بنحو مطلق الوجود و لم یتعرّض لصورة تعلّقه بالطبیعة علی نحو صرف الوجود باصطلاحهم، و لذا ما أفاده ناقص من جهة اشتماله علی جمیع الصور.

النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین

إنّ ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله)، بعد ملاحظة الوجوه الثلاثة المتقدمة فی کلام المحقق الخوئی (قدس سره)، یعدّ تتمیماً لما أفاده فی الوجه الرابع، و قد تقدم نقصان الصور المذکورة فی الوجه الرابع، و هذه النظریة تکمله.

بیان ذلک: إنّ المتعلّق فی الوجه الرابع إن کان بنحو مطلق الوجود فالأمر کما أفاده و إن کان بنحو صرف الوجود و أحرزنا تعدّد المطلوب، فلایحمل المطلق علی المقید و إن کان بنحو وحدة المطلوب فلحمل المطلق علی المقید وجه، و المرجع هو الأصل العملی فی المقام.((1))

ص: 510


1- . فإنّه إذا کان المتعلَّق مطلق الوجود لا صرف الوجود، و فی المقید هو الحصّة، فالحکم متعدّد، و مقتضی القاعدة عدم الحمل. و إن کان المطلق بنحو صرف الوجود، فإنْ ثبت بدلیل أو قرینة من الخارج تعدّد المطلوب، کمثال زیارة الحسین (علیه السلام)، فلا حمل بل یحمل علی الأفضلیة. وإنْ اُحرز وحدة المطلوب أو لم تقم قرینة علی تعدّده، فالمرجع هو الأصل العملی علی ما سیأتی فی مباحث دوران الأمر بین الأقل و الأکثر. تحقیق الأصول، ج4، ص 448.

الفصل السابع: المجمل و المبین

اشارة

ص: 511

ص: 512

المجمل و المبین

تفسیر المجمل و المبین

اشارة

إنّ المجمل ما یکون معناه غیر واضح و مشتبهاً و لم یکشف عن معناه، سواء کان إجماله حقیقیاً بالذات أو حقیقیاً بالعرض أو حکمیاً.

والمبین ما یکون معناه ظاهراً و واضحاً و کاشفاً عن معناه.

فالمراد من المجمل والمبین إنّما هو المعنی اللّغوی منهما، فلیس اصطلاح خاص لهما.

قال المحقق العراقی (قدس سره):

إن المجمل عبارة عمّا لا یکون بحجّة ولا یستطرق به إلی الواقع، فیقابله المبین وهو الذی یستطرق به إلی الواقع.

أقسام المجمل

اشارة

إنّ المجمل إما حقیقی و إما حکمی.

ص: 513

أمّا الإجمال الحقیقی:

فهو ما لم یظهر فی المراد الاستعمالی، إما لإجماله بالذات کالمشترک اللفظی، و إمّا لإجماله بالعرض، لاحتفافه بما یصلح للقرینیة. و مثّلوا لللفظ المجمل الحقیقی بلفظ «الصعید» و «الغناء».

أمّا الإجمال الحکمی:

فهو ما لم یعلم المراد الجدی منه، کما فی العامّ بعد تخصیصه بالمخصص المنفصل، فی ما إذا کان مخصّصه المنفصل مردّداً بین الأمرین المتباینین و حینئذ إجمال المخصص یسری إلی العامّ حکماً، لا حقیقةً، لانعقاد ظهور العامّ فی العموم و الإجمال فی المراد الجدی منه.

المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّهما من الأُمور الإضافیة، لأنّ اللفظ قد یکون مجملاً عند شخص لجهله بمعناه و مبیناً عند شخص آخر لعلمه به.

و تبعه بعض الأساطین (دام ظله) و قال: بأنّ لفظ «الکرّ» مثلاً مبین عند ابن أبی عمیر، لعلمه بمعناه و مجمل عند بعض الآخرین، لجهلهم بمعنی «الکرّ».((1))

ص: 514


1- . و قد یکون لفظٌ مبیناً بالإضافة إلی شخص و مجملاً بالإضافة إلی غیره، کلفظ «الکر» حیث إنّه لیس بمجمل عند ابن أبی عمیر الذی سأل الإمام (علیه السلام) عنه و أجاب بأنّه ألف و مأتان رطل، لکنّه بالنسبة إلینا مجمل. تحقیق الأصول، ج4، ص454.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

إنّ الجهل بالوضع و العلم به لایوجبان الاختلاف فی معنی الإجمال والبیان، فجهل شخص بمعنی لفظ و عدم علمه بوضعه له لایوجب کونه من المجمل إلاّ لزم أن تکون اللغات العربیة مجملةً عند الفرس و بالعکس، مع أنّ الأمر لیس کذلک.

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ الإجمال و البیان من الأُمور الواقعیة فالعبرة بهما إنّما هی بنظر العرف، فکلّ لفظ کان ظاهراً فی معناه و کاشفاً عنه عندهم فهو مبین، و کل لفظ لایکون کذلک - سواء أکان بالذات أو بالعرض - فهو مجمل فلا واسطة بینهما.

... قد یقع الاختلاف فی إجمال لفظ فیدعی أحد أنّه مجمل و یدعی الآخر أنّه مبین، ولکن هذا الاختلاف إنّما هو فی مقام الاثبات، و هو بنفسه شاهد علی أنّهما من الأُمور الواقعیة و إلاّ فلا معنی لوقوع النزاع و الخلاف بینهما لو کانا من الأُمور الإضافیة التی تختلف باختلاف أنظار الأشخاص، نظیر الاختلاف فی بقیة الأُمور الواقعیة فیدعی أحد أنّ زیداً مثلاً عالم و یدعی الآخر أنّه جاهل، مع أنّ العلم و الجهل من الأُمور الواقعیة النفس الأمریة.

تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع

قال المحقق الخوئی (قدس سره):

أنّه لا ضابط کلّی لتمییز المجمل عن المبین فی هذه الموارد، فلابدّ من الرجوع

ص: 515

فی کل مورد إلی فهم العرف فیه، فإن کان هناک ظهور عرفی فهو و إلاّ فیرجع إلی القواعد والأُصول و هی تختلف باختلاف الموارد.

ص: 516

الفهارس

اشارة

فهرس العناوین تفصیلا

فهرس الآیات

فهرس الروایات

فهرس الأعلام

ص: 517

ص: 518

فهرس العناوین تفصیلا

البحث الثالث: المفاهیم

(و فیه أربع مقدمات و خمسةفصول)

تمهید مقدمات

المقدمة الأُولی: فی کلمة «المفهوم» (و فیه مطلبان)............................................................. 21

المطلب الاول: المراد من کلمة «المفهوم» فی هذا البحث ................................................ 21

إطلاقان لکلمة «المفهوم» ..................................................................................... 21

المطلب الثانی: تعریف «المفهوم» ................................................................................. 22

القول الاول: قول الحاجبی ................................................................................... 23

تفسیر العضدی لهذا القول ............................................................................... 24

ایراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی التعریف بهذا التفسیر ......................................... 24

القول الثانی: قول المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................... 25

المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجیته؟ .............................. 27

المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة (و فیه مطلبان) ........................ 28

المطلب الأول: تعریف هذه الدلالات الثلاث ................................................................ 28

أما دلالة الاقتضاء .................................................................................................. 28

أما دلالة التنبیه و الأیماء ..................................................................................... 29

أما دلالة الإشارة .................................................................................................... 29

المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟ ................................... 30

ص: 519

القول الاول: قول المحقق القمی (قدس سره) ......................................................................... 30

القول الثانی: قول المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) .................................................... 30

القول الثالث: قول بعض الأعلام ........................................................................... 30

أما تحقیق المطلب: (استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی أنّ هذه الدلالات لیست مفهومیة) .............. 30

إیراد المحقق الخوئی علیه ................................................................................. 31

إیراد بعض الأساطین علیه ................................................................................ 32

المقدمة الرابعة: هل المسألة اصولیة أو غیرها؟ و أنها لفظیة أو عقلیة؟ (و فیه مطلبان)....... 33

المطلب الاول: هذه المسألة أُصولیة أو لا؟ .................................................................... 33

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی کونها أصولیة (و هو یشتمل علی فقرتین) ..................... 33

الفقرة الأُولی: المسألة الأُصولیة ما تقع فی طریق الاستنباط من دون ضمّ کبری أُصولیة إلیها 33

الفقرة الثانیة: فی هذه المسألة لانحتاج إلی ضمّ کبری أصولیة ............................ 33

ایراد بعض الأساطین علی المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 33

المطلب الثانی: هذه المسألة لفظیة أو عقلیة؟ .............................................................. 33

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها ذات حیثیتین (و هو یشتمل علی جهتین) ....................... 33

الجهة الأُولی: کونها لفظیة ................................................................................ 34

الجهة الثانیة: کونها عقلیة ................................................................................ 34

إیرادان علی هذا البیان ......................................................................................... 34

الإیراد الأَول: ایراد بعض الأساطین علی الجهة الثانیة ........................................ 34

الإیراد الثانی: ملاحظتنا علی الجهة الأُولی .......................................................... 34

أقسام المفاهیم

(یقع الکلام هنا فی خمسة فصول)

الفصل الأول: مفهوم الشرط

تحریر محل النزاع ........................................................................................................... 37

ثلاثة أقوال فی المسألة ...................................................................................................... 37

القول الأول: قول المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) بثبوت مفهوم الشرط ................................. 38

القول الثانی: قول السید المرتضی و ابن زهره (قدس سرهما) و من تبعهما بعدم ثبوت مفهوم الشرط ..... 39

القول الثالث: قول العلامة و فخر المحققین (قدس سرهما) و من تبعهما بالتفصیل ................................ 40

التحقیق فی المسألة (و هو یتمّ ببیان أدلة الطرفین فی المقامین) ........................................................ 40

المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط .......................................................................... 43

ص: 520

الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط من طریق العلیة المنحصرة ................................... 43

أما الرکن الأولی ..................................................................................................... 44

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علیه بوجهین: ........................................................... 44

الوجه الأول: وضع أدوات الشرط للترتّب ..................................................... 44

إیراد بعض الأساطین علیه .................................................................... 44

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ..................................................................... 45

الوجه الثانی: ظهور جعل شیء مقدماً و شیء تالیاً فی الترتب ........................ 45

الحاصل ............................................................................................................ 45

تتمة فی توقف الترتب علی رجوع القید إلی الهیأة فی القضیة الشرطیة ............... 45

أما الرکن الثانی ....................................................................................................... 45

الإستدلال علیه بوجهین: ................................................................................... 45

الوجه الاول: استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) بوضع الجملة الشرطیة للزوم و انسباق اللزوم منها 45

الوجه الثانی: استدلال المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) بندرة استعمال القضیة الشرطیة فی الاتفاقیة و لزوم رعایة علاقة فیها 46

استدلال المحقق الاصفهانی (قدس سره) علی نفیه ................................................................ 46

إیراد بعض الأساطین علی هذا الاستدلال بأربعة أوجه ................................ 47

ملاحظتنا علی الأوجه الأربعة ..................................................................... 47

ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................... 49

الحاصل ............................................................................................................ 49

أما الرکن الثالث: ................................................................................................... 49

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علیه ......................................................................... 49

ایراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الاستدلال .................................................... 50

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی نفیه .................................................................... 51

الحاصل ............................................................................................................ 52

أما الرکن الرابع ...................................................................................................... 52

الاستدلال علیه بخمسة أوجه: ........................................................................... 52

الوجه الأول: الوضع .......................................................................................... 53

ایراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ..................................................... 53

الوجه الثانی: الإطلاق الانصرافی ......................................................................... 54

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ........................................... 55

الوجه الثالث: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الأول .................................... 56

إیرادات ثلاث علی هذا التقریر: .................................................................. 57

ص: 521

الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 57

جواب بعض الأساطین عن هذا الایراد نقضاً و حلاً ..................................... 58

الإیراد الثانی من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 60

الإیراد الثالث من المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................... 61

الوجه الرابع: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الثانی(إطلاق الشرط و العلة) ......... 62

إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر: .................................................................. 64

الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 64

یلاحظ علیه ......................................................................................... 64

الإیراد الثانی من المحقق النائینی و الاصفهانی (قدس سرهما) ......................................... 64

جواب المحقق الروحانی (قدس سره) و بعض الأساطین عن هذا الإیراد ................... 65

جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد .................................................. 66

الإیراد الثالث ............................................................................................. 66

جواب بعض الأساطین عن هذا الإشکال ............................................... 67

الوجه الخامس: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الثالث ............................... 67

ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) و استدل به المحقق النائینی (قدس سره) ........................... 67

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لهذا التقریر ............................................................. 67

بیان الفرق بین التقریر الثانی و الثالث ....................................................... 69

إیرادان علی هذا التقریر ...................................................................... 70

الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ...................................................... 70

الإیراد الثانی من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................... 71

الوجه السادس: الإطلاق المقامی و استدل به المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................... 72

الوجه السابع: ما أفاده المحقق الاصفهانی (قدس سره) ........................................................ 74

ملاحظتنا علی هذا الوجه ............................................................................ 74

الوجه الثامن: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................... 75

الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده الشهرستانی و أبو المجد (قدس سره) .......................... 76

مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق .................................................................... 76

بیان العلامة أبی المجد الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 77

ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 77

الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ................................... 78

مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة .................................................................. 78

بیان المحقق العراقی (قدس سره) .............................................................................................. 79

ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 79

الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................... 81

ص: 522

مقدمة فی أنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الإخبار عن ثبوت النسبة 81

ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 83

الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط: (الاستدلال بالروایات نحو روایة أبی بصیر عن الصادق (علیه السلام)) ........ 84

الحاصل ........................................................................................................................ 85

المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط ........................................................................... 88

الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) ....................................................................... 88

الإیراد علی هذا الوجه .............................................................................................. 88

الوجه الثانی ................................................................................................................... 89

الإیراد علی هذا الوجه .............................................................................................. 90

الوجه الثالث: ما حکی عن السید المرتضی (قدس سره) .................................................................... 90

إیرادان علی هذا الوجه ............................................................................................. 92

الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................... 92

جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد ................................................................. 92

الإیراد الثانی: ............................................................................................................. 92

التنبیه الأول: هل المدلول فی المفهوم، انتفاء شخص الحکم أو انتفاء سنخ الحکم؟ (و فیه مطلبان) 97

المطلب الأول: فی أنّ مفاد المفهوم، انتفاء سنخ الحکم و الفرق بین باب المفهوم و باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه 97

المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً (و للأعلام عدم فی حلهما مسالک) 99

المسلک الأول: مسلک المحقق الأنصاری (قدس سره) .......................................................................... 99

المسلک الثانی: مسلک المحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 100

ملاحظتنا علی هذا المسلک ...................................................................................... 101

المسلک الثالث: مسلک المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................ 101

ملاحظتنا علی هذا المسلک ...................................................................................... 102

المسلک الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................................... 102

المسلک الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 103

الحاصل ...................................................................................................................... 103

التنبیه الثانی: فیما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء ....................................................... 105

بیان المشکلة ............................................................................................................... 105

ص: 523

هناک وجوه لحلّ المشکلة ............................................................................................ 106

الوجه الأول: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................ 109

إیرادان علی هذا الوجه: ................................................................................... 110

الإیراد الأول: من المحق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 110

الإیراد الثانی: من بعض الأساطین ....................................................................... 111

الوجه الثانی: ........................................................................................................... 111

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا الوجه ............................................................... 112

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا الإیراد ....................................................................... 112

الوجه الثالث: ........................................................................................................ 113

ملاحظتنا علی هذا الوجه ................................................................................. 114

الوجه الرابع: ما اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «الواو» ................. 115

إیراد المحقق الخوئی علی هذا الوجه .................................................................. 117

الوجه الخامس: ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «أو» .................. 118

تقریر العلامة المظفر (قدس سره) لهذا الوجه ...................................................................... 120

الحاصل ...................................................................................................................... 120

التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات (و فیه مطلبان) .............................................. 121

المطلب الأول: تداخل الأسباب و الکلام فیها فی خمس جهات .................................... 122

الجهة الأُولی: خمس مقدمات ذکرها المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) ................................ 122

الف) المقدمة الأُولی: النزاع فیما لم یعلم التداخل أو عدمه من الخارج ....................... 122

ب) المقدمة الثانیة: ................................................................................................ 123

ج) المقدمة الثالثة: النزاع فیما کان الجزاء قابلاً للتعدد .............................................. 124

د) المقدمة الرابعة: النزاع فیما کان الشرط قابلاً للتعدد ............................................. 124

هل الإفطار یقبل التعدد؟ (فیه قولان) .............................................................. 124

القول الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 124

القول الثانی: ما أفاده المحقق الیزدی (قدس سره) ................................................................ 127

ملاحظتنا علی هذا القول .......................................................................... 127

ه) المقدمة الخامسة: هل النزاع مبنی علی کون الأسباب الشرعیة معرفات أو مؤثرات؟ . 128

بیان القول بالبناء المنسوب إلی فخر المحققین (قدس سره) .................................................. 128

إیرادات ثلاثة علی هذا القول ................................................................... 129

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................. 129

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً .......................................... 130

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................... 130

ص: 524

الحاصل ........................................................................................................... 130

الجهة الثانیة: الأقوال فی المسألة (و هی ثلاثة) ............................................................... 131

القول الأول: التداخل (اختاره المحقق الخوانساری (قدس سره)) ................................................. 131

القول الثانی: عدم التداخل (اختاره المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) ............ 132

القول الثالث: التفصیل (اختاره ابن ادریس (قدس سره)) ........................................................... 132

الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلة (استدل علی عدم التداخل بثلاثة أوجه) ............................... 134

الوجه الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................. 134

الوجه الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ..................................................................... 137

الوجه الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 137

الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المسألة ......................................................................... 141

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................................................. 141

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان ....................................................................... 141

المطلب الثانی: تداخل المسببات (و فیه جهتان) ................................................................. 143

الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل (و الدلیل علیه ثلاث) ................................................ 143

الف) الدلیل الأول: إطلاق دلیل الحکم .................................................................... 143

ب) الدلیل الثانی: استصحاب بقاء الحکم .................................................................. 143

ج) الدلیل الثالث: الاشتغال ..................................................................................... 143

الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة (و هو ما کانت النسبة بین المتعلقین العموم من وجه) ........ 144

الفصل الثانی: مفهوم الوصف

المقدمة الأولی: محل النزاع ما کان الوصف فیه معتمداً علی موصوعه ....................... 153

المقدمة الثانیة فی نسبة الوصف إلی موصوفه و أنّه فی أی نسبة یجری النزاع؟ ........... 153

للوصف بالنسبة إلی موصوفه أربع نسب: ................................................................ 154

التساوی: و هذه الصورة خارجة عن محلّ النزاع ................................................. 154

العموم المطلق: و هذه الصورة خارجة عن محلّ النزاع أیضاً ............................... 154

وجه خروج هذین الصورتین ببیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................... 154

الخصوص المطلق: و هذه الصورة داخلة ............................................................. 154

العموم و الخصوص من وجه ............................................................................... 154

مورد افتراق الموصوف عن الوصف داخل (صرّح به المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) .. 154

مورد افتراق الوصف عن الموصوف خارج .......................................................... 154

ص: 525

الأقوال فی المسألة (و هی أربعة) ........................................................................................ 155

القول الأول: ثبوت مفهوم الشرط (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) ...... 155

أدلة القول الأول (نذکر منها ستة) ............................................................................ 156

الدلیل الأول: لغویة الوصف علی القول بعدم ثبوت المفهوم ........................... 156

ملاحظة علی هذا الدلیل .............................................................................. 157

الدلیل الثانی: الأصل فی القیود الحترازیة (استدل به الشیخ محمد تقی الإصفهانی (قدس سره)) ......... 157

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الدلیل .................................................... 157

الدلیل الثالث: ما استدل به الشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................... 157

إیرادان علی هذا الدلیل: .............................................................................. 158

الإیراد الأول ما ذکره الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..................................................... 158

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ......................................................................... 158

الإیراد الثانی ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................... 158

ملاحظة علی هذا الإیراد (أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره)) ............................... 159

الدلیل الرابع: التبادر (أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)) ................................................ 159

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ............................................................................ 159

الدلیل الخامس: ما استدل به المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................. 159

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ............................................................................ 160

الدلیل السادس: الاستدلال الروائی (روایة زرارة) ..................................................... 161

القول الثانی: عدم ثبوت مفهوم الوصف (مختار الشیخ البهائی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما)) .......... 162

دلیل القول الثانی: أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ......................................................... 163

ملاحظتنا علی هذا الدلیل .................................................................................. 164

القول الثالث: تفصیل العلامة الحلی (قدس سره) ..................................................................... 164

دلیل القول الثالث .............................................................................................. 164

القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ..................................................................... 165

دلیل القول الرابع ................................................................................................ 165

القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه .................................................................... 168

التحقیق فی المسألة تفصیل ثالث و هو القول الخامس ......................................... 169

الفصل الثالث: مفهوم الغایة

(والبحث هنا یقع فی مقامین)

المقام الأول: هل تدل الغایة علی إنتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟ ....................... 178

ص: 526

أما الأقوال المهمّة فهی خمسة: ................................................................................. 178

القول الأول: ثبوت مفهوم الغایة(و هو قول المشهور) ........................................ 178

القول الثانی: عدم ثبوت مفهوم الغایة (و هو المنسوب إلی السید و الشیخ (قدس سرهما)) .... 179

القول الثالث: التفصیل بین ما کانت الغایة قیداً للحکم و قیداً للموضوع (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) 180

القول الرابع: التفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین و هو راجع إلی القول الأول) 181

القول الخامس: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................. 182

أما ذکر الأدلة و مناقشتها ......................................................................................... 184

الدلیل علی القول الأول و الثانی و مناقشتهما ....................................................... 184

الدلیل علی القول الثالث ...................................................................................... 184

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ................................................................................. 184

بیان القول الرابع و الدلیل علیه ........................................................................... 186

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ................................................................ 187

بیان القول الخامس و الدلیل علیه ....................................................................... 187

ایراد بعض الأساطین علی هذا الدلیل ................................................................ 189

التحقیق فی المسألة ثبوت مفهوم الغایة مطلقاً ......................................................... 189

المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟ (اختلفوا فاختاروا أقوالا) ...................... 191

أما الأقوال ................................................................................................................. 191

القول الأول: الدخول ............................................................................................ 191

القول الثانی: عد الدخول (و هو مختار المحقق الرضی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) و غیرهما) ................. 192

القول الثالث: التفصیل بین ما کانت الغایة من حنس المغیی و ما لم تکن .......... 193

القول الرابع: التفصیل بین «حتی» و «إلی» و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ......... 194

القول الخامس: التفصیل بین ما کانت الغایة قیداً للفعل؟ و ما کانت قیداً للحکم (و هو مختار المحقق الحائری (قدس سره)) 195

القول السادس: عدم الظهور فی أحدهما (و هو مختار المحقق المظفر و الجزائری (قدس سرهما)) ........... 196

تکملة: محل النزاع ما لم تکن الغایة قیداً للحکم ................................................. 199

أما ذکر الأدلة و مناقشتها ........................................................................................ 200

ص: 527

دلیل صاحب الکفایة علی القول الأول ................................................................. 200

بیان المحقق الإصفهانی بالنسبة إلی القول الأول .................................................. 200

إیراد علی القول الثالث ........................................................................................ 201

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الرابع ................................................................ 201

إیراد علی القول الخامس ...................................................................................... 202

الفصل الرابع: مفهوم الحصر

(و فیه أمران)

أما فی کلمة «إلّا» (ففیه ثلاثة مطالب) ....................................................................... 206

المطلب الأول: دلالتها علی المفهوم ........................................................................... 206

«إلّا» علی قسمین: ................................................................................................. 206

الف) القسم الأول: بمعنی «الاستثناء» و هذه تدل علی المفهوم خلافاً لأبی حنیفة . 206

ب) القسم الثانی: بعمنی «غیر» ........................................................................ 206

اختار المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما عدم دلالتها علی المفهوم، والحق دلالتها علی المفهوم لما تقدم فی مفهوم الوصف 207

المطلب الثانی: هل دلالة الاستثناء مفهومیة أو منطوقیة؟ ......................................... 207

المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟ ............................................................... 208

أما فی کلمة «إنما» ........................................................................................................ 210

فی دلالتها علی المفهوم ............................................................................................... 222

«إنما» تستعمل فی معنیین: ..................................................................................... 210

الف) لقصر الصفة علی الموصوف و هی تدل علی المفهوم فی هذه الصورة .......... 210

ب) للمبالغة و هی لاتدلّ علی المفهوم فی هذه الصورة ...................................... 210

هل دلالتها مفهومیة أو منطوقیة؟ ............................................................................ 211

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد

أمّا اللقب فالحق فیه عدم ثبوت المفهوم ..................................................................... 217

و أمّا العدد ففیه قولان: ................................................................................................ 217

القول الأول و هو قول الأکثر: عدم ثبوت المفهوم ..................................................... 217

القول الثانی: التفصیل بین ما کان العدد لحصر المعدود فی معین و غیره ................. 218

ص: 528

البحث الرابع: العام و الخاص

(و فیه اثنا عشر فصلاً)

الفصل الأول: تعریف العام و تقسیمه

(فیه أمران)

أما تعریف العام .......................................................................................................... 229

التعریف الأول: من أبی الحسن البصری .................................................................... 229

التعریف الثانی: من الغزالی ........................................................................................ 230

التعریف الثالث: من المحقق (قدس سره) فی المعارج .................................................................. 231

التعریف الرابع: من العلامة (قدس سره) فی النهایة ..................................................................... 231

التعریف الخامس: من الشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................................... 232

التعریف السادس: من صاحب الفصول (قدس سره) .................................................................. 233

التعریف السابع: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................... 233

التعریف الثامن: من المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 234

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی کون التعاریف لفظیة ...................................................... 234

ایراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه ................................................................................... 234

أما الثانی: أقسام العام (ففیه ثلاثة مطالب) ................................................................. 235

المطلب الأول: انقسام العام إلی الإستغراقی و المجموعی و البدلی ........................... 235

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی منشأ هذا التقسیم .......................................................... 235

إیراد المحقق الخوئی علیه ........................................................................................ 235

المطلب الثانی: الفرق بین العام و المطلق الشمولی ................................................... 236

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی الفرق ................................................................................. 236

المطلب الثالث: الفرق بین العام و نظائر «العشرة» ................................................. 237

الفصل الثانی: ألفاظ العموم

(فیه أمران)

الأمر الأول: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟ (فیه قولان) ...................................................... 242

واستدل علی إنکار الوضع بوجهین ........................................................................... 242

الوجه الأول: .............................................................................................................. 242

ص: 529

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ......................................................... 243

الوجه الثانی: .............................................................................................................. 243

إیرادات ثلاثة من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................ 243

الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم (والبحث فی ثلاثة موارد) .................................................... 244

المورد الأول: «کل» وما بمعناه ................................................................................... 244

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی توقف دلاله علی العموم علی مقدمات الحکمة ................ 244

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ...................................................................................... 244

المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی (فیه مسألتان) ........................................... 246

المسألة الأُولی: هل یتوقف دلاله علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة (فیه قولان) . 246

الف) القول الأول: توقفها علی جریان مقدمات الحکمة ..................................... 246

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................................................. 246

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................. 247

ب) القول الثانی: عدم توقفها علی جریان مقدمات الحکمة (مختار المحقق القمی (قدس سره)) ... 247

یلاحظ علیه .............................................................................................. 247

ج) التحقیق: ما أفاده المحقق الخراسانی و الخویی (قدس سرهما) ......................................... 248

المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟ (نذکر فیه قولین) .............. 248

الف) القول الأول: دلالتها عقلیة لا وضعیة ........................................................ 248

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................................................. 248

ب) القول الثانی: دلالتها لا عقلیة و لا وضعیة .................................................... 249

بیان المحقق الاصفهانی (قدس سره) .............................................................................. 249

ج) الحاصل ..................................................................................................... 249

المورد الثالث: الجمع و المفرد المحلّی ب- «أل» ........................................................... 250

هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة (فیه قولان): ................ 250

الف) القول الأول: التوقف (و هو مختار المحق الخراسانی و الإصفهانی (قدس سرهما) و غیرهما) ............. 250

استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................ 251

ب) القول الثانی: عدم التوقف (و هو مختار المحقق القمی (قدس سره)) ............................. 251

استدلال المحقق القمی (قدس سره) بوجوه ثلاثة .......................................................... 251

یلاحظ علیه ........................................................................................ 251

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص

الأمر الأول: هل العام المخصّص مجاز أو لا؟ (فیه أربعة أقوال) .......................................... 257

ص: 530

القول الأول: هو مجاز مطلقاً .................................................................................... 257

القول الثانی: هو حقیقة مطلقاً (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ............................. 257

القول الثالث: التفصیل بین التخصیص المتصل و المنفصل ......................................... 257

القول الرابع: عکس القول الثالث .............................................................................. 257

دلیل المحقق الخراسانی (قدس سره) علی القول الثانی .................................................................. 257

الحاصل ..................................................................................................................... 258

الأمر الثانی: هل العام المخصص حجة فی الباقی أو لا؟ ................................................ 259

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصِّص إلی العام

(فیه مقامان)

المقام الأول: الشبهة المفهومیة (فیه صور أربع) .................................................................. 265

الصورة الأُولی: کون المخصص متصلاً مردداً بین الأقل و الأکثر (الحق فیه سرایة الإجمال) . 265

الوجه فی سرایة الإجمال .......................................................................................... 265

الصورة الثانیة: کون المخصص متصلاً مردداً بین المتباینین (الحق فیه سرایة الإجمال أیضاً) ... 265

الصورة الثالثة: کون المخصص منفصلاً مردداً بین الأقل و الأکثر (فیه ثلاثة أقوال) ........... 265

القول الأول: سرایة الإجمال (و هو مختار المحقق الحائری (قدس سره)) ................................................ 266

دلیل القول الأول ............................................................................................. 266

القول الثانی: عدم السرایة (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی و الخوئی و المشهور) ................ 266

القول الثالث: التوقف (و هو مختار بعض الأساطین) ............................................... 267

استدل علی القول الثانی بوجوه ......................................................................... 267

الف) الوجه الأول لنظریة المشهور .................................................................... 267

ب) الوجه الثانی للتمسک بالعام ( أفاده المحقق النائینی (قدس سره)) .................................. 267

ج) الوجه الثالث ( قرره بعض الأساطین) .......................................................... 268

إشکال علی هذا الوجه(نقله المحقق النائینی (قدس سره)) ............................................ 269

جواب المحقق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال .................................................... 269

ردّ بعض الأساطین لهذا الجواب .................................................................. 270

جواب بعض الأساطین عن هذا الإشکال ...................................................... 271

استدلال بعض الأساطین علی القول الثالث ........................................................ 271

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال ............................................................................ 271

الصورة الرابعة: کون المخصص منفصلاً مردداً بین المتباینین (الحق فیه سرایة الإجمال) ...... 272

الوجه فی سرایة الإجمال .......................................................................................... 272

ص: 531

المقام الثانی: الشبهة المصداقیة (المخصّص علی قسمین: لفظی و لبّی) ......................................... 273

الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً .............. 276

المخصّص اللفظی المتّصل: ....................................................................................... 276

المخصّص اللفظی المنفصل: ..................................................................................... 276

القول الأول: لایجوز التمسک بالعام فیه أیضا.................................................................

276

القول الثانی: جواز التمسک بعموم العام فی الشبهة المصداقیة (استدل علیه بوجهین) .. 277

الوجه الأوّل: قاعدة المقتضی و المانع ........................................................... 277

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی هذا الاستدلال: .................................................. 277

الوجه الثانی: .............................................................................................. 278

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره): .............................................................................. 278

الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً (فی هذا القسم نذکر أربع نظریات) 279

النظریة الأُولی: ....................................................................................................... 279

النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................................... 279

إنّ المخصّص اللبّی علی قسمین: ........................................................................ 279

الأوّل: .............................................................................................................. 279

الثانی: (و استدل علیه بوجوه أربعة) ........................................................................... 279

الوجه الأوّل: .............................................................................................. 280

الوجه الثانی: .............................................................................................. 280

الوجه الثالث: ............................................................................................ 280

الوجه الرابع: ............................................................................................. 280

إیراد بعض الأساطین علی هذه الوجوه: ................................................ 281

أما الوجه الأول فیرد علیه: ................................................................... 281

أما الوجه الثانی فیرد علیه: ................................................................... 281

أما الوجه الثالث فیرد علیه: ................................................................. 281

أما الوجه الرابع فیرد علیه: ................................................................... 281

النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) ....................................................................... 281

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیها ............................................................................... 283

النظریة الرابعة: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) ................................................................... 283

فتحصّل من ذلک أنّ هنا صوراً أربع: .................................................................. 285

خلاصة البحث ........................................................................................................... 286

ص: 532

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملة الموضوعی

(فیه أمران و تنبیهان)

الأمر الأول: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟ ....................................... 289

آراء الأعلام فی هذه المسألة ........................................................................................ 290

الأول: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................... 290

الف) تفسیران ذکرا لکلام المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................... 290

التفسیر الأول: ما ذکره المحقق الإیروانی و الخوئی و الجزائری (قدس سرهم) ........................... 290

التفسیر الثانی: ما ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ......................................................... 291

ب) الصواب فی تفسیر کلامه ................................................................................... 292

الثانی: إستدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی التعنون ........................................................... 292

الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................. 293

ملاحظتنا علیه ...................................................................................................... 294

الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره) .................................................................................... 294

ملاحظتنا علیه ...................................................................................................... 295

الخامس: إستدلال بعض الأساطین علی التعنون ........................................................ 295

التحقیق فی المسألة: (و هو تعنون العام بعدم الخاص) ........................................................... 295

الأمر الثانی: ما الأصل العملی اذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟ (فیه نظریات) . 297

مقدمة (فیها مطلبان) ...................................................................................................... 297

المطلب الأول: الأصل العملی إما موضوعی و إما حکمی ........................................... 297

المطلب الثانی: قد یکون الأصل الموضوعی استصحاب العدم الأزلی ............................. 297

النظریة الأولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) (نذکرها ضمن مطالب ثلاثة).............................. 298

المطلب الأول: محل النزاع عند صاحب الکفایة ........................................................ 298

المطلب الثانی: بیان نظریته ..................................................................................... 299

المطلب الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة فی جریان استصحاب العدم الأزلی .......... 297

مقدمة: فی بیان آراء الأعلام فی استصحاب العدم الأزلی ........................................ 299

إیراد المحقق البروجردی (قدس سره) علی استصحاب العدم العزلی ...................................... 301

جواب بعض الأساطین عنه ............................................................................... 301

إیرادان علی النظریة الأولی .................................................................................... 302

الإیراد الأول ........................................................................................................... 302

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذا الإیراد .......................................................... 303

ص: 533

الإیراد الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ...................................................................... 303

جواب عن هذا الإیراد ............................................................................................ 304

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی ............................................................... 304

النظریة الثالثة: ما أفاده بعض الأساطین بمقدمتها الخمس ....................................... 305

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق النائینی بمقدماتها الثلاث ...................................... 308

إیراد المحقق الخوئی علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................... 312

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ............................................................. 312

إیرادات أربعة من بعض الأساطین .......................................................................... 314

الحاصل ..................................................................................................................... 316

التنبیه الأول: دوران الأمر بین التخصیص و التخصص ................................................ 317

قال المشهور: إنّ التخصص مقدم ............................................................................... 317

استدلال المشهور ....................................................................................................... 317

إیراد علی هذا الاستدلال ......................................................................................... 317

التنبیه الثانی: صورة أُخری من دوران الأمر بین التخصیص و التخصص (فیه قولان) ........ 319

القول الأول: جواز التمسک بالعام (اختاره المحقق النائینی و الخوئی (قدس سرهما)) .................. 319

القول الثانی: عدم جواز التمسک بالعام (اختاره بعض الأساطین) .............................. 319

دلیل علی هذا القول .............................................................................................. 319

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 320

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

(فیه مقدمة و أمران)

مقدمة: هل یفترق الفحص فی موارد الأُصول اللفظیة و العملیة؟ ............................... 325

قول المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما): (هما یفترقان) ................................................... 325

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول ....................................................................... 326

الحاصل انّه لافرق بینهما ........................................................................................ 327

الأمر الأول: الأدلة التی أقاموها علی عدم الجواز (و هی ستة) .................................. 328

الدلیل الأول .............................................................................................................. 329

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ............................................................ 330

الدلیل الثانی: ما ذکره الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..................................................................... 330

ص: 534

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ...................................................................... 331

الدلیل الثالث: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................... 331

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین ............................................................................ 333

الدلیل الرابع: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................... 335

الدلیل الخامس: و هو دلیل عقلائی ذکره المحقق الخراسانی و العراقی (قدس سرهما) و اختاره بعض الأساطین 336

الدلیل السادس: و هو دلیل نقلی ذکره المحقق العراقی و الخویی (قدس سرهما) ....................... 337

إیراد بعض الأساطین علی هذا الدلیل ...................................................................... 338

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ....................................................................................... 338

الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم (و فیه وجوه ثلاثة) ..................................................... 340

الوجه الأول: ما یحصل به العلم ................................................................................ 340

الوجه الثانی: ما یحصل به الاطمینان ......................................................................... 340

الوجه الثالث: ما یحصل به الظن .............................................................................. 340

الحاصل ..................................................................................................................... 341

الفصل السابع: عموم الخطابات الشفاهیة للغائبین و المعدومین

(و النزاع هنا فی أُمور ثلاثة)

الأمر الأول: إمکان تعلق التکلیف بالغائب و المعدوم ................................................ 346

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 346

إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 347

الحاصل ................................................................................................................. 348

الأمر الثانی: إمکان خطاب الغائب و المعدوم ............................................................. 349

قول المحقق الخراسانی (قدس سره) بعدم صحة خطابهما ........................................................... 349

قول المحقق الخوئی (قدس سره) بالتفصیل .................................................................................. 349

الحاصل ..................................................................................................................... 350

الأمر الثالث: فی شمول الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائب و المعدوم ................. 351

قول المحقق الخوئی (قدس سره) بالشمول، لوضع تلک الأدوات للخطاب الإنشائی ..................... 351

التنبیه الأول: فی تفصیل ذکره المحقق النائینی (قدس سره) بین القضایا الحقیقیة و الخارجیة ...... 353

ص: 535

إیراد المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما) علیه .................................................................. 353

التنبیه الثانی: فی ثمرة هذا البحث ................................................................................. 354

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

(هناک أقوال ثلاثة)

القول الأول: ما اختاره المحقق النائینی من جریان أصالة العموم ............................... 359

استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا القول .............................................................. 359

إیراد ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الاستدلال ..................................................... 361

جواب المحقق النائینی (قدس سره) عن هذا الإیراد ................................................................... 362

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا القول ................................................................. 363

تذییل المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الاستدلال ............................................................... 363

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال .................................................................................. 364

الحاصل ..................................................................................................................... 364

القول الثانی: ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) من جریان أصالة عدم الاستخدام .................. 364

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................... 365

ملاحظتان منّا علی هذا الدلیل ................................................................................ 366

القول الثالث: ما اختاره بعض الأساطین من تعارض الأصلین و الرجوع إلی الأصل العملی . 367

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................... 367

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 368

تحقیق أنّ مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) القول الأول أو القول الثالث؟ ............................ 368

الفصل التاسع: تعارض العموم و المفهوم

مقدمة: فی تقسیم المفهوم إلی المخالف و الموافق و الموافق إلی أربعة أقسام ............. 371

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................................................ 371

إیراد المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما) علیه ................................................................. 373

جواب بعض الأساطین عن الإیراد ............................................................................ 373

ملاحظتنا علی هذا الجواب ..................................................................................... 374

هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف (فیه أقوال أربعة) ...................................................... 376

ص: 536

القول الأول: تقدیم العامّ علی المفهوم ...................................................................... 377

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................ 377

الإیراد علیه ..................................................................................................... 377

القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ (و استدل علیه بوجهین) ............................................ 378

الوجه الأول: أخصیة المفهوم .................................................................................... 378

الإیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 378

الوجه الثانی: دلالة العام علی العموم لفظیة و دلالة القضیة علی المفهوم عقلیة .......... 379

الإیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 379

القول الثالث: التفصیل الذی أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................. 379

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................ 380

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 380

القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی حال التعارض بالعموم من وجه 381

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 381

ملاحظتنا علیه ....................................................................................................... 383

الفصل العاشر: تعقب الاستثناء للجمل

(فی المسألة أقوال نذکر منها خمسة)

القول الأول: رجوع الاستثناء إلی الجمیع (و هذا القول منسوب إلی الشیخ و صاحب المعالم (قدس سرهما)) ......... 388

القول الثانی: رجوع الإستثناء إلی الجملة الأخیرة ............................................................ 388

القول الثالث: الإجمال (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ............................................. 388

القول الرابع: التفصیل بین ما لم یکرر عقد الوضع فیرجع إلی الجمیع و بین ما کرّر عقد الوضع فی الجملة تاخیرة فیرجع إلیها 389

القول الخامس: التفصیل الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بین ما کان تعدد العام بتعدد الموضوع أو المحمول أو کلیهما (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره)) ..................................................................................................................... 389

الحاصل ......................................................................................................................... 391

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد

(و فیه أمران)

الأمر الأول: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة ........................................................ 395

أمّا عند الخاصة فقول واحد (و هو الجواز) .............................................................. 396

و أما عند العامة فالأقوال أربعة: ............................................................................... 396

ص: 537

القول الأول: عدم الجواز مطلقاً ............................................................................... 396

القول الثانی: التفصیل بین ما خصّص بمخصّص قطعی قبلاً و ما لم یخصّص ................. 396

القول الثالث: التفصیل بین المخصص المتصل و المنفصل ........................................... 396

القول الرابع: التوقف .............................................................................................. 396

الأمر الثانی: فی ذکر الأدلة ............................................................................................. 397

أما قول الخاصة بالجواز فاستدل علیه بوجهین: ....................................................... 397

الوجه الأول: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من سیرة الأصحاب ..................................... 397

الوجه الثانی: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً من لزوم إلغاء الخبر بالمرة لو لم نقل بالجواز 397

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................................ 397

جواب بعض الأساطین عن الإیراد ..................................................................... 398

الحاصل ................................................................................................................. 398

و أما أقوال العامة: ................................................................................................... 399

فالدلیل علی القول الأول أربعة وجوه ذکرها المحقق الخراسانی (قدس سره) و أجاب عنها ............ 399

الف) الوجه الأول: عدم جواز رفع الید عن القطعی بالظنی ............................... 399

إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه ..................................................................... 399

ب) الوجه الثانی: القدر المتیقن من الدلیل علی حجیة الخبر، الخبر الذی لیس مخالفاً لعموم الکتاب 400

إیراد علی هذا الوجه .................................................................................. 400

ج) الوجه الثالث: الأخبار .................................................................................. 400

إیرادات أربعة علی هذا الوجه .................................................................... 400

د) الوجه الرابع: الملازمة بین التخصیص و النسخ ............................................... 401

إیراد علی هذا الوجه .................................................................................. 401

والدلیل علی القول الثانی أنّ التخصیص الثانی لایوجب التجوز ثانیاً ............................. 402

إیراد علی هذا الدلیل ....................................................................................... 402

والدلیل علی القول الثالث: أنّ المخصص المتصل لایوجب التجوز بخلاف المنفصل ........ 402

إیراد علی هذا الدلیل ....................................................................................... 402

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ

(فیه مقدمة و تنبیهان)

مقدمة فی بیان صور المسألة (و هی ثمان): .................................................................. 405

الخاص إمّا منفصل عن العام .................................................................................... 406

ص: 538

إما کلاهما معلوم التاریخ ........................................................................................ 406

الف) إما نعلم بتقدم العام ............................................................................... 407

إما جاء الخاص قبل وقت العمل بالعام (و هی الصورة الأُولی) .................... 407

و إما جاء الخاص بعد وقت العمل بالعام (و هی الصورة الثانیة) ................. 407

ب) و إما نعلم بتدم الخاص ............................................................................. 407

إما جاء العام قبل وقت العمل بالخاص (و هی الصورة الثالثة) ..................... 407

و إما جاء العام بعد وقت العمل بالخاص (و هی صورة الرابعة) .................. 407

ج) و إما نعلم بتقارنهما (و هی الصورة الخامسة) ............................................. 407

و إما کلاهما مجهول التاریخ (و هی الصورة السادسة) ............................................. 407

و إما أحدهما معلوم التاریخ و الآخر مجهول التاریخ (و هی الصورة السابعة) ........... 407

و أما متصل به (و هی الصورة الثامنة) .................................................................... 407

أما الصورة الأُولی: هل یمکن أن یکون الخاص ناسخاً للعام فیه قولان ........................ 408

القول الأول: عدم الإمکان (و هو مختار المحقق الخراسانی و الخویی (قدس سرهما) و بعض الأساطین ......... 408

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول ..................................................... 408

القول الثانی: الإمکان (و هو مختار المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما)) ....................... 409

الف) استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی إمکان النسخ فی القضایا الحقیقیة غیر الموقتة 409

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه .......................................................................... 410

ب) استدلال المحقق العراقی (قدس سره) علی إمکان النسخ ......................................... 410

ملاحظتان علی هذا الاستدلال .................................................................... 411

الحاصل عدم إمکان النسخ فی الصورة الأُولی ..................................................... 412

أما الصورة الثانیة: وفیها نظریتان ............................................................................ 413

النظریة الأُولی: التفصیل بین ورود العام لبیان الحکم الواقعی و الظاهری (و هو مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و غیرهما) ....................................................................................................................... 413

الدلیل علیها .............................................................................................. 413

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل ..................................................... 413

النظریة الثانیة: الخاص، مخصص لا ناسخ (و هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)) ......... 414

استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها ............................................................... 414

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .................................................................... 414

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال ...................................................................... 416

الحاصل کون الخاص مخصصاً فی الصورة الثانیة .................................................. 416

أما الصورة الثالثة: و فی هذه الصورة لایمکن جعل العام ناسخاً، لوجهین ................... 417

الوجه الأول: لزوم اللغویة من النسخ ................................................................ 417

ص: 539

الوجه الثانی: لاحکم حتی یفرض نسخه لعدم إمکان الانبعاث ............................. 417

أما الصورة الرابعة: و فیها یکون الخاص مخصصاً (و استدل علیه بوجوه نذکر منها اثنین) ........ 418

الوجه الأول: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 418

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) علیه ........................................................................ 418

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد ........................................................ 420

الوجه الثانی: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 421

أما الصورة الخامسة: و فیها لایمکن النسخ .............................................................. 422

الدلیل علی عدم إمکان النسخ .......................................................................... 422

أما الصورة السادسة و السابعة: و فیهما الصور الأربع المذکورة فی معلومی التاریخ ............... 423

أما الصورة الثامنة: و فیها لایمکن النسخ أیضاً .......................................................... 424

الدلیل علی عدم إمکان النسخ .......................................................................... 424

التنبیه الأول: إمکان النسخ فی نفسه ........................................................................... 425

التنبیه الثانی: فیما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من اتصال نفس المعصومین (علیهم السلام) بعالم اللوح المحفوظ 428

البحث الخامس: المطلق و المقید

(فیه فصول سبعة)

الفصل الأول: المراد من «المطلق»

(و فیه أمران)

الأمر الأول: تعریف «المطلق» قد ذکروا له تعاریف کثیرة (نذکر منها ثلاثة) ..................... 435

التعریف الأول: ما دلّ علی شائع فی جنسه (و هو لأکثر الأصولیین) ................................... 435

إیراد علی هذا التعریف من صاحب الفصول (قدس سره) .......................................................... 436

جواب المحقق الخراسانی (قدس سره) عن الإیراد ....................................................................... 436

التعریف الثانی: الماهیة لابشرط شیء (ذکره الشهید الثانی (قدس سره)) ............................................... 437

التعریف الثالث: المرسل الذی لم یقید بشیء و هو معناه اللغوی (ذکره المحقق النائینی و الخوئی و المظفر) 437

الحاصل ..................................................................................................................... 437

الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید (فیه قولان) ......................................................... 438

ص: 540

القول الأول: تقابل الملکة و عدمها (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره)) ....................................... 438

القول الثانی: التفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات (مختار المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما)) ....... 439

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»

(و هی خمسة فالأُمور خمسة)

الأمر الأول: اسم الجنس (فیه موضعان) ..................................................................... 444

الموضع الأول: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدمات الحکمة: (فیه قولان) ... 444

القول الأول: الدلالة وضعیة .................................................................................... 444

القول الثانی: الدلالة بمقدمات الحکمة (ذکره سلطان العلماء (قدس سره) فی حاشیة المعالم و تبعه جمیع المتأخرین) (و استدل علیه بوجوه نذکر منها اثنین) 444

الف) الوجه الأول: التبادر ................................................................................. 445

ب) الوجه الثانی: صحة التقسیم ........................................................................ 445

الموضع الثانی: الموضوع له ل- «اسم الجنس» ............................................................ 446

الف) القول الأول: الکلی الطبیعی (و فی تفسیره ثلاثة أقوال) .............................. 446

الماهیة اللابشرط العقلی (و هو مختار الشیخ الرئیس والمحقق الطوسی (قدس سره) و تبعها المحقق النائینی و الصدر (قدس سرهما)) 447

الماهیة اللابشرط العقلی (و هو مختار المحقق السبزواری (قدس سره) و المستظهر من کلام المحقق الخراسانی (قدس سره) 447

الماهیة المهملة (و هو مختار المححقق الخوئی (قدس سره)) .......................................... 448

ب) القول الثانی: ذات المعنی ولکن الماهیة ملحوظة فی مرحلة الوضع ینحو اللابشرط العقلی (و هو مختار المحقق الإصفهانی و المظفر (قدس سرهما)) 448

فی توضیح الأقوال ................................................................................................... 449

الف) بیان القول الثانی .................................................................................... 449

ب) بیان القول الأول بتفسیره الثالث ................................................................ 452

ج) ملاحظات ثلاث علی هذا البیان ................................................................... 453

الأمر الثانی: علم الجنس (فی الموضوع له «علم الجنس» قولان) ...................................... 455

القول الأول: هو الطبیعة بما هی متعینة بالتعین الذهنی (القول المشهور بین أهل الأدب) .. 455

القول الثانی: هو الموضوع له ل- «اسم الجنس» و الفرق بینهما لفظی ...................... 455

استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا القول بوجوه ثلاثة ........................................... 456

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الأول ............................................................... 457

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول بوجهین: .................................................... 457

ص: 541

الحاصل ..................................................................................................................... 458

الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام ( و فی هذا الأمر موضعان) ................................................. 459

الموضع الأول: فی أقسام المعرف باللام و هی ثلاثة .................................................... 459

ما الدال علی هذه الخصوصیات؟ (فیه قولان) .......................................................... 460

الف) القول الأول: مدخول اللام (و هو قول المشهور) ........................................ 460

ب) القول الثانی: اللام أو القرائن (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ...................... 461

الموضع الثانی: فی مدلول اللام (و فیه قولان) ............................................................. 462

القول الأول: هی موضوعة للتعریف و التعیین فی غیر العهد الذهنی ........................ 462

القول الثانی: اللام مطلقاً للتنزیین (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ........................... 462

إیرادات ثلاثة من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی القول الأول.........................................

462

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذه الإیرادات ......................................................... 463

الحاصل ..................................................................................................................... 464

الأمر الرابع: الجمع المعرف باللام، (هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة فیه قولان) 465

القول الأول: التوقف، (مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) فی بحث العام و الخاص و المحقق الإصفهانی) ............ 465

الدلیل علیه ........................................................................................................... 465

القول الثانی: عدم التوقف (و علی هذا القول، ما المستند فی هذه الدلالة؟ فیه وجهان) .................... 465

الوجه الأول: الوضع (و هو مختار المحقق القمی و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) هنا) .............................. 465

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................... 465

ملاحظتنا علی هذا البیان .................................................................................. 466

الوجه الثانی: اللام موضوعة للتعیین و لا تعیین إلّا للمرتبة إلی الجامعة لجمیع الأفراد . 466

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ............................................................ 466

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد .............................................................. 467

الحاصل ..................................................................................................................... 467

الأمر الخامس: النکرة (و فیه موضعان) .............................................................................. 468

الموضع الأول: المراد من «النکرة» (و فیه ثلاثة بیانات) ..................................................... 468

البیان الأول: النکرة هی الفرد المردد ........................................................................ 468

البیان الثانی: النکرة قسمان ...................................................................................... 469

البیان الثالث: النکرة هی الطبیعی المقید بالوحدة .................................................... 469

إیراد علی البیان الأول ....................................................................................... 469

ص: 542

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی البیان الثانی ............................................................... 469

الموضع الثانی: هل یکون «النکرة» مطلقاً؟ (و هو مبنی علی المراد من المطلق) ...................... 471

القول الأول: المراد من المطلق عند الأصولیین معناه اللغوی و علیه یکون النکرة مطلقاً 471

القول الثانی: المراد من المطلق الماهیة المقیدة بالإرسال (و هو المنسوب إلی المشهور و علیه لایکون مطلقاً) 471

الحاصل ..................................................................................................................... 472

التتبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟ ..................................................................... 473

هل المطلق المقید مجاز أو لا؟ (و هو مبنی علی القولین من کون دلالة المطلق علی الإطلاق بمقدمات الحکمة أو بالوضع) 473

علی الأول: لیس بمجاز أیضاً ................................................................................. 473

و علی الثانی: ......................................................................................................... 473

إما یستفاد التقیید من القرینة المتصلة، فهو مجاز .............................................. 473

إما یستفاد من القرینة المنفصلة، فلیس بمجاز .................................................... 473

الفصل الثالث: فی مقدمات الحکمة

(فیه أمران)

الأمر الأول: فی تعیینها (و اختلف فیه علی قولین) ...................................................... 477

القول الأول: هی ثلاثة التمکن من البیان، و کون المتکلم فی مقام البیان، و عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة (أفاده المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما)) ................................................................................................................. 477

القول الثانی: هی ثلاثة: کون المتکلم فی مقام البیان و عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة وانتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب، (اختاره المحقق الخراسانی و المظفر (قدس سرهما)) ........................................................................................................ 478

الأمر الثانی: فی بیانها (و الکلام فیه فی أربعة مواضع): .................................................. 479

المقدمة الأولی: التمکن من البیان ........................................................................... 479

مقام الثبوت (و تقدم ان تقابل الإطلاق و التقیید فی هذا المقام، بالتضاد) .................. 479

مقام الإثبات (و تقابل الإطلاق و التقیید فی هذا المقام تقابل الملکة و عدمها) ............ 479

المقدمة الثانیة: کون المتکلم فی مقام البیان (و الکلام فی ناحیتین) ........................... 481

الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة ............................................................................ 481

الناحیة الثانیة: إذا شک فی کون المتکلم فی مقام البیان أو لا فالمرجع أصالة البیان (واستدلّ علیها بأربعة وجوه) 482

الف) الوجه الأول: أصل تطابق مقام الثبوت و الإثبات ....................................... 482

ص: 543

ملاحظتنا علیه ........................................................................................... 482

ب) الوجه الثانی: السیرة العقلائیة ..................................................................... 483

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه .......................................................................... 483

ج) الوجه الثالث: سیرة أهل المحاورات (ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره)) ...................... 484

جریان إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثانی هنا أیضاً ................................ 484

د) الوجه الرابع: سیرة المتشرعة ( و هو مختار بعض الأساطین) .......................... 484

ه) الحاصل .................................................................................................... 484

المقدمة الثالثة: عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة .......................................... 485

المقدمة الرابعة: انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب ............................................ 486

بیان هذه المقدمة .................................................................................................. 486

إیرادان علی هذا البیان: .......................................................................................... 486

الف) الإیراد الأول: إیراد بعض الأساطین نقضاً ................................................... 486

ب) الإیراد الثانی: إیراد بعض الأساطین حلاً ........................................................ 487

الفصل الرابع: فی الانصراف

(قیل بتحقق الانصراف المانع عن التمسک بالإطلاق فی مواضع) ................................... 491

الموضع الأول و الثانی: علو مرتبة بعض الأفراد أو دنوها (ذکرهما المحقق الخوئی (قدس سره)) ...... 491

الموضع الثالث: ندرة وجوه بعض الأفراد ....................................................................... 492

الإیراد علیه ................................................................................................................. 493

الموضع الرابع: غلبة وجود بعض الأفراد ........................................................................ 493

الإیراد علیه ................................................................................................................. 493

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید

(فیه مقامان)

المقام الأول: أن یلاحظ المطلق بنحو صرف الوجود ..................................................... 498

النحو الأول: و «المقید» مخالف ل- «المطلق» ........................................................... 498

النحو الثانی: و المقید موافق ل- «المطلق» و هنا صورتان: ........................................ 498

الصورة الأُولی: إما نعلم بوحدة الحکم فی القضییتین: الحق فیها حمل المطلق علی المقید 498

الصورة الثانیة:

إما نحتمل تعدد الحکم .............................................................. 498

و المحتمل فیها وجوه خمسة ............................................................................ 498

ص: 544

الف) الوجه الأول: حمل المطلق علی المقید ....................................................... 498

ب) الوجه الثانی: حمل المقید علی أفضل الأفراد ................................................. 498

الإیراد علیه ............................................................................................... 499

ج) الوجه الثالث: کونهما من قبیل واجب فی واجاب آخر ................................... 500

الإیراد علیه ............................................................................................... 500

د) الوجه الرابع: کونهما واجبین مستقلین و سقوط المطلق عند إتیان المقید ....... 500

الإیراد علیه ............................................................................................... 500

ه) الوجه الخامس: کونهما واجبین مستقلین و عدم سقوط المطلق عند إتیان المقید 500

الإیراد علیه ............................................................................................... 500

الحاصل ..................................................................................................................... 500

المقام الثانی: أن یلاحظ المطلق بنحو مطلق الوجود ..................................................... 501

الصورة الأُولی: فیها یحمل المطلق علی المقید بلاخلاف ............................................. 501

الصورة الثانیة: ........................................................................................................... 501

هنا نظریاتان مهمتان ................................................................................................ 502

نظریة المشهور: عدم الحمل ...................................................................................... 502

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار ........................................................................ 502

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

(هنا نظریات مهمة بین الأعلام)

النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة ........................................................... 507

الإیراد الأوّل .............................................................................................................. 507

الإیراد الثانی: عن المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................................. 507

النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 508

الأوّل: أن یکون ذا مفهوم ......................................................................................... 508

الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم ..................................... 508

الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید ....................... 508

الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو .................................................. 508

یلاحظ علیه ......................................................................................................... 510

النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین .................................................................... 510

ص: 545

الفصل السابع: المجمل والمبین

تفسیر المجمل و المبین ................................................................................................ 513

أقسام المجمل ............................................................................................................... 513

أمّا الإجمال الحقیقی ................................................................................................. 514

أمّا الإجمال الحکمی ................................................................................................. 514

المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟ ....................................................... 514

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة..................................................... 514

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ................................................................................... 515

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة..................................................... 515

تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع .................................. 515

ص: 546

فهرس الآیات و الروایات

الآیات:

(أحقّ بردّهنّ)........................ 363

(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).......... 398

(أَحَلَّ الله الْبَیعَ)....................... 501

(الْمُطَلَّقاتُ)............................ 358

(إِنَّما وَلِیکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ) 211

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)....................... 398

(بُعُولَتُهُنَّ)............................. 358

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) 337

(فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)..................... 372

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ) 337

(کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) 189

(مُکَلِّبِینَ)....................... 161, 162

(وَ اسْتَشْهِدُوا شَهیدَینِ مِنْ رِجالِکُمْ).... 88

(وَ الْمُطَلَّقاتُ یتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْیوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) 358

(وَ الْوالِداتُ یرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَینِ کامِلَینِ) 29

(وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)........ 29

(وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ)......................... 29

(وَ لا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) 92

ص: 547

الروایات:

أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِی................. 428

إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِینَ سَنَةً لَمْ تَرَ حُمْرَةً إِلَّا أَنْ تَکُونَ امْرَأَةً مِنْ قُرَیشٍ 300

إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ 99

اغْسِلْ ثَوْبَکَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا یؤْکَلُ لَحْمُه 382

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا 375

بِفَاتِحَةِ الْکِتَاب.......................... 277

حَلَالَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ... 419

سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلَینِ قَامَا فَنَظَرَا إِلَی الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ ذَا وَ قَالَ الْآخَرُ مَا أَرَی شَیئاً قَالَ: فَلْیأْکُلِ الَّذِی لَمْ یسْتَبِنْ لَهُ الْفَجْرُ وَ قَدْ حَرُمَ عَلَی الَّذِی زَعَمَ أَنَّهُ رَأَی الْفَجْرَ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ یقُولُ:................ 189

فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ 481, 483

فِی الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّکَاة................ 154

کُلُّ شَی ءٍ طَاهِرٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِر..... 199

کُلُّ شَی ءٍ یطِیرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ.. 382

لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور.................... 277

لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ.......... 29

لَاینْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ........... 122

لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة.... 281, 283, 286

هَلَکْتُ وَ أَهْلَکْتُ. فَقَالَ وَ مَا أَهْلَکَکَ؟ قَالَ أَتَیتُ امْرَأَتِی فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِی: أَعْتِقْ رَقَبَةً 29

وَ مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَا تَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ) 161

ینْظُرَانِ إِلَی مَنْ کَانَ مِنْکُم قَدْ رَوَی حَدِیثَنَا وَ نَظَرَ فِی حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا 282

ص: 548

فهرس الأعلام

الرسول (صلی الله علیه و آله) 29, 326, 352, 421, 426, 428

امیر المؤمنین (علیه السلام) ............. 84, 421, 429

الامام الحسین (علیه السلام) ....................... 509

الامام الباقر (علیه السلام) ........................... 99

الامام جعفر الصادق (علیه السلام) 84, 161, 300, 382, 421

الف

أبا الحسین البصری............... 229

ابن زهرة.......................... 38

أبو المجد الإصفهانی................. 76

أَبِی بَصِیرٍ..................... 84, 382

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ..................... 189

ب

بعض الأساطین........ 67, 109, 132, 144, 181, 189, 267, 290, 291, 292, 295, 299, 302, 318, 319, 334, 336, 359, 367, 368, 408, 484, 502, 510

ح

الحاجبی........................... 23

الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ (الْأَهْوَازِی)....... 84

ز

زُرَارَةَ...................... 123, 161

الزمخشری........................ 195

س

سلطان العلماء.............. 444, 445

سَمَاعَةَ........................... 189

السید الجزائری................... 197

السید الروحانی................... 294

ص: 549

السید الصدر..................... 447

السید المحقق البروجردی 299, 301, 302, 413

السید المحقق الحکیم........ 300, 306

السید المرتضی........ 38, 88, 90, 179

ش

الشهرستانی........................ 76

الشهید الثانی................ 274, 437

الشیخ الأنصاری 40, 45, 76, 99, 100, 103, 158, 159, 162, 192, 274, 275, 278, 279, 285, 310, 315, 330, 334, 381, 413, 447, 479

الشیخ البهائی............... 157, 232

الشیخ الحرّ العاملی.............. 38, 73

الشیخ الطوسی................... 155

ص

صاحب الفصول...... 233, 361, 436

صاحب المعالم................ 76, 388

صاحب منتقی الأُصول........ 76, 294

صاحب هدایة المسترشدین........ 361

ع

عَاصِمِ بْنِ حُمَید..................... 84

عبدالله بن سنان.................. 382

عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی................... 189

العضدی.......................... 24

العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی. 77

العلامة الآملی.................... 447

العلامة الحلّی..................... 164

العلامة المظفر 120, 197, 437, 448, 478

عمر بن عبد العزیز................ 281

غ

الغزالی........................... 230

ف

الفخر الرازی.................... 211

فخر المحققین........... 40, 128, 129

ک

الکلینی.......................... 189

م

المحقق ابن إدریس الحلّی........... 132

المحقق الإصفهانی 44, 45, 46, 47, 48, 49, 64, 71, 73, 74, 76, 102, 103, 132, 137, 155, 159, 164, 165, 168, 191, 200, 234, 248, 249, 250, 251, 290, 291, 292, 293,

ص: 550

294, 298, 299, 302, 303, 304, 305, 352, 353, 373, 374, 412, 413, 414, 417, 436, 439, 448, 449, 450, 452, 465, 479, 502

المحقق الإیروانی............ 192, 290

المحقق الحائری........ 195, 266, 413

المحقق الخراسانی 24, 25, 38, 45, 49, 53, 55, 58, 64, 67, 70, 92, 97, 100, 101, 103, 107, 109, 113, 128, 129, 132, 134, 144, 154, 157, 158, 159, 162, 180, 189, 191, 199, 200, 201, 207, 233, 234, 235, 243, 244, 246, 248, 249, 250, 251, 257, 266, 275, 278, 279, 285, 290, 291, 292, 293, 297, 298, 299, 300, 302, 303, 304, 305, 318, 325, 334, 336, 345, 346, 347, 349, 359, 361, 362, 364, 367, 368, 376, 377, 379, 383, 388, 397, 399, 400, 401, 408, 413, 418, 428, 436, 447, 451, 452, 455, 456, 457, 461, 462, 463, 465, 466, 469, 473, 478, 479, 484, 486, 487, 507

المحقق الخوانساری............... 131

المحقّق الخوئی 30 ,31, 33, 39, 46, 49, 50, 51, 81, 103, 109, 110, 112, 114, 117, 118, 121, 122, 124, 130, 132, 141, 145, 154, 165, 166, 169, 182, 187, 188, 189, 191, 201, 207, 234, 235, 236, 244, 247, 248, 267, 274, 283, 285, 290, 291, 295, 299, 302, 313, 318, 319, 324, 325, 326, 330, 331, 335, 337, 349, 351, 353, 361, 363, 364, 368, 373, 374, 377, 380, 381, 383, 389, 397, 408, 410, 414, 416, 417, 420, 421, 424, 437, 439, 448, 452, 457, 463, 464, 467, 469, 471, 473, 477, 479, 482, 483, 484, 487, 491, 502, 507, 510

ص: 551

المحقّق السبزواری................ 447

المحقّق الطوسی........ 179, 388, 447

المحقق العراقی 75, 78, 79, 132, 162, 290, 297, 306, 312, 314, 315, 334, 336, 337, 409, 410, 413

المحقّق القمی 30, 247, 251, 435, 465

المحقّق النائینی 30, 39, 44, 45, 46, 49, 50, 64, 65, 67, 101, 103, 108, 112, 114, 115, 118, 121, 122, 123, 124, 132, 137, 141, 145, 154, 162, 163, 181, 186, 187, 195, 207, 211, 248, 266, 267, 269, 270, 274, 277, 278, 281, 283, 285, 290, 292, 294, 299, 302, 308, 312, 319, 324, 325, 334, 335, 353, 359, 362, 363, 364, 368, 371, 374, 381, 389, 397, 409, 410, 418, 437, 438, 439, 447, 471, 477, 479

المحقّق صاحب الحاشیة........... 157

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.................... 84

مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی.................... 189

ن

نجم الأئمة الرضی 191, 195, 200, 456

ص: 552

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.